115
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج3

الصنيعة أَولاً والصانع ثانيا . ومنهم : من يراهما معا . ومنهم : من يرى الصانع أولاً . ومنهم : من لا يرى مع الصّانع غيره» 1 .
ولأَجل توضيح هذا التقسيم فإنّنا نذكر مثالاً يوضّح إِلى حدّ ما هذا المطلب ؛ لو كانت لديك مرآة وتريد أن تنظر إِلى صورة شيء معيّن فيها ، فإنّك تارة ترى المرآة أَوّلاً ثمّ ترى الصورة ، وتارة ترى المرآة والصورة معا ، أي عند رؤية الصورة تنتبه إِلى المرآة أيضا ، وتارة ترى الصورة أَوّلاً ثُمّ تنتبه إِلى المرآة ، وتارة تُمعِن النّظر في الصورة إِلى الحدّ الذي لا تنتبه إِلّا إِلى الصورة التي في المرآة ، فلا ترى شيئا آخر غيرها .
ومع الاعتناء بهذا المثال فإنّه يمكن تقسيم الناس ، الذين يتمتّعون بالبصيرة العقلية من حيث إِدراك تجلّي الخالق في مرآة الخلق ، إِلى أربعة أقسام :
القسم الأول : أُولئك الذين يراجعون مرآة الخلق ، فيشاهدون تلك المرآة أَوّلاً ، ثُمّ يتجلّى الخالق ثانيا لعقولهم من خلال مطالعة مرآة الخلق وملاحظتها .
القسم الثاني : الذين يتمتعون بقوّة رؤية أَدقّ ، فيعرفون الخالق قبل معرفة القسم الأَوّل ، حيث يرون مرآة الخلق والخالق في آنٍ واحد ، وبعبارة أُخرى : إِنّهم يرون الخالق في هذه المرآة وبواسطتها ، أي في الوقت الذي ترى عيونهم الجبل والبحر والشجر وغيرها من الموجودات ، فإنّهم يرون الخالق ـ جلّ وعلا ـ بالبصيرة العقلية .
القسم الثالث : أُولئك الّذين تعشّقوا الخالق وتولّهوا به إِلى درجة ، حينما ينظرون إِلى مرآة الخلق ، يرون الخالق أَوّلاً ، ثُمّ ينتبهون إِلى الخلق ، فهم يتوصّلون إِلى

1.شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني : ج ۳ ص ۳۸ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج3
114

الوجود فلا يتجلّى له خالق الوجود ، إِلّا أن يكون هناك نقصٌ في نظره .
إِنّ هذه الحقيقة القرآنية طرحها أَميرالمؤمنين عليّ عليه السلام في مواضع مختلفة بعبارات متعدّدة وبشكلٍ ساحرٍ يستهوي القلوب ، وحديثه عليه السلام في هذا المجال يعدّ من أَبلغ البيان لمعرفة اللّه تعالى عن طريق الآيات والدلالات ، ومنها قوله عليه السلام :
«الحَمدُ لِلّهِ المُتَجَلِّيَ لِخَلقِهِ بِخَلقِهِ ، وَالظّاهِرِ لِقُلوبِهِم بِحُجَّتِهِ»۱.
قد تمرّون على هذه العبارة مرّ الكرام ، وفي الواقع أنّ روعتها وعمقها في غِنىً عن الشرح والتوضيح ، فإنّ تجلّي الخالق للإنسان ليس بالأَمر الذي يمكن وصفه بالكتابة والكلام ، إِنّه أَمرٌ ذوقيٌّ نظريّ ، ومن الطبيعي أنّ من سلمت ذائقة روحه وثقبت عين بصيرته مثل أَمير المؤمنين عليّ عليه السلام ؛ فإنّه يعتبر الخلق كلّه مرآة لجمال الخالق وجلاله .

تجلّي الخالق في مرآة الخلق

إِنّ إِدراك تجلّي الخالق في مرآة الخلق يتناسب شدّةً وضعفا مع ميزان قوّة رؤية الإنسان ، فكلّما كانت موانع المعرفة عنده أقلّ وقوّة الرؤية العقلية والقلبية أكثر ، فإنّ تجلّي الخالق ـ تبارك وتعالى ـ في مرآة الخلق بالنسبة له أكثر إِحساسا وأشدّ إِدراكا .
إِنّ المحقّق البحراني ، في بيانه لأَنواع الادراكات الإنسانية لتجلّيات الخالق في الخلق ، يُصنّف الناسَ إِلى أَربعة أَصناف فيقول :
«إنّ تجلّيه يعود إلى إجلاء معرفته من مصنوعاته لقلوب عباده ، حتى أَشبهت كلّ ذرةٍ من مخلوقاته مرآةً ظهر فيها لهم ، فهم يشاهدونه على قدر قبولهم لمشاهدته وتفاوت تلك المشاهدة بحسب تفاوت أَشعّة أَبصار بصائرهم ؛ فمنهم : من يرى

1.راجع : ص ۱۲۱ ح ۳۵۱۳ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج3
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 104967
الصفحه من 488
طباعه  ارسل الي