سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة، أبو العباس الخزرجي الاَنصاري الساعدي.

وكان أبوه من الصحابة الذين توفُّوا في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وتُوفي الرسول وسهل له من العمر خمس عشرة سنة، وعاش و طال عمره حتى أدرك الحجاج بن يوسف و امتحن معه، أرسل الحجاج سنة ۷۴هـ إلى سهل بن سعد (رض)، قال: ما منعك من نصر أمير الموَمنين عثمان؟ قال: قد نصرته، قال: كذبت، ثم أمر به فختم في عنقه، وختم أيضاً في عنق أنس بن مالك. و ختم في يد جابر بن عبد اللّه. يريد إذلالهم بذلك و أن يجتنبهم الناس ولا يسمعوا فيهم.

وشهد سهل قضاء رسول اللّه في المتلاعنين وانّه فرق بينهما وكان اسمه حزناً فسماه رسول اللّه سهلاً.

يروي عنه ابنه عباس، وأبو حازم الاَعرج، وغيرهم، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة و كان من أبناء المائة.

ذكر عدد كبير وفاته في إحدى وتسعين، وقال أبو نعيم وتلميذه البخاري سنة ۸۸.(۱)

كما بلغ عدد رواياته في المسند الجامع نحواً من ۸۷ رواية(۲)

وقد نسبت إليه روايات تعدّ من روائع رواياته يوَيدها الكتاب والسنة والعقل، وربما يوجد شذوذ فيما عزي إليه، وإليك بيان كلا القسمين.

روائع أحاديثه

۱. أخرج ابن ماجة عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : ليبشر المشاوَون في الظُّلَم بنورٍ تامٍّ يوم القيامة.(۳)

۲. أخرج أبو داود، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، عن النبي: انّ رجلاً أتاه فأقر عنده أنّه زنى بامرأة سمّاها، فبعث رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المرأة فسألها عن ذلك، فأنكرت أن تكون زنت، فجلده الحد وتركها.(۴)

۳. أخرج الترمذي، عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنا و كافل اليتيم في الجنّة كهاتين وأشار باصبعيه يعني السّبّابة والوسطى.(۵)

۴. أخرج البخاري عن أبي حازم، قال: سمعت سهل بن سعد، يقول: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يقول: أنا فرطكم على الحوض من ورد شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً، ليرد عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثمّ يحال بيني و بينهم.

قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أُحدِّثهم هذا، فقال: هكذا سمعتَ سهلاً ؟ فقلتُ: نعم، قال: أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه، قال: إنّهم منّي، فيقال أنت لا تدري ما بدّلوا بعدك، فأقول: سحقاً ، سحقاً لمن بدّل بعدي.(۶)

ويوَيد ذلك مضافاً إلى ما ورد في هذا الباب في صحيح البخاري وصحيح مسلم، قوله سبحانه: (وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْخَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّه شَيْئاً وسَيَجْزِى اللّهُ الشّاكرينَ) (آل عمران/۱۴۴)، و الآية تخبر عن وقوع الانقلاب على الاَعقاب بعد رحيل الرسول والتاريخ حافل بنماذج كثيرة من هذا الارتداد.

۵.أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي حازم عن سهل: انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال يوم خيبر: لاَعطينّ هذه الراية رجلاً يفتح اللّه على يديه، يحب اللّه ورسوله، ويحبه اللّه ورسوله، قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيّهم يُعطاها، قال: فلمّا أصبح النّاس غدوا على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كلّهم يرجون أن يعطاها، فقال: أين عليّ بن أبي طالب؟ فقالوا: هو يا رسول اللّه يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأتى به فبصق رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية.

فقال علي: يا رسول اللّه أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال: انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ثمّادعهم إلى الاِسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ اللّه فيه فو اللّه لئن يهدي اللّه بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النّعم.(۷)

۶. أخرج أحمد عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إيّاكم ومحقّرات الذنوب، كقوم نزلوا في بطن واد فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى أنضَجوا خبزتهم، وإنّ محقّرات الذّنوب متى يُوَخذ بها صاحبها تهلكه.(۸)

وقد رويت عنه روايات لا تخلو عن تساوَلات و ربما لا تنطبق مع ما ذكرنا من الموازين السالفة الذكر:

أحاديثه السقيمة

۱. بال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائماً

أخرج ابن خزيمة عن أبي حازم قال: رأيت سهل بن سعد يبول قائماً، فانّه تحدث ذلك عليه، وقال: قد رأيت من هو خير منّي فعله.(۹)

ولعلّه أراد الرسول من قوله : هو خير منّي، فقد نسب إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه بال قائماً.

أخرج البخاري عن حذيفة، قال: لقد رأيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أو قال: لقد أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سباطة قوم فبال قائماً.(۱۰)

وقد ذكرنا ما في هذه الروايات من الضعف عند دراسة روايات حذيفة، فلاحظ.

۲. نزول الآية ناقصة

أخرج البخاري في صحيحه عن أبي حازم عن سهل بن سعد، قال: أنزلت (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الاََبْيَضُ مِنَالخَيطِ الاََسْود) ولم ينزل (من الفجر) فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الاَبيض والخيط الاَسود، ولم يزل يأكل حتى يتبين له روَيتهما، فأنزل اللّه بعد (من الفجر)فعلموا انّه إنّما يعني الليل و النهار.(۱۱)

وقد روى نظير ذلك عن عدي بن حاتم، قال: لما نزلت (حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الاََبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِالاََسْوَد) عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكرت له ذلك، فقال: إنّما ذلك سواد الليل وبياض النّهار.(۱۲)

إنّ القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين يفهمه كلّعربي صميم، قال سبحانه: (وَلَقَدْيَسَّرْنا القُرآنَ لِلذِّكْرِفَهَلْ مِنْمُدَّكِر ) (القمر/۱۷).

وقال سبحانه: (فَإِنَّما يَسَّـرناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَّكَرُونَ) (الدخان/۵۸).

فإذا كان القرآن كتاب الهداية والاِنذار وكان في مقام بيان الحكم الشرعي لعامة الناس يجب أن يكون بلغة فصيحة يعرفها أهل اللغة.

وعلى ضوء ذلك فلا يعقل انّ عدي بن حاتم ذلك العربي الصميم لم يفهم المراد من الخيط الاَبيض والخيط الاَسود فعمد إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلهما تحت وسادته فجعل ينظر إليهما في الليل، ولا يستبين له فيرجع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويبين حاله، فانّ هذا شأن من لم يكن من أهل اللسان أو كان بعيداً عن التراكيب الفصيحة.

وأسوأ منه ما عزي إلى سهل بن سعد الساعدي من نزول كلمة (من الفجر ) بعد فترة من نزول الآية فانّ لفظ الآية إمّا أن يكون كافياً في إفادة المعنى المقصود أو لا ، فعلى الاَوّل لا حاجة إلى قوله: من الفجر، وعلى الثاني كان الفصل بين الآية وقيدها أمراً غير صحيح، ولا يقاس ذلك بفصل الخاص على العام أو المقيد على المطلق.

۳.وضع اليد اليمنى على اليسرى

أخرج البخاري، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: كان الناس يُوَمَرون أن يضع الرجل اليدَ اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.

قال أبوحازم: لا أعلمه إلاّ يَنمِي ذلك إلى النبي، وقال إسماعيل (شيخ البخاري) يُنمى ذلك ولم يقل ينمي.(۱۳)

تعد هذه الرواية من أدلة استحباب وضع اليمنى على اليسرى كما فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن الاستدلال مخدوش بوجوه:

الاَوّل: انّ ظاهر قوله: «كان الناس يُوَمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة» انّ الآمر غير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولو كان هو الآمر لما أخلَّ التصريحَ به وهذا يوَيد انّ القبض حدث في عصر الخلفاء ومن أعقبهم من الاَمويين.

الثاني: انّ أبا حازم راوي الحديث عن سهل، قال: «لا أعلمه إلاّ ينمي ذلك إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) » فقد قرأه لفيف من المحدّثين بصيغة المعلوم يعني انّسهل بن سعد كان ينسبه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولكن شيخ البخاري، يقول: الصحيح قراءته بصيغة المجهول أي «ينمى ذلك» من دون أن يصرح للناسب.

كلّذلك يعرب عن وجود اضطراب في نفس النقل، قال ابن حجر: و من اصطلاح أهل الحديث إذا قال الراوي ينميه، فمراده يرفع ذلك إلى النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» .(۱۴)

الثالث: روى البيهقي في سننه كيفية صلاة النبي عن أبي حميد الساعدي ولم يأت فيه بشيء من القبض.

فقال أبوحميد الساعدي: أنا أعلمكم بصلاة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قالوا: لِمَ، ما كنت أكثرنا له تبعاً، ولا أقدمنا له صحبة؟ قال: بلى، قالوا: فأعرض علينا، فقال: كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثمّ يكبر حتى يقرّ كلّعضو منه في موضعه معتدلاً، ثمّ يقرأ ثمّ يكبر ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثمّ يركع ويضع راحتيه على ركبتيه، ثمّ يعتدل ولا ينصب رأسه ولا يقنع، ثمّ يرفع رأسه، فيقول: سمع اللّه لمن حمده، ثمّ يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه حتى يعود كلّ عظم منه إلى موضعه معتدلاً، ثمّيقول: اللّه أكبر، ثمّ يهوي إلى الاَرض فيجافي يديه عن جنبيه، ثمّ يرفع رأسه فيثني رجله اليسرى فيقعد عليها ويفتح أصابع رجليه إذاسجد ثمّ يعود ثمّ يرفع، فيقول: اللّه أكبر ثمّ يثني برجله فيقعد عليها معتدلاً حتى يرجع أو يقر كلّ عظم موضعه معتدلاً، ثمّ يصنع في الركعة الاَُخرى مثل ذلك، ثمّ إذا قام من الركعتين كبَّر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما فعل أو كبّر عند افتتاح صلاته، ثمّ يصنع مثل ذلك في بقية صلاته حتى إذا كان في السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركاً على شقه الاَيسر، فقالوا جميعاً: صدق هكذا كان يصلّي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) .(۱۵)

۴.الشوَم في المرأة والفرس والمسكن

أخرج أحمد في مسنده، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي، انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إن كان في شيء، ففي المرأة والفرس والمسكن. يعني الشّوَم.(۱۶)

وقدتعرضنا إلى نقد هذا الحديث عند التطرق إلى أحاديث سعد بن أبي وقاص تحت عنوان التطير بالمرأة والفرس والدار، فلاحظ.

۱. سنن ابن ماجة: ۱/۵۰۵ برقم ۱۵۸۵.

۲. أُسد الغابة: ۲/۳۶۶ وسير أعلام النبلاء:۳/۴۲۲ـ ۴۲۴.

۳. المسند الجامع: ۷/۳۲۱.

۴. سنن ابن ماجة: ۱/۲۵۶ برقم ۷۸۰.

۵. سنن أبي داود: ۴/۱۵۰ـ۱۵۱ برقم ۴۴۳۷.

۶. سنن الترمذي: ۴/۳۲۱ برقم ۱۹۱۸.

۷. صحيح البخاري: ۹/۴۶، كتاب الفتن.

۸. صحيح مسلم: ۷/۱۲۱ـ۱۲۲، باب فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، ورواه البخاري في الصحيح: ۴/۵۳، باب ما قيل في لواء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، عن سلمة بن أكوع؛ ورواه أيضاً في ۵/۱۸ باب مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

۹. مسند أحمد: ۵/۳۳۱.

۱۰. المسند الجامع:۷/۲۵۸، نقلاً عن مسند ابن خزيمة.

۱۱. صحيح البخاري:۳/۱۳۵، باب الوقوف والبول عند سباطة قوم.

۱۲. صحيح البخاري: ۳/۲۸، باب قول اللّه تعالى: (وَكُلُوا واشربُوا) .

۱۳. المصدر نفسه .

۱۴. صحيح البخاري: ۱/۱۴۴، باب وضع اليمنى على اليسرى.

۱۵. فتح الباري في شرح صحيح البخاري: ۲/۲۲۴.

۱۶. البيهقي، السنن: ۲/۷۲، ۷۳، ۱۰۱، ۱۰۲؛ سنن أبي داود:۱/۱۹۴.