عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي الكعبي، يكنّى أبا نجيد، أسلم هو وأبوه وأبو هريرة في سنة ۷هـ، وله عدّة أحاديث، وغزا مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) غزوات، بعثه عمر بن الخطاب إلى البصرة ليفقِّه أهلها، وكان من فضلاء الصحابة، واستقضاه عبد اللّه بن عامر على البصرة فأقام قاضياً يسيراً ثمّ استعفى فأعفاه.

روى عنه الحسن وابن سيرين.

وقال الذهبي: وكان ممّن اعتزل الفتنة، ولم يحارب مع علي «عليه السلام».

أقول: ما ذكره الذهبي شنشنة أعرفها من كلّ من يكنّ العداء لاَهل البيت (عليهم السلام) وعلى رأسهم أمير الموَمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، كيف يصف الذهبي حروب علي مع الناكثين و القاسطين والمارقين فتنة، وقد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بها؟!! روى أبو أيّوب الاَنصاري، قال: أمرني رسول اللّه بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين مع علي.(۱)

روى أبو سعيد الخدري: أمرنا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، قلنا: يا رسول اللّه، أمرتنا بقتال هوَلاء، فمع من؟ قال: مع علي بن أبي طالب، معه يقتل عمار بن ياسر.(۲)

روى عمّار بن ياسر، قال: أمرني رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.(۳)

قال الخطيب في تاريخه عن خليد العصري، قال: سمعت أمير الموَمنين علياً يقول يوم النهروان: أمرني رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين.(۴)

والروايات المروية عنه تحكي عن تعاطفه مع علي (عليه السلام) ولعلّه لم يشارك في الحروب، لعذر كالمرض كما يظهر ممّا نقله العلاّمة المجلسي في البحار.

توفي عمران سنة ۵۲ في البصرة.

قال الذهبي: مسنده ۱۸۰ حديثاً، اتّفق الشيخان له على تسعة أحاديث، وانفرد البخاري بأربعة أحاديث، ومسلم بتسعة.(۵)

وقد جمعت رواياته في المسند الجامع فبلغت ۹۸ حديثاً.(۶)

فلنذكر شيئاً من روائع رواياته، ثمّ نذكر ما عزي إليه وهي تخالف الاَُصول الصحيحة.

روائع رواياته

۱. أخرج مسلم في صحيحه، عن مطرّف، عن عمران بن حصين، قال: تمتّعنا مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم ينزل فيه القرآن، قال رجل برأيه ما شاء.(۷)

وقد رواه مسلم أيضاً بطرق أُخرى عن عمران بن حصين، ومراده من «رجل» هو عمر بن الخطاب الذي نهى عنه كما رواه أحمد في مسنده.(۸)

۲. أخرج أحمد في مسنده عن أبي داود، عن عمران بن حصين، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : من كان له على رجل حق، فمن أخر، كان له بكلّ يومٍ صدقة.(۹)

۳. أخرج أبو داود في سننه عن محمد بن سيرين، عن عمران بن حصين، قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : من حلف على يمين مصبورة(۱۰)كاذباً فليتبوأ بوجهه مقعده من النار.(۱۱)

۴. أخرج النسائي في سننه، عن محمد بن الزبير، عن أبيه، عن رجل من أهل البصرة، قال: صحبت عمران بن حصين، قال: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يقول: النذر نذران، فما كان من نذر في طاعة اللّه فذلك للّه، وفيه الوفاء، وما كان من نذر في معصية اللّه فذلك للشيطان ولا وفاء فيه، ويكفره ما يكفر اليمين.(۱۲)

۵. أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي المهلَّب، عن عمران بن حصين: انّ امرأة من جهينة أتت نبي اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي حبلى من الزنا فقالت: يا نبيّ اللّه أصبت حدّاً فأقمه عليَّ، فدعا نبي اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وليّها، فقال: أحسن إليها فإذا وضعت فائتني بها، ففعل فأمر بها نبي اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فشكَّت عليها ثيابها ثمّ أمر بها فرجمت ثمّ صلى عليها.

فقال له عمر: تصلّي عليها يا نبيّ اللّه وقد زنت؟ فقال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها للّه تعالى؟!(۱۳)

۶. أخرج أحمد، عن أبي الرجاء العطاردي، قال: خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطرَّف من خز لم نره عليه قبل ذلك ولا بعد، فقال: إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من أنعم اللّه عزّ وجلّ عليه نعمة فانّ اللّه عزّوجلّ يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه، وقال الروح ببغداد... يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.(۱۴)

۷. أخرج الدارمي في سننه، عن الحسن، عن عمران بن حصين، انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: مقام الرجل في الصف في سبيل اللّه أفضل من عبادة الرجل ستين سنة.(۱۵)

۸. أخرج أحمد في مسنده، عن أبي مراية، عن عمران بن حصين، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا طاعة في معصية اللّه تبارك و تعالى.(۱۶)

۹. أخرج الترمذي في سننه، عن مطرِّف بن عبد اللّه عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) جيشاً، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) فمضى في السّريّة، فأصاب جارية، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: إذا لقينـا رسـول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبرناه بما صنع عليّ، وكان المسلمون إذا رجعوا من السّفر بدأوا برسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فسلّموا عليه، ثمّ انصرفوا إلى رحالهم، فلمّا قدمتِ السّريّةُ، سلّمـوا على النبيفقام أحد الاَربعـة، فقـال: يا رسول اللّه، ألم تر انّ علي بن أبي طالب صنع كذا و كذا، فأعرض عنه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثمّ قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثمّقام الثالث فقال مثل مقالته: فأعرض عنه، ثمّ قام الرابع فقال مثل ما قالوا. فأقبل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) والغضب يعرف في وجهه، فقال: ما تريدون من عليّ، ما تريدون من عليّ، ما تريدون من عليّ؟! إنّ عليّاً منّي، وأنا منه، وهو وليُّ كلّ موَمن بعدي.(۱۷)

۱۰. أخرج ابن ماجة في سننه، عن القاسم بن مهران، عن عمران بن حصين، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ اللّه يحبُّعبده الموَمن، الفقير، المتعفف، أبا العيال.(۱۸)

ويوَيده قوله سبحانه:(لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّه لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرباً فِي الاََرْضِ يَحْسَبُهُمُ الجاهِلُ أَغْنياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ الناسَ إِلحافاً وَما تُنفِقُوا مِنْ خَيرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيم) (البقرة/۲۷۳).

هذه شيء من روائع رواياته وكم لها من نظير، وقد عزي إليه ما لا ينطبق عليه الموازين التي استعرضناها في صدر الكتاب فلنذكر منها شيئاً

أحاديثه السقيمة

۱. الميت يعذب ببكاء الحي

أخرج أحمد في مسنده عن محمد بن سيرين، قالوا: ذكروا عند عمران بن حصين «الميت يعذب ببكاء الحي»، فقالوا: كيف يعذب الميت ببكاء الحي؟

فقال عمران قد قاله رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم).(۱۹)

إنّ تعجّب الحاضرين أوضح دليل على أنّ الرواية مخالفة للفطرة الاِنسانية التي بني عليها الدين، وقد أثارت حفيظتهم ودفعتهم إلى القول بأنّه «كيف يعذب الميت ببكاء الحي؟»وقد ذكرنا ما هو الصحيح غير مرّة .

۲. خير القرون قرني

أخرج مسلم في صحيحه، عن زهدم بن مُضرّب، سمعت عمران بن حصين يحدث انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إنّ خيركم قرني، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم، ثمّالذين يلونهم، قال عمران: فلا أدري أقال رسول اللّه صبعد قرنه مرّتين أو ثلاثة، ثمّ يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون،ويخونون ولا يُوَتمنون، ويَنذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السِّمن.(۲۰)

التاريخ الصحيح لا يذعن بما جاء في الرواية، فلنضرب عن عصر الخلفاء الراشدين صفحاً، ونستعرض العهد الا َُموي الذي تسلم فيه الا َُمويون منصة الخلافة ابتداءً من معاوية بن أبي سفيان فيزيد بن معاوية فمروان بن الحكم ثم أبناوَه الاَربعة، فهل يمكن أن نعدَّ هذه الحقبة من التاريخ خير القرون، وقد قتل فيها سبط النبيالحسين بن علي (عليهما السلام) ، وأُبيحت دماء أهل المدينة وأعراض نسائهم، وحوصرت مكة وهتكت حركتها بيد الحجاج بن يوسف الثقفي، واستعبد أبناء المهاجرين والاَنصار، ونُقش على أيديهم كما ينقش على أيدي غلمان الروم؟! إلى غير ذلك من الجرائم البشعة التي يندى لها جبين الاِنسانية.

وأنت إذا أمعنت في كتب التواريخ وجدت النصف الثاني من القرن الاَوّل من أشرِّ القرون لا خير فيه، ولا في خلفائه وأُمرائه، والناس بأُمرائهم أشبه منهم بآبائهم.

۳. أكثر أهل النار النساء

أخرج البخاري في صحيحه، عن أبي رجاء، عن عمران بن حصين، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: اطّلعت في الجنّة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطّلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء.(۲۱)

أقول: لو ثبت الحديث وانّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اطّلع من عالم الغيب على أنّ أكثر أهل النار من النساء، لاَخذنا به ، لكنّه لم يثبت، و الواقع المشهود في تاريخ البشر هو انّ نسبة وقوع المعاصي من قِبل الرجال أكثر منه عند النساء، فثمة معاصي موبقة لا يقوم بها غالباً إلاّ الرجال كاللواط والسرقة والقتل وغيرها.

أمّا النساء فيلازمن المنازل غالباً ويقمنَ بالوظائف البيتية أو العمل في المزارع والمعامل.

أضف إلى ذلك انّ المعاناة التي تلاقيها المرأة أيّام الحمل والوضع بمثابة مطهر لها من الذنوب ولو ماتت في هذا السبيل ماتت شهيدة.

روى النسائي عن عقبة بن عامر انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «والنفساء في سبيل اللّه شهيد».(۲۲)

ومن لاحظ الروايات الواردة في هذا المجال رأى فيها قسوة ظاهرة في حقّ النساء.

روى مسلم، عن عمران بن حصين، عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: إنّ أقل ساكني الجنة النساء.(۲۳)

وروى أيضاً عن أُسامة بن زيد، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : كنت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين، وإذا أصحاب الجد محبوسون إلاّ أصحاب النار فقد أُمر بهم إلى النار، وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء.

والقضية في كلا الجانبين قابلة للنقاش، ومعنى ذلك انّه لا يدخل غني الجنة ولا يدخل رجل النار.

وروى مسلم أيضاً عن أُسامة بن زيد بن حارثة، وسعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل انّهما حدثا عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال: ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء.(۲۴)

إنّ القرآن الكريم يذكر الاَموال والاَولاد من أسباب الفتنة، ويقول:(إِنّما أَمْوالُكُمْ وَأَولادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيم) (التغابن/۱۵).

ولا يذكر النساء من أسبابها وإنّما يصفهنّ بقوله: (إنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَولادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) (التغابن/۱۴).

فضرر النساء على الرجال أقل بكثير من ضرر حبّ الرئاسة والجاه والمال.

۴. كل ميسّر لما خلق له

أخرج البخاري في صحيحه، عن عمران بن حصين، قال: قال رجل: يا رسول اللّه، أيعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال: نعم، قال: فلم يعمل العاملون؟

قال: كلّ يعمل لما خلق له، أو لما يسّـر له.(۲۵)

أقول: لما كان مضمون الحديث يعادل الجبر، سأل السائل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقال: إذا كان كلّإنسان مسيّر إما إلى الجنة أو إلى النار فلماذا يعمل أهل الجنة مع أنّمصيرهم إليها، (فلِمَ يعمل العاملون)؟

والسوَال جيد جداً، وأمّا الجواب فليس بمقنع ولا قالع للاشكال لولم نقل انّه دعم للاشكال، حيث جاء فيه: كلّ ميسر لما خلق له ، فأهل الجنة خلقوا للجنة فيعملون لها، وأهل النار خلقوا للنار فيعملون لها.

فعنذئذٍ تثار تساوَلات:

الاَوّل: إذا كان أهل الجنّة خلقوا للجنة فهم يدخلون الجنة شاءوا أم أبوا، فما معنى التكليف والعمل؟

الثاني: إذا كان أهل النار خلقوا للنار شاءوا أم أبوا، فما هو ذنبهم في دخلوهم النار؟

وقد حاول الشارحون دفع الاِشكال فلم يأتوا بشيء مقنع .

قال ابن حجر في شرحه للحديث: وفيه قصة لاَبي الاَسود الدوَلي مع عمران، وفيه قوله له: أ يكون ذلك ظلماً ؟ فقال: لا، كلّ شيء خَلْقُ اللّه وملك يده فلا يسأل عمّا يفعل.

قال عياض: أورد عمران على أبي الاَسود شبهة القدرية من تحكمهم على اللّه ودخولهم بآرائهم في حكمه، فلما أجابه بما دلّعلى ثباته في الدين قواه بذكر الآية وهي حدّ لاَهل السنة، وقوله :«كلّ شيء خلق اللّه وملكه» يشير إلى أنّ المالك الاَعلى الخالق الآمر لا يُعترض عليه إذا تصرف في ملكه بما يشاء، وإنّما يعترض على المخلوق المأمور.(۲۶)

ما نقله ابن حجر عن عياض مخالف للفطرة الاِنسانية التي بني عليها الدين، إذ لا شكّ انّه سبحانه هو الخالق وله التصرّف في ملكه كيفما يشاء هذا من جانب.

ومن جانب آخر انّه حكيم وحكمته تصدّه عن أن يختار الجانب الذي فيه تعذيب البريء والرضيع إلى غير ذلك من الاَعمال التي تعد ظلماً عند العقل وقبيحاً عند الجميع.

فهوَلاء ينظرون إلى سعة قدرته ويغضّون البصر عن حكمته ورأفته وعدله.

وما نقله من مناظرة أبي الاَسود الدوَلي مع عمران بن الحصين نقله الاِمام أحمد في مسنده وإليك نصه:

أخرج أحمد في مسنده عن أبي الاَسود الدوَلي، قال: قال لي عمران بن الحصين: أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه، أشيء قضي عليهم و مضى عليهم من قدر ما سبق؟ أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم،وثبتت الحجة عليهم؟ فقلت : بل شيء قضي عليهم، ومضى عليهم. قال: فقال: أفلا يكون ظلماً؟ قال: ففزعت من ذلك فزعاً شديداً. وقلت: كلّ شيء خلق اللّه وملك يده، فلا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون، فقال لي : يرحمك اللّه. إنيّ لم أرد بما سألتك إلاّ لاَحرز عقلك.

إنّ رجلين من مزينة أتيا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالا: يا رسول اللّه، أرأيت ما يعمل الناس اليوم، ويكدحون فيه، أشيء قضي عليهم و مضى فيهم من قدر قد سبق، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم، وثبتت الحجة عليهم؟ فقال: لا بل شيء قضى عليهم و مضى فيهم، وتصديق ذلك في كتاب اللّه عزّ وجلّ:(وَنَفْسٍ وَما سَوّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها).(۲۷)

إنّ أبا الاَسود الدوَلي عالم من علماء الاَُمّة تخرّج على يدي علي بن أبي طالب وله الفضل في تدوين علم النحو برعاية الاِمام (عليه السلام) .

وعمران بن الحصين صحابي جليل نهل من نمير علم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد دارت المناظرة بين تابعي وصحابي، ولكن الغلبة كانت حليف أبي الاَسود الدوَلي لاَنّه إذا كان مصير كلّ إنسان محتوماً عليه ومقضيّاً به ولم يكن للاِنسان دور فيه، فما معنى حمل مسوَوليته على عاتقه. قال سبحانه: (انَّ السَّمعَ والبَصَرَ وَالفُوَادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْوَولاً) (الاِسراء/۳۶). وقال سبحانه: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسوَُولون) (الصافات/۲۴) وقال تعالى: (وَكانَ عَهْدُ اللّهِ مَسْوَولاً) (الاَحزاب/۱۵).

ولاَجل ذلك اعترض أبو الاَسود الدوَلي على عمران، بأنّ إنكار دور الاِنسان في مصيره يلازم كون العقاب عليه ظلماً.

فما أجاب به عمران بن الحصين: من أنّ كلّشيء خلق اللّه وملك يده فلا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون ،جواب غير مقنع، إذ لا شكّ انّ اللّه سبحانه مالك للملك والملكوت، ولا يملك إنسان شيئاً إلاّ بإذنه، ولكنّ حكمته سبحانه وعدله يصدّه عن أن يظلم عباده، وكون الدنيا وما فيها ملكاً له لا يبرّر التصرف في ملكه على خلاف العدل. أي أخذ البريء بلا جرم.

وخلاصة الكلام: انّ هنا أصلين كونه مالكاً وكونه حكيماً، فلا يتصرف في ملكه إلاّ في إطار الحكمة مع كونه قادراً على التصرف على خلافها، واللّه سبحانه لا يسأل عما يفعل، لاَنّه حكيم لا يفعل على خلاف حكمته، ويعود السوَال عنه سوَالاً لغواً غير مجدٍ.

ثمّ إنّ الصحابي الجليل استند ـ حسب الرواية ـ إلى قصة رجلين من مزينة وهو أيضاً غير مقنع، إذ يرد عليه ما أورد على جواب المناظر.

فرفض أمثال هذه الروايات أفضل من أخذها وتأويلها.

۱. الاستيعاب: ۳/۵۳.

۲. البداية و النهاية:۷/۳۱۷.

۳. مجمع الزوائد: ۷/۲۳۸.

۴. تاريخ بغداد: ۸/۳۴۰؛ تاريخ ابن كثير: ۷/۳۰۵.

۵. سير أعلام النبلاء: ۲/۵۱۲؛ أُسد الغابة: ۴/۱۳۸.

۶. المسند الجامع: ۱۴/۲۰۶ـ ۲۸۱ برقم ۵۰۸.

۷. صحيح مسلم: ۴/۴۸،باب جواز التمتّع من كتاب الحج.

۸. مسند أحمد: ۴/۴۳۶.

۹. مسند أحمد: ۴/۴۴۲.

۱۰. المصبورة أي الزم بها وحبس عليها.

۱۱. سنن أبي داود: ۳/۲۲۰ برقم ۳۲۴۲؛ مسند أحمد:۴/۴۳۶.

۱۲. سنن النسائي: ۷/۲۸ـ ۲۹، باب كفارة النذر.

۱۳. صحيح مسلم:۵/۱۳۰، باب من اعترف على نفسه بالزنا.

۱۴. مسندأحمد: ۴/۴۳۸.

۱۵. سنن الدارمي: ۲/۲۰۲، باب في مقام الرجل في سبيل اللّه.

۱۶. مسند أحمد: ۴/۴۲۶.

۱۷. سنن الترمذي:۵/۶۳۲ برقم۳۷۱۲؛ و مسند أحمد : ۴/۴۳۷.

۱۸. سنن ابن ماجة: ۲/۱۳۸۰ برقم ۴۱۲۱.

۱۹. مسند أحمد: ۴/۴۳۷.

۲۰. صحيح مسلم: ۷/۱۸۵ـ ۱۸۶، باب فضل الصحابة ، ثمّ الذين يلونهم ثمّالذين يلونهم.

۲۱. صحيح البخاري: ۴/۱۱۷، باب ماجاء في صفة الجنة.

۲۲. سنن النسائي: ۶/۳۷.

۲۳. صحيح مسلم: ۸/۸۸، باب أكثر أهل الجنة الفقراء.

۲۴. المصدر نفسه.

۲۵. صحيح البخاري: ۷/۱۲۲، باب في القدر.

۲۶. فتح الباري: ۱۱/۴۹۳.

۲۷. مسند أحمد: ۴/۴۳۸.