منتخبات نسمات الأسحار - الصفحه 228

قال العارف ابن عربي ـ رضي اللّه عنّا به ـ في مسامراته قصة اجتماع سليمان بن عبد الملك مع أبي حازم الصحابي الجليل رضى الله عنهوقد سأله أسئلة كثيرة ذكرها شيخنا المذكور، منها: قال سليمان: يا أبا حازم، ما لنا نكره الموت؟ فقال له أبو حازم: لأنّكم أخربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم، فأنتم تكرهون أن تنقلوا من العمار إلى الخراب. قال: صدقت. قال: يا أبا حازم، كيف القدوم على اللّه ؟ قال: أمّا المحسن فكالغائب يقدم على أهله، وأمّا المسيء فكالآبق، يقدم على مولاه. قال: فبكى سليمان وقال: ليت شعري ما لنا عند اللّه تعالى! فقال أبو حازم: اعرض نفسك على كتاب اللّه عز و جل تعلم ما لك عند اللّه . فقال: أين نصيب ذلك المعرفة؟ فقال: في قوله: «إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ * وَ إِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ»۱ / 35 /.
قال العارف المناوي ۲ :
في الحديث: اتّقوا الحجر الحرام في البنيان؛ فإنّه أساس الخراب . [ ...] وقال الإمام الزمخشري: مكتوب في الإنجيل: الحجر الواحد في الحائط من الحرام عُربُون الخراب، وقال وهب بن منبه: وجدت في [بعض] كتب الأنبياء عليهم السلام : من استغنى بأموال الفقراء جعلت عاقبته الفقر، وأيّ دار بنيت بالضعفاء جعلت عاقبتها الخراب . وورد في غير ما أثر أنّ البنيان إذا كان من الحرام لم يطل التمتع به، بل في خبر رواه الحاكم من حديث أمير المؤمنين المرتضى: إنّ للّه عز و جل بقاعاً تسمّى المنتقمات، فإذا كسب الرجل المال من حرام سلّط اللّه عليه الماء والطين، ثمّ لا يمتّعه به .) .
قال الحسن: السهو والأمل نعمتان عظيمتان على بني آدم، ولولاهما ما مشى المسلمون في الطرق. زاد غيره: ولاتهنّوا بعيش، ولا قامت بينهم الأسواق، ولا بنيت المساجد والمدارس والمشاعر، ولاختلّ نظام العالم، حكمة باهرة، ورحمة ظاهرة.
ذكر أنّ كسرى مرّ بشيخ هرم يغرس شجر التين فقال له: ما أشدّ حرصك وما أطول أملك! ترى أنّك تعيش وتدِرك ثمره؟ فقال: «إنّا وجدنا الدنيا بفعل من سبقَنا، وليس من المروّة أن نتركها بخلاف ما وجدناها»، فاستعذب اعتذاره وأمر له بصلة، فضحك الشيخ، فقال له كسرى : ما يُضحكك؟! فقال: «اعتراضك عليّ بتأميلى إدراك ثمر

1.سورة الانفطار، الآية ۱۳ و ۱۴.

2.الفيض القدير ، ج ۱ ، ص ۱۳۱ ، ح ۱۳۲ . وما بين المعقفتين منه حيث النسخة كانت غير مقروءة .

الصفحه من 302