353
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

بأنّه يعلم ، ومثل هذا المرض إذا اتّخذ طابع المرض المزمن يتعذّر علاجه . قال الإمام الصادق عليه السلام في هذا المضمار :
مَن اُعجِبَ بِنَفسِهِ هَلَكَ ، ومَن اُعجِبَ بِرَأيِهِ هَلَكَ ، وإنَّ عيسَى بنَ مَريَمَ عليه السلام قالَ : داوَيتُ المَرضى فَشَفَيتُهُم بِإِذنِ اللّهِ ، وأبرَأتُ الأَكمَهَ وَالأَبرَصَ بِإِذنِاللّهِ ، وعالَجتُ المَوتى فَأَحيَيتُهُم بِإِذنِ اللّهِ ، وعالَجتُ الأَحمَقَ فَلَم أقدِر عَلى إصلاحِهِ .فَقيلَ : يا روحَ اللّهِ ، ومَا الأَحمَقُ ؟
قالَ : المُعجَبُ بِرَأيِهِ ونَفسِهِ ، الَّذي يَرَى الفَضلَ كُلَّهُ لَهُ لا عَلَيهِ ، ويوجِبُ الحَقَّ كُلَّهُ لِنَفسِهِ ولا يوجِبُ عَلَيها حَقًّا ، فَذاكَ الأَحمَقُ الَّذي لا حيلَةَ في مُداواتِهِ.۱
يتّضح في ضوء هذا التفسير أنّ الأحمق الحقيقيّ ليس المصاب بعاهة في دِماغه ويعجز عن إدراك الاُمور بسبب مرض جسديّ ؛ لأنّ مثل هذا المريض حتّى وإن استعصى علاجه بالطرق الطبيعيّة للمداواة ، يمكن معالجته بطرق الإعجاز .وإنّما الأحمق الحقيقيّ هو من يتمتّع بدماغ سالم ، إلّا أنّ مرض العجب والإحساس بأنّه يعلم هو الذي يفسد عليه عقله ، ويحلّ موته العقليّ نتيجة عدم استجابته لدعوة العقل العمليّ ، وميّتٌ كهذا يستحيل علاجه ، وحتّى النبيّ عيسى عليه السلام بإعجازه عيي عن مداواته . كان عليه السلام يعالج أنواع الأمراض البدنيّة بإذن اللّه وبدون أدوات ومواد طبّيّة ، وفوق ذلك كان يعالج الميّتة أجسامهم بالإحياء ، لكنّه عجز عن إحياء العقل الميّت ، وما من نبيّ له مثل هذه المقدرة . وقد خاطب القرآن الكريم خاتم الأنبياء محمّد صلى الله عليه و آله بقوله :

1.الاختصاص : ۲۲۱ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
352

3 . الجهل البسيط

وهو الحالة الثالثة ، والجاهل هو من لا يعلم شيئا ؛ سواء كان يعلم أنّه لا يعلم أو لا يعلم أنّه لا يعلم ، وعلى كلّ الأحوال فإنّ على العالم تعليمه ، وعليه التعلّم ، وتشمله الآية الكريمة «فَسْـئلُواْ أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» .

4 . الجهل المركّب

إنّ الحالة الرابعة هيالجهل المركّب الذي يتألّف من جهلين هما : عدم العلم ، وتوهّم العلم ، والجاهل المصاب بهذا الجهل لا يعلم ويتوهّم أنّه يعلم ، ويبدو أنّه المقصود بالجملة القائلة : «لا يَعلَمُ ، ولا يَعلَمُ أنَّهُ لا يَعلَمُ» ، وكذلك «لا يَدري ، ولا يَدري أنَّهُ لا يَدري» الواردة في روايتي هذا الفصل ، ولهذا صرّح الإمام عليّ عليه السلام أنّ واجب الآخرين إزاء مثل هذا الجاهل هو الرفض «فَذاكَ جاهِلٌ فَارفُضوهُ» ، وأمر الإمام الصادق عليه السلام الناس باجتنابه بقوله : «فَذاكَ أحمَقُ فَاجتَنِبوهُ» .

داء بلا دواء ۱

إنّ السؤال الذي يُثار هنا يرمي إلى تقصّي السبب الذي جعل الأحاديث ـ الواردة في هذا الباب بشأن التعامل مع أصناف الجهّال ـ توجب على الواعين من أبناء المجتمع تنبيه الغافل والجاهل البسيط ، في حين لا توجب عليهم شيئا إزاء المصاب بالجهل المركّب ، بل وتحثّهم على رفضه واجتنابه ؟ وجواب ذلك : هو أنّ الجهل المركّب أخطر أنواع الجهل ،وهو في الحقيقة داء لا دواء له ، فالشخص الذي لا يعلم ويتصوّر أنّه يعلم مُصاب ببلاء خطير هو الشعور

1.من جملة الأشعار الواردة في هذا الباب ، قول الشاعر : لِكُلِّ داءٍ دَواءٌ يُستَطبُّ بِهِ إلَا الحَماقةَ أعيَت مَن يُداويها

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 186182
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي