وهو ثوبان بن بجدد، وقيل: ثوبان بن حجدر، يُكنّى أبا عبد اللّه، وهو من حمير من اليمن، أصابه سباء فاشتراه رسول اللّه فأعتقه، وقال له: إن شئت أن تلحق بمن أنت منهم، وإن شئت أن تكون منّا، فثبت على ولاء رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» ، ولم يزل معه سفراً وحضراً إلى أن توفي رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» فخرج إلى الشام فنزل إلى الرملة وابتنى بها داراً وابتنى بمصر داراً وبحمص داراً، وتوفي بها سنة ۵۴ هـ وشهد فتح مصر.

روى عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أحاديث، روى عنه: شدّاد بن أوس، وجبير بن نفير، وأبو إدريس الخولاني، وأبو سلام ممطور الحبشي، ومعدان بن طلحة، وأبو الاَشعث الصنعاني، وأبو أسماء الرحبي، وأبو الخير اليزنيّ، وغيرهم.(۱)

وقد جمعت رواياته في المسند الجامع فبلغت ۶۴ رواية.(۲)

كما نقلت عنه روايات رائعة و عزيت إليه أُخرى سقيمة.

روائع أحاديثه

۱. أخرج أحمد في مسنده، عن عبد الرحمان بن ميسرة، عن ثوبان، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: استقيموا تفلحوا، وخير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلاّ موَمن.(۳)

۳. أخرج أحمد في مسنده، عن سالم بن أبي الجعد، قال: قيل لثوبان: حدثنا عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال: لتكذبون عليّ سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يقول: ما من مسلم يسجد للّه سجدة إلاّ رفعه اللّه بها درجة، وحطّ عنه بها خطيئة.(۴)

۳. أخرج أحمد عن أبي زرعة، عن ثوبان، قال: لعن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) الراشي، والمرتشي، والرائش. (يعني الذي يمشي بينهما).(۵)

۴. أخرج ابن ماجة في سننه، عن عبد اللّه بن أبي الجعد، عن ثوبان، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا يزيد في العمر إلاّ البرّ، ولا يردّ القدر إلاّ الدّعاء، وانّ الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها.(۶)

والرواية من دلائل القول بالبداء، وهو تغيير المصير بصالح الاَعمال.

۵. أخرج الترمذي، عن أبي سلمة، عن ثوبان، قال: قال رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» : من قال حين يمسي: «رضيت باللّه ربّاً وبالاِسلام ديناً، و بمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) نبيّاً» كان حقاً على اللّه أن يرضيه.(۷)

۶. أخرج الترمذي في سننه، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّما أخاف على أُمّتي الاَئمّة المضلّين، قال: وقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :لا تزال طائفة من أُمّتي على الحقّ ظاهرين لا يضرّهم من يخذلهم حتى يأتي أمر اللّه.(۸)

هذه ثلّة من رواياته الرائعة ،وقد عزيت إليه طائفة أُخرى من الروايات ممّا لا تخلو من إشكال:

أحاديثه السقيمة

۱. ضرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يدَ بنت هبيرة

أخرج النسائي في سننه، عن أبي أسماء الرحبي، انّ ثوبان مولى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حدَّثه، قال:

جاءت بنت هبيرة إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي يدها فتخ(فقال كذا في كتاب أبي، أي خواتيم ضخام) فجعل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يضرب يدها، فدخلت على فاطمة بنت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) تشكو إليها الذي صنع بها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فانتزعت فاطمة سلسلة في عنقها من ذهب، وقالت: هذه أهداها إليَّ أبو حسن، فدخل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والسلسلة في يدها، فقال يا فاطمة أيغرُّك أنْ يقول الناس: ابنة رسول اللّه وفي يدها سلسلة من نار، ثمّ خرج ولم يقعد.

فأرسلت فاطمة(عليها السلام) بالسلسلة إلى السوق ، فباعتها، واشترت بثمنها غلاماً، وقال مرّة عبداً ـ و ذكر كلمة معناها ـ فأعتقته، فحُدِّث بذلك.

فقال: الحمد للّه الذي أنجى فاطمة من النار.(۹)

أقول: ثمة تساوَلات:

أوّلاً: انّ الخواتيم التي كانت في يد بنت هبيرة ـ سواء أكانت من فضة أم من ذهب ـ لم يكن التزيّن بها محظوراً على المرأة، فكيف يعاتبها النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» لا سيما إذا كان اقتناوَها لها مشروعاً كما هو المفروض؟

وثانياً: الظاهر انّ بنت هبيرة كانت بالغة بشهادة انّها كانت تتختم بخواتيم ضخام، ودخلت على فاطمة تشكو إليها ما صنع بها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ،فكيف يصحّ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مس يدها بالضرب مع أنّها أجنبية؟! والظاهر انّ الضرب كان بالمباشرة لا بالآلة.

ثالثاً: لو افترضنا جواز الضرب، لكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أجلّ من أن يضرب يد بنت هبيرة تأدباً وترهباً، بل كان اللازم أن يأمرها بالمعروف بأُسلوب لائق.

رابعاً: انّ الحديث يدل على أنّه لما دخلت بنت هبيرة على فاطمة واشتكت عمّا صنع بها رسول اللّه، انتزعت فاطمة سلسلة في عنقها من ذهب، وقالت: هذه أهداها إليَّ أبو حسن ، مستظهرة بأنّ التزين بالذهب أمر حلال للمرأة وليس لاَحد الاعتراض عليك.

ومن الواضح انّ فاطمة من أهل البيت الذين طهّرهم اللّه تطهيراً، وهي أجلّ من أن تعترض على أبيها بانتزاع ما في عنقها من الذهب.

خامساً: ثمّ إنّ الحديث يتضمن انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل عليها والسلسلة في يدها، فقال: «يا فاطمة أيغرّك أن يقول الناس ابنة رسول اللّه وفي يدها سلسلة من نار».

ثمّ خرج ولم يقعد....

وعندئذٍ يثار السوَال التالي.

إنّ السلسلة التي كانت في يدها لا تخلو عن حالتين، إمّا أن تكون ملكاً للغير غير راض بالتصرف فيها، أو ملكاً لفاطمة.

والاَوّل لا يليق أن ينسب إلى بنت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) التي يدور على رضاها وغضبها رضى رسول اللّهوغضبه.

وعلى الثاني كيف يفسّر ما ورد في الحديث«وفي يدها سلسلة من نار»وليس ما تتزيّن به المرأة من أقسام الكنز حتى تكون سلسلة من نار؟!

وأغلب الظن انّ الحديث من الموضوعات التي اختلقها الجهاز الاَموي الحاكم للحطِّ من شأن فاطمة الزهراء وبعلها .فسلام اللّه عليهما يوم ولدا ويوم استشهدا، ويوم يبعثان حيّين.

۲. دعاء النبي غير المستجاب

أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :

زوي لي الاَرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وانّ أُمّتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، و أُعطيت الكنزين الاَحمر والاَبيض، وانّي سألت ربّي لاَُمّتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوّاً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وانّ ربّي، قال: يا محمد إنّي إذا قضيت قضاء فانّه لا يرد وانّي أعطيتك لاَُمّتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا اسلّط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، أو قال: من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يُـهلك بعضاً ويُسبي بعضهم بعضاً.(۱۰)

أقول: وقد رواه الاِمام أحمد بلفظ آخر، عن عبد اللّه بن شداد، عن معاذ بن جبل، وقد ذكرناه في ترجمة معاذ بن جبل.

ومن الواضح انّالحوادث والنوازل التي ألمّت بالمسلمين عبر التاريخ خير شاهد على أنّه سبحانه سلّط عليهم عدواً من غير أنفسهم نتيجة أعمالهم وانحرافهم، فقد بسط الوثنيون المغول نفوذهم على معظم البلاد الاِسلامية واستولوا على حاضرتها بغداد وأبادوا الحرث والنسل.

فكيف يدّعي الحديث بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أُعطي سوَله؟!

۳. خروج رايات سود من المشرق

أخرج أحمد في مسنده، عن أبي قلابة، عن ثوبان، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :

وإذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان، فأتوها فانّ فيها خليفة اللّه المهدي.(۱۱)

ونظير ذلك ما أخرجه ابن ماجة عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلّهم ابن خليفة، ثمّ لا يصير إلى واحد منهم، ثمّ تطلع الرايات السود من قبل المشرق ويقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم ـ ثمّ ذكر شيئاً لا أحفظه ـ فقال: فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج فانّه خليفة اللّه المهدي.(۱۲)

قال في الزوائد: هذا اسناد صحيح، رجاله ثقات، ورواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين.

إنّ أمثال هذه الروايات ـ وإن رويت باسناد صحيح ـ وضعت حينما قامت الدولة العباسية التي وليها أبو العباس السفاح (۱۰۸ـ ۱۳۶هـ) ـ و هو أوّل خليفة عباسي يتولّى زمام الاَُمور ـ فكيف يبشِّر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الخليفة المهدي الذي خضَّب الاَرض بدماء المسلمين حتى لُقّب بالسفاح؟!

قال السيوطي: وكان السفاح سريعاً إلى سفك الدماء، فأطمعه في ذلك عُمّاله في المشرق والمغرب، ومن أراد الاِلمام بسيرته فليقرأ ما ذكره ابن الاَثير في تاريخه.(۱۳)

وقد أسرف تجار الحديث وعلماء البلاط العباسي في وضع الحديث في فضل العباس وأولاده ممّا حدا بابن الجوزي أن يذكر قسماً وافراً منها في كتابه «الموضوعات» تحت العناوين التالية:

۱. باب في فضل العباس وأولاده.

۲. باب في عدد خلفاء بني العباس.

۳. باب في زيادة ولاية بني العباس على ولاية بني أُمية.

وجاء من يحمل نزعة أموية فوضعوا روايات في غمض بني العباس، نقلها ابن الجوزي تحت ذلك العنوان، وقال في آخره: وقد روي ضد هذا. فنقل باسناده عن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا أقبلت الرايات السود من خراسان فأتوها فإنّ فيها خليفة اللّه المهدي.

وقال هذا حديث لا أصل له، ولا نعلم أنّ الحسن (الوارد في سند الحديث) سمع من عبيدة ولا ابن عمر سمع من الحسن، قال يحيى: عمر لا شيء(۱۴).

۱. أُسد الغابة: ۱/۲۴۹؛ سير أعلام النبلاء:۳/۱۵ برقم ۵.

۲. المسند الجامع: ۳/۳۱۵ـ ۳۵۳.

۳. مسند أحمد: ۵/۲۸۰.

۴. مسند أحمد: ۵/۲۸۳.

۵. مسند أحمد: ۵/۲۷۹.

۶. سنن ابن ماجة: ۱/۳۵ برقم ۹۰.

۷. سنن الترمذي: ۵/۴۶۵ برقم ۳۳۸۹.

۸. سنن الترمذي: ۴/۵۰۴ برقم ۲۲۲۹.

۹. سنن النسائي: ۸/۱۵۸.

۱۰. صحيح مسلم: ۸/۱۷۱، باب هلاك هذه الا َُمّة بعضهم ببعض من كتاب الفتن.

۱۱. مسند أحمد: ۵/۲۷۷.

۱۲. سنن ابن ماجة: ۲/۱۳۷۶ برقم ۴۰۸۴.

۱۳. الكامل في التاريخ، لابن الاَثير: ۵/۴۰۸.

۱۴. الموضوعات: ۲/۳۰ ـ ۳۹.