رقم 64717

المدخل لکتاب "موسوعة الامام علیّ بن أبي طالب علیه السلام في الکتاب و السنة و التاریخ"

المدخل لکتاب "موسوعة الامام علیّ بن أبي طالب علیه السلام في الکتاب و السنة و التاریخ"

إنّ «موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب» تجسِّد من الاُمنيات في حياتي ما هو أرفعها وأسماها ، وتستجيب من تطلّعاتي إلى ما هو أبعدها مدىً .
وما كان ذلك يتحقّق لولا فضل اللّه وتوفيقه ، فله حمدي ، وعليه ثنائي اُزجيه خاشعاً بكلّ وجودي

💠 المدخل لکتاب "موسوعة الامام علیّ بن أبي طالب علیه السلام في الکتاب و السنة و التاریخ"
الحمد للّه الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه ، وصلّى اللّه على سيّد المرسلين ، وخاتم الأنبياء محمّد ، وأهل بيته الطيّبين الطاهرين ، الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً .  قالَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : عَلِيٌّ آيَةُ الحَقِّ ، ورايَةُ الهُدى .
ماذا أقول في عليّ عليه السلام والحديث عنه صعب شاقّ ؟ ! ثمّ هو أصعب إذا ما رامت الكلمات أن تتسلّق صوب ذراه الشاهقة ، وتطمع أن تكون خليقة بتلك الشخصيّة المتألّقة .
النظر إلى شخصيّة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام محنة للفكر . وتملّي أبعاد هذا الرجل الشاهق يتطلّب طاقة لا تحتملها إلّا الجبال الرواسي . أمّا الحديث عن بعض عظمته الباهرة ، وما تحظى به هذه الشخصيّة المتوهِّجة في التاريخ الإنساني من جلال وجمال ، فهو خليق بكلام آخر ، ويحتاج إلى لغة اُخرى ؛ لغة تتناهى في امتدادها حتى تبلغ «الوجود» سعة ، عساها ـ عندئذٍ ـ أن تُدرك شيئاً ضئيلاً من كلّ هذه الفضيلة التي تُحيط تلك الشخصيّة «العملاقة» ، وما يحظى به من سموّ ومناقب  لا نظير لها ، ثمّ عساها أن تؤلّف كلاماً يرتقي إلى مدى هذا الإنسان الإلهي ، ويكون جديراً به .
أمّا اُولئك الذين سلّحتهم بصيرتهم بفكر نافذ عن الإمام ، وأدركوا ـ إلى حدّ ما ـ أبعاده الوجوديّة ؛ فما لبثوا أن اضطرموا بمحنة العجز وقد لاذوا بالصمت ، ثمّ ما برحوا يجهرون أنّ هذا الصمت لم يكن إباءً عن إظهار فضائل الإمام بقدر ما كان ينمّ عمّا اعتورهم من عجز ، وهو إلى ذلك ينبئ عن حيرة استحوذت عليهم وهم لا يدرون كيف يصبّون كلّ هذه الفضائل العَليّة في حدود الكلمات ، وكيف يعبّرون عن معانيها البليغة من خلال الألفاظ !
أجل ، لم يكن قلّة اُولئك الذين اُشربوا في أعماق نفوسهم هذا المعنى الرفيع
وتَرَكتُ مَدحي لِلوَصِيِّ تَعَمُّداً إذ كانَ نورا مُستَطيلاً شامِلاً
وإذَا استَطالَ الشَّيءُ قامَ بِنَفسِهِ وصِفاتُ ضَوءِ الشَّمسِ تَذهَبُ باطِلاً
مَنْ يريد أن يتحدّث عن جلال عليّ وفضائله يستبدّ به العجز ، وتطوّقه الحيرة ؛ فلا يدري ما يقول !
هي محنة كبيرة لا تستثني أحداً ؛ أن ينطق الإنسان بكلام يرتفع إلى مستوى هذه «الظاهرة الوجوديّة المذهلة» ؛ وهو عجز كبير مدهش يعتري الجميع مهما كانت القابليّة وبلغ الاستعداد .
ولا ريب أنّ أبا إسحاق النظّام كان قد لبث يفكِّر طويلاً ، وطوى نفسه على تأمّلٍ عميق مترامي الأطراف في أبعاد هذه الشخصيّة ومكوّناتها ، قبل أن يقول : «عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام مِحنَةٌ عَلَى المُتَكَلِّمِ ؛ إن وَفّاهُ حَقَّهُ غَلا ، وإن بَخَسَهُ حَقَّهُ أساءَ !» .
عليٌّ عليه السلام في سوح القتال اللاحبة هو الأكثر جهاداً ، والأمضى عزماً ، والأشدّ توثّباً . وهو في مضمار الحياة الوجهُ المفعم بالاُلفة ؛ حيث لا يرتقي إليه إنسان  بالخلق الرفيع . وفي جوف الليل الأوّاب المتبتِّل ، أعبد المتبتِّلين ، وأكثر القلوب ولَهاً بربّه . وبإزاء خلق اللّه هو أرفق إنسان على هذه البسيطة بالإنسان ، يفيض بالعطوفة واللين . وهو الأصلب في ميدان إحقاق الحقّ في غير مداجاة ، المنافح عنه في غير هروب .
أمّا في البلاغة والتوفّر على بدائع الخطابة وضروب الحكمة وفنون الكلام ، فليس له نظير ؛ وهو فارس هذا الميدان ، والأمكن فيه من كلّ أحد . وللّه درّ الشاعر العلوي ، وهو يقول في ذلك :
كَم لَهُ شَمسٌ حِكمَةٌ تَتَمَنّى غُرَّةُ الشَّمسِ أن تَكونَ سَماها
تُرى ، هل يمكن لإنسان أن يُشرِف على منعرجات التاريخ ، ولا تشدّه تلك القمّة الشاهقة في مضمار الكرامة والحريّة والإنسانيّة ، وهي تسمو على كلّ ما سواها !
وهل يسوغ لإنسان أن يمدّ بصره إلى صحراء الحياة ، ثمّ لا يرفرف قلبه صوب هذا المظهر المتألِّق بالحبّ والعبادة ، المملوء بالجهاد والمروءة ، أو لا يُبصر هذا المثال المترع بالصدق والإيثار ، وبالإيمان والجلال !
ثمّ هل يمكن لكاتب أن يخطّ صفحات بقلمه ، ولا يهوى فؤاده أن يعطّر بضاعته بعبير يتضوّع بذكر عليّ ، ويخلط كلماته بشذىً يفوح بنسائم حياته التي يغمرها التوثّب ، ويحيط بها الإقدام من كلّ حدب ، ويجلّلها الجهاد والإيثار من كلّ صوب !
في ظنّي أنّ جميع اُولئك الذين فكّروا وتأمّلوا ، ثمّ استذاقوا طعم هذه الظاهرة الوجوديّة المذهلة ، إنّما يخامرهم اعتقاد يفيد : وأنّى للقطرة الوحيدة التائهة أن تُثني على البحر ! وأنّى للذرّة العالقة أن تنشد المديح بالشمس !
وأمّا كاتب هذه السطور !
فلم يكن يدُر بخلده قطّ أن يخطّ يوماً كلاماً جديراً في وصف تلك الشمس الساطعة ، كما لم يخطر بباله أبداً أن يكون له حظّ في حمل قبضة من قبس كتلة  الحقّ المتوهِّجة تلك ، أو أن يكون له نصيب في بثّ شيءٍ من أريج بحر فضائلها الزخّار ، وأن يُسهِم في نشر أثارة من مناقبها المتضوّعة بعبيرٍ فوّاح .
هكذا دالت الحال ومرّت الأيّام بانتظار موعد في ضمير الغيب مرتقب !
فقد قُدِّر لي وأنا أشتغل بتدوين «ميزان الحكمة» أن اُلقي نظرة من بعيد على هذا البحر الزخّار ، بحكم ضرورة أملتها هيكليّة الكتاب ، وساقت منهجيّاً إلى مدخلٍ بعنوان : «الإمامة» .
أجل ، لم يسمح «المدخل» بأكثر من نظرةٍ من بعيد إلى البحر اللجّي ، أطلّت على شخصيّة الإمام الأخّاذة عبر الكلام الإلهي والنبوي ، قد سمحت بتثبيت ومضات من سيرة ذلك العظيم على أساس ما تحكيه روايات أهل البيت عليهم السلام .
مرّة اُخرى شاء التقدير الإلهي أن تتّسع موسوعة «ميزان الحكمة» (التي تجدّد طبعها ـ بفضل اللّه ـ مرّات ، وراحت تتخطّى الحدود وتصل إلى أقصى النقاط ، وهي تستجيب بقدرها لتطلّعات الباحثين عن المعرفة الدينيّة) وتمتدّ فصولها وتزداد .
بعد تأمّلٍ طويل انطلقت بكاتب هذه السطور همّتُه ، وتبدّل العزم إلى قرار بالعمل يقضي بإضافة هذا الجزء .
كانت الرحلة بعيدة المدى ، وبدا الطريق طويلاً وأنا حديث العهد به ، لولا أن تداركتني رعاية خاصّة من الإمام ، ولا غَروَ وهو كهف السائرين على الحقّ وملاذهم ، ثمّ اكتنفتني همم كبيرة برزت من فضلاء كرام .
وبين هذا وذاك أينع ذلك الجهد وأثمر بعد سنوات حصيلةً تحمل عنوان : «موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب في الكتاب والسنّة والتاريخ» هي ذي التي بين أيديكم .
ثمّ شاءت المقادير مرّة اُخرى أن يقترن طبع الموسوعة في السنة التي توشّحت  باسم مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، حيث راحت هذه المناسبة تستقطب إليها اُلوف الجهود والهمم (۱) .
وها أنا ذا أتوجّه إلى اللّه سبحانه شاكراً أنعُمَه من أعماق وجودي وقد حالفني توفيقه في المضيّ قُدماً لإنجاز هذا المشروع المهمّ ؛ حيث هوّن العقبات ، وذلّل الصِّعاب ، ويسّر العسير .
إنّ «موسوعة الإمام» لهي إلى هذا العاشق الوله بذكر عليّ عليه السلام أعذب شيء في حياته وأحلاه ، وأدعى حصيلة تبعث على الفخر في سنيّ عمره ، حيث بلغت نهايتها بفضل اللّه سبحانه ، ومعونة خالصة أسداها عدد من الفضلاء .
أجل ؛ إنّ «موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب» تجسِّد من الاُمنيات في حياتي ما هو أرفعها وأسماها ، وتستجيب من تطلّعاتي إلى ما هو أبعدها مدىً .
وما كان ذلك يتحقّق لولا فضل اللّه وتوفيقه ، فله حمدي ، وعليه ثنائي اُزجيه خاشعاً بكلّ وجودي .
وما كان ليتمّ لولا رعاية خاصّة كنفني بها المولى أمير المؤمنين ، فله شكري ، وعليه سلامي ، فلولا ما فاء به من رعاية وتسديد ، ولولا مدده الذي أسداه في تذليل العقبات الكؤود وتيسيرها لما رسَت «الموسوعة» على هذا الشكل .
وحسبُ هذه الكلمات أنّها رسالة اعتذار تومئ إلى تقصير صاحبها ، ثمّ حسبها ما تُبديه من ثناء عاطر مقرون بالخشوع والجلال لكلّ هذه الرعاية الحافلة من أجل  بلوغ المقصد .
إنّ «موسوعة الإمام» هي إطلالة على حياة أمير المؤمنين عليه السلام ، كما هي نافذة تشرف على السيرة العلويّة ، وتتطلّع إلى تاريخ حياة أكمل إنسان ، وأعظم المؤمنين وأبرز شخصيّة في تاريخ الإسلام بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وتهدف «موسوعة الإمام» أن تترسّم السبيل إلى أعظم تعاليم عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأبلغها عِظة وتذكيراً . كما توفّرت على بيان أجزاء من حياة أمير المؤمنين عليه السلام وسيرته البيضاء الوضّاءة .
وتسعى «موسوعة الإمام» من خلال استجلاء المعالم الملكوتيّة لإمام الإنسانيّة ؛ وتتطلّع عبر تدوين الخصائص العلميّة والأخلاقيّة والعمليّة لحياته التي تفيض بالتوثّب والإيمان ؛ وتصبو عبر تبيين ما بذله «صوت العدالة الإنسانيّة» من جهود مذهلة لبسط العدل وإرساء حاكميّة الحقّ ، إلى الجواب عمليّاً على السؤال التالي :
لماذا جعل الكتابُ الإلهي عليَّ بن أبي طالب شاهداً إلى جوار اللّه على الرسالة ؟
لقد انطلقت «الموسوعة» من خلال الاستناد إلى عرضٍ جديد ، وهيكليّة مبتكرة ، ومنهج مستحدَث فاعل، لتقسيم السيرة العلويّة إلى ستّة عشر قسماً ، تضعها بين يدي الباحثين والمتطلِّعين إلى المعارف العلويّة ، وتُقدّمها إلى الولهين بحبّ عليّ عليه السلام ، وإلى طلّاب الحقّ والحقيقة .