واستوثق من أقوياء رجالهم أن يدفعوا عنه كما يدفعون عن أنفسهم وأهليهم ، وقد دخل الإسلام في بيوت عامّتهم فكان مستظهراً بهم علَى العدّة القليلة الذين لم يؤمنوا به وبقوا على شركهم ، ولم يكن يسعهم أن يعلنوا مخالفتهم ويظهروا شركهم فتوقّوا الشرّ بإظهار الإسلام ، فآمنوا به ظاهراً وهم على كفرهم باطناً ، فدسّوا الدسائس ومكروا ما مكروا .
غير تامّ ؛ فما القدرةُ والقوّة المخالفة المهيبة ورجاء الخير بالفعل والاستدرار المعجّل علّةٌ منحصرة للنفاق حتّى يحكم بانتفاء النفاق لانتفائها ، فكثيراً ما نجد في المجتمعات رجالاً يتّبعون كلّ داع ويتجمّعون إلى كلّ ناعق ، ولا يعبؤون بمخالفة القوَى المخالفة القاهرة الطاحنة ، ويعيشون على خطر مصرّين على ذلك؛ رجاء أن يُوفّقوا يوماً لإجراء مرامهم ويتحكّموا علَى الناس باستقلالهم بإدارة رحَى المجتمع والعلوّ في الأرض . وقد كان النبيّ صلى اللَّه عليه وآله يذكر في دعوته لقومه أن لو آمنوا به واتّبعوه كانوا ملوك الأرض .
فمن الجائز عقلاً أن يكون بعض من آمن به يتّبعه في ظاهر دينه طمعاً في البلوغ بذلك إلى اُمنيّته ، وهي التقدّم والرئاسة والاستعلاء . والأثر المترتّب على هذا النوع من النفاق ليس هو تقليب الاُمور وتربّص الدوائر علَى الإسلام والمسلمين وإفساد المجتمع الدينيّ ، بل تقويته بما أمكن وتفديته بالمال والجاه لينتظم بذلك الاُمور ويتهيّأ لاستفادته منه واستدراره لنفع شخصه .
نعم ، يمكر مثل هذا المنافق بالمخالفة والمضادّة فيما إذا لاح من الدِّين مثلاً ما يخالف اُمنيّة تقدّمه وتسلّطه ؛ إرجاعاً للأمر إلى سبيل ينتهي إلى غرضه الفاسد .
وأيضاً من الممكن أن يكون بعض المسلمين يرتاب في دينه فيرتدّ