أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام الخزرجي النجاري، كنيته أبو حمزة، قدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة وهو ابن عشر سنين فأهدته أُمّه لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كي يخدمه، وانتقل من المدينة بعد ان مُصِّرت البصرة أيام عمر بن الخطاب وسكنها.(۱)

أمّا أبوه فهو مالك بن النضر فلا يذكرون عنه شيئاً سوى انّه غضب على أُمّ سليم و خرج إلى الشام فمات كافراً هناك.

وأمّا أُمّه فهي أُمّ سُليم بنت مِلْحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب ابن عامر بن غنم بن عدي بن النجّار الاَنصارية الخزرجية النجّارية، فقد خطبها أبو طلحة بعد ما مات زوجها مالك، وهو مشرك، فقالت: أمّا انّ لي فيك رغبة وما مثلك يُرد، ولكنك كافر وأنا امرأة مسلمة فان تسلم فلك مهري و لا أسألك غيره، فأسلم وتزوّجها.

و كان لاَُمّ سُليم مواقف في بعض الغزوات لا سيما يوم أُحد.(۲)

وقد وصف أنس بالاَوصاف التالية:

المفتي، المقرىَ، المحدِّث، راوية الاِسلام، خادم رسول اللّه، وهو آخر أصحابه موتاً وحيث إنّه ولد قبل الهجرة بعشر سنين وأشهر الاَقوال في وفاته انّه توفي عام ۹۳ فيكون عمره على هذا مائة وثلاثة سنين.

يقول الذهبي: قال الاَنصاري اختلف علينا في سنّ أنس، فقال بعضهم: بلغ ۱۰۳ سنين، وقال بعضهم: ۱۰۷ سنين.

وقال أيضاً: مسنده ألفان ومائتان وستة وثمانون، اتّفق له البخاري ومسلم على ۱۸۰ حديثاً، وانفرد البخاري بثمانين حديثاً، ومسلم بتسعين.(۳)

وقد أحصيتْ أحاديثه في المسند الجامع فبلغت ۱۴۷۲(۴)وهو يقل بكثير عمّا ذكره الذهبي والحقّ انّ المسند الجامع ليس بجامع.

وكان أنس يقول: قدم رسول اللّه المدينة وأنا ابن عشر و مات وأنا ابن عشرين، وكن أُمّهاتي تحثّني على خدمته.(۵)

وعلى ذلك فما يرويه من الروايات عن النبي مباشرة ـ وهو الاَغلب ـ إنّما أخذه في هذه السنين وهو بعدُ لم يزل صبياً، مراهقاً.

يروي عن: النبي، وعن: أبي بكر وعمر و عثمان ومعاذ وأسيد بن الحضير وأبي طلحة وأُمّه أُمّ سُليم وفاطمة الزهراء وغيرهم.(۶)

كما أخذ عنه خلق كثير ، منهم: الحسن البصري، وابن سيرين، و الشعبي، وأبو قلابة، ومكحول، وعمر بن عبد العزيز، وثابت البناني، إلى غير ذلك ممّن يروي عنه.(۷)

وقد شارك في بعض الغزوات وجاء في حديثه مشاركته في غزوة خيبر كما سيوافيك وهو الراوية الثاني للحديث النبوي بعد أبي هريرة، فهما من المكثرين للرواية عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم).

ومن أبرز سماته انّه يروي في أغلب الاَحيان أفعال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما هو واضح لمن استقصى أحاديثه فالقول والفعل كلاهما سنّة.

وقد خدم البيت النبوي مدّة مديدة لمس خلالها مدى الحب والعناية التي كان النبي يوليها لبنته فاطمة الزهراء وابنيها الحسن والحسين (عليهم السلام) ، فانعكس كل ذلك على اخباره.

روى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال: حسبك من نساء العالمين: مريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، وآسية امرأة فرعون.(۸)

وروي أيضاً: جاء جبرئيل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعنده خديجة، فقال: إنّ اللّه يقرىَ خديجة السلام، فقالت: إنّ اللّه هو السلام وعلى جبرئيل السلام وعليك السّلام ورحمة اللّه.(۹)

وروى أيضاً انّ رسول اللّه كان يمرّ بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر، يقول: الصلاة يا أهل البيت(إِنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) .(۱۰)

وروى الترمذي عن أنس بن مالك: سئل رسول اللّه أي أهل بيتك أحبّ إليك، قال: الحسن الحسين، وكان يقول لفاطمة: إدعي ابنيّ فيشمُّهما ويضمُّهما إليه.(۱۱)

أخرج الترمذي عن السدّيّ،عن أنس بن مالك، قال: كان عند النبي طير، فقال: اللّهمّ إئتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير، فجاء علي فأكل معه.(۱۲)

أخرج الاِمام أحمد عن عبد الصمد وعفان، قالا: حدّثنا حماد، عن سماك، عن أنس بن مالك انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث ببراءة مع أبي بكر الصديق (رض) فلما بلغ ذا الحليفة، قال عفان: لا يبلغها إلاّ أنا أو رجل من أهل بيتي فبعث بها مع علي (عليه السلام) .(۱۳)

كلّ ذلك يعرب عن تعاطفه مع أهل البيت (عليهم السلام) .

روائع أحاديثه

نذكر في المقام شيئاً من روائع أحاديثه ليكون انموذجاً لما لم نذكر.

۱. عن حميد عن أنس انّ رسول اللّه، قال:

انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قيل يا رسول اللّه: هذا ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال: تمنعه من الظلم.(۱۴)

۲. عن أبي عبد اللّه الاَسدي، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :

دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.(۱۵)

۳. عن قتادة عن أنس، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم):

( قل هو اللّه) تعدل ثلث القرآن.(۱۶)

۴. عن سليمان التيمي، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : من كذب عليّ فليتبوّأ مقعده من النار.(۱۷)

۵. عن أبي حفص انّه سمع أنس بن مالك يقول: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّمثل العلماء في الاَرض كمثل النجوم في السماء يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة.(۱۸)

۶. عن خلف أبي الربيع قال: حدّثنا أنس، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّهذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق.(۱۹)

۷. عن أبي التّياح انّه سمع أنس بن مالك، قال:قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : البركة في نواصي الخيل.(۲۰)

هذه مقتطفات من روائع أحاديثه التي يعلو عليها نور النبوة ويدل سموُّ مضمونها على صدق مقاله، فالاَُمّة قاطبة تنهل من النمير العذب لتلك الاَحاديث بلا تريّث، ولكن مع الاعتراف بذلك ففي الروايات المروية عنه شذوذ وشطحات تصدّنا عن الاَخذ بها .

أحاديثه السقيمة

۱. طواف النبي على نسائه في ليلة واحدة

روى البخاري عن قتادة، انّأنس بن مالك حدَّثهم: انّ نبي اللّه كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله أيضاً تسع نسوة.(۲۱)

وقد تضافر نقل هذا الحديث عن أنس انّالنبي كان يطوف على نسائه في غسل واحد.(۲۲)

وعن قتادة، قال حدثنا أنس بن مالك، قال: كان النبي يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهنّ إحدى عشرة، قال: قلت لاَنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث انّه أُعطي قوّة ثلاثين.(۲۳)

هذا وإذا أردنا أن نستقصي أسانيد هذه الرواية من كتب الحديث لطال بنا الكلام فقد نقلها عنه غير واحد من أصحاب السنن والمسانيد.

إنّ الحسن والقبح العقليين وإن صارا معرضاً للنقاش بين العدلية والاَشاعرة ولكن الحسن والقبح العرفيين أمر لا يمكن أن ينكر، فالاَكل في الطريق وإن كان أمراً مباحاً ولكن تستنفره طبائع الناس، فعلى النبي تنزيه ساحته عن كلّ ما يوجب انفضاض الناس عنه، ولا يقلّ عن هذا العمل، الطوافُ على النساء التسع على رواية أو الاِحدى عشرة على رواية أُخرى في ليلة واحدة أمام شاب مراهق كأنس.

فلو كان الحافز لذلك العمل هو بيان الحكم الشرعي وانّه يجوز الاقتصار على غسل واحد لجنابات متعددة فما أيسر بيانَه في ثنايا كلماته ومواعظه كسائر ما أفاده من الاَحكام والسنن.

وهل كان الجمع بين النساء في الدخول في ليلة واحدة أمراً مفروضاً عليه مع انّ أصل وطء الزوجة أمر مختلف فيه في فقه أهل السنّة، فالحنابلة على أنّه يجب على الزوج وطء زوجته في كلّ أربعة أشهر مرّة واحدة إن لم يكن له عذر، والحنفية على أنّه ليس لها حق المطالبة به في العمر إلاّ مرّة واحدة، والشافعية على أنّه ليس للمرأة الحقّ في مطالبة الرجل بالوطء لاَنّ عقد النكاح واقع على أن يستمتع الرجل بها فالمعقود عليها هي المرأة لا الرجل فعلى هذا فالوطء حقّه.(۲۴)

وعليه لا يتصور وجوب الوطء إلاّ على مذهب الحنابلة دون غيرهم، كما لا يجب الوطء في ليلة واحدة بل له (صلى الله عليه وآله وسلم) أداء حقّهن ضمن ليالي.

ثمّ إنّ ما برّر به أنس إمكان عمل النبي بعد ما سئل عن إطاقة النبي فأجاب: كنّا نتحدث انّه أُعطي قوة ثلاثين رجلاً.(۲۵)أمر مشكل، فإن أوقفه النبي على ذلك فلماذا لم ينسبه إليه؟ وإن أخذه من غيره فمن أوقفه على ذلك؟ ومن أين عرف انّنبي الاِسلام أُعطي قوة ثلاثين رجلاً ؟

نعم دلّ العقل والشرع على لزوم بلوغ الاَنبياء في العقل والوعي والاَخلاق الحميدة والفضائل الحسنة مرتبة سامية تجعلهم في مستوى عال يتفوقون بها على سائر البشر، وأمّا ما سوى ذلك ممّا لا يعد محْمَدة في العمل ولا كرامة في الاَخلاق فلم يدل دليل على تفوّقهم على الناس بشيء فضلاً عن إعطائهم قوة ثلاثين رجلاً فيما يرجع إلى الغرائز السافلة.

كلّ ذلك يعرب عن وهن الحديث مضموناً وعدم مطابقته للاَُصول المسلمة عند المسلمين.

ثمّ إنّ القيام بهذا العمل أمام شاب مراهق ـ كما قلنا ـ أمر قبيح عرفاً، ينفّر الناس عن النبي إذا سمعوا به، و هذا هو البخاري يحدثنا انّ أنساً لحق بالنبي قُبيل غزوة خيبر التي وقعت في محرم سنة ۷ من الهجرة(۲۶)

أخرج البخاري عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد اللّه بن حنطب انّه سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لاَبي طلحة: التمس غلاماً من غلمانكم يخدمني، فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه، فكنت أخدم رسول اللّه كلما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: «اللّهمّ انّي أعوذ بك من الهم والحَزَنِ والعجز والكسل والبخل والجبن وضَلَع الدَّين، وغلبة الرجال»، فلم أزل أخدمه حتى أقبلنا من خيبر.(۲۷)

فهذا يعرب عن أنّه لحق بالنبي في سنة ۷ للهجرة وله من العمر ۱۷ أو ۱۸ عاماً أفيمكن أن يقوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمام شاب مراهق في عنفوان شبابه و ثوران شهواته بالطواف على زوجاته في ليلة واحدة؟!

كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنساناً حيِيّاً عفيفاً، و هذا هو القاضي عياض، يعرّفه بقوله: وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أشدّالناس حياءً، وأكثرهم عن العورات اغضاءً.

قال اللّه تعالى: (إِنّ ذلِكُم كانَ يوَذي النَّبِيَّ فيَسْتَحي مِنْكُمْ وَاللّهُ لا يَسْتَحِي مِنَ الحَقّ ) (الاَحزاب/۵۳).

وعن أبي سعيد الخدري (رض): كان رسول اللّه أشد حياءً من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه، وكان لطيف البشرة، رقيق الظاهر، لا يشافه أحداً بما يكرهه حياءً وكرم نفس.

وعن عائشة: كان النبي إذا بلغه عن أحد يكرهه لم يقل ما بال فلان يقول كذا، ولكن يقول: ما بال أقوام يصنعون أو يقولون كذا.

وروى عنه: انّه كان من حيائه لا يُثبت بصره في وجه أحد و انّه كان يُكنِّي عما اضطره الكلام إليه ممّا يكره.

وعن عائشة: ما رأيت فرج رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قط.(۲۸)

فإذا كان هذا حياءَه وعفتَه، فهل يتصوّر أن يطوف في ليلة واحدة على تسع أو إحدى عشرة من زوجاته واحدة تلو الاَُخرى، ونساءه مطلعات على ذلك مضافاً إلى غلامه الذي بلغ سن المراهقة وهو في شره غريزته؟

إنّعمل كلّ إنسان يعكس نفسياته وملكاته، فهذا النوع من العمل يكشف عن نفسيّة غارقة في حب الشهوات، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أجل من هذه التهمة الرخيصة، ومن قرأ حياته وهو في شرخ شبابه إلى ان ذرّف العقد السادس من عمره الشريف يقف، على أنّه كان بعيداً عن أيّعمل يمت إلى ذلك بصلة.

«فهو قد تزوج خديجة وهو في الثالثة والعشرين من عمره وهو في شرخ الصبا، وريعان الفتوة، ووسامة الطلعة، وجمال القسمات وكمال الرجولية، ومع ذلك ظلَّت خديجة وحدها زوجه ثماني وعشرين سنة حتى تخطّى الخمسين،هذا على حين كان تعدد الزوجات أمراً شائعاً بين العرب في ذلك العهد و على حين كان لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مندوحة في التزويج على خديجة أن لم يعش له منها ذَكَر، في وقت كان تُوأد فيه البنات، وكان الذكور وحدهم هم الذين يعتبرون خلفاً وقد ظل النبي مع خديجة سبع عشرة سنة قبل بعثه وإحدى عشرة سنة بعده وهو لا يفكر قط في أن يُشرك معها غيرها في فراشه، ولم يعرف عنه في حياة خديجة ولم يعرف عنه قبل زواجه منها، انّه كان ممن تغريهم مَفاتن النساء، في وقت لم يكن فيه على النساء حجاب بل كانت النساء يتبرجنَّ فيه و يبدينّ من زينتهنّ ما حرّم الاِسلام من بعد».(۲۹)

فمن غير الطبيعي ان تراه وقد تخطى الخمسين ينقلب فجأة هذا الانقلاب الذي تصوره تلك الرواية.

وأمّا تعدد زوجاته ونسائه، فمن قرأ صفحات تاريخه يقف على أنّه كان لاَجل غايات سياسية أو اجتماعية أو ما يشبههما.

مثلاً انّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يشرك مع خديجة أحداً مدى ۲۸ سنة، فلمّا قبضها اللّه إليه تزوج سودة بنت زمعة أرملة السكران بن عمرو بن عبد شمس، ولم يرو راو انّ سودة كانت من الجمال أو من الثروة أو من المكانة بما يجعل لمطمع من مطامع الدنيا أثراً في زواجه بها، إنّما كانت سودة زوجاً لرجل من السابقين إلى الاِسلام الذين احتملوا في سبيله الاَذى والذين هاجروا إلى الحبشة بعد ان أمرهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالهجرة وراء البحر إليها، وقد أسلمت سودة وهاجرت معه وعانت من المشاق ما عانى، ولقيت من الاَذى مالقي، فإذا تزوّجها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ذلك ليعولها وليرتفع بمكانتها إلى أُمومة الموَمنين، فذلك أمر يستحق من أجله أسمى التقدير وأجلَّ الحمد.(۳۰)

هذه إلمامه إجمالية لتعدّد زوجاته، ومن أراد التفصيل، فليتصفّح صفحات التاريخ حتى يقف على الحوافز التي دفعته إلى الزواج بهنّ.

وممّا يعرب عن ضعف الرواية ما رواه نفس أنس في حقّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: وكان النبي شديد الحياء(۳۱)

ويروى أيضاً: في قضية تزويج النبي بزينب وإقامة وليمة ويقول: فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا وبقي طائفة منهم، فأطالوا عليه الحديث، فجعل النبي يستحيي منهم أن يقول لهم شيئاً.(۳۲)

ما رواه حول زواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بصفية

انّ ما رواه أنس حول صفية، ممّا يشوِّه سمعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يوافق الاَُصول المسلمة المستفادة من الكتاب والسنّة.

أخرج مسلم في صحيحه عن ثابت، قال: حدّثنا أنس، قال: صارت صفية لدحية في مقسمه، وجعلوا يمدحونها عند رسول اللّهقال: ويقولون: ما رأينا في السبي مثلها، قال: فبعث إلى دحية فأعطاه بها ما أراد، ثمّ دفعها إلى أُمي، فقال: أصلحيها، ثمّخرج رسول اللّهمن خيبر حتى إذا جعلها في ظهره نزل، ثمّ ضرب عليها القبّة.(۳۳)

أخرج البخاري عن مولى المطّلب، عن أنس بن مالك في رواية... فلمّا فتح اللّه عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب وقد قُتل زوجها فكانت عروساً فاصطفاها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لنفسه، فخرج بها حتى بلغنا سد الصهباء حلّت، فبنى بها ثمّ صنع حيساً في نطع صغير، ثمّ قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): آذن من حولك، فكانت تلك وليمة رسول اللّه على صفية، ثمّخرجنا إلى المدينة.(۳۴)

ثمة تأملات حول الروايتين

أوّلاً: وجود التهافت بينهما حيث إنّ الرواية الاَُولى تصرّح بأنّصفية صارت لدحية في مقسمه، فلمّا سمع النبي مدح الناس إيّاها وقولهم: «ما رأينا في السبي مثلها» بعث إلى دحية فأعطاه بها ما أراد، ثمّ أخذها منه و دفعها إلى أُم أنس كي تصلحها، ولكن الظاهر من الثانية هو انّ النبي اختارها لنفسه من أوّل الاَمر بعد أن ذكر له جمال صفية ومحاسنها.

وثانياً: انّ الفقه الاِسلامي يصرّح بأنّ صفايا الغنائم للنبي والخليفة بعده، ولكن لا يصلح لمسلم الدخول بالاَمة المسبية إلاّ بعد استبراء رحمها، فكيف بنى بها النبي في الطريق قبل الاستبراء على كلتا الروايتين؟ كما هو صريح قوله: «وقد قتل زوجها وكانت عروساً، فخرج بها حتى بلغنا سدَّ الصهباء حلّت فبنى بها».

وقد روى أبو سعيد الخدري: «انّه لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة واحدة» وروى رويفع بن ثابت الاَنصاري عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال يوم حنين:«لا يحل لامرىٍَ يوَمن باللّه واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره ـ يعني إتيان الحبالى ـ ولا يحل لامرىٍَ يوَمن باللّه واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها».(۳۵)

وقد صرح بلزوم استبراء الاَمة فقهاء المذاهب قاطبة من غير فرق بين سبب دون سبب، ففي المبسوط: لو ملكها بهبة أو صدقة أو ميراث أو جناية وجبت عليه، أو جعل كتابة أو خلع فعليه الاستبراء فيها.

وهذا كما ترى يذهب إلى الاستبراء بصورة عامة.

ومنهم من صرّح بما إذا كان السبب هو الغنيمة فحسب.

فقد جاء في كشف القناع: يجب الاستبراء بملك اليمين من قنّ و مكاتبة وأُمّ ولد ومدبرة عند حدوث الملك بشراء أو هبة أو إرث أو وصية أو غنيمة أو غير ذلك.(۳۶)

وثالثاً: انّ مكارم الاَخلاق التي تمتع بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تصدّه عن البناء بها في الطريق تحت القبة وفي معرض أنظار المسلمين، ولا يقوم بذلك من له أدنى حظ من العفة.

ولعمري انّ تلك الروايات وأمثالها التي رواها أنس بن مالك أو رووا عنه تُشوِّه سمعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان في منتهى الخلق الكريم والاَدب الرفيع، وقد اقتصرنا على هاتين الروايتين، وإلاّفالروايات التي تمس كرامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) موجودة بوفرة في روايات أنس أو في من رووا عنه، و وزر ذلك على من دسّ تلك الروايات في الاَحاديث النبوية فأخذها السُّذَّج من الناس حقائق ثمّ حاولوا أن يبرروها بوجوه غير مقبولة.

۲. أبو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في النار

أخرج مسلم عن ثابت، عن أنس انّرجلاً قال: يا رسول اللّه أين أبي؟ قال في النار ، فلما قفّى، دعاه فقال: إنّ أبي وأباك في النار.(۳۷)

وروى أحمد بهذا الطريق قال، قال رجل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أين أبي؟ قال: في النار، قال: فلمّا رأى ما في وجهه قال: إنّأبي و أباك في النار.(۳۸)

وثمة تساوَلات نطرحها وهي:

أ. انّالمعروف عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو العطف والحنان في معاشرته مع الناس وعلى ضوء ذلك، فهل كان من واجب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)أن يجيب على سوَاله و يصرّح انّ مكانه في النار، و لمّا شاهد انزعاجه من جوابه اضطرّ إلى تسليته بأنّأباه مثل أبيه كلاهما في النار، ومثل هذا السوَال والجواب لا يصدر ممّن وصفه سبحانه بالخلق والفضل العظيم.

قال الاِمام النووي في شرح الحديث: قوله :«إنّ أبي وأباك في النار» هو من حسن العشرة بالتسلية بالاشتراك في المصيبة.(۳۹)نعم من حسن العشرة لكن من غير مبرِّر لكسر قلبه ببيان مصير أبيه ثمّ تسليته.

ب. إنّ الذين عاشوا بعد المسيح إلى حين بعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على طائفتين، فمنهم من تمت عليه الحجّة فلا شكّ انّه في نار الجحيم، وأمّا من لم تتم عليه الحجّة فهو ممّن قال سبحانه في حقّه: (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لاََمْرِ اللّهِ إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكيم) (التوبة/۱۰۶) فليس كلّ من عاش بين الفترتين في النار قطعاً، فهل كان والد السائل ممن تمت عليه الحجة ؟

ج. إنّ الرواية تخالف ما عليه الاِمامية والزيدية وجملة من محققي أهل السنّة من أنّوالدي النبي كانوا موحدين وشذَّ من قال إنّ النبي مع كثرة ما أنعم اللّه عليه ووفور إحسانه إليه لم يرزقه إحسان والديه، فإنّ هذه الكلمة صدرت من غير تحقيق، فانّ التاريخ لم يضبط من سيرتهما إلاّ شيئاً يسيراً، و فيما ضبط إيعاز لو لم نقل دلالة على إيمان والديه، فقد نقل التاريخ عن والد النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» انّه عندما عرضت فاطمة الخثعمية نفسها عليه، فقال: رداً عليها:

أمّا الحرام فالممات دونه * والحلّ لا حلّفاستبينه

يحمي الكريمُ عرضَه ودينَه * فكيف بالاَمر الذي تبغينه(۴۰)

أضف إلى ذلك تضافر الروايات حول طهارة ولادة النبي التي جمعها الحافظ أبو الفداء ابن كثير في تاريخه، قال :وخطب النبي وقال: أنا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب...و ما افترق الناس فرقتين إلاّ جعلني اللّه في خيرها، فأخرجت من بين أبويَّ، فلم يصبني شيء من عهد الجاهلية وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأُمّي فأنا خيركم نفساً و خيركم أباً.(۴۱)

إلى غير ذلك من الاَحاديث والروايات وكلمات المحقّقين التي استقصيناها في كتابنا مفاهيم القرآن.(۴۲)

قال القاضي عياض الاَندلسي: فانّه نخبة بني هاشم وسلالة قريش وصميمها وأشرف العرب وأعزهم نفراً من قبل أبيه وأُمّه.

وعن العباس (رض) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّ اللّه خلق الخلق فجعلني من خيرهم و من خير قرنهم، ثمّتخيّر القبائل فجعلني من خير قبيلة، ثمّ تخيّر البيوت فجعلني من خير بيوتهم فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً...إلى أن قال:

وعن ابن عباس: قال رسول اللّه : فاهبطني اللّه إلى الاَرض في صلب آدم وجعلني في صلب نوح وقذف بي في صلب إبراهيم، ثمّلم يزل اللّه تعالى ينقلني من الاَصلاب الكريمة والاَرحام الطاهرة حتى أخرجني من أبويّ.(۴۳)

فهذا النور الذي قدّر في علمه سبحانه أن يضيَ العالم بجماله، ويغيِّـر مصير التاريخ برسالته لا يحتضنه إلاّ أصلاب شامخة وأرحام مطهرة كنوح وإبراهيم ومن بعده كلّهم موحدون منزّهون عن عبادة الاَوثان ورذائل الاَعمال ومساوىَ الاَخلاق.

وبما ذكرنا يعلم عدم صحّة ما أخرجه أحمد عن وكيع بن حدس، عن أبي رزين عمّه، قال: قلت يا رسول اللّه: أين أُمّي؟ قال: أُمّك في النار، قال: قلت: فأين من مضى من أهلك؟ قال: أما ترضى أن تكون أُمّك مع أُمّي.(۴۴)

۳. نسيان السورة من أعظم الذنوب

أخرج أبو داود(۴۵)و الترمذي(۴۶)عن المطلب بن عبد اللّه بن حنطب، عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه: عرضت عليَّ أجور أُمّتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت عليّ ذنوب أُمّتي فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثمّ نسيها.

أقول: لم يدل دليل على وجوب حفظ القرآن، ولا على حرمة نسيانه بعد حفظه، ومع غض النظر عن ذلك كيف يكون نسيان آية من المحرمات الموبقة المهلكة وفي عداد أكل الربا الذي يعد آكله محارباً للّه ولرسوله ؟ قال سبحانه: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْكُنْتُمْ مُوَْمِنينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) (البقرة/۲۷۸ـ۲۷۹).

أو في عداد من يحارب اللّه ورسوله؟ قال سبحانه: (إِنَّما جَزاوَُا الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الاََْرض فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَو يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الاََرْضِ...) (المائدة/۳۳).

فعلى ضوء هذا الحديث يكون نسيان آية من آيات القرآن أعظم من أكل الربا والسعي للفساد في الاَرض، و الزنا بالمحارم في الاَماكن المتبركة، وقتل النفس المحترمة، ونهب الاَموال.

ولما كان الحديث من الوهن بمكان، عاد الترمذي يستغربه ويقول: هذا حديث غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه.

قال: وذاكرت به محمد بن إسماعيل فلم يعرفه واستغربه.

۴. اجتهاد النبي في الاَحكام

أخرج الاِمام أحمد عن عبد الوارث مولى أنس بن مالك، و عمرو بن عامر عن أنس، قال:

نهى رسول اللّه عن زيارة القبور، وعن لحوم الاَضاحي بعد ثلاث، وعن النبيذ في الدّباء(۴۷)والنقير(۴۸)والحنتم(۴۹)والمزفت(۵۰)

قال: ثمّ قال رسول اللّه بعد ذلك: ألا إنّي قد نهيتكم عن ثلاث ثمّ بدالي فيهنّ: نهيتكم عن زيارة القبور، ثمّبدا لي انّها ترقّ القلب وتُدمِعُ العينَ وتذكر الآخرة فزوروها ولا تقولوا هجراً، ونهيتكم عن لحوم الاَضاحي فوق ثلاث ليال ثمّ بدا لي انّ الناس يتحفون ضيفهم ويخبئون لغائبهم فامسكوا ما شئتم، ونهيتكم عن النبيذ في هذه الاَوعية فاشربوا بما شئتم ولا تشربوا مسكراً فمن شاء أوكأ سقاءه على إثم.(۵۱)

هنا تساوَلات نطرحها:

أ. الحديث ـ مع قطع النظر عن سنده ـ مبني على أنّه يصحّ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الاجتهاد في الاَحكام الشرعية وانّه كسائر المجتهدين يخطىَ ويصيب، ولكن هذا الزعم يخالف الذكر الحكيم، قال سبحانه: (وَلَولا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاّأنفُسَهُم وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَل اللّهُ عَلَيْكَ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) (النساء/۱۱۳).

وقد ذكر المفسرون أسباب نزول متعددة لهذه الآية تجمعها انّها رفعت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واقعة كان الحقّفيها غير واضح، فأراه اللّه سبحانه حقيقة الواقع الذي تخاصم فيها المتحاكمان وعلّله بقوله: (وَلَولا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ ).

ففضل اللّه ورحمته صدّاه عن الحكم بالباطل، وهل كان فضله سبحانه ورحمته مختصين بهذه الواقعة أو انّهما خيّما عليهطيلة عمره الشريف؟ مقتضى قوله سبحانه في ذيل الآية: (وَكانَ فَضْلُ اللّهِ عليكَ عَظيماً) هو انّه حظي بهما طيلة عمره الشريف. فهو في كلّالحوادث والوقائع يحكم بمرّ الحق ونفس الواقع موَيّداً من قبل اللّه، و من اختص بهذه المنزلة الكبيرة فقد استغنى عن الاجتهاد المصيب تارة والمخطىَ أُخرى.

ب. انّه سبحانه يخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الاََمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُون)(الجاثية/۱۸).

والشريعة هي طريق ورود الماء، والاَمر، أمر الدين و معنى الآية انّه سبحانه تبارك وتعالى أورد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الطريق الموصل إلى الدين قطعاً، ومن حظي بتلك المنزلة، فما يصدر عنه إنّما يصدر عن واقع الدين لا عن الدين المظنون الذي يُخطىَ ويصيب، وليست تلك الخصيصة من خصائصه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقط بل قد حظي بها معظم الاَنبياء، قال سبحانه: (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنهاجاً) (المائدة/۴۸).

ج. انّ طبيعة الاجتهاد خاضعة للنقاش والنقد، فلو اجتهد النبيفي بعض الاَحكام فنظره كغيره قابل للنقد والنقاش، ومعه كيف يكون حلال محمد حلالاً إلى يوم القيامة وحرامه حراماً إلى يوم القيامة؟ وكيف تكون شريعته خاتمة الشرائع؟ فهذه الضابطة ثابتة إلاّ فيما ثبت فيه النسخ.

كلّ ذلك يعرب عن أنّ نسبة الاجتهاد إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعيدة عن الصواب، وإنّما يتفوّه بها من ليس له أدنى إلمام بمقامات الاَنبياء، لا سيما خاتم النبيين أفضل الخليقة.

ما ذكرناه من الوجوه ترجع إلى الحكم الكلي، أعني: جواز اجتهاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيان الاَحكام وقد عرفت انّه مرفوض بنص الكتاب، وعلى فرض تسويغ الاجتهاد للنبيفهو في المقام أمر غريب، لاَنّ مفاده انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان غافلاً عن حكمة زيارة القبور وهي انّها ترقّ القلوب و تذكّر الآخرة، ولكنّه انتقل إليها بعد حين من الدهر غير انّتلك الحكمة ليست من الاَُمور التي يغفل عنها السُّذَّج من الناس، فكيف بالنبي «صلى الله عليه وآله وسلم» الذي وصف اللّه علمه بالعظمة؟ ومثله نهيه عن أكل لحوم الاَضاحي ثمّتسويغه، لاَنّ الناس ربما يحتاجون إليها لاَجل اتحاف ضيفهم أو قدوم غائبهم.

فالرواية إمّا مدسوسة أو منقولة على غير وجهها.

۵. جواز الصوم في السفر

أخرج البخاري في صحيحه، عن عبد اللّه بن مسلمة، عن مالك، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: كنّا نسافر مع النبي، فلم يُعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم.(۵۲)

وأخرجه مسلم بسنده إلى حُميد، قال: سئل أنس (رض) عن صوم رمضان في السفر فقال: سافرنا مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.(۵۳)

إنّ الرواية وإن لم تنقل حكم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حول الصيام في السفر، لكنّها تتضمّن اتّفاق الصحابة على صحة الصوم في السفر، لاَجل أنّه لم يُعِب المفطر على الصائم ولا الصائم على المفطر.

ولكن ثمة تساوَلات حول الروايتين:

أ. انّ الذكر الحكيم فرض الاِفطار عند السفر وجعل الواجب على المسافر هو الصيام في أيام أُخر، قال سبحانه: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعلَّكُمْ تَتَّقُون* أَيّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَر ) (البقرة/۱۸۳ـ۱۸۴).

إنّ الآية الكريمة بصدد تشريع الحكم وبيان وظيفة المسلمين، وعلى ذلك يكون مفاد الآية انّ المشروع في حقّ السالم والحاضر هو الصيام في نفس الاَيّام المعدودات(أي شهر رمضان).

كما انّ المشروع في حقّ غيرهما ـ أعني المريض والمسافر ـ هو الصيام في غير تلك الاَيام، وهذا هو المتبادر من الآية بقرينة انّها في مقام التشريع و بيان الوظائف.

وعلى ذلك فيكون مفاد قوله:(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَر ) هو أنّ المكتوب عليهم، الصيام في أيّام أُخر لا الصيام في شهر رمضان، فينتج عدم مشروعية الصوم لهاتين الطائفتين في شهر رمضان لكون المكتوب عليهم هو الصيام في غير هذا الشهر.

وعلى هذا فالآية بدلالتها المطابقية تدل على أنّ الاِفطار عزيمة وانّ المكتوب عليهما من أوّل الاَمر هو الصيام في غير هذا الشهر وتسميته قضاءً لا باعتبار كون الصيام عليهما واجباً في ذلك الشهر، بل باعتبار فوات المصلحة والملاك ووجود المقتضي للصيام فيه لولا المانع من المرض والسفر.

ب. إنّ القائلين بالرخصة لما رأوا انّ ظاهر الآية يدل على أنّ المكتوب منذ أوّل الاَمر هو الصيام في غير شهر رمضان حاولوا تأويل الآية على ما يتبنّونه من الرخصة، فقدّروا لفظة «فافطر»، وقالوا إنّ معنى الآية: فمن كان منكم مريضاً أو على سفر (فأفطَرَ) فعليه عدّة من أيّام أُخر ولو لم يفطر فلا.

ولا يخفى عليك انّه تلاعب بالآية وفرض عليها بما لا تدل عليه.

وربّما يتوهم ممّـا جاء في ذيل الآية، أعني قوله سبحانه:(وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون) دلالته على وجود الرخصة للمسافر في الصيام، ولكن الاِمعان في الآيتين (۱۸۳ـ ۱۸۴) يثبت انّ الجملة ناظرة إلى صدر الآية لا إلى المستثنى أعني الطائفتين.

حيث إنّه سبحانه قال: (يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيام).

ثمّ حدّده بقوله: (أَيّاماً معدودات) .

ثمّ عاد يوَكد ما أفاده في صدر الآية بقوله: (وأَن تَصُومُوا خيرٌ لَكُمْ) دون نظر إلى ما جاء في ثنايا الآية من استثناء الطائفتين والدليل على أنّه لا يرجع إلى المستثنى هو انّ الصوم ليس لصالح المريض مطلقاً حتى يعود إليه قوله سبحانه:(وأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) كما انّه ليس لصالح المسافر في أكثر الاَحيان.

هذا كلّه في عرض ما حُكي من عمل الاَصحاب على الذكر الحكيم فلا يمكن أن يكون عملهم على خلاف القرآن.

ج. وهناك أمر آخر يرجع إلى ما تضمنه الحديث من سكوت كلّ من الطائفتين أمام الاَُخرى فانّه مخالف لما رواه البخاري وغيره، و إليك بعض النصوص.

۱. أخرج البخاري عن جابر بن عبد اللّه(رض) قال: كان رسول اللّه في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظُلِّل عليه فقال ما هذا؟قال: صائم فقال: ليس من البرّ الصوم في السفر.(۵۴)

ومن الواضح انّ البرّ يقابل الاِثم قال سبحانه: (وَتَعاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الاِِثْمِ وَالعُدْوان) (المائدة/۲).

الرواية وإن وردت في مسافر صائم وقع في حرج شديد لكن المورد غير مخصص والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ضرب قاعدة كلية وحكم بأنّ مطلق الصيام في السفر ليس ببر والحجّة هي القاعدة والمورد من أحد مصاديقها، وكان التنديد لاَجل صيامه في السفر وانتهائه إلى حرج شديد.

۲. أخرج أحمد، بسنده عن كعب بن عاصم الاَشعري، قال: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ليس من البر الصيام في السفر.(۵۵)

۳. أخرج ابن ماجة، مثل ذلك عن ابن عمر،وقال في الزوائد: إسناد حديث ابن عمر صحيح، لاَنّ محمد بن المصفى، ذكره ابن حبان في الثقات، ووثّقه مسلمة والذهبي في الكاشف، وقال أبو حاتم: صدوق. وقال النسائي: صالح وباقي رجال الاسناد على شرط الشيخين.(۵۶)

۴. أخرج مسلم عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة عن ابن عباس انّه أخبره انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثمّ أفطر، قال: وكان صحابة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يتبعون الاَحدث فالاَحدث من أمره.

۵. وأخرج أيضاً عن ابن شهاب بهذا الاسناد، قال: فكانوا يتبعون الاَحدث فالاَحدث من أمره ويرونه الناسخ المحكم.(۵۷)

يستفاد من هذين الحديثين انّ النبي كان يصوم في السفر ثم نسخ ذلك فأمر بالاِفطار، فالاَمر بالاِفطار صار ناسخاً محكّماً ولا يجوز لنا اتباع المنسوخ بعد مجيَ الناسخ.

۶. أخرج مسلم عن جابر بن عبد اللّه (رض) انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس، ثمّ دعا بقدح من ماء، فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثمّ شرب، فقيل له بعد ذلك: إنّ بعض الناس قد صام، فقال: أُولئك العصاة، أولئك العصاة.(۵۸)

وهذا الحديث صريح في أنّ المفطر عاب الصائم، فكيف روي عن أنس انّه لم يعب أحدهما على الآخر؟!

۷. أخرج ابن ماجة عن عبد الرحمان بن عوف، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر.(۵۹)

إلى غير ذلك من الاَحاديث التي تدل على أمرين:

الاَوّل: انّ الاِفطار في السفر عزيمة لا رخصة.

الثاني: احتدام النقاش بين الصحابة بعد ورود الحظر عن الصيام في السفر، حيث إنّ رهطاً منهم تابعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأفطروا، ورهطاً آخر صاموا، فأطلق رسول اللّه اسم «العصاة» عليهم، والحديث يحكي عن أنّرهطاً من الصحابة كانوا يقدِّمون رأيهم على الوحي المنزل على قلب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بحجج واهية، وقد ورد النهي عن ذلك في قوله سبحانه: (يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيم) (الحجرات/۱).

۶. مجبوب متهم بالزنا

أخرج الاِمام أحمد في مسنده(۶۰)ومسلم في صحيحه(۶۱)عن ثابت، عن أنس: انّ رجلاً كان يُتَّهم بأُم ولد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال رسول اللّه لعلي «عليه السلام» : إذهب فاضرب عنقه، فأتاه علي (عليه السلام) ، فإذا هو في ركيّ(۶۲)يتبرّد فيها، فقال له علي: أُخرج، فناوله يده، فأخرجه فإذا هو مجبوب ليس له ذكر، فكفّ عليّ عنه، ثمّ أتى النبي فقال: يا رسول اللّه، انّه لمجبوب ما له ذكر.

والحديث نقله مسلم في باب براءة حرم النبي من الريبة، وحاصل الحديث انّ رجلاً كان يتهم بأُمّ ولده (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولعلها مارية القبطية التي أنجبت له إبراهيم، فأمر عليّاً بضرب عنقه، فلما رآه علي «عليه السلام» مجبوباً تركه.

وفي الحديث إشكال وهو :

هل كان قضاء النبي قائماً على البيّنة أو على علمه الشخصي؟

فعلى الاَوّل فلماذا لم يُعزِّر البيّنة الكاذبة مع أنّ شاهد الزور يُعزر؟

وعلى الثاني: كيف تخلف علمه عن الواقع مع أنّه سبحانه يصف علمه بقوله: (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) (النساء/۱۱۳).

وقد ذكر شراح الحديث وجهين لتصحيحه:

۱. انّه (عليه السلام) كان يعلم انّه مجبوب، وأمر عليّاً بقتله، لينكشف أمره وترتفع تهمته.(۶۳)

يلاحظ عليه: أنّه إذا كان الرجل بريئاً لا مجرماً، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على علم بأنّه مجبوب كان عليه ابراوَه عن التهمة بأُسلوب عقلائي قبل أن يتوصل بالطريق الآخر وكان الناس أكثر تسليماً للنبي في قوله.

۲. ما ذكره الاِمام النووي: لعلّه كان منافقاً ومستحقاً للقتل بطريق آخر وجعل هذا محركاً لقتله بنفاقه وغيره لا بالزنا، وكفّ عنه علي (رض) اعتماداً على أنّالقتل بالزنا وقد علم انتفاء الزنا.(۶۴)

يلاحظ عليه: انّه لا يصحّ للنبي أن يعطل إجراء الحدود، فإذا كان الرجل واجب القتل كان عليه قتله بأي نحو اتّفق، فلمَ ترك قتله بعد مالم تنجح الطريقة الاَُولى؟

وأخيراً كيف نظر الاِمام (عليه السلام) إلى عورته مع أنّه أعف من ذلك وشديد الحياء حتى أنّه لم ينظر إلى عورة عدوه (عمرو بن العاص) بعد ما كشف عنها لدفع الردى عن نفسه، كما هو مشهور في التاريخ.

ولعمر القارىَ رفض الخبر أفضل من التمسك بتلك الوجوه الواهية.

۷. برغوث يوقظ نبيّاً للصلاة

أخرج البخاري عن قتادة، عن أنس بن مالك انّ رجلاً لعن برغوثاً عند النبي، فقال: لا تلعنه فانّه أيقظ نبياً من الاَنبياء للصلاة.(۶۵)

يلاحظ عليه: أنّالبرغوث آية من آيات اللّه وخلق من مخلوقاته ليس لاَحد لعنه، ولو لعنه لا يضره لاَنّه سبحانه عادل لا يعاقب الموجود الذي ليس فعله باختياره، فانّعمل البرغوث عمل غريزي وبه حياته.

أضف إلى ذلك انّ البرغوث الذي لدغ النبي (عليه السلام) وأيقظه للصلاة لا يستحق ثواباً لعدم صدوره عنه لغاية الاِيقاظ، وإنّما حاول به مصّ الدم بغية التغذية.

ومع غض النظر عن ما ذكر فأي صلة بين برغوث قام بعمل حسن وسائر البراغيث التي لم تزل توَذي البشر في تمام الاَحوال؟

وقد قيل: اقتلوا الموذي قبل أن يوذي.

۸. موسى يصلّي في القبر

أخرج النسائي في باب ذكر صلاة نبي اللّه موسى (عليه السلام) عن ثابت عن أنس: انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أتيت ليلة أُسري بي على موسى (عليه السلام) عند الكثيب(۶۶)الاَحمر وهو قائم يصلّي في قبره.(۶۷)

لا شكّ انّ الاَنبياء، أنبياء الشهداء وهم كنفس الشهداء أحياء عند ربّهم يرزقون ،وهذا أمر اتّفقت عليه الاَُمّة الاِسلامية لكن حياتهم حياة برزخية لا مادّية في القبر.

قال سبحانه: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَانَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْر المُوَْمِنين) (آل عمران/۱۶۹ـ۱۷۱).

والحياة البرزخية ترمي إلى حياة خاصة لا إلى الحياة بين التراب والجنادل.

ثمّ إنّ التكليف ينقطع بالموت ولا تكليف بعده. قال سبحانه: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقين) (الحجر/۹۹).

والمراد من اليقين هو الموت بشهادة قوله سبحانه: (وكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَومِ الدِّينِ* حَتّى أَتانَا الْيَقِين) (المدثر/۴۶ـ۴۷).وعلى ذلك فما معنى صلاة موسى في القبر؟

۹. التجسيم في أحاديثه

قد ورد التجسيم في غير واحد من الروايات المعزوّة إلى أنس بن مالك، نذكر منها ما يلي:

۱. أخرج مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك (رض) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا تزال جهنم تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع فيها رب العزة تبارك و تعالى قدمه، فتقول: قط، قط وعزّتك ويُزوى بعضها إلى بعض.(۶۸)

إنّ هذا الحديث بظاهره يثبت للّه أعضاءً وانّه يضع قدمه في الجحيم حتى تسكت النار، تعالى عن ذلك علواً كبيراً، ومعنى ذلك انّ بعض أجزاء جسمه تحل في خلقه، لاَنّ النار بعض خلقه كما يثبت للّه نقلة وحركة. تعالى اللّه عن ذلك.

ثمّ إنّ الذين يأخذون بحرفية الصحيحين صاروا بصدد تأويل الحديث تأويلاً لو صحّ لدلّ على أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في مقام الاِلغاز لا في مقام التعليم والتفهيم.

على أنّه سبحانه لو كان بصدد الحدّ من نار جهنم أو إملاءها حتى يتحقق قوله: (لاملاَنَّ جهنم) (هود /۱۱۹) لما كان له حاجة إلى وضع قدمه بل كفى أمره بهما كما أمر بالنار في حقّ إبراهيم، قال سبحانه: (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وسَلاماً عَلى إِبْراهِيم) (الاَنبياء/۶۹).

إنّ اللّه سبحانه يبطل أُلوهية غيره بورودهم للجحيم.

قال سبحانه: (إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُون* لَو كانَ هوَلاءِ آلهة ما وَرَدُوها وَكلٌّ فِيها خالِدُون) (الاَنبياء/۹۸ـ ۹۹).

ومع ذلك فكيف يدخلها ربّالعالمين ويردها ويضع قدمه فيها، ويجعل نفسه من مصاديق ما أُشير إليهم في الآية؟ وقد مرّت مناقشة الحديث، عند دراسة أحاديث أبي هريرة.

إنّ هذا الحديث وما سيوافيك من سائر الاَحاديث الدالة على التجسيم والتشبيه موضوعة على لسان أنس، و إن اغترّ صاحبا الصحيحين فأورداها في صحيحيهما ظناً منهما بأنّ صحّة السند كافية في النقل والرواية والقبول مع أنّه ثمة شروط أُخرى لابدّ من الالتزام بها في صحّة الحديث، و هي أن لا تكون الرواية مخالفة للقرآن والعقل الصريح واتّفاق المسلمين كما أوعزنا إليها في المقدمة، وأيّ شيء أوضح من أنّه سبحانه ليس بجسم وليس له عضو وحركة ونقل.

۲. روى عبد اللّه، عن أبيه، أحمد، عن معاذ بن معاذ العنبري، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله تعالى: (فَلَمّا تَجلّى رَبّه لِلْجَبَل) ، قال: قال: هكذا، يعني انّه أخرج طرف الخنصر قال أبي: أرانا معاذ، قال: فقال له حميد الطويل: ما تريد إلى هذا يا أبا محمد؟ قال: فضرب صدره ضربة شديدة، وقال: من أنت يا حميد، وما أنت يا حميد يحدثني به أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، تقول أنت ما تريد إليه؟!(۶۹)

وأخرجه الترمذي عن طريق سليمان بن حرب، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قرأ هذه الآية: (فَلَمّا تَجلّى رَبّه لِلْجَبَل جَعَله دَكّاً) قال حماد: هكذا، وأمسك سليمان بطرف ابهامه على أنملة إصبعه اليمنى، قال: فساخ(۷۰)الجبل وخرَّ موسى صعقاً.

قال أبو عيسى (الترمذي): هذا حديث حسن غريب صحيح لا نعرفه إلاّ من حديث حماد بن سلمة.(۷۱)

إنّ آفة هذا الحديث هي حماد بن سلمة يحدِّثنا عنه ابن الجوزي، ويقول: هذا الحديث تكلم فيه علماء الحديث، وقالوا: لم يروه عن ثابت غير حماد بن سلمة، وكان ابن أبي العوجاء الزنديق قد أدخل على حماد أشياء فرواها في آخر عمره ولذلك تجافى أصحاب الصحيح عن الاخراج عنه.

ثمّعاد ابن الجوزي بتأويل الحديث بما هو أشبه باللغز، وقال: ومخْرَج الحديث سهل، و ذلك انّ النبي كان يقرب إلى الافهام بذكر الحسيّات فوضع يده على خنصره إشارة إلى أنّاللّه تعالى أظهر اليسير من آياته.(۷۲)

۳. أخرج مسلم في صحيحه عن شعبة، عن قتادة، قال: سمعت أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): ما من نبي إلاّوقد أنذر أُمّته الاَعور الكذاب، إلاّ انّه أعور وانّ ربّكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه ك ف ر.(۷۳)

انّمعنى الحديث انّللّه سبحانه عيناً ولكنها ليست بعوراء و هو نفس إثبات العضو له سبحانه: ولا يقاس ذلك بقوله سبحانه: (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) أو قوله :(فَإِنّكَ بأَعيُنِنا) أو قوله: (واصْنَعِ الفُلكَبِأَعْيُنِنا) أو قوله: (تَجْري بِأَعْيُنِنا).(۷۴)

فإنّ العين في هذه الآيات كناية عن الحفظ والكلاءة وشيخ الاَنبياء كان بحاجة إلى تثبيت فوَاده وقلبه بهذه البشارة، وأمّا الحديث فليس فيه هذه النكتة بل هو في مقام مقايسة عينه سبحانه بعين الدجال، فحكم على إحداهما بالاَعورية دون الاَُخرى وهذا يقتضي اشتراكهما في نفس العضو واختلافهما في العِوَر .

وربما يتصور بأنّ نفي الاَعورية كنفي الولد عنه في القرآن، وهذا أيضاً قياس مع الفارق، فانّ القول بالولد عقيدة معروفة للنصارى، قال سبحانه: (وقالُوا اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبحانَه) (البقرة/۱۱۶) فلم يكن هناك محيص إلاّنفي الولد عنه وهذا بخلاف الاَعورية فلم يكن هناك قول بكونه سبحانه أعور حتى ينفيه الرسول.

وبذلك يظهر انّ محاولة ابن الجوزي لتصحيح الرواية محاولة عقيمة، حيث قال: إنّما نفى عنه العور من حيث نفي النقائص كأنّه قال: ربّكم ليس بذي جوارح تتسلط عليه النقائص، وهذا مثل نفي الولد عنه، لاَنّه يستحيل عليه التجزوَ .(۷۵)

۱۰. رقص أهل الحبشة أمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

أخرج الاِمام أحمد عن حماد، عن ثابت، عن أنس، قال: كانت الحبشة يزفنون بين يدي رسول اللّه ويرقصون و يقولون: محمد عبد صالح، قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :ما يقولون؟ قالوا: يقولون محمد عبد صالح.(۷۶)

يعرب ظاهر الحديث انّهم كانوا يأتون إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويرقصون أمامه وهو ينظر إليهم، ثمّ يسألهم أو غيرهم عمّـا يقولون ولكن نبي العظمة (عليه السلام) أجلّمن أن يشتغل باللهو واللعب، وقد أُوحي إليه : (وَالّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُون) (الموَمنون/۳) وقال سبحانه: (وَإِذا سَمِعُوا اللَغْوَ أَعرضُوا عَنْهُ) (القصص/۵۵) وطبقاً لهذا الحديث فانّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أقبل عليهم مكانَ الاِعراض عنهم.

أخرج ابن ماجة عن ثمامة بن عبد اللّه، عن أنس بن مالك، انّ النبي مرّببعض المدينة، فإذا هو بجوار يضربن بدفهن ويتغنين ويقلن:

نحن جوار من بني النجـار * يا حبـذا محمـد من جـــار

فقال النبي: اللّه يعلم انّي لاَُحبكنّ.(۷۷)

وبالرغم من صحّة اسناده ووثاقة رجاله لانصدّق انّ النبياستمع غناء الجواري ورغبّهن في عملهن، وقد جاءت شريعته المقدسة بتحريم الغناء في الكتاب والسنّة، قال سبحانه:(وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَديثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِين) (لقمان/۶).(۷۸)

وعن عبد الرحمن بن عوف انّرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إنّما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين، صوت عند نغمة لهو ومزامير الشيطان.(۷۹)

أخرج البخاري عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (وَمِنَ النّاس من يشتري لهو الحديث) ، قال: الغناء وأشباهه.(۸۰)

۱۱. سيدا كهول أهل الجنّة

أخرج الترمذي عن أنس، انّه قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لاَبي بكر و عمر: هذان سيِّدا كهول أهل الجنّة من الاَوّلين والآخرين إلاّالنّبيِّين والمرسلين.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.(۸۱)

أقول: يعارضه ما رواه أبو هريرة، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : أهل الجنّة جرد مرد كُحلٌ، لا يفنى شبابهم، ولا تبلى ثيابهم.(۸۲)

ومعنى هذا الحديث انّه ليس هناك كهل حتى يتفاضل أحدهما على الآخر.

ولعلّ الحديث موضوع في مقابل ما ورد في الحسن والحسين وأنّهما سيدا شباب أهل الجنّة.(۸۳)

۱۲. أُمَّتي على خمس طبقات

أخرج ابن ماجة عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: أُمّتي على خمس طبقات: فأربعون سنة أهل برّ وتقوى، ثمّ الذين يلونهم إلى عشرين ومائة سنة أهل تراحم وتواصل، ثمّ الذين يلونهم إلى ستين ومائة سنة أهل تدابر وتقاطع، ثمّالهرج الهرج، النجا النجا.(۸۴)

وأخرج أيضاً عن أبي معن، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» : أُمّتي على خمس طبقات كلّ طبقة أربعون عاماً، فأمّا طبقتي وطبقة أصحابي، فأهل علم وإيمان، وأمّا الطبقة الثانية ما بين الاَربعين إلى الثمانين فأهل برٍّ وتقوى.(۸۵)

ولنا تعليقة قصيرة على الحديث: كيف تكون الطبقة الاَُولى أهل برّ وتقوى وقد سفكت دماء كثيرة في حياتهم وحارب الاِمام أمير الموَمنين (عليه السلام) فيها البغاة من الناكثين والقاسطين والمارقين، فلو كانوا أهل برٍّ وتقوى فلماذا خرجوا على الاِمام الذي بايعه وجوه المهاجرين والاَنصار و لم يشذّ عن بيعته إلاّعدد ضئيل لا يتجاوز عدد الاَصابع؟

وأمّا الطبقة الثانية فكيف كانوا أهل تراحم وتواصل؟ فقد قطعوا رحم النبي وأولاده، فقد سُمّ الحسن سيد شباب أهل الجنّة على يد معاوية، وقتل الحسين (عليه السلام) وأهل بيته في مجزرة كربلاء على يد يزيد بن معاوية وحمل رأسه إلى الشام، وأباح مسلم بن عقبة دماء أهل المدينة وعرضهم ثلاثاً، فقتل خلق كثير من الصحابة ونُهبت المدينة واُفتض في هذه الواقعة ألف عذراء، إلى غير ذلك من الكواره والكوارث، و هذا هو الوليد بن يزيد من هذه الطبقة الخمّير السكّير أراد الحج ليشرب فوق ظهر الكعبة فمقته الناس لفسقه، ففتح المصحف فخرج قوله: (وَاستَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيد) (إبراهيم/۱۵) فألقاه ورماه بالسهم وقال:

تهددني بجبار عنيد * فها أنا ذاك جبّار عنيد

إذا ما جئت ربّك يوم حشر * فقل يار بِّ مزقني الوليد(۸۶)

هذه الوقائع المرّة التي لم نذكر منها إلاّ شيئاً يسيراً تُشطب بقلم عريض على هذا الحديث.

مضافاً إلى ضعف اسناده فانّ يزيد بن أبان الرقاشي ضعيف.

والعجب انّأحمد أخرج خلاف هذا الحديث عن ثابت عن أنس، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : مثل أُمّتي مثل المطر لا يدرى أوّله خير أو آخره.(۸۷)

۱۳. صلاة النبي بلا بسملة

أخرج البخاري عن قتادة عن أنس: انّ النبي وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بـ ( الحمدُ للّهِ ربِّ العالَمِين).(۸۸)

ومعنى ذلك انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحذف البسملة في قراءة الحمد مع أنّها جزء منها قطعاً وإن اختلفت كلمتهم في كونها جزءاً في سائر السور.

قال سبحانه: (وَلَقَدْآتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ المَثانِي وَالقُرآنَ العَظِيم) (الحجر/۸۷) ولا تكون سبعاً إلاّ أن تكون البسملة جزءاً من السورة وإلاّلكان ستاً من المثاني، وربمايطلق عليها المثاني لاَنّها نزلت مرّتين.

وقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب. نفترض انّه لا يجب قراءة الفاتحة بأجمعها، ولكن ما هو الوجه في الاستمرار على ترك قراءة البسملة كما يوحي إليه قوله:«كانوا يفتتحون...».

مضافاً إلى ذلك، انّ المرويات عن أنس قد اضطربت في هذا المجال. فربما نقل عنه انّه لم يسمع البسملة منهم.

أخرج أحمد عن قتادة، عن أنس، قال: صليت مع رسول اللّه وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع منهم من يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم.

وفي رواية أُخرى: انّهم لم يجهروا بالبسملة.

أخرج أحمد عن ثابت، عن أنس، قال: صليت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومع أبي بكر وعمر فلم يجهروا ببسم اللّه الرحمن الرحيم.

وأيضاً أخرج أحمد عن أبي نعامة الحنفي، عن أنس، كان رسول اللّه وأبو بكر و عمر لا يقرأون يعني لا يجهرون.(۸۹)

۱۴. ردّ دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

أخرج أحمد في مسنده، عن الضحاك بن عبد اللّه القرشي، عن أنس بن مالك، انّه قال:

رأيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في سفر صلّى سبحة الضحى ثمان ركعات فلما انصرف قال: إنّي صليت صلاة رغبة ورهبة، سألت ربّي عزّ وجلّ ثلاثاً، فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة، سألت أن لا يبتلي أُمّتي بالسنين ففعل، وسألت أن لا يظهر عليهم عدوهم ففعل، وسألته أن لا يلبسهم شيعاً، فأبى عليَّ.(۹۰)

إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أجل من أن يسأل ربّه ما لا يوافق سنة ربّه، فالناس بطبائعهم يختلفون منهجاً وفكراً وعقيدة والاختلاف أمر طبيعي من سنن الحياة، قال سبحانه: (كانَ النّاسُ أُمّةً واحِدةً فَبَعثَ اللّهُ النَبِيِّينَ مُبَشِّرينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزلَ مَعَهُمُ الكِتاب بِالحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ الناسِ فِيما اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فيهِ إِلاّالّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ البَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقيم)(البقرة/۲۱۳).

وقال سبحانه: (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفينَ* إِلاّمَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُم)(هود/۱۱۸ـ ۱۱۹) وقد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن تفرق أُمّته إلى ثلاث و سبعين فرقة، ومعه كيف يطلب من اللّه سبحانه أن لا يختلفوا ولا يتفرقوا؟

كيف استجاب اللّه دعاءه الثاني وهو عدم تسلط عدو على أُمّته.

في حين انّ التاريخ حافل بأنباء غزو المغول والصليبيين للمسلمين في عقر دارهم.

۱۵. النهي عن باب الاَُمراء

أخرج أبو داود عن موسى الحناط، عن أنس: انّرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له: يا أنس إنّ الناس يُمصّرون أمصاراً، وإنّمصراً منها يقال له البصرة أو البُصيرة، فإن أنت مررت بها، أو دخلتها فإياك وسباخها وكلاءها وسوقها وباب أُمرائها ، وعليك بضواحيها، فانّه يكون بها خسف وقذف ورجف وقوم يبيتون يصبحون قردة وخنازير.(۹۱)

ترى أنّ رسول اللّه نهاه عن باب الاَُمراء إلاّ أنّ المواقف التي اتخذها طيلة حياته تدل على عدم انتهائه، وإليك هذه الشواهد:

۱. أخرج الترمذي عن حفصة بنت سيرين قالت: حدثني أنس بن مالك، قال: كنت عند ابن زياد فجيء برأس الحسين، فجعل يضرب بقضيب له في أنفه و يقول: ما رأيت مثل هذا حسناً، قال: قلت: أما إنّه كان من أشبههم برسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) .(۹۲)

ولعلّ قائلاً يقول إنّه ذهب إلى مجلس ابن زياد لاَجل نهي الاَمير عن المنكر مع أنّه لم يصدر منه شيء كهذا يدل على تقبيح جريمة ابن زياد، بل صدّقه في قوله: ما رأيت مثل ذلك حسناً، حيث قال: إنّه كان من أشبههم برسول اللّه، وكان في وسعه أن يقول: ما حدّث به في غير هذا الموضع كما مرّ في تعاطفه مع أهل البيت.

۲. أخرج البخاري عن خالد بن دينار أبي خلدة، قال: سمعت أنس بن مالك وهو مع الحَكَم أمير بالبصرة على السرير، يقول: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ...(۹۳)فكيف عمل بما وعظ به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟

۱۶. فضل عائشة...

أخرج البخاري في صحيحه، عن عبد اللّه بن عبد الرحمان انّه سمع أنس بن مالك (رض) يقول: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام.(۹۴)

إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) آية في الفصاحة والبلاغة وكلماته القصار وخطبه الطوال ورسائله إلى الروَساء والقبائل كلها تعرب عن قوّة بيانه وفصاحته وبلاغته، فلا يمكن له (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتفوّه بهذا التشبيه الفارغ.

۱۷. نوم النبي على فراش أُم سليم

أخرج مسلم في صحيحه، عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة، عن أنس، قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يدخل بيت أُم سُليم فينام على فراشها، وليست فيه، قال: فجاء ذات يوم فنام على فراشها، فأُتِيَت، فقيل لها: هذا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نام في بيتك على فراشك، قال: فجاءت وقد عرق واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش، قال: ففتحت عتيدها فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها، ففزع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال: ما تصنعين يا أُم سُليم؟ فقالت: يا رسول اللّه نرجو بركته لصبياننا، قال: أصبتِ.(۹۵)

أخرج مسلم عن إسحاق بن عبد اللّه، عن أنس، قال: كان النبي لا يدخل على أحد من النساء إلاّ على أزواجه إلاّأُمّ سُليم فانّه كان يدخل عليها، فقيل له في ذلك فقال: إنّي أرحمها، قتل أخوها معي.(۹۶)

إنّ معنى هذا الحديث انّ النبي كان يخلو بالاَجنبية ولا شكّ في كونه أمراً محرماً، وقد حاول شراح الحديث، أن يزيلوا الاِشكال، فقال النووي: قد قدمنا في كتاب الجهاد عند ذكر أُم حرام أُخت أُمّ سليم أنّهما كانتا خالتين لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) محرمين إمّا من الرضاع أو من النسب فتحل له الخلوة بهما.(۹۷)

وقال أيضاً في مكان آخر: اتفق العلماء على أنّها كانت محرماً له (صلى الله عليه وآله وسلم) واختلفوا في كيفية ذلك، فقال ابن عبد البر وغيره: كانت إحدى خالاته من الرضاعة، وقال آخرون: بل كانت خالة لاَبيه أو لجدّه، لاَنّ عبد المطلب كانت أُمّه من بني النجار.(۹۸)

يلاحظ عليه أوّلا: أنّأنس يبرر الاَمر نقلاً عن النبي بأنّه قال: «إنّي أرحمها، قتل أخوها معي»، ولو كانت خالة له لكان التعليل بها أفضل.

وثانياً: أنّ أُمّ سليم ليست خالة النبي شرعاً وبصورة مباشرة بمعنى انّها أُخت أُمّالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ،وإنّما كانت من بني النجار، و بنو النجار أخوال النبي خوَولة اعتبارية من جهة انّ هاشم بن عبد مناف قد تزوج سلمى النجارية فولدت له عبد المطلب جدّالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فبنو النجار أخوال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا المعنى، وهذا لا يوجب أن تكون كلّامرأة من بني النجار محرماً للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الجهة الشرعية.

ولما كان هذا الاَمر لا ينبغي أن يخفى على المحقّقين، لذلك جعلوا الخبر حول دخول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أُمّسليم بسبب الرضاعة، و هذا أيضاً لا يصحّ، لاَنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غير مسترضع في بني النجار، وعليه يكون أصل الخبر حول دخول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليها موضع شك، بل هو مردود لا صحة له.

۱۸. مدّة خدمته

اختلفت الروايات في مدّة خدمته للنبي بين كونها أربع سنين إلى تسع سنين إلى عشر سنين، فعلى ما رواه البخاري فقد خدم النبي من السنة السابعة قُبيل غزوة خيبر.

أخرج البخاري، عن مولى المطلب بن عبد اللّه بن حنطب، انّه سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لاَبي طلحة: التمس غلاماً من غلمانكم يخدمني فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه، فكنت أخدم رسول اللّه كلّما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: اللهمّ ، إنّي أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلَع الدين وغلبة الرجال، فلم أزل أخدمه حتى أقبلنا من خيبر وأقبل بصفية بنت حيي قد حازها(۹۹).. الخ.

ويظهر ممّا أخرجه أحمد عن حميد، عن أنس انّه خدمه تسع سنين، قال:

أخذت أُم سليم بيدي مقدم النبي المدينة، فأتت بي رسول اللّه فقالت: يا رسول اللّه، هذا ابني وهو غلام كاتب، قال: فخدمه تسع سنين.(۱۰)

ويظهر من قول آخر معزو إليه انّه خدم عشر سنين.

أخرج أحمد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس، قال: خدمت النبي عشر سنين...الخ.(۱۰۱)

وأظن انّ ما أخرجه البخاري هو المعتمد، لاَنّ الطفل الذي لا يتجاوز عمره عشر سنين هو أكثر حاجة إلى خادم ـ يخدمه ـ من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان في العقد السادس من عمره.

وعلى ضوء ذلك فيتسرّب الشكّ إلى أغلب ما روي عن أنس ممّا يرجع إلى حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل خيبر، فانّ أكثر رواياته تتمحور حول أفعال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التي شاهدها بأُم عينيه.

۱۹. إسراء النبي قبل أن يوحى إليه

أخرج مسلم في صحيحه، عن شريك بن عبد اللّه بن أبي نَمِر، انّه قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة أُسري برسول اللّهمن مسجد الكعبة انّه جاءه ثلاثة نفر ـ قبل أن يوحى إليه ـ و هو نائم في المسجد الحرام.

أضاف مسلم وقال: وساق الحديث بقصته نحو حديث ثابت البناني وقدّم فيه شيئاً و أخر و زاد و نقص.(۱۰۲)

نقل مسلم حديث ثابت البناني قبل هذا في نفس الباب، ولذلك اقتصر بهذا المقدار وترك التفصيل الوارد في حديث البناني.

أقول: الرواية غير صحيحة وهي مخالفة لاتّفاق المسلمين في أنّ الاسراء كان بعد الوحي، فكيف يقول: وكان ذلك «قبل أن يوحى إليه» وقد جاء في ليلة الاسراء بحكم الصلوات الخمس فهذا دليل على أنّه أُسري به بعد ما أُوحي إليه.

وقد اعتذر عنه النووي في شرحه، وقال: وقد جاء في رواية شريك في هذا الحديث في الكتاب أوهام أنكرها عليه العلماء، وقد نبه مسلم على ذلك بقوله: فقدم وأخّر وزاد ونقص.

منها قوله: «قبل أن يوحى إليه» وهو غلط لم يوافق عليه، فإنّ الاِسراء أقل ما قيل فيه انّه كان بعد مبعثه بخمسة عشر سنة.

وقال الحربي: كان ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة.

وقال الزهري: كان ذلك بعد مبعثه بخمس سنين.

وقال ابن إسحاق: اسري به (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد فشا الاِسلام بمكة والقبائل، وأشبه هذه الاَقوال قول الزهري، وابن إسحاق إذ لم يختلفوا انّ خديجة (رض) صلت معه بعد فرض الصلوات عليه، ولا خلاف انّها توفيت قبل الهجرة بمدّة قيل لثلاث سنين، وقيل بخمس.

ومنها انّ العلماء مجمعون على أنّ فرض الصلوات كان ليلة الاِسراء، فكيف يكون هذا قبل أن يوحى إليه؟(۱۰۳)

وما ذكره النووي وإن كان حقاً لكن ليس في عبارة مسلم دلالة على أنّه رد قول أنس: «قبل أن يوحى إليه» لعدم دلالة قوله: «فقدم فيه شيئاً وأخّر أو زاد ونقص» على وجود الغلط في حديث البناني.

۲۰. نزول آية الصلح في عبد اللّه بن أُبي

أخرج البخاري، عن معتمر، قال: سمعت أبي، انّأنساً (رض)، قال: قيل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

لوأتيت عبد اللّه بن أبي، فانطلق إليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وركب حماراً، فانطلق المسلمون يمشون معه و هي أرض سبخة ،فلما أتاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال: إليك عني، واللّه لقد آذاني نتن حمارك.

فقال رجل من الاَنصار منهم: واللّه لحمار رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أطيب ريحاً منك، فغضب لعبد اللّه رجل من قومه فشتما، فغضب لكلّواحد منهما أصحابه، فكان بينهما ضرب بالجريد و الاَيدي والنعال فبلغنا أنّها أنزلت (وَإِنْطائِفَتانِ مِنَ الْمُوَْمِنينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما).(۱۰۴)

وأخرج البخاري أيضاً، عن عروة بن الزبير ، انّ أُسامة بن زيد أخبره انّ رسول اللّه ركب على حمار على قطيفة فدكيّة وأردف أُسامة بن زيد وراءه، يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، قال: حتى مرّ بمجلس فيه عبد اللّه بن أُبي بن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد اللّه بن أُبي فإذا في المجلس اخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الاَوثان واليهود والمسلمين وفي المجلس عبد اللّه بن رواحة، فلما غشيت المجلسَ عجاجةُ الدابة، خمّر عبد اللّه بن أُبي أنفه بردائه ثمّ قال: لا تُغبّـروا علينا، فسلّم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم، ثمّ وقف، فنزل فدعاهم إلى اللّه وقرأ عليهم القرآن.

فقال عبد اللّه بن أُبي ابن سلول: أيّها المرْء انّه لا أحسن مما تقول إن كان حقاً، فلا توَذينا به في مجلسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه.

فقال عبد اللّه بن رواحة: بلى يا رسول اللّه فاغشنا به في مجالسنا، فانّا نحبّ ذلك، فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل النبي يُخفضُهُم حتى سكنوا، ثمّ ركب النبيدابته، فسار حتى دخل على سعد بن عبادة....(۱۰۵)

أقول: لو صحّ الحديثان فهما واقعتان مختلفتان فما يرويه أُسامة بن زيد كان قبل غزوة بدر كما هو صريح الرواية ولا غبار عليه و لم يرد فيه نزول آية الصلح في حقّ عبد اللّه، إنّما الكلام فيما يرويه أنس حيث إنّ المخاصمة وقعت بين من كان مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أصحابه وبين أصحاب عبد اللّه بن أبي وكانوا إذ ذاك كفاراً كما يدل عليه قوله : «فغضب لعبد اللّه رجل من قومه...»فكيف ينزل فيهم قوله:(وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُوَْمِنينَ اقْتَتَلُوا) ولا سيما إذا كانت قصة أنس و أُسامة متحدة فانّفي رواية أُسامة «فاستبَّ المسلمون والمشركون».

عثرة لا تقال

إنّ أنس بن مالك مثل كلّ صحابي رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وشاهد النور عن كثب وخدمه سنين وارتوى من نمير علمه وروى روائع أحاديثه وجمله، وعلى الرغم من ذلك فنجد انّله زلَّة في حياته عندما قام الوصي علي بن أبي طالب (عليه السلام) يناشد الصحابة ممن سمع النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه.

روى البلاذري، قال علي (عليه السلام) على المنبر: نشدت اللّه رجلاً سمع رسول اللّه يقول يوم غدير خم: اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه إلاّ قام وشهد، و تحت المنبر أنس بن مالك و البراء بن عازب وجرير بن عبد اللّه البجلي، فأعادها فلم يجبه أحد منهم، فقال: اللّهمّ من كتم هذه الشهادة وهو يعرفها فلا تخرجه من الدنيا حتى تجعل به آية يعرف بها، قال أبو وائل: فبرص أنس وعمي البراء و رجع جرير أعرابياً بعد هجرته(۱۰۶)الخ.

وروى ابن قتيبة، قال: أنس بن مالك كان بوجهه برص، ذكر قوم انّعليّاً (رض) سأله عن قول رسول اللّه: اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، فقال: كبرتُ سني ونسيتُ، فقال علي: إن كنت كاذباً فضربك اللّه بيضاء لا تواريها العمامة.(۱۰۷)

وقال ابن أبي الحديد: ناشد علي (عليه السلام) الناس في رحبة القصر ـ أو قال رحبة الجامع بالكوفة ـ : أيّكم سمع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يقول: «من كنت مولاه فعليّ مولاه»؟ فقام اثنا عشر رجلاً فشهدوا بها، وأنس بن مالك في القوم لم يقم، فقال له: يا أنس، ما يمنعك أن تقوم فتشهد، ولقد حضرتها؟ فقال: يا أمير الموَمنين، كبرت ونسيت، فقال: اللّهمّ إن كان كاذباً فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة . قال طلحة ابن عمير: فواللّه لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه.(۱۰۸)

لم تكن واقعة غدير خم، حادثة صغيرة يبليها مرُّ الليالي و الاَيام بل كانت واقعة تاريخية حضرها آلاف من الصحابة في منصرفهم عن حجّة الوداع، وقد صعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المنبر وناشدهم بأُمور وأخذ منهم الاعتراف ثمّ قال: «من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه» أفتُنسى مثل هذه الحادثة مع أنّه ـ عند المناشدة ـ كان في العقد الرابع من عمره، مع أنّ أنساً هو المصدر الاَوّل لاَفعال النبي، صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها ؟

۱. مسند أحمد: ۵/۳۳۵.

۲. مشاهير علماء الاَمصار واعلام فقهاء الاَقطار: ۶۵ برقم ۲۱۵، وسيوافيك الاختلاف في مدة خدمته.

۳. سير أعلام النبلاء: ۲/۳۰۴ برقم ۵۵.

۴. الذهبي، سير أعلام النبلاء: ۳/۴۰۶ برقم ۶۲.

۵. المسند الجامع: ۳/۶۹.

۶. مسند أحمد: ۳/۱۱۰.

۷. سير أعلام النبلاء:۳/۳۹۶؛ تهذيب التهذيب: ۱/۳۷۶ برقم ۶۹۰.

۸. سير أعلام النبلاء:۳/۳۹۶.

۹. مسند أحمد:۳/۱۳۵؛ والترمذي: السنن: برقم۳۸۷۸.

۱۰. سنن النسائي، في باب عمل اليوم و الليلة برقم ۳۷۴، وأخرجه في فضائل الصحابة برقم ۲۵۴.

۱۱. مسند أحمد: ۳/۲۵۹ـ ۲۸۵.

۱۲. الترمذي: السنن: ۵/۶۵۷ برقم ۳۷۷۲.

۱۳. الترمذي: السنن:۵/۶۳۶ برقم ۳۷۲۱، كتاب المناقب.

۱۴. مسند أحمد:۳/۲۱۲.

۱۵. مسند أحمد:۳/۲۰۱.

۱۶. مسند أحمد:۳/۱۵۳.

۱۷. سنن ابن ماجة برقم ۳۷۸۸.

۱۸. مسند أحمد:۳/۱۱۶.

۱۹. مسند أحمد:۳/۱۵۷.

۲۰. مسند أحمد:۳/۱۹۹.

۲۱. مسند أحمد:۳/۱۱۴.

۲۲. صحيح البخاري: ۱/۷۹، باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره، ولاحظ ۷/۴ باب كثرة النساء.

۲۳. مسند أحمد:۳/۱۶۱؛ وصحيح البخاري: ۷/۳۴، باب من طاف على نسائه في غسل واحد من كتاب النكاح.

۲۴. مسند أحمد:۳/۲۹۱.

۲۵. لاحظ الفقه على المذاهب الاَربعة:۴/۲۴۰ـ۲۴۱.

۲۶. مسند أحمد:۳/۲۹۱.

۲۷. سيرة ابن هشام:۳/۳۲۸.

۲۸. صحيح البخاري: ۷/۷۶، باب الحيس من كتاب الاَطعمة.

۲۹. القاضي عياض الاَندلسي: الشفاء، بتعريف حقوق المصطفى:۱/۲۴۱ـ ۲۴۳.ولاحظ مسند أحمد:۳/۷۱.

۳۰. محمد حسين هيكل، حياة محمد، ص ۳۱۸ـ ۳۱۹ الطبعة الثالثة عشرة.

۳۱. محمد حسين هيكل، حياة محمد، ص ۳۱۸ـ ۳۱۹ الطبعة الثالثة عشرة.

۳۲. صحيح البخاري: ۶/۱۱۹، تفسير سورة الاَحزاب، باب زواج زينب بنت جحش من كتاب النكاح.

۳۳. مسند أحمد:۳/۱۶۳؛ صحيح مسلم:۴/۱۵۲.

۳۴. صحيح مسلم: ۴/۱۴۸ ؛ مسند أحمد: ۳/۱۹۵.

۳۵. صحيح البخاري:۵/۱۳۵، باب غزوة خيبر.

۳۶. أبو داود، السنن: ۲/۲۴۸، برقم ۲۱۵۷ و۲۱۵۸.

۳۷. لاحظ في الوقوف على نصوص المذاهب في لازم الاستبراء ، موسوعة الفقه الاِسلامي: ۵/۱۸۳ ـ ۱۸۷.

۳۸. مسلم، الصحيح:۱/۱۳۲ـ ۱۳۳، باب انّمن مات على الكفر فهو في النار. من كتاب الاِيمان.

۳۹. مسند أحمد:۳/۱۱۹.

۴۰. شرح صحيح مسلم للاِمام النووي:۳/۷۹.

۴۱. السيرة الحلبية: ۱/۴۶.

۴۲. البداية والنهاية: ۲/۲۵۵.

۴۳. مفاهيم القرآن: ۵/۱۴۸ـ۱۵۰.

۴۴. القاضي عياض، الشفاء بتعريف حقوق المصطفى:۱/۱۸۰ـ ۱۸۳.

۴۵. مسند أحمد:۴/۱۱.

۴۶. سنن أبي داود : ۱/۱۲۶ برقم ۴۶۱.

۴۷. سنن الترمذي: ۵/۱۷۸ برقم ۲۹۱۶.

۴۸. الدباء: القرع وأحدها دُبّاءة كانوا ينتبذون فيها فتُسرع الشدّة في الشراب.(النهاية:۲/۹۶).

۴۹. النقير: أصل خشبة ينقر فينبذ فيه فيشتد نبيذه.

۵۰. الحنتم واحدتهاحنتمة، نهي عن الانتباذ فيها لاَنّهاتسرع الشدة فيها لاَجل دهنها.(النهاية:۱/۴۴۸).

۵۱. المزفت: هو الاِناء الذي طلي بالزفت وهو نوع من القار، ثمّ انتبذ فيه.(النهاية:۲/۳۰۴).

۵۲. مسند أحمد:۳/۲۳۷ برقم ۱۳۰۷۵.

۵۳. البخاري، الصحيح: ۳/۳۴، باب لم يعب أصحاب النبي بعضهم بعضاً.

۵۴. صحيح مسلم: ۳/۱۴۳. باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر من كتاب الصيام.

۵۵. البخاري، الصحيح: ۳/۳۴. باب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن ظلل عليه واشتد الحرّ «ليس من البر الصوم في السفر » من كتاب الصوم.

۵۶. أحمد بن حنبل، المسند: ۵/۴۳۴؛ سنن ابن ماجة: ۱/۵۳۲، الحديث ۱۶۶۴.

۵۷. سنن ابن ماجة: ۱/۵۳۲، الحديث ۱۶۶۵ لاحظ تعليقة المحقق.

۵۸. صحيح مسلم: ۳/۱۴۰ـ۱۴۱ باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر من كتاب الصيام.

۵۹. صحيح مسلم: ۳/۱۴۱ ـ۱۴۲ باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر من كتاب الصيام.

۶۰. ابن ماجة: السنن: ۱/۵۳۲، الحديث ۱۶۶۶.

۶۱. مسند أحمد:۳/۲۸۱.

۶۲. صحيح مسلم: ۸/۱۱۹، باب براءة حرم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الريبة من كتاب التوبة .

۶۳. الركيّ: البئر، جمع الركيّة.

۶۴. هامش صحيح مسلم:۸/۱۱۹.

۶۵. الاِمام النووي، شرح صحيح مسلم: ۱۷/۱۲۳.

۶۶. البخاري، الاَدب المفرد، ص ۴۱۰، باب لا تسبّوا البرغوث، برقم ۱۲۴۲.

۶۷. الكثيب هو ما ارتفع من الرمل كالتل الصغير.

۶۸. النسائي ، السنن:۳/۲۱۵. باب ذكر صلاة نبي اللّه موسى (عليه السلام) .

۶۹. صحيح مسلم: ۸/۱۵۲، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء من كتاب الجنة، ونقله بطرق مختلفة ؛ وصحيح البخاري: ۶/۱۳۸، تفسير سورة ق.

۷۰. مسند أحمد: ۳/۱۲۵.

۷۱. ساخ الجبل أي غاص في الاَرض و غاب فيها.

۷۲. الترمذي، السنن:/۲۶۵، كتاب تفسير القرآن، باب سورة الاَعراف، برقم ۳۰۷۴.

۷۳. دفع شبه التشبيه بألّف التنزيه:۲۱۵.

۷۴. صحيح مسلم: ۸/۱۹۵، باب ذكر الدجال وصفته وما معه من كتاب الفتن الحديث الثاني.

۷۵. لاحظ السور التالية : طه: ۳۹؛ الطور: ۴۸؛ هود: ۳۷؛ القمر: ۱۴.

۷۶. دفع شبه التشبيه بأكفّ التنزيه، ص ۲۶۴.

۷۷. مسند أحمد:۳/۱۵۲.

۷۸. سنن ابن ماجة:۱/۶۱۲ برقم ۱۸۹۹، كتاب النكاح، وفي الزوائد اسناده صحيح ورجاله ثقات.

۷۹. وقد فسر لهو الحديث بالغناء في أكثر التفاسير وكتب الحديث، راجع تفسير الطبري: ۲۱/۳۹.

۸۰. الدر المنثور:۵/۱۶۰.

۸۱. البخاري، الاَدب المفرد، ص ۲۶۶ برقم ۷۸۷.

۸۲. الترمذي: السنن:۵/ ۶۱۰ برقم ۳۶۶۴.

۸۳. الترمذي: السنن: ۴/۶۷۹ برقم ۲۵۳۹.

۸۴. الترمذي: السنن: ۵/۶۵۶ برقم ۳۷۶۸.

۸۵. ابن ماجة: السنن: ۲/۱۳۴۹ برقم ۴۰۵۸، كتاب الفتن.

۸۶. ابن ماجة: السنن: ۲/۱۳۴۹ برقم ۴۰۵۸.

۸۷. منتخب الاَثر : ۱۹. راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي: ۲۵۱ في ترجمة الوليد.

۸۸. مسند أحمد:۳/۱۳۰ و ۱۴۳؛ سنن الترمذي: ۵/۱۵۲ برقم ۲۸۶۹، كتاب الاَمثال، الباب السادس .

۸۹. مسند أحمد: ۳/۱۱۱.

۹۰. مسند أحمد:۳/۲۱۶.

۹۱. مسند أحمد:۳/۱۴۶.

۹۲. سنن أبي داود: ۴/۱۱۳ برقم ۴۳۰۷.

۹۳. سنن الترمذي: ۵/۶۵۹ برقم ۳۷۷۸.

۹۴. البخاري: الاَدب المفرد، ص ۳۸۶ برقم ۱۱۶۶.

۹۵. صحيح البخاري: ۵/۳۶؛ صحيح مسلم: ۷/۱۳۳؛ مسند أحمد:۳/۱۵۶.

۹۶. صحيح مسلم: ۷/۸۱. باب طيب عرق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والتبرك به من كتاب الفضائل.

۹۷. صحيح مسلم:۷/۱۴۵، باب فضائل أُمّ سليم.

۹۸. النووي: شرح مسلم: ۱۶/۱۰، كتاب فضائل أُمّ سليم.

۹۹. النووي: شرح مسلم:۱۳/۶۱ ـ ۶۲ برقم ۱۶۰،كتاب الاَمارة، باب فضل الغزو.قد جاء ترجمتها في أُسد الغابة:۵/۵۹۱؛ وسير أعلام النبلاء: ۲/۳۰۴ وليست فيهما أيّة إشارة إلى أمر الخوالة.

۱۰۰. صحيح البخاري:۷/۷۶، باب الحيس من كتاب الاَطعمة.

۱۰۱. مسند أحمد:۳/۱۲۴ و۲۰۰.

۱۰۲. مسند أحمد:۳/۲۶۵؛ ولاحظ أيضاً ۳/۱۹۵ و۲۳۱.

۱۰۳. صحيح مسلم:۱/۱۰۲، باب الاِسراء برسول اللّه، من كتاب الاِيمان.

۱۰۴. شرح صحيح مسلم للنووي: ۲/۵۶۷ـ ۵۶۸.

۱۰۵. صحيح البخاري:۳/۱۸۳، كتاب الصلح.

۱۰۶. صحيح البخاري: ۶/۳۹ ـ ۴۰ تفسير سورة آل عمران.

۱۰۷. البلاذري: انساب الاَشراف:۲/۱۵۶ـ ۱۵۷.

۱۰۸. ابن قتيبة: المعارف: ۲۰۱ـ ۲۵۱، طبعة مصر.