البراء بن عازب بن الحارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة الاَنصاري الاَوسي الحارثي، يُكنّى أبا عمارة، ردّه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بدر استصغره، وأوّل مشاهده أحد، وقيل: الخندق، وغزا مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أربع عشرة، غزوة وهو الذي افتتح الري سنة ۲۴هـ، كما شهد فتح «تستر».

وشهد البراء مع علي بن أبي طالب الجمل وصفين والنهروان هو وأخوه عبيد ابن عازب، و نزل الكوفة وابتنى بها داراً ومات أيام مصعب بن الزبير.(۱)

قال الذهبي: البراء بن عازب الاَنصاري نزيل الكوفة من أعيان الصحابة روى حديثاً كثيراً، حدَّث عنه: عبد اللّه بن يزيد الخطمي، وأبو جحيفة السوائي، وعدي بن ثابت، وسعد بن عبيدة، وأبو عمر زاذان، وأبوإسحاق السّبيعي.

مسنده ثلاثمائة وخمسة أحاديث، له في الصحيحين اثنان وعشرون حديثاً، وانفرد البخاري بخمسة عشر حديثاً ومسلم بستة.(۲)

وهو أحد رواة حديث غدير خم من الصحابة، رواه عنه غير واحد من التابعين مفصلاً.(۳)

قال الخطيب البغدادي: وكان رسول عليّ بن أبي طالب إلى الخوارج بالنهروان يدعوهم إلى الطاعة وترك المشاقة، ثمّروى بسنده عن أبي الجهم، قال: بعث عليٌّ البراء بن عازب إلى أهل النهروان يدعوهم ثلاثة أيام فلما أبوا سار إليهم.(۴)

وقد بلغت أحاديثه في المسند الجامع ۱۳۶ حديثاً(۵)وإليك شيئاً من روائع أحاديثه.

روائع أحاديثه

۱. أخرج الترمذي في سننه، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : حقّعلى المسلمين أن يغتسلوا يوم الجمعة، وليمسّ أحدهم من طيب أهله، فإن لم يجد فالماء له طيب.(۶)

۲. أخرج أحمد في مسنده، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: خرج رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه، قال: فاحرمنا بالحجّ فلمّا قدمنا مكة، قال: اجعلوا حجَّكم عمرة، قال: فقال الناس يا رسول اللّه قد أحرمنا بالحجّ، فكيف نجعلها عمرة؟قال: انظروا، ما آمركم به فافعلوا، فردّوا عليه القول، فغضب ثمّ انطلق حتى دخل على عائشة غضبان، فرأت الغضب في وجهه، فقالت من أغضبك أغضبه اللّه؟ قال: ومالي لا أغضب وأنا آمر بالاَمر فلا اتّبع.(۷)

وفي الحديث دلالة واضحة على أنّ لفيفاً من أصحابه ربما كانوا يخالفونه ويغضبونه ويوَذونه، قال سبحانه: (وَالَّذِينَ يُوَْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(التوبة/۶۱). وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يُوَذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ في الدُّنيا وَالآخرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) (الاَحزاب/۵۷).

ويظهر من غير واحد من التواريخ انّ العرب لم تكن تجمع بين العمرة والحج وإنّما يأتون بالعمرة في غير أشهر الحجّ، ولما كان أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مخالفاً لما كانوا عليه في العصر الجاهلي استغربوه، وقالوا: كيف نجعلها عمرة وقد أحرمنا للحج؟

وعلى أيّة حال فهوَلاء هم الذين يصفهم اللّه سبحانه في سورة الحجرات بقوله: (يا أَيُّـها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْـنَ يَدَي اللّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَميعٌ عَليمٌ) (الحجرات/۱).

۲. أخرج ابن ماجة في سننه، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب، قال: أقبلنا مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجته التي حجّ، فنزل في بعض الطريق، فأمر الصلاة جامعة، فأخذ بيد عليّ، فقال: «ألست أولى بالموَمنين من أنفسهم؟» قالوا: بلى، قال: «ألست أولى بكلّموَمن من نفسه؟» قالوا: بلى، قال:فهذا وليّ من أنا مولاه، اللّهمّ وال من والاه، اللّهمّ عاد من عاداه.(۸)

۳. أخرج الترمذي عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جيشين وأمّر على أحدهما عليَّ بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، وقال: إذا كان القتال فعليّ، قال: فافتتح عليّحصناً، فأخذ منه جارية، فكتب معي خالد كتاباً إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يشي به، قال: فقدمت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقرأ الكتاب فتغيّر لونه، ثمّ قال: ما ترى في رجل يحبُّ اللّه ورسوله، ويحبه اللّه ورسوله؟ قال: قلت: أعوذ باللّه من غضب اللّه وغضب رسوله، وإنّما أنا رسول، فسكت.(۹)

۴. أخرج البخاري في صحيحه ،عن شعبة، قال أخبرني عديّ، قال: سمعت البراء، قال: رأيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والحسن على عاتقه يقول: اللّهمّ إنّي أُحبُه، فأحبَّه.(۱۰)

۵. أخرج البخاري في صحيحه عن المسيب بن رافع، قال: لقيت البراء بن عازب، فقلت: طوبى لك، صحبت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا ابن أخي، انّك لا تدري ما أحدثنا بعده.(۱۱)

ويوَيّده ما رواه البخاري في كتاب الفتن من إحداث لفيف من أصحابه بِدَعاًً وتبديلهم لدينه سبحانه، أخرج البخاري عن أبي وائل، قال: قال عبد اللّه: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنا فَرَطُكم على الحوض ليرفعنّ إليّ رجال منكم حتى إذا أهويتُ لاَناولهم، اختلجوا دوني، فأقول: أي ربّ أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك.

أخرج البخاري عن أبي حازم، قال: سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: أنا فَرَطُكم على الحوض، من ورد شرب منه، و من شرب منه لم يظمأ بعده أبداً، ليرد عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثمّ يُحال بيني و بينهم. قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أُحدِّثهم هذا، فقال: هكذا سمعت سهلاً ؟ فقلت: نعم، قال: وأنا اشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه، قال: إنّهم منّي، فيقال: إنّك لا تدري ما بدّلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي.(۱۲)

أخرج مسلم عن الاَعمش، عن شفيق، عن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنا فرطكم على الحوض ولاَُنازعنّ أقواماً ثم لاَغلبن عليهم، فأقول: يا ربّ أصحابي، أصحابي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك.(۱۳)

والعجب انّ الذين يروون هذه الاَحاديث من الصحيحين ـ اللّذين يُعدان عندهم من أصحّ الكتب بعد كتـاب اللّه ـ يحكمون بلزوم الاقتداء بكلّ صحابي وأخذ الحديث منه، ولا يجوّزون رمي واحد منهم بالجرح مع أنّ بينهم من بدّل دين اللّه وغيّره وأحدث وقال في حقّه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : سحقاً، سحقاً.

هذه طائفة من روائع أحاديثه، وإليك هذا الحديث المنسوب إليه والذي يخالف القواعد السالفة الذكر .

حديثه السقيم

نزول الوحي عند رغبة ابن امّ مكتوم

أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي إسحاق، أنّه سمع البراء يقول في هذه الآية: «لا يستوي القاعدون من الموَمنين والمجاهدون في سبيل اللّه» فأمر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) زيداً فجاء بكتف يكتبها، فشكا إليه ابن أُمّمكتوم ضرارته، فنزلت: (لا يَسْتَوي القاعِدونَ مِنَ المُوَْمنينَ غَيرُ أُولِي الضَّرَر).(۱۴)

ومعنى ذلك انّ الوحي نزل لرغبة ابن أُمّ مكتوم ولولا شكايته لكان الوحي مثل ما نزل أوّلاً، وقد مرّ الكلام فيه عند دراسة أحاديث زيد بن ثابت.

۱. أُسد الغابة: ۱/۱۷۱.

۲. سير أعلام النبلاء: ۳/۱۹۴ برقم ۳۹.

۳. الغدير: ۱/۲۹۴.

۴. تاريخ بغداد: ۱/۱۷۷.

۵. المسند الجامع: ۳/۱۸۵.

۶. سنن الترمذي: ۲/۴۰۷ برقم ۵۲۸.

۷. مسند أحمد: ۴/۲۸۶.

۸. سنن ابن ماجة: ۱/۴۳برقم ۱۱۶.

۹. سنن الترمذي: ۵/۶۳۸ برقم ۳۷۲۵.

۱۰. صحيح البخاري: ۵/۲۶، باب مناقب الحسن والحسين (عليهما السلام) .

۱۱. صحيح البخاري: ۵/۱۲۵، باب غزوة الحديبية.

۱۲. صحيح البخاري: ۹/۴۶، كتاب الفتن.

۱۳. صحيح مسلم:۷/۶۸، باب إثبات حوض نبيّنا.

۱۴. صحيح مسلم: ۶/۴۲، باب سقوط فرض الجهاد على المعذورين؛ صحيح البخاري: ۴/۲۴ـ ۲۵، باب قوله تعالى: (لا يستوي القاعدون) (النساء/۹۵).