هو عبد اللّه بن قيس بن سليم، قحطاني، أسلم بمكة، ويقال هاجر إلى أرض الحبشة، ثمّ قدم مع أهل السفينتين ورسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بخيبر؛ وربّما يقال قد أسلم بمكة قديماً ثمّ رجع إلى بلاد قومه، فلم يزل بها حتى قدم هو وناس من الاَشعريين على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فوافق قدومهم قدوم أهل السفينتين جعفر وأصحابه من أرض الحبشة ووافقوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بخيبر.(۱)

والثاني هو الصواب، فانّ ابن إسحاق والواقدي وغيرهما لم يذكراه من مهاجرة الحبشة، وعلى أية حال، كان عامل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) على زبيد وعدن، واستعمله عمر بن الخطاب على البصرة، وشهد وفاة أبي عبيدة الجرّاح في الشام، ولما قُتل عمر كان أبو موسى على البصرة فأقرّه عثمان عليها ثمّ عزله، واستعمل بعده ابن عامر، فسار من البصرة إلى الكوفة فلم يزل بها حتى أخرج أهل الكوفة سعيد بن العاص وطلبوا من عثمان أن يستعمله عليهم، فلم يزل على الكوفة حتى قتل عثمان(۲)فأقره الاِمام علي (عليه السلام) ثمّ عزله.

ولما نكثت طائفة بيعة الاِمام علي (عليه السلام) وعلى رأسهم طلحة والزبير وعائشة، وجعلوا البصرة قاعدة لجيشهم، سار الاِمام نحوهم ليُطفىَ نار الفتنة، وبعث بكتاب إلى أبي موسى الاَشعري ليقرأه على الناس ويستنفرهم إلى نصرته.

ذكر الطبري انّ الاِمام كتب إلى أبي موسى: انّي وجهت هاشم بن عتبة ليُنهض من قبلك من المسلمين إليّ، فأشخص الناس فإنّـي لم أوّلك الذي أنت به، إلاّ لتكون من أعواني على الحقّ.

فدعا أبو موسى، السائب بن مالك الاَشعري، فقال له: ما ترى؟قال: أرى أن تتبع ما كتب به إليك، قال: لكنّي لا أرى ذلك، فكتب هاشم بن عُتبَة إلى علي (عليه السلام) : أنّه قد قدمتُ على رجل غالٍمشاقٍ ظاهر الغل و الشنآن.

وبعث بالكتاب مع المحل بن خليفة الطائي، ولمّا وصل الكتاب إلى الاِمام ووقف على تثبيطه عزائم الناس، بعث ابنه الحسن بن علي و عمار بن ياسر يستنفران له الناس، وبعث قرظة بن كعب الاَنصاري أميراً على الكوفة، وكتب معه إلى أبي موسى أمّا بعد: فقد كنت أرى أن تعزب عن هذا الاَمر الذي لم يجعل اللّه عزّ وجلّ لك منه نصيباً، سيمنعك مِنْ ردّ أمري، وقد بعثت الحسن بن علي وعمار بن ياسر يستنفران الناس، وبعثت قرظة بن كعب والياً على المصر، فاعتزِل عملنا مذموماً مدحوراً.(۳)

لقد واجه الاِمام بعد وقعة الجمل، واقعة صفين التي أشعل نائرتها القاسطون، وحمل رايتها معاوية بن أبي سفيان، فدارت بين علي والقاسطين حرب طاحنة كاد النصر أن يكون حليف علي وعساكره لولا الفتنة التي أثارها عمرو بن العاص، فرفعوا المصاحف على الاَسنَّة، ونادوا يا معشر العرب، اللّه اللّه في نسائكم وبناتكم، فمن للروم والاَتراك وأهل فارس غداً إذا فُنيتمُ، اللّه اللّه في دينكم هذا كتاب اللّه بيننا وبينكم.

وقد أثَّرت تلك المكيدة على همم كثير من قُوّاد جيش علي «عليه السلام» ، فألزموا علياً على إيقاف الحرب والخضوع إلى حكم القرآن.

فانتهى الاَمر إلى أن ينتخب كلّ من الطائفتين رجلاً، يتدارسا الموقف ويُحييا ما أحيا القرآن و يُميتا ما أمات القرآن، وقد قبل الاِمام التحكيم على مضض شديد لم يكن له بدّ من القبول، وقد بلغ القوم في قلة الحياء وشكاسة الخُلْق بمكان انّهم فرضوا التحكيم عليه وفرضوا أيضاً أن يكون الحَكَم من جانبه هو أبا موسى الاَشعري فامتنع الاِمام، وقال: إنّي لا أرضى بأبي موسى ولا أرى بأن أُولِّيه، فقال الاَشعث وزمرته: إنّا لا نرضى إلاّبه، فلم ير الاِمام بداً إلاّ النزول على رأيهم، فتم الاِتفاق عليه من جانبه، وعلى عمرو بن العاص من جانب معاوية غير انّ أبا موسى كما تنبأ به الاِمام علي (عليه السلام) انخدع بالمكيدة التي حاكها له عمرو بن العاص، فخلع عليّاً عن الخلافة على أن يخلع عمرو بن العاص معاوية عن الحكم، لكن عمرو بن العاص خالف الشرط المتّفق عليه بينهما، فقال: إنّ هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه، وأثبِّت صاحبي معاوية، فانّه وليُّ عثمان بن عفان، والطالب بدمه، وأحقّ الناس بمقامه.

فقال أبو موسى لعمرو: مالك لا وفقك اللّه غدرت وفجرت، إنّما مثلك مثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.

قال عمرو: إنّ مثلك كمثل الحمار يحمل أسفاراً.(۴)

وبذلك تمت المكيدة لصالح معاوية.

هذه هي سيرة الرجل على وجه الاِجمال، ولم يُر بعد مسألة التحكيم له أيُّ نشاط يُذكر، وقد مات بمكة عام ۴۲هـ وقيل ۴۴ هـ. وقيل غير ذلك .

اتّفق أهل السير على أنّ أبا موسى كان رجلاً ساذجاً غير فطن، كان علي (عليه السلام) واقفاً على سذاجته، وقال لما بعثه عن كُره: «وكأنّي به وقد خُدع».

فقال رجل للاِمام (عليه السلام) :فلِمَ توجِّهه وأنت تعلم انّه مخدوع، فأجاب الاِمام: يا بُنيّ لو عمل اللّه في خلقه بعلمه، ما احتج عليهم بالرسل.(۵)

وربما يتصور انّ أبا موسى خلع عليّاً لانخداعه بمكر نظيره عمرو بن العاص، ولكن مع الاِذعان بذلك كان ثمة عامل آخر أثَّر في عقد الاتّفاق مع نظيره على عزل الاِمام ومعاوية عن الخلافة، وهو انّ الاِمام لمّا وقف على خذلانه وتثبيطه عزائم الناس عن الجهاد، عزله ونصب مكانه عاملاً آخر، فلم يزل أبو موسى في حرج من هذا الموقف الذي ترك مضاعفات سلبية في نفسه، فحفّزه على عزل الاِمام الذي اتّفق المهاجرون والاَنصار على إمامته وخلافته، إلاّنزراً يسيراً لا يتجاوز عددُهم عددَ الاَصابع.

لما بلغ علياً ما جرى بين الحكمين من الحكم على خلاف كتاب اللّه وسنّة رسوله، وغدر عمرو بن العاص، وانخداع أبي موسى، قام خطيباً، رافضاً ما حكم به الحكمان الجائران، وقال:

«الحمد للّه، وإن أتى الدهر بالخطب الفادح، والحدث الجليل، وأشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، ليس معه إله غيره، وأنّ محمّداً عبده ورسولهص.

أمّا بعد؛ فإنّ معصية الناصح، الشفيق العالم، المجرِّب، تورث الحسرة، وتعقب الندامة، وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري، ونخلت لكم مخزون رأيي، لو كان يطاع لقصير أمرٌ، فأبيتم عليَّ اباء المخالفين الجفاة، والمنابذين العصاة، حتّى ارتاب الناصح بنصحه، وضنَّ الزنْد بقدْحه، فكنت أنا وإياكم كما قال أخو هوازن:

أمرتكم أمــري بمنعــرج اللّوى * فلم تستبينوا النصح إلاّ ضحى الغد(۶)

صدق الاِمام، إنّ من الخطب الفادح، والحدث الجليل، خلع صدّيق الاَُمّة، وأوّل من آمن برسالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصدّق به، وبات في فراشه، دفعاً لريب المنون عنه، وجاهد في سبيل اللّه بنفسه ونفيسه، وشهد المعارك كلها إلاّ تبوك، بأمر النبي ، إلى غير ذلك من فضائل ومناقب ومآثر جمّة اعترف بها الصديق والعدو والقريب والبعيد.

إنّ من المصائب العظام نصب معاوية بن أبي سفيان الطليق ابن الطليق، ابن آكلة الاَكباد، للخلافة والزعامة الاِسلامية، وأنّى هو من الاِسلام، وهو ثمرة الشجرة الخبيثة الملعونة في القرآن، أو ليس هذا من أدهى الدواهي؟ ولاَجل ذلك نرى أنّ الاِمام يصف تلك الحادثة المريرة، بالخطب الفادح والحدث الجليل.

هذه سيرة الرجل على وجه الاِجمال، التي هي مقدمة لدراسة ما روي عنه وعزِّى إليه، فلنذكر شيئاً من روائع أحاديثه التي تشهد الموازين على صحّتها.

روائع أحاديثه

۱. أخرج الشيخان، عن أبي بردة (ابن أبي موسى) عن أبي موسى، قال: قلت: يا رسول اللّه أيّ الاِسلام أفضل؟قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده.(۷)

۲. أخرج الاِمام أحمد، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه تُستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فقد أذنت، وإن أبت لم تكره.(۸)

۳. أخرج الاِمام أحمد، عن أبي بردة، عن أبيه (أبو موسى)قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا نكاح إلاّ بولي.(۹)

۴. أخرج الاِمام أحمد، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : الموَمن للموَمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً.(۱۰)

۵. أخرج الاِمام أحمد، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : أطعموا الجائع، وفكُّوا العاني، وعوِّدوا المريض.(۱۱)

۶. أخرج الترمذي، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : كلّكم راع وكلّكم مسوَول عن رعيته.(۱۲)

۷. أخرج الاِمام أحمد، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : أُعطيت خمساً: بعثت إلى الاَحمر والاَسود، وجعلت لي الاَرض طهوراً ومسجداً، وأُحلَّت لي الغنائم ولم تحلّ لمن كان قبلي، ونُصرت بالرعب شهراً، وأُعطيت الشفاعة. وليس من نبي إلاّ وقد سأل شفاعة، وانّي أخبأت شفاعتي ثمّ جعلتها لمن مات من أُمّتي لمن لم يشرك باللّه شيئاً.(۱۳)

هذه نماذج من روائع أحاديثه ذكرناها ليكون القارىَ على بصيرة من منزلة الرجل في نقله للحديث، وفي مقابلها روايات، رويت عنه، فيها شذوذ وعلل، لا يصحّ لباحث قبولها ونسبتها إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإليك بعضها:

۱. صحابيّ أعرف بالمصلحة من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)

أخرج أحمد، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه قال: أتيت النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» ومعي نفر من قومي، فقال:أبشروا وبشّروا من وراءكم انّه من شهد أن لا إله إلاّ اللّه صادقاً بها دخل الجنّة. فخرجنا من عند النبي نبشّر الناس، فاستقبلنا عمر بن الخطاب فرجع بنا إلى رسول اللّه، فقال عمر: يا رسول اللّه إذاً يتّكل الناس، قال: فسكت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) .(۱۴)

ولنا مع هذا الحديث وقفة قصيرة هي:

أوّلا: انّه معارض بما رواه معاذ بن جبل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: يا معاذ، قلت: لبيك يا رسول اللّه وسعديك، قال: لا يشهد عبد ان لا إله إلاّ اللّه ثمّ يموت على ذلك إلاّ دخل الجنّة، قال: أفلا أحدِّث الناس؟ قال: لا ، إنّي أخشى أن يتّكلوا عليه.(۱۵)

فالمعارضة بين الحديثين واضحة، فإنّ الاَوّل يدلّ على أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بنشر الحديث، والثاني يدل على أنّه أمر بكتمه.

وثانياً: انّ الحديث الثاني، الذي رواه معاذ يدل على أنّ النبي كان واقفاً على العلة دون حاجة إلى أن يخبره أحد بذلك.

وثالثاً: انّ الحديث الاَوّل يدل على أنّ عمر كان أعرف بالمصلحة من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وانّ هذا الحديث يترك أثراً سلبياً في قلوب الموَمنين، فلذلك لمّا أخبره عمر، سكت الرسول.

والحقّ انّ الحديثين لا يخلوان عن شذوذ وعلّة، وقد سبق الذكر الحكيم بالتصريح بذلك .قال سبحانه: (إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلك)(النساء/۱۱۶) وقال: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِعَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العِقاب) (الرعد/۶).

۲. أهل الكتاب لهم أجران

أخرج البخاري، عن أبي بردة، عن أبيه قال: قال رسول اللّه: ثلاثة لهم أجران، رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وآمن بمحمد.(۱۶)

إنّ الاِيمان بالرسل والنبي الخاتم ليس من خصائص من كان من أهل الكتاب ثمّ أسلم، بل كلّ من أسلم بلسانه وقلبه وآمن بالرسول، فقد آمن بمن قبله من الرسل، قال سبحانه:(آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُوَْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِه وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ المَصِير ) (البقرة/۲۸۵).

نعم لو كان تعدد الاَجر لاَجل ترتّب أحد الاِيمانين على الآخر كان لما ذكر وجه، ولكن الاَجر على نفس الاِيمان وسعة متعلقه، لا على ترتّب أحدهما على الآخر. وإلاّ يلزم أن يكون لمن كان يهودياً فتنصّر ثمّ أسلم، أُجور ثلاثة.

۳. التجسيم في أحاديثه

ظهر التجسيم والتشبيه في المروّيات عنه نذكر منها ما يلي:

الحديث الاَوّل: أخرج مسلم، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى قال: قام فينا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بخمس كلمات فقال: إنّاللّه عزّوجلّ لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور ـ وفي رواية أبي بكر:(حجابه) النار ـ لو كشفه لاَحرقت سُبُحاتُ وجهه، ما انتهى إليه بصره من خلقه.(۱۷)

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: فالسُّبُحاتُ (بضم السين والباء ورفع التاء في آخره) جمع سُبحة، قال صاحب العين والهروي وجميع الشارحين للحديث من اللغويين والمحدثين: معنى سُبُحاتُ وجهه: نوره وجلاله وبهاوَه.

وأمّا الحجاب (الذي يشير إلى قوله: حجابه النور أو النار) فأصله في اللغة المنع والستر، وحقيقة الحجاب إنّما تكون للاَجسام المحدودة، واللّه تعالى منزّه عن الجسم والحد.والمراد هنا المانع من روَيته، وسمي ذلك المانع نوراً أو ناراً لاَنّهما يمنعان من الاِدراك في العادة لشعاعها.

والمراد من الوجه الذات، والمراد بـ «ما انتهى إليه بصره من خلقه» جميع المخلوقات، لاَنّ بصره سبحانه و تعالى محيط بجميع الكائنات. ولفظة «من» لبيان الجنس لا للتبعيض والتقدير لو أزال المانع من روَيته وهو الحجاب المسمى نوراً أو ناراً وتجلّـى لخلقه لاَحرق جلال ذاته جميع مخلوقاته.(۱۸)

ولنا مع هذا الحديث وتفسيره وقفة:

أوّلاً: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يكلّم الناس على قدر عقولهم شأن كلّنبي، فهذه التأويلات التي ارتكبها الشارح مفاهيم لا يقف عليها إلاّ من توغّل في العلوم العقلية، وليس المخاطب إلاّ نظراء أبي موسى، فأين هوَلاء من هذه التأويلات؟!

ثانياً: انّ السُّبحة في اللغة تعني الدعاء، قال في اللسان : سميت الصلاة تسبيحاً، لاَنّ التسبيح تعظيم للّه وتنزيهه عن كلّ سوء(۱۹)وتفسيره بنور اللّه ووجهه وبهائه شيء لا تدل عليها مادة الكلمة، وإنّما جرّهم إلى ذلك التفسير لاَجل جعل الرواية ذات مفهوم صحيح.

ونقل ابن الجوزي عن أبي عبيدة: لم نسمع السُّبُحات إلاّ في هذا الحديث.(۲۰)

ويظهر من المقاييس: انّه ليس لتلك المادة إلاّ معنيان، أحدهما جنس من العبادة والآخر جنس من السعي، فالاَوّل السُّبحة ومن هذا الباب التسبيح، وهو تنزيه اللّه جلّ ثناوَه عن كلّ سوء، وعلى ذلك فتفسير السبحة بالاَنوار لا دليل عليه في اللغة.(۲۱)

ثالثاً: انّ المتبادر من قوله من خلقه انّ «من» للتبعيض بشهادة قوله: «انتهى إليه بصره» فيكون خلقه أوسع من نور بصره.

وأنت إذا عرضت هذا الحديث على عربي صميم لم يشب ذهنه بهذه المعارف، لفسَّر الحديث على وجه يلازم التجسيم، وليس في الحديث قرينة على التأويل، وإلاّ لكان التأويل مقدماً على غيره.

الحديث الثاني: أخرج الاِمام أحمد، عن أبي موسى الاَشعري: قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : يجمع اللّه عزّوجلّ الاَُمم في صعيد يوم القيامة، فإذا بدا للّه عزّوجلّ أن يصدع بين خلقه مثّل لكلّ قوم ما كانوا يعبدون فيتبعونهم حتى يُقحمونهم النار، ثمّ يأتينا ربّنا عزّ وجلّ، ونحن على مكان رفيع فيقول: من أنتم؟ فنقول: نحن المسلمون، فيقول ما تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربّنا عزّ وجلّ، قال: فيقول: وهل تعرفونه إنْ رأيتموه؟ فيقولون: نعم، فيقول: كيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون: نعم انّه لا عدل له، فيتجلّى لنا ضاحكاً، فيقول: أبشروا أيّها المسلمون، فانّه ليس منكم أحد إلاّ جعلت مكانه في النار يهودياً أو نصرانياً.(۲۲)

ورواه مسلم في صحيحه، باب معرفة طريق الروَية، بغير هذا اللفظ عن أبي هريرة.(۲۳)

وهذا الحديث يثير تساوَلات كثيرة.

الاَوّل: إنّ لازم قوله: «مثّل لكلّ قوم ما كانوا يعبدون فيتبعونهم حتّى يقحمونهم النار ثمّ يأتينا ربّنا عزّوجلّ» عدم وجود أيّ موحد يوَمن باللّه الواحد وينكر عبادة الاَوثان في الاَُمم السالفة، وهذا على خلاف الضرورة وصريح القرآن الكريم، فها هو يقول في حقّ نوح: (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاّقَلِيلٌ) (هود/۴۰) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجود الصالحين في الاَُمم السالفة.

الثاني: انّ قوله: «ثم يأتينا ربّنا ونحن على مكان رفيع» حاك عن ثبوت الحركة للّه سبحانه، بشهادة قوله: ونحن على مكان رفيع.

الثالث: انّ قوله: «من أنتم؟» أو قوله:«ما تنتظرون؟» أو قوله:«وهل تعرفونه ان رأيتموه؟» حاك عن تكلّمه سبحانه تكلّماً حسياً.

الرابع: انّه سبحانه يسألهم عن أنّهم هل يعرفون ربّهم، وهم يجيبون بقولهم: نعم، ثمّ يسألهم عن السمات التي يعرفون بها ربّهم، ويقول: «كيف تعرفونه ولم تروه؟» فيجيبون بسمة كلّية لا صلة لها بمعرفة الربّ معرفة شخصية، حيث يقولون«نعم انّه لا عدل له» فانّ وصفه بعدم العدل والندّ له، لا يكون علامة وسمة للمعرفة الشخصية.

الخامس: انّ قوله فيتجلّـى لنا ضاحكاً، صريح في الجسم والجسمانية، وانّ له سبحانه ضحكاً حسياً.

السادس: انّ قوله: «أبشروا أيّها المسلمون، فانّه ليس منكم أحد إلاّ جعلت مكانه في النار يهودياً أو نصرانياً، ينافي قوله سبحانه: (فَاليَوم لا يُوَخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا) (الحديد/۱۵) والآية وإن كانت تخاطب المنافقين والكافرين، ولكن المورد غير مخصص، فانّ عدم أخذ الفدية لاَجل انّه يخالف عدله سبحانه.

وبعبارة أُخرى: انّ اليهود والنصارى إن كانوا مستحقين للدخول في النار، فهم يدخلونها لاَعمالهم الشريرة، لا لاَن يحلّوا مكان المسلمين، وإن لم يكونوا مستحقين للدخول في النار فملء الجحيم بهم يستلزم أخذ البريء بجرم المذنب واللّه سبحانه يقول: (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (الاَنعام/۱۶۴).

وبمقارنة هذا الحديث مع ما رواه أبو هريرة في هذا المجال، يعلم مدى الاختلاف الفاحش بين الروايتين، والظاهر انّهما رواية واحدة نقلت بصورتين مختلفتين.

أخرج مسلم عن أبي هريرة انّه قال: كذلك يجمع اللّه الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الاَُمّة فيها منافقوها، فيأتيهم اللّه تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: نعوذ باللّه منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربّنا فإذا جاء ربّنا عرفناه، فيأتيهم اللّه تعالى في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: أنت ربّنا، فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهري جهنم.(۲۴)

فبالمقارنة بين الحديثين يعلم مدى التحريف الطارىَ على الرواية من أحد الجانبين، مثلاً انّ الرواية الاَُولى: (رواية أبي موسى) تصرّح بأنّه سبحانه يتكلّم مع المسلمين حيث قال: «فنقول نحن المسلمون» ويتجلى لهم، امّا الرواية الثانية (رواية أبي هريرة) فاللّه سبحانه يتكلّم مع المسلمين مع ما فيهم من المنافقين ويتجلّى للجميع.

وعلى كلّ تقدير سواء أكانتا رواية واحدة، أو كانتا روايتين فكلتاهما من الروايات المدسوسةمن قِبل أهل الجعل والوضع و التحريف.

۴. الفداء في أحاديثه

إنّ مسألة الفداء، أي أخذ شخص محل شخص آخر يوم القيامة، فكرة يهودية ومسيحية تسرّبت إلى أحاديث أبي موسى الاَشعري، وقد اتضح ذلك من خلال استعراض الرواية السابقة، وثمة روايات أُخرى نقلها مسلم عنه نأتي بنصها:

۱. روى مسلم، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» : إذا كان يوم القيامة دفع اللّه عزّوجلّ إلى كلّ مسلم يهوديّاً أو نصرانيّاً، فيقول: هذا فكاكك من النار.(۲۵)

۲. أخرج مسلم، عن عون وسعيد بن أبي بردة، انّهما شهدا أبا بردة يحدِّث عمر بن عبد العزيز، عن أبيه، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يموت رجل مسلم إلاّ أدخل اللّه مكانه النار يهوديّاً أو نصرانيّاً، قال: فاستحلفه عمر بن عبد العزيز باللّه الذي لا إله إلاّهو ثلاث مرّات أنّ أباه حدثه عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ قال: فحلف له.(۲۶)

۳. أخرج مسلم، عن أبي بردة ،عن أبيه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: يجيىَ يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها اللّه لهم ويضعها على اليهود والنصارى، فيما أحسب أنّه قال: أبو روح لا أدري ممن الشك، قال أبو بردة: فحدثت به عمر بن عبد العزيز، فقال: أبوك حدثك هذا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ قلت: نعم.(۲۷)

يظهر من الرواية الاَخيرة انّ عمر بن عبد العزيز وغيره كانوا شاكين في صحّة هذا الحديث مهما صحّ سنده.

نعم تعجّب أبو روح «وقال: لا أدري ممن الشك» أقول منشأ الشك هو انّ هذه الروايات مخالفة للذكر الحكيم كما أوعزنا إليه ولاَنّ الناس يجزون بأعمالهم لا بأعمال غيرهم قال سبحانه:(وما تُجْزَوْنَ إلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُون) (الصافات/۳۹) قال سبحانه: (يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوماً لا يجزي والِدٌ عَنْ وَلَدِه وَ لا مَولُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ وَالِدِه شَيئاً) (لقمان/۳۳).

وقال سبحانه: (فَالْيَومَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَونَ إِلاّما كُنْتُمْ تَعْمَلُون)(يس/۵۴) إلى غير ذلك من الآيات الصريحة في أنّ كلّ إنسان مرهون بعمله.

۵. الميت يُعذب ببكاء الحي

أخرج أحمد، عن ابن أبي موسى الاَشعري ،عن أبيه: انّالنبيقال: الميت يعذب ببكاء الحي عليه، إذا قالت النائحة: وا عضداه، وا ناصراه وا كاسباه، جُبذّ(۲۸). الميت وقيل له أنت عضدها أنت ناصرها، أنت كاسبها، فقلت سبحان اللّه: يقول اللّه عزّ وجلّ: (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخرْى) ، فقال: ويحك أحدثك عن أبي موسى عن رسول اللّه، وتقول هذا، فأيّنا كذّب؟! فواللّه ما كذبت على أبي موسى ولا كذب أبو موسى على رسول اللّه.(۲۹)

وأخرجه الترمذي عن أبي موسى الاَشعري انّ رسول اللّه، قال: ما من ميت يموت فيقوم باكيه، فيقول واجبلاه، واسيداه، أو نحو ذلك، إلاّ وكّل به ملكان يلهزانه(۳۰)أهكذا كنت.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.(۳۱)

وأخرجه ابن ماجة في سننه.(۳۲)

وكفى في وهن الحديث وشذوذه انّ السامع أدرك بفطرته انّه يخالف نداء الذكر الحكيم، غير انّ الذي صدّه عن التكذيب هو كون الرواية منسوبة إلى أبي موسى، عن طريق ولده، ولكن لم يعرف انّ كتاب اللّه فوق كلّ شيء، و هو المعيار لتمييز الحقّ عن الباطل.

وقد مضى انّ السيدة عائشة كذَّبت الرواية، وقالت: رحم اللّه أبا عبد الرحمان سمع شيئاً فلم يحفظه، إنّما مرّت على رسول اللّه جنازة يهودي وهم يبكون عليه، فقال: أنتم تبكون وإنّه ليعذّب .(۳۳)

۶. القعود خير من القيام

أخرج أبو داود، عن أبي كبشة قال: سمعت أبا موسى يقول: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّبين أيديكم فتناً كقِطَع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها موَمناً و يمسي كافراً و يمسي موَمناً ويصبح كافراً، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «كونوا أحلاس بيوتكم».(۳۴)

يقول الشيخ عبد العزيز بن باز في تفسير الحديث: هذه الفتنة هي الفتن التي لا يظهر وجهها ولا يعلم طريق الحقّ فيها، بل هي ملتبسة فهذه يجتنبها الموَمن ويبتعد عنها بأيّ ملجأ و من هذا الباب قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «يوشك أن يكون خير مال المسلم غُنم يتبع بها شعف الجبال مواقع القطر، يفرّ بدينه من الفتن».(۳۵)

أقول: أين الفتنة الواردة في الرواية من الاقتداء بإمام أصفقت الصحابة من المهاجرين والاَنصار على بيعته، وقدّموه إماماً للمسلمين، فهل يتصور أن يكون القاعد فيها أفضل من القائم؟!

إنّ أبا موسى مما خذل علياً وثبّط عزيمة الناس عن المشاركة في قتال الناكثين، التي أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ الاِمام سيقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين(۳۶).وقد تمسك أبو موسى بهذا الحديث ولم يشارك مع علي (عليه السلام) في القتال، ولكنّه شارك مع عمرو بن العاص في عزل علي (عليه السلام) عملاً بهذا الحديث، لكن من أين علم انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد بكلامه حرب الناكثين، وقد قامت بعده فتن وحروب ولم يكن حرب الجمل أوّل حرب دارت بين المسلمين؟!

على أنّ قوله: «كونوا أحلاس بيوتكم»ينافي الذكر الحكيم فانّه يأمر بالاِصلاح قال سبحانه: (وَإِنْطائِفَتانِ مِنَ المُوَْمِنينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحداهُما عَلى الاَُخرى فَقاتِلُوا الَّتي تَبغي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّه فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالعَدْل وَأَقْسِطُوا إِن اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطين) (الحجرات/۹).

فاللّه سبحانه يأمربالاِصلاح أوّلاً ثمّ قتال الفئة الباغية، فكيف يأمر النبي بالانعزال والانزواء؟! فالتبرير الذي برّر به عمله غير مجدٍ.

۷. الاِرجاء في حديثه

أخرج أبو داود، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» : أُمّتي هذه أُمّة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة، عذابها في الدنيا: الفتن و الزلازل والقتل.(۳۷)

أقول: إنّ فكرة الاِرجاء وإن ظهرت في أواخر القرن الاَوّل، فادّعت المرجئة أنّ الاِيمان عبارة عن الاِقرار بالقول واللسان وإن لم يكن مرافقاً للعمل، فأخذوا من الاِيمان جانب القول وتركوا جانب العمل، فكأنّهم قدّموا الاَوّل وأخّروا الثاني واشتهروا بمقولتهم «لا تضر مع الاِيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة».

لكن الحديث يدعم تلك الفكرة فيبشِّـر الاَُمّة المرحومة بالنجاة في الآخرة، وإن كان يصيبهم في الدنيا ببعض الجزاء، ولكن كتبت النجاة على الجميع، حتى الطواغيت والمجرمين والظالمين العتاة، ومن الواضح انّالحديث مخالف للقرآن الكريم والسنّة النبوية واتّفاق المسلمين، فأين قوله سبحانه: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُوَْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاوَُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) (النساء/۹۳) وقوله سبحانه: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِفَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ * يَومَ يُحْمى عَلَيْها في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لاََنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة/۳۴ـ۳۵) إلى غير ذلك من الآيات العامة لجميع الاَفراد خصوصاً الاَُمّة المرحومة التي جاءهم نبيهم بهذه الآيات والاَحكام.

۱. ابن سعد: الطبقات الكبرى:۴/۱۰۵.

۲. الجزري: أُسد الغابة: ۳/۲۴۶.

۳. تاريخ الطبري:۳/۵۱۲.

۴. تاريخ الطبري: ۵/ ۳۸، طبعة موَسسة عز الدين.

۵. ابن شهر آشوب، المناقب: ۲/۲۶۱، طبعة قم.

۶. نهج البلاغة، الخطبة ۳۵.

۷. صحيح مسلم:۱/۴۸، باب تفاضل الاِسلام؛ صحيح البخاري: ۱/۱۰، باب أي الاِسلام أفضل.

۸. مسند أحمد:۴/۳۹۴.

۹. مسند أحمد:۴/۳۹۴.

۱۰. مسند أحمد:۴/۴۰۴.

۱۱. مسند أحمد:۴/۳۹۴.

۱۲. سنن الترمذي: ۴/۲۰۸ برقم ۱۷۰۵.

۱۳. مسند أحمد:۴/۴۱۶.

۱۴. مسند أحمد:۴/۴۰۲.

۱۵. مسند أحمد:۴/۲۳۰.

۱۶. صحيح البخاري: ۱/۳۵، باب تعليم الرجل أمته وأهله.

۱۷. صحيح مسلم:۱/۱۱۱، باب في قوله (عليه السلام) : إنّ اللّه لا ينام و في قوله: حجابه النور لو كشفه لاَحرق سُبُحاتُ وجهه.

۱۸. النووي: شرح مسلم: ۳/۱۷.

۱۹. لسان العرب:۲، مادة سبح.

۲۰. ابن الجوزي: دفع شبه التشبيه: ۲۰۲.

۲۱. المقاييس:۵/۱۲۵.

۲۲. مسند أحمد:۴/۴۰۷ ـ ۴۰۸.

۲۳. صحيح مسلم:۱/۱۱۲، باب معرفة طريق الروَية.

۲۴. صحيح مسلم:۱/۱۱۳، باب معرفة طريق الروَية.

۲۵. صحيح مسلم:۸/۱۰۴ ـ ۱۰۵، باب قبول توبة القاتل.

۲۶. صحيح مسلم:۸/۱۰۴ ـ ۱۰۵، باب قبول توبة القاتل.

۲۷. صحيح مسلم:۸/۱۰۴ ـ ۱۰۵، باب قبول توبة القاتل.

۲۸. جبذ أي قطع.

۲۹. مسند أحمد:۴/۴۱۴.

۳۰. يقال لهز فلاناً أي لكزه، وقيل ضربه بجمع كفه في اللهزمة والرقبة.

۳۱. سنن الترمذي:۳/۳۲۷ برقم ۱۰۰۳.

۳۲. سنن ابن ماجة: ۱/۵۰۸ برقم ۱۵۹۴ وفيه مكان يلهز، يتعتع.

۳۳. صحيح مسلم: ۳/۴۴، باب البكاء على الميت.

۳۴. سنن أبي داود: ۴/۱۰۱ برقم ۴۲۶۲. وأخرجه أحمد في مسنده:۴/۴۰۸.

۳۵. أُمّ مالك الخالدي، بيعة علي بن أبي طالب في ضوء الروايات الصحيحة، ص ۲۳۵.

۳۶. تاريخ ابن عساكر:۵/۴۱؛ تاريخ ابن كثير:۷/۳۰۶؛ كنز العمال:۶/۸۸؛ الغدير: ۳/۱۹۲.

۳۷. سنن أبي داود: ۴/۱۰۵ برقم ۴۲۷۸.

هو عبد اللّه بن قيس بن سليم، قحطاني، أسلم بمكة، ويقال هاجر إلى أرض الحبشة، ثمّ قدم مع أهل السفينتين ورسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بخيبر؛ وربّما يقال قد أسلم بمكة قديماً ثمّ رجع إلى بلاد قومه، فلم يزل بها حتى قدم هو وناس من الاَشعريين على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فوافق قدومهم قدوم أهل السفينتين جعفر وأصحابه من أرض الحبشة ووافقوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بخيبر.(۱)

والثاني هو الصواب، فانّ ابن إسحاق والواقدي وغيرهما لم يذكراه من مهاجرة الحبشة، وعلى أية حال، كان عامل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) على زبيد وعدن، واستعمله عمر بن الخطاب على البصرة، وشهد وفاة أبي عبيدة الجرّاح في الشام، ولما قُتل عمر كان أبو موسى على البصرة فأقرّه عثمان عليها ثمّ عزله، واستعمل بعده ابن عامر، فسار من البصرة إلى الكوفة فلم يزل بها حتى أخرج أهل الكوفة سعيد بن العاص وطلبوا من عثمان أن يستعمله عليهم، فلم يزل على الكوفة حتى قتل عثمان(۲)فأقره الاِمام علي (عليه السلام) ثمّ عزله.

ولما نكثت طائفة بيعة الاِمام علي (عليه السلام) وعلى رأسهم طلحة والزبير وعائشة، وجعلوا البصرة قاعدة لجيشهم، سار الاِمام نحوهم ليُطفىَ نار الفتنة، وبعث بكتاب إلى أبي موسى الاَشعري ليقرأه على الناس ويستنفرهم إلى نصرته.

ذكر الطبري انّ الاِمام كتب إلى أبي موسى: انّي وجهت هاشم بن عتبة ليُنهض من قبلك من المسلمين إليّ، فأشخص الناس فإنّـي لم أوّلك الذي أنت به، إلاّ لتكون من أعواني على الحقّ.

فدعا أبو موسى، السائب بن مالك الاَشعري، فقال له: ما ترى؟قال: أرى أن تتبع ما كتب به إليك، قال: لكنّي لا أرى ذلك، فكتب هاشم بن عُتبَة إلى علي (عليه السلام) : أنّه قد قدمتُ على رجل غالٍمشاقٍ ظاهر الغل و الشنآن.

وبعث بالكتاب مع المحل بن خليفة الطائي، ولمّا وصل الكتاب إلى الاِمام ووقف على تثبيطه عزائم الناس، بعث ابنه الحسن بن علي و عمار بن ياسر يستنفران له الناس، وبعث قرظة بن كعب الاَنصاري أميراً على الكوفة، وكتب معه إلى أبي موسى أمّا بعد: فقد كنت أرى أن تعزب عن هذا الاَمر الذي لم يجعل اللّه عزّ وجلّ لك منه نصيباً، سيمنعك مِنْ ردّ أمري، وقد بعثت الحسن بن علي وعمار بن ياسر يستنفران الناس، وبعثت قرظة بن كعب والياً على المصر، فاعتزِل عملنا مذموماً مدحوراً.(۳)

لقد واجه الاِمام بعد وقعة الجمل، واقعة صفين التي أشعل نائرتها القاسطون، وحمل رايتها معاوية بن أبي سفيان، فدارت بين علي والقاسطين حرب طاحنة كاد النصر أن يكون حليف علي وعساكره لولا الفتنة التي أثارها عمرو بن العاص، فرفعوا المصاحف على الاَسنَّة، ونادوا يا معشر العرب، اللّه اللّه في نسائكم وبناتكم، فمن للروم والاَتراك وأهل فارس غداً إذا فُنيتمُ، اللّه اللّه في دينكم هذا كتاب اللّه بيننا وبينكم.

وقد أثَّرت تلك المكيدة على همم كثير من قُوّاد جيش علي «عليه السلام» ، فألزموا علياً على إيقاف الحرب والخضوع إلى حكم القرآن.

فانتهى الاَمر إلى أن ينتخب كلّ من الطائفتين رجلاً، يتدارسا الموقف ويُحييا ما أحيا القرآن و يُميتا ما أمات القرآن، وقد قبل الاِمام التحكيم على مضض شديد لم يكن له بدّ من القبول، وقد بلغ القوم في قلة الحياء وشكاسة الخُلْق بمكان انّهم فرضوا التحكيم عليه وفرضوا أيضاً أن يكون الحَكَم من جانبه هو أبا موسى الاَشعري فامتنع الاِمام، وقال: إنّي لا أرضى بأبي موسى ولا أرى بأن أُولِّيه، فقال الاَشعث وزمرته: إنّا لا نرضى إلاّبه، فلم ير الاِمام بداً إلاّ النزول على رأيهم، فتم الاِتفاق عليه من جانبه، وعلى عمرو بن العاص من جانب معاوية غير انّ أبا موسى كما تنبأ به الاِمام علي (عليه السلام) انخدع بالمكيدة التي حاكها له عمرو بن العاص، فخلع عليّاً عن الخلافة على أن يخلع عمرو بن العاص معاوية عن الحكم، لكن عمرو بن العاص خالف الشرط المتّفق عليه بينهما، فقال: إنّ هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه، وأثبِّت صاحبي معاوية، فانّه وليُّ عثمان بن عفان، والطالب بدمه، وأحقّ الناس بمقامه.

فقال أبو موسى لعمرو: مالك لا وفقك اللّه غدرت وفجرت، إنّما مثلك مثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.

قال عمرو: إنّ مثلك كمثل الحمار يحمل أسفاراً.(۴)

وبذلك تمت المكيدة لصالح معاوية.

هذه هي سيرة الرجل على وجه الاِجمال، ولم يُر بعد مسألة التحكيم له أيُّ نشاط يُذكر، وقد مات بمكة عام ۴۲هـ وقيل ۴۴ هـ. وقيل غير ذلك .

اتّفق أهل السير على أنّ أبا موسى كان رجلاً ساذجاً غير فطن، كان علي (عليه السلام) واقفاً على سذاجته، وقال لما بعثه عن كُره: «وكأنّي به وقد خُدع».

فقال رجل للاِمام (عليه السلام) :فلِمَ توجِّهه وأنت تعلم انّه مخدوع، فأجاب الاِمام: يا بُنيّ لو عمل اللّه في خلقه بعلمه، ما احتج عليهم بالرسل.(۵)

وربما يتصور انّ أبا موسى خلع عليّاً لانخداعه بمكر نظيره عمرو بن العاص، ولكن مع الاِذعان بذلك كان ثمة عامل آخر أثَّر في عقد الاتّفاق مع نظيره على عزل الاِمام ومعاوية عن الخلافة، وهو انّ الاِمام لمّا وقف على خذلانه وتثبيطه عزائم الناس عن الجهاد، عزله ونصب مكانه عاملاً آخر، فلم يزل أبو موسى في حرج من هذا الموقف الذي ترك مضاعفات سلبية في نفسه، فحفّزه على عزل الاِمام الذي اتّفق المهاجرون والاَنصار على إمامته وخلافته، إلاّنزراً يسيراً لا يتجاوز عددُهم عددَ الاَصابع.

لما بلغ علياً ما جرى بين الحكمين من الحكم على خلاف كتاب اللّه وسنّة رسوله، وغدر عمرو بن العاص، وانخداع أبي موسى، قام خطيباً، رافضاً ما حكم به الحكمان الجائران، وقال:

«الحمد للّه، وإن أتى الدهر بالخطب الفادح، والحدث الجليل، وأشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، ليس معه إله غيره، وأنّ محمّداً عبده ورسولهص.

أمّا بعد؛ فإنّ معصية الناصح، الشفيق العالم، المجرِّب، تورث الحسرة، وتعقب الندامة، وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري، ونخلت لكم مخزون رأيي، لو كان يطاع لقصير أمرٌ، فأبيتم عليَّ اباء المخالفين الجفاة، والمنابذين العصاة، حتّى ارتاب الناصح بنصحه، وضنَّ الزنْد بقدْحه، فكنت أنا وإياكم كما قال أخو هوازن:

أمرتكم أمــري بمنعــرج اللّوى * فلم تستبينوا النصح إلاّ ضحى الغد(۶)

صدق الاِمام، إنّ من الخطب الفادح، والحدث الجليل، خلع صدّيق الاَُمّة، وأوّل من آمن برسالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصدّق به، وبات في فراشه، دفعاً لريب المنون عنه، وجاهد في سبيل اللّه بنفسه ونفيسه، وشهد المعارك كلها إلاّ تبوك، بأمر النبي ، إلى غير ذلك من فضائل ومناقب ومآثر جمّة اعترف بها الصديق والعدو والقريب والبعيد.

إنّ من المصائب العظام نصب معاوية بن أبي سفيان الطليق ابن الطليق، ابن آكلة الاَكباد، للخلافة والزعامة الاِسلامية، وأنّى هو من الاِسلام، وهو ثمرة الشجرة الخبيثة الملعونة في القرآن، أو ليس هذا من أدهى الدواهي؟ ولاَجل ذلك نرى أنّ الاِمام يصف تلك الحادثة المريرة، بالخطب الفادح والحدث الجليل.

هذه سيرة الرجل على وجه الاِجمال، التي هي مقدمة لدراسة ما روي عنه وعزِّى إليه، فلنذكر شيئاً من روائع أحاديثه التي تشهد الموازين على صحّتها.

روائع أحاديثه

۱. أخرج الشيخان، عن أبي بردة (ابن أبي موسى) عن أبي موسى، قال: قلت: يا رسول اللّه أيّ الاِسلام أفضل؟قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده.(۷)

۲. أخرج الاِمام أحمد، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه تُستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فقد أذنت، وإن أبت لم تكره.(۸)

۳. أخرج الاِمام أحمد، عن أبي بردة، عن أبيه (أبو موسى)قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا نكاح إلاّ بولي.(۹)

۴. أخرج الاِمام أحمد، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : الموَمن للموَمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً.(۱۰)

۵. أخرج الاِمام أحمد، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : أطعموا الجائع، وفكُّوا العاني، وعوِّدوا المريض.(۱۱)

۶. أخرج الترمذي، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : كلّكم راع وكلّكم مسوَول عن رعيته.(۱۲)

۷. أخرج الاِمام أحمد، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : أُعطيت خمساً: بعثت إلى الاَحمر والاَسود، وجعلت لي الاَرض طهوراً ومسجداً، وأُحلَّت لي الغنائم ولم تحلّ لمن كان قبلي، ونُصرت بالرعب شهراً، وأُعطيت الشفاعة. وليس من نبي إلاّ وقد سأل شفاعة، وانّي أخبأت شفاعتي ثمّ جعلتها لمن مات من أُمّتي لمن لم يشرك باللّه شيئاً.(۱۳)

هذه نماذج من روائع أحاديثه ذكرناها ليكون القارىَ على بصيرة من منزلة الرجل في نقله للحديث، وفي مقابلها روايات، رويت عنه، فيها شذوذ وعلل، لا يصحّ لباحث قبولها ونسبتها إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإليك بعضها:

۱. صحابيّ أعرف بالمصلحة من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)

أخرج أحمد، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه قال: أتيت النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» ومعي نفر من قومي، فقال:أبشروا وبشّروا من وراءكم انّه من شهد أن لا إله إلاّ اللّه صادقاً بها دخل الجنّة. فخرجنا من عند النبي نبشّر الناس، فاستقبلنا عمر بن الخطاب فرجع بنا إلى رسول اللّه، فقال عمر: يا رسول اللّه إذاً يتّكل الناس، قال: فسكت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) .(۱۴)

ولنا مع هذا الحديث وقفة قصيرة هي:

أوّلا: انّه معارض بما رواه معاذ بن جبل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: يا معاذ، قلت: لبيك يا رسول اللّه وسعديك، قال: لا يشهد عبد ان لا إله إلاّ اللّه ثمّ يموت على ذلك إلاّ دخل الجنّة، قال: أفلا أحدِّث الناس؟ قال: لا ، إنّي أخشى أن يتّكلوا عليه.(۱۵)

فالمعارضة بين الحديثين واضحة، فإنّ الاَوّل يدلّ على أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بنشر الحديث، والثاني يدل على أنّه أمر بكتمه.

وثانياً: انّ الحديث الثاني، الذي رواه معاذ يدل على أنّ النبي كان واقفاً على العلة دون حاجة إلى أن يخبره أحد بذلك.

وثالثاً: انّ الحديث الاَوّل يدل على أنّ عمر كان أعرف بالمصلحة من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وانّ هذا الحديث يترك أثراً سلبياً في قلوب الموَمنين، فلذلك لمّا أخبره عمر، سكت الرسول.

والحقّ انّ الحديثين لا يخلوان عن شذوذ وعلّة، وقد سبق الذكر الحكيم بالتصريح بذلك .قال سبحانه: (إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلك)(النساء/۱۱۶) وقال: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِعَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العِقاب) (الرعد/۶).

۲. أهل الكتاب لهم أجران

أخرج البخاري، عن أبي بردة، عن أبيه قال: قال رسول اللّه: ثلاثة لهم أجران، رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وآمن بمحمد.(۱۶)

إنّ الاِيمان بالرسل والنبي الخاتم ليس من خصائص من كان من أهل الكتاب ثمّ أسلم، بل كلّ من أسلم بلسانه وقلبه وآمن بالرسول، فقد آمن بمن قبله من الرسل، قال سبحانه:(آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُوَْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِه وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ المَصِير ) (البقرة/۲۸۵).

نعم لو كان تعدد الاَجر لاَجل ترتّب أحد الاِيمانين على الآخر كان لما ذكر وجه، ولكن الاَجر على نفس الاِيمان وسعة متعلقه، لا على ترتّب أحدهما على الآخر. وإلاّ يلزم أن يكون لمن كان يهودياً فتنصّر ثمّ أسلم، أُجور ثلاثة.

۳. التجسيم في أحاديثه

ظهر التجسيم والتشبيه في المروّيات عنه نذكر منها ما يلي:

الحديث الاَوّل: أخرج مسلم، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى قال: قام فينا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بخمس كلمات فقال: إنّاللّه عزّوجلّ لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور ـ وفي رواية أبي بكر:(حجابه) النار ـ لو كشفه لاَحرقت سُبُحاتُ وجهه، ما انتهى إليه بصره من خلقه.(۱۷)

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: فالسُّبُحاتُ (بضم السين والباء ورفع التاء في آخره) جمع سُبحة، قال صاحب العين والهروي وجميع الشارحين للحديث من اللغويين والمحدثين: معنى سُبُحاتُ وجهه: نوره وجلاله وبهاوَه.

وأمّا الحجاب (الذي يشير إلى قوله: حجابه النور أو النار) فأصله في اللغة المنع والستر، وحقيقة الحجاب إنّما تكون للاَجسام المحدودة، واللّه تعالى منزّه عن الجسم والحد.والمراد هنا المانع من روَيته، وسمي ذلك المانع نوراً أو ناراً لاَنّهما يمنعان من الاِدراك في العادة لشعاعها.

والمراد من الوجه الذات، والمراد بـ «ما انتهى إليه بصره من خلقه» جميع المخلوقات، لاَنّ بصره سبحانه و تعالى محيط بجميع الكائنات. ولفظة «من» لبيان الجنس لا للتبعيض والتقدير لو أزال المانع من روَيته وهو الحجاب المسمى نوراً أو ناراً وتجلّـى لخلقه لاَحرق جلال ذاته جميع مخلوقاته.(۱۸)

ولنا مع هذا الحديث وتفسيره وقفة:

أوّلاً: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يكلّم الناس على قدر عقولهم شأن كلّنبي، فهذه التأويلات التي ارتكبها الشارح مفاهيم لا يقف عليها إلاّ من توغّل في العلوم العقلية، وليس المخاطب إلاّ نظراء أبي موسى، فأين هوَلاء من هذه التأويلات؟!

ثانياً: انّ السُّبحة في اللغة تعني الدعاء، قال في اللسان : سميت الصلاة تسبيحاً، لاَنّ التسبيح تعظيم للّه وتنزيهه عن كلّ سوء(۱۹)وتفسيره بنور اللّه ووجهه وبهائه شيء لا تدل عليها مادة الكلمة، وإنّما جرّهم إلى ذلك التفسير لاَجل جعل الرواية ذات مفهوم صحيح.

ونقل ابن الجوزي عن أبي عبيدة: لم نسمع السُّبُحات إلاّ في هذا الحديث.(۲۰)

ويظهر من المقاييس: انّه ليس لتلك المادة إلاّ معنيان، أحدهما جنس من العبادة والآخر جنس من السعي، فالاَوّل السُّبحة ومن هذا الباب التسبيح، وهو تنزيه اللّه جلّ ثناوَه عن كلّ سوء، وعلى ذلك فتفسير السبحة بالاَنوار لا دليل عليه في اللغة.(۲۱)

ثالثاً: انّ المتبادر من قوله من خلقه انّ «من» للتبعيض بشهادة قوله: «انتهى إليه بصره» فيكون خلقه أوسع من نور بصره.

وأنت إذا عرضت هذا الحديث على عربي صميم لم يشب ذهنه بهذه المعارف، لفسَّر الحديث على وجه يلازم التجسيم، وليس في الحديث قرينة على التأويل، وإلاّ لكان التأويل مقدماً على غيره.

الحديث الثاني: أخرج الاِمام أحمد، عن أبي موسى الاَشعري: قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : يجمع اللّه عزّوجلّ الاَُمم في صعيد يوم القيامة، فإذا بدا للّه عزّوجلّ أن يصدع بين خلقه مثّل لكلّ قوم ما كانوا يعبدون فيتبعونهم حتى يُقحمونهم النار، ثمّ يأتينا ربّنا عزّ وجلّ، ونحن على مكان رفيع فيقول: من أنتم؟ فنقول: نحن المسلمون، فيقول ما تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربّنا عزّ وجلّ، قال: فيقول: وهل تعرفونه إنْ رأيتموه؟ فيقولون: نعم، فيقول: كيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون: نعم انّه لا عدل له، فيتجلّى لنا ضاحكاً، فيقول: أبشروا أيّها المسلمون، فانّه ليس منكم أحد إلاّ جعلت مكانه في النار يهودياً أو نصرانياً.(۲۲)

ورواه مسلم في صحيحه، باب معرفة طريق الروَية، بغير هذا اللفظ عن أبي هريرة.(۲۳)

وهذا الحديث يثير تساوَلات كثيرة.

الاَوّل: إنّ لازم قوله: «مثّل لكلّ قوم ما كانوا يعبدون فيتبعونهم حتّى يقحمونهم النار ثمّ يأتينا ربّنا عزّوجلّ» عدم وجود أيّ موحد يوَمن باللّه الواحد وينكر عبادة الاَوثان في الاَُمم السالفة، وهذا على خلاف الضرورة وصريح القرآن الكريم، فها هو يقول في حقّ نوح: (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاّقَلِيلٌ) (هود/۴۰) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجود الصالحين في الاَُمم السالفة.

الثاني: انّ قوله: «ثم يأتينا ربّنا ونحن على مكان رفيع» حاك عن ثبوت الحركة للّه سبحانه، بشهادة قوله: ونحن على مكان رفيع.

الثالث: انّ قوله: «من أنتم؟» أو قوله:«ما تنتظرون؟» أو قوله:«وهل تعرفونه ان رأيتموه؟» حاك عن تكلّمه سبحانه تكلّماً حسياً.

الرابع: انّه سبحانه يسألهم عن أنّهم هل يعرفون ربّهم، وهم يجيبون بقولهم: نعم، ثمّ يسألهم عن السمات التي يعرفون بها ربّهم، ويقول: «كيف تعرفونه ولم تروه؟» فيجيبون بسمة كلّية لا صلة لها بمعرفة الربّ معرفة شخصية، حيث يقولون«نعم انّه لا عدل له» فانّ وصفه بعدم العدل والندّ له، لا يكون علامة وسمة للمعرفة الشخصية.

الخامس: انّ قوله فيتجلّـى لنا ضاحكاً، صريح في الجسم والجسمانية، وانّ له سبحانه ضحكاً حسياً.

السادس: انّ قوله: «أبشروا أيّها المسلمون، فانّه ليس منكم أحد إلاّ جعلت مكانه في النار يهودياً أو نصرانياً، ينافي قوله سبحانه: (فَاليَوم لا يُوَخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا) (الحديد/۱۵) والآية وإن كانت تخاطب المنافقين والكافرين، ولكن المورد غير مخصص، فانّ عدم أخذ الفدية لاَجل انّه يخالف عدله سبحانه.

وبعبارة أُخرى: انّ اليهود والنصارى إن كانوا مستحقين للدخول في النار، فهم يدخلونها لاَعمالهم الشريرة، لا لاَن يحلّوا مكان المسلمين، وإن لم يكونوا مستحقين للدخول في النار فملء الجحيم بهم يستلزم أخذ البريء بجرم المذنب واللّه سبحانه يقول: (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (الاَنعام/۱۶۴).

وبمقارنة هذا الحديث مع ما رواه أبو هريرة في هذا المجال، يعلم مدى الاختلاف الفاحش بين الروايتين، والظاهر انّهما رواية واحدة نقلت بصورتين مختلفتين.

أخرج مسلم عن أبي هريرة انّه قال: كذلك يجمع اللّه الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الاَُمّة فيها منافقوها، فيأتيهم اللّه تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: نعوذ باللّه منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربّنا فإذا جاء ربّنا عرفناه، فيأتيهم اللّه تعالى في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: أنت ربّنا، فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهري جهنم.(۲۴)

فبالمقارنة بين الحديثين يعلم مدى التحريف الطارىَ على الرواية من أحد الجانبين، مثلاً انّ الرواية الاَُولى: (رواية أبي موسى) تصرّح بأنّه سبحانه يتكلّم مع المسلمين حيث قال: «فنقول نحن المسلمون» ويتجلى لهم، امّا الرواية الثانية (رواية أبي هريرة) فاللّه سبحانه يتكلّم مع المسلمين مع ما فيهم من المنافقين ويتجلّى للجميع.

وعلى كلّ تقدير سواء أكانتا رواية واحدة، أو كانتا روايتين فكلتاهما من الروايات المدسوسةمن قِبل أهل الجعل والوضع و التحريف.

۴. الفداء في أحاديثه

إنّ مسألة الفداء، أي أخذ شخص محل شخص آخر يوم القيامة، فكرة يهودية ومسيحية تسرّبت إلى أحاديث أبي موسى الاَشعري، وقد اتضح ذلك من خلال استعراض الرواية السابقة، وثمة روايات أُخرى نقلها مسلم عنه نأتي بنصها:

۱. روى مسلم، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» : إذا كان يوم القيامة دفع اللّه عزّوجلّ إلى كلّ مسلم يهوديّاً أو نصرانيّاً، فيقول: هذا فكاكك من النار.(۲۵)

۲. أخرج مسلم، عن عون وسعيد بن أبي بردة، انّهما شهدا أبا بردة يحدِّث عمر بن عبد العزيز، عن أبيه، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يموت رجل مسلم إلاّ أدخل اللّه مكانه النار يهوديّاً أو نصرانيّاً، قال: فاستحلفه عمر بن عبد العزيز باللّه الذي لا إله إلاّهو ثلاث مرّات أنّ أباه حدثه عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ قال: فحلف له.(۲۶)

۳. أخرج مسلم، عن أبي بردة ،عن أبيه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: يجيىَ يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها اللّه لهم ويضعها على اليهود والنصارى، فيما أحسب أنّه قال: أبو روح لا أدري ممن الشك، قال أبو بردة: فحدثت به عمر بن عبد العزيز، فقال: أبوك حدثك هذا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ قلت: نعم.(۲۷)

يظهر من الرواية الاَخيرة انّ عمر بن عبد العزيز وغيره كانوا شاكين في صحّة هذا الحديث مهما صحّ سنده.

نعم تعجّب أبو روح «وقال: لا أدري ممن الشك» أقول منشأ الشك هو انّ هذه الروايات مخالفة للذكر الحكيم كما أوعزنا إليه ولاَنّ الناس يجزون بأعمالهم لا بأعمال غيرهم قال سبحانه:(وما تُجْزَوْنَ إلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُون) (الصافات/۳۹) قال سبحانه: (يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوماً لا يجزي والِدٌ عَنْ وَلَدِه وَ لا مَولُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ وَالِدِه شَيئاً) (لقمان/۳۳).

وقال سبحانه: (فَالْيَومَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَونَ إِلاّما كُنْتُمْ تَعْمَلُون)(يس/۵۴) إلى غير ذلك من الآيات الصريحة في أنّ كلّ إنسان مرهون بعمله.

۵. الميت يُعذب ببكاء الحي

أخرج أحمد، عن ابن أبي موسى الاَشعري ،عن أبيه: انّالنبيقال: الميت يعذب ببكاء الحي عليه، إذا قالت النائحة: وا عضداه، وا ناصراه وا كاسباه، جُبذّ(۲۸). الميت وقيل له أنت عضدها أنت ناصرها، أنت كاسبها، فقلت سبحان اللّه: يقول اللّه عزّ وجلّ: (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخرْى) ، فقال: ويحك أحدثك عن أبي موسى عن رسول اللّه، وتقول هذا، فأيّنا كذّب؟! فواللّه ما كذبت على أبي موسى ولا كذب أبو موسى على رسول اللّه.(۲۹)

وأخرجه الترمذي عن أبي موسى الاَشعري انّ رسول اللّه، قال: ما من ميت يموت فيقوم باكيه، فيقول واجبلاه، واسيداه، أو نحو ذلك، إلاّ وكّل به ملكان يلهزانه(۳۰)أهكذا كنت.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.(۳۱)

وأخرجه ابن ماجة في سننه.(۳۲)

وكفى في وهن الحديث وشذوذه انّ السامع أدرك بفطرته انّه يخالف نداء الذكر الحكيم، غير انّ الذي صدّه عن التكذيب هو كون الرواية منسوبة إلى أبي موسى، عن طريق ولده، ولكن لم يعرف انّ كتاب اللّه فوق كلّ شيء، و هو المعيار لتمييز الحقّ عن الباطل.

وقد مضى انّ السيدة عائشة كذَّبت الرواية، وقالت: رحم اللّه أبا عبد الرحمان سمع شيئاً فلم يحفظه، إنّما مرّت على رسول اللّه جنازة يهودي وهم يبكون عليه، فقال: أنتم تبكون وإنّه ليعذّب .(۳۳)

۶. القعود خير من القيام

أخرج أبو داود، عن أبي كبشة قال: سمعت أبا موسى يقول: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّبين أيديكم فتناً كقِطَع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها موَمناً و يمسي كافراً و يمسي موَمناً ويصبح كافراً، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «كونوا أحلاس بيوتكم».(۳۴)

يقول الشيخ عبد العزيز بن باز في تفسير الحديث: هذه الفتنة هي الفتن التي لا يظهر وجهها ولا يعلم طريق الحقّ فيها، بل هي ملتبسة فهذه يجتنبها الموَمن ويبتعد عنها بأيّ ملجأ و من هذا الباب قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «يوشك أن يكون خير مال المسلم غُنم يتبع بها شعف الجبال مواقع القطر، يفرّ بدينه من الفتن».(۳۵)

أقول: أين الفتنة الواردة في الرواية من الاقتداء بإمام أصفقت الصحابة من المهاجرين والاَنصار على بيعته، وقدّموه إماماً للمسلمين، فهل يتصور أن يكون القاعد فيها أفضل من القائم؟!

إنّ أبا موسى مما خذل علياً وثبّط عزيمة الناس عن المشاركة في قتال الناكثين، التي أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ الاِمام سيقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين(۳۶).وقد تمسك أبو موسى بهذا الحديث ولم يشارك مع علي (عليه السلام) في القتال، ولكنّه شارك مع عمرو بن العاص في عزل علي (عليه السلام) عملاً بهذا الحديث، لكن من أين علم انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد بكلامه حرب الناكثين، وقد قامت بعده فتن وحروب ولم يكن حرب الجمل أوّل حرب دارت بين المسلمين؟!

على أنّ قوله: «كونوا أحلاس بيوتكم»ينافي الذكر الحكيم فانّه يأمر بالاِصلاح قال سبحانه: (وَإِنْطائِفَتانِ مِنَ المُوَْمِنينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحداهُما عَلى الاَُخرى فَقاتِلُوا الَّتي تَبغي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّه فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالعَدْل وَأَقْسِطُوا إِن اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطين) (الحجرات/۹).

فاللّه سبحانه يأمربالاِصلاح أوّلاً ثمّ قتال الفئة الباغية، فكيف يأمر النبي بالانعزال والانزواء؟! فالتبرير الذي برّر به عمله غير مجدٍ.

۷. الاِرجاء في حديثه

أخرج أبو داود، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» : أُمّتي هذه أُمّة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة، عذابها في الدنيا: الفتن و الزلازل والقتل.(۳۷)

أقول: إنّ فكرة الاِرجاء وإن ظهرت في أواخر القرن الاَوّل، فادّعت المرجئة أنّ الاِيمان عبارة عن الاِقرار بالقول واللسان وإن لم يكن مرافقاً للعمل، فأخذوا من الاِيمان جانب القول وتركوا جانب العمل، فكأنّهم قدّموا الاَوّل وأخّروا الثاني واشتهروا بمقولتهم «لا تضر مع الاِيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة».

لكن الحديث يدعم تلك الفكرة فيبشِّـر الاَُمّة المرحومة بالنجاة في الآخرة، وإن كان يصيبهم في الدنيا ببعض الجزاء، ولكن كتبت النجاة على الجميع، حتى الطواغيت والمجرمين والظالمين العتاة، ومن الواضح انّالحديث مخالف للقرآن الكريم والسنّة النبوية واتّفاق المسلمين، فأين قوله سبحانه: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُوَْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاوَُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) (النساء/۹۳) وقوله سبحانه: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِفَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ * يَومَ يُحْمى عَلَيْها في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لاََنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة/۳۴ـ۳۵) إلى غير ذلك من الآيات العامة لجميع الاَفراد خصوصاً الاَُمّة المرحومة التي جاءهم نبيهم بهذه الآيات والاَحكام.

۱. ابن سعد: الطبقات الكبرى:۴/۱۰۵.

۲. الجزري: أُسد الغابة: ۳/۲۴۶.

۳. تاريخ الطبري:۳/۵۱۲.

۴. تاريخ الطبري: ۵/ ۳۸، طبعة موَسسة عز الدين.

۵. ابن شهر آشوب، المناقب: ۲/۲۶۱، طبعة قم.

۶. نهج البلاغة، الخطبة ۳۵.

۷. صحيح مسلم:۱/۴۸، باب تفاضل الاِسلام؛ صحيح البخاري: ۱/۱۰، باب أي الاِسلام أفضل.

۸. مسند أحمد:۴/۳۹۴.

۹. مسند أحمد:۴/۳۹۴.

۱۰. مسند أحمد:۴/۴۰۴.

۱۱. مسند أحمد:۴/۳۹۴.

۱۲. سنن الترمذي: ۴/۲۰۸ برقم ۱۷۰۵.

۱۳. مسند أحمد:۴/۴۱۶.

۱۴. مسند أحمد:۴/۴۰۲.

۱۵. مسند أحمد:۴/۲۳۰.

۱۶. صحيح البخاري: ۱/۳۵، باب تعليم الرجل أمته وأهله.

۱۷. صحيح مسلم:۱/۱۱۱، باب في قوله (عليه السلام) : إنّ اللّه لا ينام و في قوله: حجابه النور لو كشفه لاَحرق سُبُحاتُ وجهه.

۱۸. النووي: شرح مسلم: ۳/۱۷.

۱۹. لسان العرب:۲، مادة سبح.

۲۰. ابن الجوزي: دفع شبه التشبيه: ۲۰۲.

۲۱. المقاييس:۵/۱۲۵.

۲۲. مسند أحمد:۴/۴۰۷ ـ ۴۰۸.

۲۳. صحيح مسلم:۱/۱۱۲، باب معرفة طريق الروَية.

۲۴. صحيح مسلم:۱/۱۱۳، باب معرفة طريق الروَية.

۲۵. صحيح مسلم:۸/۱۰۴ ـ ۱۰۵، باب قبول توبة القاتل.

۲۶. صحيح مسلم:۸/۱۰۴ ـ ۱۰۵، باب قبول توبة القاتل.

۲۷. صحيح مسلم:۸/۱۰۴ ـ ۱۰۵، باب قبول توبة القاتل.

۲۸. جبذ أي قطع.

۲۹. مسند أحمد:۴/۴۱۴.

۳۰. يقال لهز فلاناً أي لكزه، وقيل ضربه بجمع كفه في اللهزمة والرقبة.

۳۱. سنن الترمذي:۳/۳۲۷ برقم ۱۰۰۳.

۳۲. سنن ابن ماجة: ۱/۵۰۸ برقم ۱۵۹۴ وفيه مكان يلهز، يتعتع.

۳۳. صحيح مسلم: ۳/۴۴، باب البكاء على الميت.

۳۴. سنن أبي داود: ۴/۱۰۱ برقم ۴۲۶۲. وأخرجه أحمد في مسنده:۴/۴۰۸.

۳۵. أُمّ مالك الخالدي، بيعة علي بن أبي طالب في ضوء الروايات الصحيحة، ص ۲۳۵.

۳۶. تاريخ ابن عساكر:۵/۴۱؛ تاريخ ابن كثير:۷/۳۰۶؛ كنز العمال:۶/۸۸؛ الغدير: ۳/۱۹۲.

۳۷. سنن أبي داود: ۴/۱۰۵ برقم ۴۲۷۸.