إنّ أبا هريرة غامض الحسب، مغمور النسب، اختلف الناس في اسمه واسم أبيه اختلافاً كثيراً، وقد نقل الذهبي أقوالاً عشرة في اسمه ورجّح انّ اسمه عبد الرحمان بن صخر، كما نقل الاَقوال في اسم أبيه، ولا يهمُّنا التحقيق في اسمهما فقد سرد هشام [بن محمدج بن الكلبي نسب أبيه، بقوله:هو عمير بن عامر بن ذي الشرى بن طريف بن عيّان بن أبي صعب بن هُنيَّة بن سعد بن ثعلبة إلى أن ينتهي إلى نصر بن الاَزد.(۱)

ويكنّى أبا هريرة لهرّة صغيرة كان مغرماً بها.

قال ابن قتيبة: إنّ أبا هريرة كان يقول: وكُنِّيت بأبي هريرة بهرة صغيرة كنت ألعب بها.(۲)

وأخرج ابن سعد في ترجمة أبي هريرة في الطبقات بالاسناد إليه، قال: كنت أرعى غنماً، وكانت لي هريرة صغيرة، فكنت إذا كان الليل وضعتها في شجرة، وإذا أصبحت أخذتها فلعبت بها فكنّوني أبا هريرة.(۳)إسلامه

اتّفقوا على أنّه أسلم بعد فتح خيبر، يقول أبو هريرة:

خرج النبي إلى خيبر وقدمت المدينة مهاجراً ،فصلّيت الصبح خلف سِباع ابن عُرفُطة ـ كان استخلفه ـ فقرأ في السجدة الاَُولى [كذاج بسورة مريم، وفي الآخرة (ويلٌ للمُطفِفين) .

فقلت: ويل لاَبي، قلّ رجل كان بأرض الاَزد، إلاّ وكان له مكيالان، مكيال لنفسه، و آخر يبخس به الناس.(۴)

وعلى ذلك فقد أدرك من عهد الرسالة أربع سنين، إذا صحّ وقوع غزوة خيبر في شهر محرم الحرام، وهو بعدُ محل خلاف بين كُتّاب السيرة النبويّة. ولكن، قال ابن أبي خالد: حدثنا قيس بن أبي حازم، قال لنا أبو هريرة: صحبت رسول اللّه ثلاث سنين.(۵)

والجمع بين القولين هو انّ النبي أمّر العلاء بن الحضرمي في البحرين وبعث معه أبا هريرة موَذِّناً له، فلو لبث فيها سنة واحدة، فقد صحب النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» ثلاث سنين، و إن أدرك من عهد الرسالة أربع.

ويظهر مما وَصف به أرض الاَزد وما دعا به على والده بقوله: «ويل لاَبي» أنّ منبَته لم يكن منبَت خير، و قد روى هو أيضاً: انّه قال لي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ممن أنت؟ قلت: من دوس، قال: ماكنت أرى انّ في دوس أحداً فيه خير(۶).

كثرة أحاديثه

يصفه الذهبي بقوله: الاِمام، الفقيه، المجتهد، الحافظ، صاحب رسول اللّه، أبو هريرة الدوسي اليماني، سيد الحُفاظ الاَثبات، حمل عن النبي علماً كثيراً طيّباً مباركاً ـ لم يُلْحق في كثرته ـ و عن أُبيّ و أبي بكر و عمر و أُسامة وعائشة والفضل وبُصرة بن أبي بُصرة، وكعب الحبر.

حدَّث عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين، فقيل بلغ عدد أصحابه ثمانمائة، ثمّ نقل عن صاحب التهذيب أسماء من له رواية عنه في كتب الاَئمّة الستة.(۷)

وبلغ مسنده ۵۳۷۴ حديثاً، المتّفق في البخاري و مسلم منها ۳۲۶، وانفرد البخاري بـ ۹۳ حديثاً، ومسلم بـ ۹۸ حديثاً.(۸)

ولم يتفق لاَحد من الصحابة ذلك الحجم الهائل من الروايات عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى الرغم من أنّه لم يكن يكتب الحديث ولكنّه حفظ هذا العدد الهائل من الروايات عن ظهر قلب.

وقد روى سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن وهب بن منبه، عن أخيه همام، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: ما أحد من أصحاب رسول اللّه أكثر حديثاً عنه منّي، إلاّما كان من عبد اللّه بن عمرو، فانّه كان يكتب و كنت لا أكتب.(۹)

وعلى ضوء ذلك فيلزم أن يكونا متكافئين في نقل الحديث مع أنّ المروي عن عبد اللّه بن عمرو أقل بكثير عمّا روي عن أبي هريرة .

فإذا كان المروي عن أبي هريرة ۵۳۷۴ حديثاً، فلازمه أن يكون المروي عن عبد اللّه بن عمرو مثل هذا أو أكثر، مع أنّ المروي عنه سبعمائة حديث، فتكون النسبة بينهما هي السُّبْع، وهذا إن دلّعلى شيء فإنّما يدل على ضعف الاعتماد على مروياته.

وقد اعتذر المعلِّق على سير أعلام النبلاء عن هذا الفارق الشاسع بين الراويتين بوجوه ضعيفة لا يُركن إليها. فمن جملة ما اعتذر به: «انّ عبد اللّه كان مشتغلاً بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم، فقلّت الرواية عنه»(۱۰)وفي الوقت نفسه يذكر في الوجه الرابع ما يخالف ذلك و يقول: «إنّ عبد اللّه كان قد ظفر بالشام بحِمْل جمل من كتب أهل الكتاب، فكان ينظر فيها ويحدِّث منها، فتجنّب الاَخذ عنه لذلك كثير من أئمّة التابعين».

إنّ عناية عبد اللّه بكُتب أهل الكتاب والنظر فيها والتحديث منها يعرب عن اشتغاله بالتعليم أكثر من العبادة، أو مثلها ولو كان أبو هريرة يحسن القراءة والكتابة أو يمارسها لنقل من حِمْل ذلك الجمل ما شاء.

وعلى أية حال فقد جمعت رواياته في المسند الجامع فبلغت ۲۷۴۰ حديثاً.(۱۱)ضولكن الموجود في مسند أبي هريرة تأ عمر علوش أكثر من ذلك حيث بلغ عدد أحاديثه من المسند والموقوف والمعلّق إلى ۶۴۲۸، وقد جمع ما روي عنه في ثلاثة أجزاء أسماه «التمام الحسن» وهو تتمة جامع المسانيد والسنن تأليف عماد الدين ابن كثير القرشي، طبع في دار الفكر، بيروت.

ملامح من شخصيته

يظهر ممّا روي عنه من الاَقوال والاَفعال انّه كان كثير الهزل، يمارس على كبر سنّه ما يمارسه الاَطفال من الاَفعال.

يقول ابن قتيبة نقلاً عن أبي رافع: كان مروان ربّما استخلف أبا هريرة على المدينة، فيركب حماراً قد شدّ عليه برذعة، وفي رأسه خلبة من ليف، فيسير فيلقى الرجل، فيقول: الطريق قد جاء الاَمير.

وربّما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الغراب فلا يشعرون بشيءحتى يلقي نفسه بينهم و يضرب برجليه فينفر الصبيان فيفرُّون.

وربّما دعاني إلى عشائه بالليل، فيقول: دع العراق للاَمير، فانظر فإذا هو ثريدة بزيت.(۱۲)

ونقل عن سعد بن أبي مالك القرظي، قال: أقبل أبو هريرة في السوق يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة لمروان، فقال: أوسع الطريق للاَمير.(۱۳)

حبّه للثروة

يدل ما أثر عنه من فعل وقول انّه كان رجلاً محبّاً للمال وذاخراً له، فلنأت ببعض النماذج الدالة على ذلك:

فعن ابن المسيب، قال: كان أبو هريرة إذا أعطاه معاوية سكت، وإذا أمسك عنه تكلّم.(۱۴)

روى إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة: انّعمر قال لاَبي هريرة: كيف وجدت الاَمارة؟ قال: بعثتني وأنا كاره، و نزعتني وقد أحببتها.وأتاه بأربعمائة ألف من البحرين.

فقال: ما جئت به لنفسك؟ قال: عشرين ألفاً.

قال: من أين أصبتها ؟ قال: كنت أتّجر، قال: أنظر إلى رأس مالك و رزقك فخذه، واجعل الآخر في بيت المال.(۱۵)

صلته بالبيت الاَموي

وممّا لا يمكن إنكاره انّه كان له صلة وثيقة بالبيت الاَموي، ولذلك كان ينوب مروان بن الحكم في المدينة.

يقول ثابت بن مشحل: قال: كتب الوليد إلى معاوية بموت أبي هريرة، فكتب إليه: أنظر من ترك فادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم وأحسن جوارهم وافعل إليهم معروفاً فانّه كان ممن نصر عثمان و كان معه في الدار.(۱۶)

روى عاصم بن محمد، عن أبيه، قال: رأيت أبا هريرة يخرج يوم الجمعة فيقبض على رمانتي المنبر قائماً ويقول: حدثنا أبو القاسم الصادق المصدوق، فلا يزال يحدِّث حتى إذا سمع فتح باب المقصورة لخروج الاِمام للصلاة جلس.(۱۷)

هذا وغيره يدل على أنّه كان عثمانيّ الهوى، أمويّ النزعة وإن كان لا يتجاهر به إلاّ انّه يعلم من أحواله، ومع ذلك ففي أحاديثه ما يظهر منه التعاطف مع الحسنين (عليهما السلام) .

دراسة الاِطراءات الواردة في حقّه

قد رويت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إطراءات عديدة في حقّ أبي هريرة، تشير إلى أنّه كان موضع اهتمام من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فعلّمه من العلوم النبوية ما لم يُعلّم غيره، ودعا له أن لا ينسى ما تعلمه، فلو ثبتت تلك الروايات، فهو كما قال الذهبي: سيد الحفاظ الاَثبات، ولكن تلك الاِطراءات لم تنقل عن غير طريق أبي هريرة إلاّ القليل، فلنذكر بعض ما رواه هو:

۱. روى انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ألا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟ قلت: أسألك أن تعلمني ممّا علّمك اللّه، فنزع نمرة كانت على ظهري، فبسطها بيني وبينه، حتى كأنّي أنظر إلى النمل يدبّ عليها فحدثني، حتى إذا استوعبت حديثه.

قال: أجمعها فصرها إليك، فأصبحت لا أسقط حرفاً ممّا حدثني.

۲. و قال يوماً: إنّكم تقولون انّ أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول اللّه، وتقولون ما للمهاجرين والاَنصار لا يحدّثون مثله، و إنّ إخواني المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالاَسواق، وكان إخواني من الاَنصار يشغلهم عمل أموالهم وكنت امرىًَ مسكيناً من مساكين الصفّة، ألزم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) على ملء بطني، فأحضُر حين يغيبون، وأعي حين ينسون، وقد قال رسول اللّهفي حديث يحدِّثه يوماً:

انّه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي، ثمّ يجمع إليه ثوبه الاّ وعى ما أقول، فبسطت نمرة عليَّ، حتى إذا قضى مقالته، جمعتها إلى صدري فما نسيت من مقالة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) تلك من شيء.

۳. روى الزهري، عن الاَعرج، عن أبي هريرة ،قال: قال أتزعمون انّي أكثر الرواية عن رسول اللّه ـ واللّه الموعد ـ انّي كنت امرأً مسكيناً أصحب رسول اللّه على ملءِ بطني وإنّه حدَّثنا يوماً، وقال: من يبسط ثوبه حتى أقضي مقالتي، ثمّ قبضه إليه(۱۸)لم ينس شيئاً سمع مني، ففعلت. فوالذي سمعته منه.(۱۹)

وقال ابن حجر في فتح الباري بعد أن ذكر الاسنادين: والاسنادان جميعاً محفوظان صححهما الشيخان.(۲۰)

وهاهنا سوَالان:

الاَوّل: لماذا خصّص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الكرامة بأبي هريرة دون سواه من أصحاب الصفة، ولا أظنُّ انّه لم يكن يوجد بينهم من هو عدل لاَبي هريرة في النيل بهذه الكرامة؟

والثاني: ما معنى انّه بسط ثوبه وأفضى النبي جميع مقالته في ثوبه ثمّهو قبضه إلى صدره فصار ما ألقاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عجيناً مع روحه ونفسه فلم ينس ما سمعه أبداً؟

فلو كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد أن يُخصِّص هذه الكرامة بأبي هريرة لكان له أن يضع يده على صدره ويدعو له كما فعل ذلك مع غيره نظير، الاِمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) . كلّهذه النصوص المنتهية إليه تجعل الاِنسان في حيرة من أمر هذا الرجل.

أبو هريرة متهم في روايته

يظهر ممّا نقله الذهبي وغيره انّ الرجل كان متهماً في روايته بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في عهد الخلافة وبعدها، وإليك بعض ما نقله في ذلك المقام.

۱. أخرج غير واحد من الموَرّخين والمحدّثين، عن السائب بن يزيد انّه سمع عمر يقول لاَبي هريرة: لتتركنّالحديث عن رسول اللّه وإلاّ لاَلحقنّك بأرض الدوس.(۲۱)

وقال لكعب: لتتركنّ الحديث أو لاَلحقنَّك بأرض القردة.(۲۲)

لم يكن الخليفة مانعاً عن التحديث بقلة، ولذلك كان يقول: «أقلّوا الرواية عن رسول اللّه »وإنّما خالف أبا هريرة في تكثيره.

۲. روى ابن عجلان أنّ أبا هريرة، كان يقول: إنّي لاَحدِّث أحاديث لو تكلّمت بها في زمن عمر، لشجّ رأسي.

۳. روى الشعبي قال: حدث أبو هريرة فسرد عليه سعد حديثاً، فوقع بينهما كلام حتى ارتجَّت الاَبواب.

۴. روى إسحاق بن سعيد، عن أبيه قال: دخل أبو هريرة على عائشة، فقالت له: أكثرت يا أبا هريرة عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: أي واللّه يا أُمّاه، ما كانت تشغلني عنه المرآة، ولا المِكْحَلةُ، ولا الدهن، قالت: لعلّه.

۵. لما أرادوا أن يدفنوا الحسن في الحجرة النبوية وقع خصام.

قال الوليد بن رباح: سمعت أبا هريرة يقول لمروان: واللّه ما أنت وال،وانّ الوالي لغيرك، فدعه ـ يعني حين أرادوا دفن الحسن (عليه السلام) مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ ولكنّك تدخل فيما لا يعنيك، إنّما تريد إرضاء من هو غائب عنك ـ يعني معاوية ـ.

فأقبل عليه مروان مغضباً، وقال: يا أبا هريرة، إنّ الناس قد قالوا أكثر أبو هريرة الحديث عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنّما قدم قبل وفاته بيسير.(۲۳)

۶.أخرج البخاري عن أبي صالح، قال: حدّثني أبو هريرة، قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أفضل الصدقة ماترك غنىً، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، تقول المرأة: إمّا أن تطعمني وإمّا أن تطلقني.

ويقول العبد: اطعمني واستعملني.

ويقول الابن: اطعمني إلى من تدعني؟

فقالوا: يا أبا هريرة، سمعت هذا من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟!

قال: لا، هذا من كيس أبي هريرة.(۲۴)

ورواه الاِمام أحمد في مسنده باختلاف طفيف في اللفظ.(۲۵)

انظر إلى الرجل ينسب في صدر الحديث الرواية إلى النبيبضرس قاطع، ولكنّه عندما سُئل عن سماع الحديث من رسول اللّهعدل عمّا ذكره أولاً، وصرح بأنّه من كيسه الخاص أي من موضوعاته.

وبعد هذا فهل يصح توثيقه؟!

هذه النصوص تعرب عن أنّ الرجل كان متهماً في عصره، وإن كان هو يبرّر عمله بأنّ الآخرين كانوا منشغلين بالصفق في الاَسواق أو بالمرآة والمكحلة والدهن، ولكن كان في القوم من لم يكن له ذلك الشأن كعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي وأُبيّ بن كعب وأبي أيوب الاَنصاري وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن عمرو، إلى غير ذلك من أقطاب الحديث، الذين كان لهم شغف بنقل الحديث وضبطه وتحديثه، ومع ذلك لم يبلغ حديث أكثرهم معشار ما نقله أبو هريرة.

كان أبو هريرة يجلس إلى حجرة عائشة فيحدِّث، ثمّ يقول: يا صاحب الحجرة، أتنكرين مما أقول شيئاً؟

فلما قضت صلاتها، لم تُنكر ما رواه، لكن قالت: لم يكن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يسرد الحديث سردكم.

وكذلك قيل لابن عمر: هل تنكر مما يحدِّث به أبو هريرة شيئاً ؟ فقال: لا، ولكنّه اجترأ، وجبُنّا.

فقال أبو هريرة: فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا.(۲۶)

قال ابن عساكر: إنّ رجلين من بني عامر دخلا على عائشة، فقالا لها: إنّ أبا هريرة يقول: إنّ الطيرة في الدار والمرأة والفرس، فقالت: كذب والذي أنزل الفرقان على أبي القاسم (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قاله إنّما قال: كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك.

وعن عائشة انّها قالت لاَبي هريرة: إنّك تحدّث عن رسول اللّه أشياء ما سمعتها منه؟! فقال لها مجيبا: إنّه كان يشغلك عن تلك الاَحاديث، المرآة والمُكْحُلة.(۲۷)

هذه النصوص توقفك على حقيقة الحال وانّ الرجل كان متّهماً في روايته في عصره، ولكن القول بعدالة الصحابة حال بين المحققين والتحقيق في رواياته ومروياته، ولولا ذلك لما أخذوا بكثير ممّا عزاه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

التحديث بنصف ما معه

يظهر ممّا رواه أبو هريرة انّه إنّما حدَّث بنصف ما وعاه عن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» وحبس النصف الآخر لاَنّ الظروف لم تساعد لبثّه.

روى البخاري، عن المقبُري، عن أبي هريرة، قال: حفظت من رسول اللّه وعاءين، فأمّا أحدهما فبثثته وأمّا الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم.(۲۸)

التدليس في الحديث

قال يزيد بن هارون: سمعت شعبة، يقول: كان أبو هريرة يدلّس.

وذكره ابن عساكر في تاريخه والحافظ ابن كثير في البداية.(۲۹)

ولما كانت شهادة شعبة تحطُّ من مكانة أبي هريرة عاد الذهبي ناقضاً للقاعدة، فقال:

قلت: تدليس الصحابة كثير ولا عيب فيه، فانّ تدليسهم عن صاحبٍ أكبر منهم، والصحابةكلّهم عدول.

وأنت خبير بأنّ التدليس من أسباب الضعف، فكيف صار هناك من أسباب الفخر، حيث قال: إنّتدليسهم عن صاحب أكبر منهم.

وقد أشار الحافظ ابن كثير في البداية إلى تفسير كلام شعبة، بقوله: وكان شعبة يشير بهذا إلى حديث: «من أصبح جنباً فلا صيام له» فانّه لما عوتب عليه، قال: أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم).

وسيوافيك عند دراسة أحاديثه انّه نسب هذا الحديث إلى الرسولص، فلمّا شهد غير واحد من الصحابيات على خلافه، قال: أخبرني به الفضل بن العباس.

وأيّ تدليس كان أعظم من ذلك؟ بل كان ينسب ما سمعه من كعب الاَحبار إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو من أسوأ التدليسات، وها نحن نوقفك على نموذج من هذا النوع من التدليس الذي كان يرتكبه أبو هريرة.

روى الطبري عن أبي نعيم، عن مقاتل بن حيان، عن عكرمة، قال: بينا ابن عباس ذات يوم جالس إذ جاءه رجل، فقال: يا ابن عباس سمعت العجب من كعب الحبر يذكر في الشمس والقمر.

قال: وكان متكئاً فاحتفز، ثمّقال: وما ذاك؟ قال: زعم انّه يُجاء بالشمس والقمر يوم القيامة كانّهما ثوران عقيران فيُقذفان في جهنم.

قال عكرمة: فطارت من ابن عباس شفة ووضعت أُخرى غضباً، ثمّ قال: كذب كعب، كذب كعب، كذب كعب، ثلاث مرات، بل هذه يهودية يريد إدخالها في الاِسلام، اللّه أجل وأكرم من أن يعذِّب على طاعته، ألم تسمع قول اللّه تبارك و تعالى (وَسخّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ والقَمَرَ دائبَيْن) إنّما يعني دوَوبهما في الطاعة فكيف يعذِّب عبدين يُثني عليهما انّهما دائبان في طاعته؟! قاتل اللّه هذا الحبر وقبّح حبريته، ما أجرأه على اللّه وأعظم فريته على هذين العبدين المطيعين للّه.

قال: ثمّ استرجع مراراً وأخذ عُوَيداً من الاَرض فجعل ينكته في الاَرض، فظلّ كذلك ما شاء اللّه، ثمّ إنّه رفع رأسه ورمى بالعويد، فقال: ألا أحدثكم بما سمعت من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في الشمس والقمر وبدء خلقهما ومصير أمرهما فقلنا: بلى رحمك اللّه....(۳۰)

وهذا النسج الخرافي للقصة التي حاكتها مخيّلة كعب وأضرابه، رواها أبو هريرة مباشرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

روى ابن كثير في تفسير سورة التكوير:

حدثنا إبراهيم بن زياد البغدادي، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا عبد العزيز بن المختار عن عبد اللّه الداناج، قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمان بن خالد بن عبد اللّه القسري في هذا المسجد، مسجد الكوفة، وجاء الحسن فجلس إليه، فحدث، قال: حدثنا أبو هريرة: إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: إنّ الشمس والقمر ثوران في النار عقيران يوم القيامة، فقال الحسن: وما ذنبهما؟

فقال: أحدثك عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقول أحسبه، قال: وما ذنبهما.(۳۱)

ترى أنّ حديثاً واحداً يرويه رجل عن كعب، وفي الوقت نفسه يرويه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فبما انّ كعباً لم يدرك النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» لم يستطع أن ينسبه إليه وبما انّ أبا هريرة أدرك عصر الرسالة أخذ بالتدليس فنسب ما سمعه عن كعب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .وأيّ تدليس أسوأ من ذلك؟ وليس هذا إلاّ من مقولة الكذب المنافي للعدالة.

ومما يقضى منه العجب ما ذكره أبو جعفر الطحاوي لتصحيح هذا الاَثر حيث قال: إنّ الشمس والقمر كالملائكة الموكلين لاَهل النار، معذِّبان لاَهل النار لا معذَبان فيها، إذ لا ذنوب لهما(۳۲)

يلاحظ عليه: أنّ التفسير خلاف ما فهمه المخاطبون بهذا الحديث، مضافاً إلى أنّه لا يناسب قوله «عقيران» وما العقر إلاّ لتعذيبهما.

وحيث إنّ أهل السنة ذهبوا إلى عدالة الصحابة بأجمعهم أخذوا بروايات أبي هريرة وأمثاله دون أدنى تحقيق، و إذا فتشوا عن اسناد الرواية فإنّما يفتشون عمّن ورد اسمه قبل الصحابة، فإذا وصل الكلام إليهم يكسر القلم ويُضبط اللسان فلا كلام فيهم و إن صدر عنهم ما صدر.

إنّ تقديس جميع من أسموهم بالصحابة لمجرد أنّهم رأوا الرسولص أو سمعوا حديثه أو صاحبوه ولو زمناً قصيراً ممّا لا يمكن تصديقه، لاَنّ مجرد الصحبة لا يُضفي على المصاحب ثوب القداسة ولا يخلق حوله هالة من التقديس بعد ما شهد القرآن والسنّة على كون لفيف منهم مصدراً للفتنة والفساد، وهذا هو الذكر الحكيم يصرّح ويقول:

(وَمِنْ أَهْلِ الْمَدينَةِ مَرَدُوا عَلى النِفاقِ لا تعلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)(التوبة/۱۰۱).

وهوَلاء الذين مردوا على النفاق كانوا مندسّين بين الصحابة، ولم يكن عددهم قليلاً، وإلاّ لما استأثروا باهتمام بالغ من قبل القرآن الكريم في غير واحد من سوره وآياته.

إنّه سبحانه يصف بعض الصحابة بالفسق ويقول:(إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فتَبَيَّنُوا) (الحجرات/۶).

فمن هذا الفاسق الذي أخبر القرآن عنه بين صحابته؟ و ما هو إلاّ الوليد ابن عقبة الذي صاحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أعواماً عديدة.

وليس الوليد نسيج وحده في هذا المضمار، بل انّ كثيراً من الصحابة تركوا النبي قائماً حينما كان يخطب للجمعة وخرجوا من المسجد طلباً لحطام الدنيا، فنزل قوله سبحانه: (فَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَـهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللّهُ خَيْرُ الرّازِقين) (الجمعة/۱۱).

أترى أنّ من يرجح اللهو وحطام الدنيا على صلاة الجمعة يكون من القدِّيسين و من العدول الذين تنبض قلوبهم بذكر اللّه ويخافون يوماً قمطريراً ؟!

ويكفي من السنة ما وردت حول ارتداد الصحابة عقب وفاة النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» وقد رواها البخاري في كتاب الفتن.(۳۳)

وقد جمعها ابن الاَثير في جامعه فبلغت عشرين حديثاً فلاحظ.(۳۴)

وفاته

توفي أبو هريرة سنة ۵۷ وقيل ۵۸ وهو ابن ۷۸، قيل مات بالعقيق وحمل إلى المدينة وصلّى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان و كان أميراً على المدينة لعمِّه معاوية بن أبي سفيان.(۳۵)

وقد مضى الرجل وعزّي إليه أحاديث كثيرة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي بين صحيحةتعلو على هامّاتها سمات الصحة والاتقان، وسقيمة مخالفة لكتاب اللّه والسنّة الثابتة والعقل الحصيف، فمن أراد تنزيه السنة النبوية وتمحيصها، فعليه بدراسة روايات هذا الصحابي، وكفانا موَونة ذلك ما ألّفه العالمان الكبيران أحدهما شيعي والآخر سني، فالاَوّل هو العلم المفرد المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي فقد فتح هذا الباب على مصراعيه في وجه الاَُمّة ونشر كتابه المعروف بـ«أبو هريرة».

وأمّا الثاني فهو الكاتب المجاهد محمود أبو رية موَلف كتاب «أبو هريرة شيخ المضيرة» فقد بلغا الغاية في دراسة رواياته.ولقد صدرنا في بعض ما ذكرناه في المقام عمّا أفاده العلمان لا سيما ما أفاده العلاّمة شرف الدين العاملي «طيب اللّه رمسه».

روائع أحاديثه

۱. أخرج مسلم، عن سعيد بن المسيب انّ أبا هريرة أخبره انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّاللّه، فمن قال: لا إله إلاّاللّه عصم منّي ماله ونفسه إلاّبحقه وحسابه على اللّه.

وفي لفظ آخر عن أبي هريرة، عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلاّاللّه، ويوَمنوا بي، و بما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّبحقها، وحسابهم على اللّه.(۳۶)

وهذه الرواية نقلت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) متضافرة، نقلها غير واحد من الصحابة.

۲. أخرج مسلم، عن أبي سهيل، عن أبيه ،عن أبي هريرة انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان.(۳۷)

۳. أخرج أحمد، عن أبي رافع، عن أبي هريرة انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: للصائم فرحتان: فرحة في الدنيا عند إفطاره، وفرحة في الآخرة.(۳۸)

۴. أخرج أحمد، عن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : رُبّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وربّ قائم حظه من قيامه السهر.(۳۹)

۵. أخرج ابن ماجة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : من أعان على قتل موَمن بشطر كلمة لقي اللّه عزّ وجلّ: مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة اللّه .(۴۰)

۶. أخرج الترمذي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، انّ رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» قال:المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والموَمن من أمنه النّاس على دمائهم وأموالهم.(۴۱)

۷. أخرج أحمد، عن الحسن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» :من سنّ سنّة ضلال اتّبع عليها، كان عليه مثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، و من سنّ سنّة هدى فاتّبع عليها كان له مثل أُجورهم من غير أن ينقص من أُجورهم شيء.(۴۲)

۸. أخرج الترمذي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم»، قال: إنّ الدين النصيحة، إنّالدين النصيحة، إنّالدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول اللّه؟ قال: للّه ولكتابه ولرسوله ولاَئمّة المسلمين وعامتهم.(۴۳)

۹. أخرج الترمذي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال:

سئل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أي الاَعمال أفضل، وأيّ الاَعمال خير؟ قال: إيمان باللّه ورسوله، قيل: ثمّ أيّ شيء؟ قال: الجهاد سنام العمل، قيل : ثمّ أيّ شيء يا رسول اللّه؟ قال: ثمّ حجّ مبرور.(۴۴)

۱۰. أخرج البخاري في الاَدب المفرد، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«إيّاكم والظلم، فانّ الظلم ظلمات يوم القيامة، وإيّاكم والفحش، فانّ اللّه لا يحب الفاحش المتفحش، وإيّاكم والشحّ، فانّه دعا مَنْ كان قبلكم، فقطعوا أرحامهم، ودعاهم فاستحلوا محارمهم.(۴۵)

هذه طائفة من روائع رواياته، ولكن عزيت إليه روايات سقيمة لا يصحّ عزوها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمخالفتها للمعايير العامة لصحّة الحديث التي استوفينا الكلام حولها في صدر الكتاب وإليك نزراً منها.

۱. محاولة عفريت من الجن قطع صلاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

أخرج مسلم في صحيحه، عن ابن زياد، قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّعفريتاً من الجنّ جعل يفتك(۴۶)عليَّ البارحة ليقطع عليَّ الصلاة، و انّ اللّه أمكنني منه فذعته،(۴۷)فلقد هممت أن أربطه إلى جانب سارية من سواري المسجد حتى تُصبحوا تنظرون إليه أجمعون أو كلكم، ثمّ ذكرت قول أخي سليمان: ( رَبِّ اغفِرَ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنبَغِي لاَحَدٍ مِن بَعْدِي) فردّه اللّه خاسئاً.(۴۸)

وفي الحديث تساوَلات:

أوّلاً: انّ المنقول عن أبي هريرة يختلف مضمونه مع ما نقل عن أبي سعيد الخدري، حيث نقل عنه الاِمام أحمد:«انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قام فصلّى صلاة الصبح وهو خلفه، فقرأ فالتبست عليه القراءة، فلمّا فرغ من صلاته قال: لو رأيتموني وإبليس، فأهويت بيدي فمازلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين اصبعي هاتين: الابهام والتي تليها،ولولا دعوة أخي سليمان لاَصبح مربوطاً بسارية، من سواري المسجد، يتلاعب به صبيان المدينة، فمن استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل.(۴۹)

كما انّ مضمونه يختلف عمّا رواه نفس مسلم، عن أبي الدرداء، في ذلك المقام . قال: قام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فسمعناه يقول: أعوذ باللّه منك، ثمّقال: ألعنك بلعنة اللّه ثلاثاً، وبسط يده كأنّه يتناول شيئاً، فلما فرغ من الصلاة، قلنا: يا رسول اللّه قد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله قبل ذلك، و رأيناك بسطت يدك؟ قال: إنّ عدو اللّه إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت: أعوذ باللّه منك ثلاث مرّات، ثم قلت: ألعنك بلعنة اللّه التامة، فلم يستأخر ثلاث مرات، ثمّ أردت أخذه، واللّه لولا دعوة أخينا سليمان لاَصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة.(۵۰)

والظاهر وحدة الواقعة، والاختلاف في المضمون بيّن غني عن البيان، كلّذلك يسلب الاعتماد على هذه النقول مع وحدة الواقعة.

وثانياً: انّ الرواية تعرب عن أنّ لاِبليس وجنوده سلطة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)حيث أخذه في غفلة وخديعة، كما يشهد عليه قوله «يفتك»، وهذا ما يكذبه الكتاب العزيز ويقول: (إنّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلى الّذينَ آمَنُوا وَعَلى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُون ) (النحل/۹۹)وحمل السلطة على خصوص الاِغواء خلاف الاِطلاق.

وثالثاً: انّ الرواية تدل على مشاهدة الناس للجن، ولذلك صمَّم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن يربط ذلك العفريت العاتي المارد من الجن، على سارية من سواري المسجد حتى يصبح الناس وينظروا إليه، مع أنّه خلاف القرآن الكريم، حيث يقول: (إِنَّهُ يَراكُم هُوَ وَقَبيلُهُ مِنْحَيْثُ لا تَرَونَهُمْ)(الاَعراف/۲۷).

وحمله على غالب الناس خلاف الظاهر، وعلى فرض الصحّة فأهل المدينة من تلك الاَغلبية الذين لا يستطيعون روَية الجن.

ورابعاً: الرواية تدل على أنّالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انصرف عن عمله، لاَنّه ذكر قول أخيه سليمان :(ربِّ اغْفِر لي وَهَبْلي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لاََحَدٍ مِنْ بَعْدِي) فلاَجل ذلك ردَّ اللّه ذلك الجن خاسئاً ذليلاً صاغراً مطروداً.

ولكن الآية لا تصلح أن تكون سبباً لانصرافهص، وذلك لاَنّها لا تدل على أنّ ربط الجن العاتي من خصائص سليمان، فما هو من خصائصه هو الملك المبني على قدرة قاهرة واستخدام الجن والاِنس والطير إلى غير ذلك مما جاء في الذكر الحكيم من الجنود، وأين هذا من ربط الجن العاتي بسارية من سواري المسجد في مورد واحد؟

فنفس الرواية حاكية على أنّها مندسة بين الروايات، فنجلّ ساحة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يستدل بآية على أمر ليس فيها دلالة عليه.

۲. الشيطان إذا سمع الاَذان ولّى ...

أخرج أحمد، عن عبد الرحمان بن يعقوب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا سمع الشيطان الاَذان ولّى وله ضراط حتى لا يسمع الصوت.(۵۱)

أقول: نحن لا نعلِّق على هذا الحديث شيئاً، ولكن هل للشيطان قدرة على هذا العمل الذي هو من شوَون الموجود المادي؟!

ثمّ على فرض صحته، فالاَذان ظاهرة مستمرة بين المسلمين حسب اختلاف الآفاق، والشيطان له إحاطة بالبشر فهو يواجه في كلّحين أذاناً في البلدان المختلفة، فهل يقوم بذلك العمل حسب استمرار الاَذان في بلدان المسلمين ليلاً ونهاراً ؟ لا أدري ولا المنجم يدري ولا القراء يدرون!!

إضافة إلى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إنساناً حَييّاً حسب ما ورد في الروايات، فمن البعيد أن يتفوّه بتلك الكلمة.

۳. وجوب الجهاد تحت راية كلّ برّ وفاجر

أخرج أبو داود في سننه، عن مكحول، عن أبي هريرة، قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :

الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برّاً كان أو فاجراً، والصلاة واجبة عليكم خلف كلّمسلم برّاً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر، والصلاة واجبة على كل مسلم برّاً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر.(۵۲)

أقول: الجهاد لا ينفك عن التصرف في الاَنفس والاَعراض والاَموال، فكيف يجب مع أمير فاجر، مع أنّه ربما يدعو إلى العيث والفساد والعصيان وقتل الاَبرياء وهتك الاَعراض وغصب الاَموال؟

ولقائل أن يحمل الرواية على ما إذا دعا الاَمير الفاجر إلى البرّ والاِحسان، ولكنّه في غير محله، لاَنّ معرفة ذلك في ميادين الجهاد أمر صعب جداً لو لم يكن بمتعذر.

فمن مارس الجهاد في ساحات الوغى، يعلم انّه لا يمكن لمجاهد أن يتفحص في الاَُمور المشتبهة ويأخذ بالبر ويترك خلافه. فالحقّانّ الجهاد إنّما هو مع إمام عادل لا الاَعم من البرّ والفاجر، والرواية من صنائع يد السياسة التي تبغي من وراء ذلك إضفاء المشروعية على الجهاد تحت لواء الطلقاء وأبناء البيت الاَموي.

ولكن المروي عن أئمّة أهل البيت خلاف ذلك.

قال الاِمام الرضا (عليه السلام) :والجهاد واجب مع الاِمام العادل.(۵۳)

وقال الاِمام الصادق (عليه السلام) : إنّ القتال مع غير الاِمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير.(۵۴)

إلى غير ذلك من الروايات.

۴. قبول التوبة مع عدم الندم

أخرج مسلم في صحيحه، عن عبد الرحمان بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يحكي عن ربّه عزّوجلّ، قال: ذنب عبد ذنباً، فقال: اللّهمّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم انّ له ربّاً يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب، ثمّ عاد فأذنب، فقال: أي ربِّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى عبدي أذنب ذنباً فعلم انّ له ربّاً يغفر الذنب ويأخذ بالذّنب، ثمّعاد فأذنب، فقال: أي ربِّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم انّ له ربّاً يغفر الذّنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك.(۵۵)

يلاحظ عليه : أنّ حقيقة التوبة عبارة عن الندم على المعصية والعزم على ترك المعاودة في المستقبل، وإلاّفلو لم يعزم على ترك المعاودة فهو دليل على عدم ندمه.

فإذا كان هذا حقيقة التوبة التي يصبح التائب معه كمن لا ذنب له، فلم تكن متحققة في توبة الرجل فكيف قُبلتْ توبته؟

وبعبارة أُخرى: انّ حقيقة التوبة عبارة عن الندم على ما فعل من المعصية، والعزم على ترك المعاودة إليها في المستقبل، وهذا هو الذي دعا إليه الذكر الحكيم بقوله: (يا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوبَةً نَصُوحاً) (التحريم/۸).

قال الراغب: التوبة النصوح: ما يصرف صاحبه عن العودة إلى المعصية، أو ما يخلص العبد للرجوع عن الذنب فلا يرجع إلى ما تاب منها.(۵۶)

وعلى ذلك ففي الرواية ملاحظتان:

الاَُولى: انّالظاهر من الرواية انّ التوبة لم تكن جامعة للشرائط ومنها الندم على ما مضى، بل كان يذنب رجاء غفران الرب له من دون الندم، وهذه الفكرة من الوهن بمكان، لاَنّ الربّ إنّما يغفر الذنوب إذا تاب العاصي توبة نصوح، نابعة من الندم، على ما مضى فكيف قبلت توبته في كلّمرّة؟

الثانية: انّ قوله سبحانه: «اعمل ما شئت فقد غفرت لك» هو في الواقع رخصة في ارتكاب الآثام والمعاصي دون أي وازع، وحاشا للّه أن يرخّص للعبد في ارتكاب المعاصي إلى ما شاء بمجرد انّه غفار للذنوب وإن عصى وتاب إلى ما شاء اللّه.

۵. النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يمنع من كتابة الحديث

أخرج أحمد في مسنده، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، قال:

كنّا قعوداً نكتب ما نسمع من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج علينا، فقال: ما هذا تكتبون؟

فقلنا: ما نسمع منك، فقال: أكتاب مع كتاب اللّه؟ فقلنا: ما نسمع، فقال: اكتبوا كتاب اللّه، امحضوا كتاب اللّه، أكتاب غير كتاب اللّه، امحضوا كتاب اللّه أو خلّصوه، قال: فجمعنا ما كتبناه في صعيد واحد ثمّ أحرقناه بالنار.

قلنا: أي رسول اللّه، أنتحدَّث عنك؟ قال: نعم، تحدَّثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمِّداً فليتبوّأ مقعده من النار. قال: فقلنا: يا رسول اللّه أنتحدَّث عن بني إسرائيل؟ قال: نعم. تحدَّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، فانّكم لا تحدَّثون عنهم بشيء إلاّ وقد كان فيهم أعجب منه.(۵۷)

وفي الحديث ملاحظات:

الاَُولى: انّ هذا الحديث يعارض مع كثير ممّا يدل عن أنّ النبيرخّص في الكتابة، ونحن نذكر موجزاً ممّا وقفنا عليه، وقد مرّ أيضاً في المقدمة.

۱. ما رواه البخاري، عن أبي هريرة انّخزاعة قتلوا رجلاً من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه، فأُخبر بذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فركب راحلته فخطب، فقال: إنّ اللّه حبس عن مكة القتل أو الفيل (شك أبو عبد اللّه) وسلّط عليهم رسول اللّهوالموَمنين. ألا وإنّها لم تحلَّ لاَحد قبلي ولم تحلَّ لاَحد بعدي ـ إلى أن قال ـ : فجاء رجل من أهل اليمن،فقال:

اكتب لي يا رسول اللّه فقال: اكتبوا لاَبي فلان ـ إلى أن قال: ـ كتب له هذه الخطبة.(۵۸)

۲. روى البخاري، عن أبي هريرة، يقول: ما من أصحاب النبي أحد أكثر حديثاً عنه مني، إلاّ ما كان من عبد اللّه بن عمرو فانّه كان يكتب ولا أكتب.(۵۹)

۳. ما رواه البخاري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عباس، قال:

لما اشتدّ بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعه، قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده.

قال عمر: إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) غلبه الوجع وعندنا كتاب اللّه حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغَّط، قال: قوموا عنّي ولا ينبغي عندي التنازع.

فخرج ابن عباس، يقول: إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين كتابه.(۶۰)

۴. عن عبد اللّه بن عمرو، قال: كنت أكتب كلّشيء أسمعه من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا: تكتب كلّ شيء سمعته من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بشر يتكلم في الغضب والرضا ؟ فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأومأ باصبعه إلى فيه، وقال: اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلاّ حق.(۶۱)

۵. ما رواه نفس أبي هريرة، قال: كان رجل من الاَنصار يجلس إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيسمع من النبي الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى النبي، فقال: يا رسول اللّه إنّي أسمع منك الحديث فيعجبني ولا أحفظه، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : استعن بيمينك وأومأ بيده للخط.(۶۲)

إلى غير ذلك من الروايات الحاثة على كتابة السنة قولاً وتقريراً التي هي فوق المال الذي هو زينة الحياة الدنيا، وقد أمر سبحانه أن يكتب الدين وقال: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالعَدْلِ ـ إلى أن قال: ـ وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ)(البقرة/۲۸۲).

الثانية: انّ أبا هريرة كان أُمياً لا يجيد القراءة والكتابة كما مرّفي حديث وهب بن منبه عن أخيه همام(۶۳)فكيف يقول كنا قعوداً نكتب ما نسمع من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج علينا، فقال: ما هذا تكتبون؟

ولاَجل ذلك سأل رسول اللّه أن يدعو له بعدم النسيان.

قال: قلت: يا رسول اللّه إنّي أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه، قال: ابسط رداءك فبسطته فغرف بيديه، ثمّ قال: ضمه، فضممته، فما نسيت شيئاً بعده.(۶۴)

الثالثة: انّ الرواية تصرح بأنّ أبا هريرة ومن كان معه من الجماعة الذين كانوا يكتبون الحديث جمعوا ما كتبوا ثمّ أحرقوه بالنار، وهو معارض لما تضافر عن الخليفة الثاني من انّه أراد أن يكتب السنن، فاستشار في ذلك أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير اللّه شهراً، ثمّ أصبح يوماً وقد عزم اللّه له، فقال: إنّي كنت أردت أن أكتب السنن وإنّي ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبُّوا عليها وتركوا كتاب اللّه، وإنّي واللّه لا ألبس كتاب اللّه بشيء أبداً.(۶۵)

فلو كان هناك حظر عن تدوين الحديث إلى حد فهم أبو هريرة وأضرابه انّه يجب اعدام ما كُتِب بالاحراق، لما شاور عمر بن الخطاب أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتابة الحديث، بل منع عنها بلا تشاور، فاستخارته شهراً يدل على عدم صدور نهي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

الرابعة: انّ ظاهر قوله: «قلنا أي رسول اللّه أنتحدث عنك؟ قال: نعم تحدثوا عني ولا حرج» لا يلائم مع منعهم عن كتابة الحديث إذ أيّ فرق بين صيانة الحديث بالكتابة أو صيانته بالتحدّث، فما هو الوجه من التفريق بين الكتابة والتحديث؟

وتصور انّ كتابة الحديث يوجب اختلاطه بالقرآن فهو اعتذار بوجه أسوأ، فانّ القرآن معجزة بلفظه و معناه لا يشابهه غيره ولا يخالطه شيء، وقد مرّ تفنيده في مقدّمة الكتاب فلاحظ.

والعجب مما نقله عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه أجاز التحدّث عن بني إسرائيل، قال: تحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج.

كيف يجوّز النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التحدّث عن بني إسرائيل مع أنّهم كانوا يحرّفون التوراة والاِنجيل، وكانوا يتاجرون بكتبهم المحرفة؟ قال سبحانه: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ)(البقرة/۷۹).

لا أدري ماذا يستفيد المجتمع الاِسلامي من الاِسرائيليات والمسيحيات والمجوسيات التي لعب بها الدهر والزمان، وكانت النقلة طيلة الزمان يتاجرون بما جاء فيها ويروون ما يوافق أهواء الجهاز الحاكم؟

والحديث وُضع لجواز التحديث عن بني إسرائيل، وقد حدَّث أبو هريرة عن طريق كعب الاَحبار عنهم ـ أعاذنا اللّه من شرورهم ـ وأكثر ما يرويه أبو هريرة من القصص عن بني إسرائيل منتهية إلى أُستاذه كعب الاَحبار ـ الذي قال في حقه: ما رأيت أحداً لم يقرأ التوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة(۶۶)وإن صبّها في قالب الحديث عن الرسول الاَعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) .

۶. من هو خالق اللّه؟

روى مسلم عن يزيد بن الاَصمّ قال: سمعت أبا هريرة، يقول: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : ليسألنّكم الناس عن كلّشيء حتى يقولوا: اللّه خلق كلّشيء، فمن خلقه؟!(۶۷)

وأخرج أيضاً عنه، قال: قال لي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا يزالون يسألونك يا أبا هريرة حتى يقولوا هذا اللّه، فمن خلق اللّه؟ قال: فبينا أنا في المسجد إذ جاءني ناس من الاَعراب، فقالوا: يا أبا هريرة، هذا اللّه فمن خلق اللّه؟! فأخذ حصىً بكفه فرماهم، قال: قوموا صدق خليلي.(۶۸)

والحديث يعرب انّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يُعلِّم أبا هريرة جواب السوَال، ولذلك لما سأله الاَعراب أخذ حصىً بكفّه فرماهم وأمرهم بالقيام.

مع أنّ هذا بعيد عن أدب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّ السوَال لائق بالبحث، لاَنّه يخطر هذا السوَال في ذهن كثير من الناس، فالمترقب من الرسول الاَعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا تنبأ عن مستقبل أبي هريرة أن يُعلّمه الجواب.

والحديث إمّا مكذوب على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى فرض الصحّة فهو يعرب عن عدم استعداده لتلقي الجواب.

مع أنّ الاِمام أحمد نقل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه علم الاَُمّة جواب هذا السوَال، فقال: قال: قال جعفر: بلغني انّ النبيقال: إذا سألكم الناس عن هذا فقولوا: اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قبل كلّ شيء، واللّه خلق كلّ شيء، و اللّه كائن بعد كلّ شيء.(۶۹)

ولعلّ مراده من جعفر هو جعفر بن بُر الذي روى عنه مسلم، الحديث المتقدّم في صحيحه.

والجواب في غاية المتانة، لاَنّه سبحانه ليس ظاهرة مسبوقة بالعدم، حتى يُسأل عن علّة الاِيجاد، فإذا كان واجبَ الوجود، كان موجوداً في الاَزل والاَبد، ولا يتصور له العدم حتى يُسأل عن علّة الوجود، والتفصيل في محلّه.

۷. انّ اللّه خلق آدم على صورته طوله ستون ذراعاً

أخرج البخاري في صحيحه، عن همام، عن أبي هريرة ،عن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم»، قال:

خلق اللّه آدم على صورته طوله ستون ذراعاً ( وزاد أحمد من طريق سعيد ابن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعاً: في سبعة أذرع عرضاً) فلمّا خلقه، قال:

اذهب فسلّم على أولئك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيُّونك فانّها تحيتك وتحيَّة ذريتك.

فقال : السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة اللّه فزادوه «ورحمة اللّه» فكلّ من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص بعدُ حتّى الآن.(۷۰)

وفي الحديث عدّة إشكالات تسقطه عن الاعتبار وتجعله في عداد الموضوعات:

الاَوّل: انّ الظاهر انّ الضمير على صورته يرجع إلى اللّه تبارك وتعالى وهو نفس القول بالتجسيم ولا يرجع إلى آدم، إذ يكون مفاد الحديث عندئذٍ أشبه بتوضيح الواضحات، لاَنّ كلّشيء مخلوق على صورته لا على صورة غيره، وإنّما يفيد معنى جديداً وهو الاِخبار بكرامة آدم وانّه مخلوق على صورة اللّه سبحانه، إذا عاد الضمير إلى اللّه سبحانه، وعلى هذا يلزم أن يكون للّه صورة طولها ستون ذراعاً.

والذي يدل على أنّ الضمير يرجع إلى اللّه سبحانه هو ما روى نفس أبي هريرة في غير مورد.

فقد روى هذا الحديث بصور مختلفة فتارة رواه كما سمعت وأُخرى بلفظ: إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه، فانّ اللّه خلق آدم على صورته.(۷۱)

وثالثة بأنّه إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ولا يقل قبح اللّه وجهك ووجه من أشبه وجهك، فانّ اللّه خلق آدم على صورته.(۷۲)

وربما يوَوَّل الحديث بإرجاع ضمير صورته إلى آدم نفسه لا إلى اللّه تبارك وتعالى بمعنى انّ اللّه عزّوجلّ خلقه في الجنة على صورته التي كان عليها بعد هبوطه منها، إذ أنشأه تاماً مستوياً طوله ستون ذراعاً وعرضه سبعة أذرع لم يتغير من حال إلى حال ولم يكن مثل ذريته حتى تكون نطفة ثمّ علقة إلى أن يكون رجلاً سوياً بل خلقه دفعة واحدة على صورته التي رآها عليها بنوه في الاَرض.

ولكن التأويل باطل جداً لمخالفته ما نقلناه عنه، كما يخالف ما روي عنه مرفوعاً: خلق آدم على صورة الرحمن.(۷۳)

كما يخالف ما روي عنه انّ موسى ضرب الحجر لبني إسرائيل فتفجر فقال: اشربوا يا حمير، فأوحى اللّه إليه عمدت إلى خلق خلقتهم على صورتي فشبهتهم بالحمير.(۷۴)

كلّ هذه الاَحاديث تدل على أنّ الرواية لا تقبل التأويل.

الثاني: انّه إذا كان طول آدم ستين ذراعاً فلازم تناسب أعضائه أن يكون عرضه سبعة عشر ذراعاً وسُبع الذراع، وإذا كان عرضه سبعة أذرع يجب أن يكون طوله أربعة وعشرين ذراعاً ونصف الذراع، لاَنّ عرض الاِنسان مع استواء خلقه، بقدر سبعي طوله، فما بال أبي هريرة يقول طوله ۶۰ ذراعاً في سبعة أذرع عرضاً؟! فهل كان آدم غير متناسب في خلقته مشوَّهاً في تركيبه؟!

الثالث: انّ تحية السلام إنّما شرعت في دين الاِسلام وقد قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما حسدكم اليهود على شيء كما حسدوكم على السلام، فلولا اختصاصه بهذه الا َُمّة ما اختصوهم بالحسد عليه، فما بال أبي هريرة يقول في هذا الحديث: «فلما خلق اللّه آدم، قال: اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة، فاستمع ما يحيونك فانّها تحيتك وتحية ذريتك».

وعلى أية حال فما رأي أُولي النظر في هذا الخبر؟ وماذا يقولون في قول أبي هريرة: ولم يزل الخلق ينقص بعده حتّى الآن ؟(۷۵)

نظر أئمّة أهل البيت في الحديث

ذهب أئمة أهل البيت إلى أنّ الرواية محرّفة وقد نقلت بغير وجهها.

روى الصدوق باسناده عن أبي الورد بن ثمامة، عن علي (عليه السلام) قال: سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رجلاً يقول لرجل: قبّح اللّه وجهك ووجه من يشبهك فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : مه، لا تقل هذا فإنّ اللّه خلق آدم على صورته.

قال الصدوق: تركت المشبّهة من هذا الحديث أوّله، وقالوا: إنّ اللّه خلق آدم على صورته فضلّوا في معناه وأضلّوا.

وروى أيضاً الحسين بن خالد، عن الاِمام الرضا (عليه السلام)، قال: قلت للرضا (عليه السلام) : يابن رسول اللّه انّ الناس يروون أنّ رسول اللّه، قال: «إنّ اللّه خلق آدم على صورته» فقال (عليه السلام) : قاتلهم اللّه لقد حذفوا أوّل الحديث، انّ رسول اللّه مرّبرجلين يتسابّان فسمع أحدهما يقول لصاحبه: قبّح اللّه وجهك ووجه من يشبهك. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا عبد اللّه لا تقل هذا لاَخيك، فانّ اللّه عزّ وجلّ خلق آدم على صورته.(۷۶)

وبهذا صانت أئمة أهل البيت الاَحاديث النبويّة من التحريف، و كم لمثل هذا المورد من نظير، بمعنى أنّه يظهر الحق، إذا رجعنا إلى رواياتهم. كما في مورد «نزوله سبحانه كلّ ليلة إلى سماء الدنيا» كما سيوافيك.

۸. سليمان يطوف على ستين امرأة في ليلة واحدة

أخرج البخاري في صحيحه، عن محمد، عن أبي هريرة، قال:

إنّ نبي اللّه سليمان (عليه السلام) كان له ستون امرأة، فقال: لاَطوفنّ الليلة على نسائي فلتحمِلْن كلّ امرأة ولتلِدْن فارساً يُقاتِل في سبيل اللّه، فطاف على نسائه، فما ولدت منهنّ إلاّ امرأة وَلدت شقَّ غلام.

قال نبي اللّه: لو كان سليمان استثنى لحملت كلّ امرأة منهنّ فولدت فارساً يقاتل في سبيل اللّه.(۷۷)

وفي الحديث عدة تساوَلات:

۱. انّ اللّه سبحانه أدّب أنبياءه فأحسن أدبهم، وهم أكثر حياءً من سائر الناس ليكونوا أسوة لغيرهم في الحياة، فهل يصح لنبي حَييٍّ أن يصرِّح أمام الملاَ العام بأنّه سيطوف علىنسائه في هذه الليلة؟!

۲. انّ الذكر الحكيم يصف سليمان في آياته الكريمة بما يلي:

(وَإنّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفَى وحُسنَ مَآب) (ص/۴۰).

(وَلَقَدْ آتَيْنا داودَ وَسُلَيمانَ عِلماً وَقالا الحَمْدُ للّهِ الَّذِي فَضّلَنا عَلى كَثِيرٍمِنْ عِبادِهِ المُوَْمِنينَ) (النمل/۱۵).

(وَوَرِثَ سُليمانُ داودَ وَقالَ يا أَيُّها النّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيرِ وَأُوتينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنّ هذا لَهُوَالفَضْلُالمُبين) (النمل/۱۶).

(فَفَهّمناها سُليمانَ وَكُلاًّ آتَينا حُكْماً وَعِلماً) (الاَنبياء/۷۹).

(وَوَهَبْنا لِداودَ سُليمانَ نِعْمَ العَبْدُ إنّهُ أَوّاب) (ص/۳۰).

أفيصح لنبيّ قد أطراه الذكر الحكيم بما تلوناه عليك، أن يخبر بأنّ نساءه سيلدنَّ ستين فارساً ؟!

فإن علم به من طريق الغيب، فلماذا تخلّف الخبر عن المطابقة؟! وإن لم يعلم به كذلك، فكيف تفوّه بذلك بضرس قاطع؟!

۳.هل في استطاعة الاِنسان أن يطوف على ستين امرأة في ليلة واحدة كي يلدن له ستين فارساً؟ انّ هذا وإن كان في واقع الاَمر أمراً غير محال إلاّانّه بعيد جداً، وليست عظمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مقرونة بالقدرة الجنسية كي نتصور انّها مفخرة له.

نعم كانت تُعدّ مفخرة في العصر الجاهلي فانعكست في رواية أبي هريرة الذي تأثر بها ونسج الحديث على وفق مايعدّ فضيلة في تلك البيئات.

۹. موسى يفقأ عين ملك الموت

أخرج مسلم في صحيحه، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال:

أُرسل ملك الموت إلى موسى (عليه السلام) فلما جاءه صكّه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال: فردَّاللّه إليه عينه، وقال: ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور، فله بما غطَّت يده بكلِّ شعرة سنة، قال: أي ربِّ ثمّ مه؟ قال: ثمّ الموت، قال: فالآن، فسأل اللّه أن يدنيه من الاَرض المقدسة رميةً بحجرٍ، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): فلو كنت ثمّلاَريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الاَحمر.(۷۸)

أقول: ورواه البخاري في صحيحه تارة في باب من أحبّالدفن في الاَرض من كتاب الجنائز.(۷۹)

وأُخرى في باب وفاة موسى من كتاب بدء الخلق.(۸۰)

و قد سقط من نسخة البخاري ما نقله مسلم من قوله «ففقأ عينه» ولكن ذيله يدل على سقوطه حيث قال : «فردّاللّه عليه عينه» إذ لو لم يُحدث موسى شيئاً من فقء العين أو نظيره لماكان لقوله: فردّ اللّه عليه عينه، وجه.

وفي الحديث دلالات متعددة على كونه موضوعاً على لسان النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» .

أمّا أوّلاً: فلاَنّه يصوّر النبي موسى (عليه السلام) كأنّه أحد الجبارين يبطش ويصكُّ ويَفْقأ العين، ويوقع بأسه حتى في ملائكة اللّه المقربين.

فلو كان الكليم ـ و العياذ باللّه ـ على هذه الدرجة الساقطة، فكيف اصطفاه اللّه من عباده وآثره بمناجاته وكتابه؟!

وثانياً: هل كان موسى (عليه السلام) يحب الدنيا على وجه، خاصَمَ ملكَ ربه، وليس هذا إلاّ من سمات أهل الدنيا خصوصاً اليهود الذين يكرهون الموت لا من صفات الاَنبياء، فانّ رغبتهم إلى لقاء اللّه أشد من رغبتهم في البقاء في الدنيا؟

قال سبحانه: (يا أَيُّهَا الّذينَ هادُوا إِنْزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَولياءُ للّهِ مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَوا المَوت إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَلا يَتَمَنَّونَهُ أَبداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمين) (الجمعة/۶ـ۷).

وهذا هو الاِمام أمير الموَمنين يصف المتقين بقوله: «فلولا الاَجل الذي كتب اللّه عليهم لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم طرفة عين».(۸۱)

وثالثاً: انّ الحديث يصوِّر انّموسى كان أقوى من ملك الموت ولذلك تمكّن موسى من الوقيعة به ولم يتمكن الملك من دفع العادية، وهذا عجيب جدّاً !! لاَنّه كان مأموراً بإزهاق روحه ولازم ذلك أن تفوق قوته، قوة الضارب فصار الاَمر على العكس.

ورابعاً: انّ لازم ما جاء في التوراة من (أَنَّ النفسَ بِالنَّفْسِوَالعَيْنَ بِالعَيْنِ وَالاََنْفَ بِالاََنْفِ وَالاَُذُنَ بِالاَُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ والجُرُوجَ قِصاصٌ) (المائدة/۴۵)، أن يقتص الملك من الكليم (عليه السلام) تحقيقاً للتشريع الذي جاء به موسى (عليه السلام)، لكن صار الاَمر على العكس فاللّه سبحانه أكرمه وقال: ارجع فقل له يضع يده على متن ثور....

وخامساً: هل ملك الموت عنصر مادي له عين مادية تُفقأ بالصك عليها ؟! هذا هو ما لا أعرفه أنا ولا الراوي يعرفه ولا القارىَ يعرفه. وكم لهذا الراوية من هذه السقطات التي جلّها حصيلة الاِسرائيليات التي بثّها بين المسلمين ويا ليت انّه لم يبث ذلك الوعاء بل يعقد عليه كما عقد على الوعاء الآخر على ما مضى في ترجمته(۸۲).

۱۰. روَية اللّه بالعين الباصرة

أخرج البخاري في صحيحه، عن عطاء بن يزيد الليثي، انّ أبا هريرة أخبرهما انّ الناس قالوا: يا رسول اللّه هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا، يا رسول اللّه، قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال: فانّكم ترونه كذلك يحشر الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبع، فمنهم من يتبع الشمس ومنهم من يتبع القمر و منهم من يتبع الطواغيت وتبقى هذه الاَُمّة فيها منافقوها فيأتيهم اللّه، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربّنا عرفناه، فيأتيهم اللّه فيقول أنا ربّكم، فيقولون: أنت ربنا فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أوّل من يجوز من الرسل بأُمّته....

هذا ما أخرجه في باب فضل السجود من كتاب الصلاة.(۸۳)

وأخرجه أيضاً في باب «الصراط جسر جهنم» من كتاب ما جاء في الرقاق وان لا عيش إلاّ عيش الآخرة، ويختلف لفظه مع السابق وجاء فيه:

...وتبقى هذه الاَُمة فيها منافقوها فيأتيهم اللّه في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ باللّه منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربّنا عرفناه، فيأتيهم اللّه في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربّنا، فيتبعونه ويضرب جسر جهنم.

قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : فأكون أوّل من يجيز.(۸۴)

ورواه أيضاً مسلم عن أبي هريرة في باب معرفة طريق الروَية من كتاب الاِيمان ونذكر موضع الحاجة... فيتبع من كان يعبد الشمسَ، الشمسَ، ويتبع من كان يعبد القمرَ، القمرَ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الاَُمّة فيها منافقوها، فيأتيهم اللّه تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: نعوذ باللّه منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربّنا، فإذا جاء ربّنا عرفناه، فيأتيهم اللّه تعالى في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربّنا، فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا و أُمّتي أوّل من يجيز.(۸۵)

وقد نقله مسلم عن أبي سعيد الخدري بصورة أكثر شناعة، ومماجاء فيه: انّ ناساً في زمن رسول اللّه قالوا: يا رسول اللّه، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : نعم، قال: هل تضارّون في روَية الشمس بالظهيرة صحواً ليس معها سحاب؟ وهل تضارّون في روَية القمر ليلة البدر ليس فيها سحاب؟... إلى أن قال: حتى إذا لم يبق إلاّ من كان يعبد اللّه تعالى من برٍّ وفاجرٍ أتاهم ربّ العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها، قال: فما تنتظرون تتبع كلّأُمّة ما كانت تعبد، قالوا: يا ربّنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنّا إليهم ولم نصاحبهم، فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: نعوذ باللّه منك، لا نشرك باللّه شيئاً، مرّتين أو ثلاثاً حتى انّبعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها ؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق، فلا يبقى من كان يسجد للّه من تلقاء نفسه، إلاّ أذن اللّه له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاءً ورياءً إلاّ جعل اللّه ظهره طبقة واحدة، كلّما أراد أن يسجد خرَّ على قفاه... الحديث.(۸۶)

وفي الحديث بعامّة صوره أمارات على الدسّ والوضع.

الاَوّل: وجود الاختلاف الفاحش بين صور الحديث، فما نقله البخاري في باب «فضل السجود» يختلف عمّا نقله هو في باب «الصراط جسر جهنم» وهو واضح لمن قابل النصين، فقد جاء في النص الثاني قوله: «فيأتيهم اللّه في غير الصورة التي يعرفون...» في حين انّ النص الاَوّل خالٍ عن هذه الاِضافة إلى غير ذلك من الاختلافات.

كما انّ ما نقله البخاري في باب «فضل السجود» يختلف مع ما نقله مسلم في صحيحه في باب «معرفة طريق الروَية».

كما انّما نقله مسلم عن أبي سعيد الخدري يختلف مع ما نقله الشيخان عن أبي هريرة إذ ليس في حديثه قوله: «ويكشف عن ساق».

وهذا الاختلاف يسلب الاعتماد على الحديث لا سيما إذا كان الراوي ممن لا يجيد القراءة والكتابة فيضع لفظاً مكان لفظ آخر.

الثاني: انّ مجموع الصور تثبت الروَية بالعين الباصرة وانّ الموَمنين يرونه سبحانه كروَية أحدنا للآخر مع أنّه يستلزم أن يكون سبحانه جسماً وله جهة وآثار مادية وذلك انّ الروَية قائمة بأُمور ثمانية:

۱. سلامة الحاسة، ۲. المقابلة أو حكمها كما في روَية الصور المنطبعة في المرآة، ۳. عدم القرب المفرط، ۴. عدم البعد كذلك، ۵. عدم الحجاب بين الرائي والمرئي، ۶. عدم الشفافية فانّ ما لا لون له كالهواء لا يُرى، ۷. قصد الروَية، ۸. وقوع الضوء على المرئي وانعكاسه منه إلى العين.

فلو قلنا بأنّ هذه الشرائط ليست إلزامية بل هي تابعة لظروف خاصة، ولكن قسماً منها يعدّ مقوماً للروَية بالاَبصار، وهو كون المرئي في حيز خاص، وتحقق نوع مقابلة بين الرائي والمرئي، وعند ذلك كيف يمكن أن تتحقق الروَية من دون بعض هذه الشرائط؟ ومع تحقق هذه، يلزم أن يكون المرئيّ جسماً أو جسمانياً، تعالى عمّا يقول الظالمون علواً كبيراً.

الثالث: ماذا يريد الراوي من قوله: فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم اللّه فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: أنت ربّنا، فمن أين يعرفون انّ الجائي هو اللّه سبحانه، وما هي أمارته وعلامته؟

وأسوأ من هذا ما في النقل الثاني: فيأتيهم اللّه في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ باللّه منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربّنا فإذا أتانا ربّنا عرفناه، فيأتيهم اللّه في الصورة التي يعرفون.

فهل للّه تبارك وتعالى صور متعددة تعرف بعضها وينكر البعض الآخر؟ فكيف يعرفون انّ بعضاً منها صورته دون البعض الآخر؟ فهل شاهدوا تلك الصور في الدنيا أو في البرزخ؟

الرابع: انّما نقله مسلم عن أبي سعيد الخدري أسوأ حالاً من سابقيه، فماذا يريد الراوي من قوله: «فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق، فلا يبقى من كان يسجد للّه من تلقاء نفسه...»؟ فانّ معناه انّ الموَمنين والمنافقين يعرفونه سبحانه بساقه، فكانت هي الآية الدالة عليه. فهل للّه سبحانه ساق، يكشف يوم القيامة عنها؟

الخامس: كفى في ضعف الحديث ما علق عليه العلاّمة السيد شرف الدين ص حيث قال : إنّ الحديث ظاهر في أنّ للّه تعالى جسماً، ذا صورة مركبة تعرض عليها الحوادث من التحول والتغير، وانّه سبحانه ذو حركة و انتقال، يأتي هذه الاَُمّة يوم حشرها، وفيها موَمنوها ومنافقوها، فيرونه بأجمعهم ماثلاً لهم في صورة غير الصورة التي كانوا يعرفونها من ذي قبل، فيقول لهم: أنا ربّكم، فينكرونه متعوذين باللّه منه، ثمّ يأتيهم مرّة ثانية في الصورة التي يعرفون، فيقول لهم: أنا ربّكم، فيقول الموَمنون والمنافقون جميعاً:

نعم، أنت ربنا و إنّما عرفوه بالساق إذ كشف لهم عنها، فكانت هي آيته الدالة عليه، فيتسنّى حينئذٍ السجود للموَمنين منهم دون المنافقين وحين يرفعون روَوسهم يرون اللّه ماثلاً بصورته التي يعرفون لا يمارون فيه، كما كانوا في الدنيا لا يمارون في الشمس والقمر، ماثلين فوقهم بجرميهما النيرّين ليس دونهما سحاب.(۸۷)

۱۱. لا تملاَ النار حتى يضع الربُّ رجله فيها

أخرج مسلم في صحيحه، عن الاَعرج، عن أبي هريرة ،عن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» قال:تحاجت النّار والجنّة، فقالت النار: أُوثرتُ بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: فمالي لا يدخلني إلاّ ضعفاء النّاس وسقطهم وعجزهم، فقال اللّه للجنّة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكلّ واحدة منكم ملوَها، فأمّاالنّار فلا تمتلىَ فيضع قدمه عليها فتقول: قط قط فهنالك تمتلىَ ويزوى بعضها إلى بعض.(۸۸)

وفي الحديث ملاحظات ربما تجعله في مدحرة البطلان:

الاَُولى: أي فضل في المتكبرين والمتجبرين حتى تفتخر بهم النار، ثُمّ ومن أين علمت الجنة بأنّ الفائزين بها من عجزة الناس مع أنّه سبحانه أعدّها للنبيين والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين؟!

الثانية: ثمّ هل للجنة والنار عقل ومعرفة بمن حلّ فيهما من متجبر ومتكبر أو ضعيف وساقط من الناس؟

الثالثة: انّه سبحانه قد أخبر بأنّه يملاَ جهنم بالجِنّة والناس لا برجله تعالى كما قال سبحانه: (لاََمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعين) (ص/۸۵)، وقال: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاََمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعين)(هود/۱۱۹).

وعلى ذلك فالموعود هو امتلاء جهنم بهما، وما هو المتحقق فإنّما هو امتلاء النار بإدخال رجل الرب فيها، فما وُعد لم يتحقق، وما تَحقق لم يُعْد.

رابعاً: هل للّه سبحانه رجل أكبر وأوسع حتى تمتلىَ بها نار جهنم بحد يضيق الظرف عن المظروف فينادي بقوله: قط قط.

فالحديث أشبه بالاَُسطورة وقد صاغها الراوي في ثوب الحديث عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فجنى به على الرسول وحديثه وسوّد صحائف كتب الحديث وصحيفة عمره ـ أعاذنا اللّه من الجهل المطبق، والهوى المغري ـ.

۱۲. نزول الرب كلّليلة إلى السماء الدنيا

أخرج البخاري في صحيحه، عن أبي عبد اللّه الاَغر وأبي سلمة بن عبد الرحمان، عن أبي هريرة:

إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: يتنزّل ربنا تبارك وتعالى كلّليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له.(۸۹)

وفي الحديث تساوَلات

أوّلاً: انّ ربّنا هو الغفور الرحيم وهو القائل عزّ من قائل: (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيم) (المائدة/۳۹).

والقائل تبارك وتعالى: (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحيم) (المائدة/۷۴).

والقائل سبحانه: (قُلْ ياعِباديَ الَّذِينَ أَسْـرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُالذُّنُوبَ جَميعاً) (الزمر/۵۳).إلى غير ذلك من الآيات التي تكشف عن سعة رحمته لعموم مغفرته.

كما انّه سبحانه وعد عباده بأنّه يستجيب دعاء من دعاه ويقول: (ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر/۶۰) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على قُرب المغفرة من المستغفرين، والاِجابة من اللّه سبحانه للسائلين آناء الليل والنهار فأي حاجة إلى نزول الرب الجليل من عرشه الكريم إلى سماء الدنيا وندائه بقوله: « من يدعوني فاستجيب له».

ثانياً: تعالى ربّنا عن النزول والصعود والمجيء والذهاب والحركة والانتقال وسائر العوارض والحوادث، وقد صار هذا الحديث سبباً لذهاب الحشوية إلى التجسيم والسلفية إلى التشبيه، وإن كنت في شكّ فاستمع لكلام من أحيى تلك الطريقة بعد اندثارها وانطماسها، يقول الرّحالة ابن بطوطة في رحلته:

وكان بدمشق من كبار فقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية كبير الشام يتكلم في فنون، إلاّ أنّ في عقله شيئاً، وكان أهل دمشق يعظّمونه أشدّالتعظيم، ويعظهم على المنبر، وتكلم مرّة بأمر أنكره الفقهاء...ورفعوه إلى الملك الناصر فأمر بإشخاصه إلى القاهرة، وجمع القضاة والفقهاء بمجلس الملك الناصر، وتكلم شرف الدين الزواوي المالكي، وقال: «إنّهذا الرجل قال كذا وكذا» وعدّد ما أُنكر على ابن تيمية، وأُحضر الشهود بذلك ووضعها بين يدي قاضي القضاة.

قال قاضي القضاة لابن تيمية: ما تقول؟ قال: لا إله إلاّاللّه، فأعاد عليه فأجاب عليه بمثل قوله: فأمر الملك الناصر بسجنه، فسجن أعواماً وصنف في السجن كتاباً في تفسير القرآن سماه بـ «البحر المحيط».

ثمّ إنّ أُمّه تعرضت للملك الناصر، وشكت إليه فأمر بإطلاقه إلى أن وقع منه مثل ذلك ثانية، وكنت إذ ذاك بدمشق، فحضرتُه يوم الجمعة، وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم، فكان من جملة كلامه أن قال: إنّاللّه ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا،ونزل درجة من درج المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزاهراء، وأنكر ما تكلّم به، فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالاَيدي والنعال ضرباً كثيراً.(۹۰)سيوافيك في ترجمة جبير بن مُطْعِم، حديث الاِمام الطاهر موسى بن جعفر (عليهما السلام) حول نزول الربّ فانتظر.

۱۹. النبي يوَذي ويجلد ويسبّ ويلعن من لا يستحق

أخرج البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة انّه سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: فأي موَمن سببُته فاجعل ذلك قربة إليك يوم القيامة.(۹۱)

وأخرج مسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» :

اللّهمّ إنّما أنا بشر فأيما رجل من المسلمين سببته أولعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة.

وفي رواية أُخرى: فإنّما أنا بشر فأيّ الموَمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة.(۹۲)

وقد أخرجها مسلم بطرق كثيرة.

كما أخرجها أيضاً في صحيحه عن أبي سفيان عن جابر.(۹۳)

وموردها لا يخلو عن صورتين:

الاَُولى: أن يصدر السب واللعن والجلد من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مبرّر شرعي كما إذا قامت البينة على استحقاق شخص للّعن والسبّ والجلد ولكن كانت البينة كاذبة فعند ذلك يرجع التقصير إلى البينة لا إلى النبي الاَعظم حتى يسأل الرب بجعله له زكاة ـ مضافاً ـ إلى أنّ هذه الصورة لا تناسب صدر الرواية على بعض صورها، لاَنّه يقول : اللّهمّ إنّما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر، ومعناه انّه ربما يستفزّه الغضب إلى جلد من لا يستحق الجلد، بلا مبرّر شرعي، وهكذا الحال في اللعن والسب.

الثانية: أن يصدر كلّ ذلك بلا مبرّر شرعي كما هو الظاهر من قوله: «إنّما محمد بشر يغضب» فتعرَّف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه إنسان عادي ربما يغضب بلا مبرّر ويلعن ويسب كذلك، وعندئذ تكون الرواية مردودة لوجوه:

۱. لو صحّ الفرض يكون النبي عندئذٍ عاصياً في فعله غير معصوم من الذنب في هذه الحالة، ومرتكباً (العياذ باللّه) للقبيح وخارجاً عن طاعة اللّه سبحانه، فهل يجوز لمسلم أن ينسب إليه تلك الفرية الشائنة؟

كيف وهو أفضل الخليقة وأشرف أنبياء اللّه ورسله الذين وصفهم اللّه سبحانه بقوله:(غَيْرِ المَغْضُوبِعَلَيْهِمْ وَلا الضّالّين)، (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدِّيقينَ وَالشُّهَداءِ والصّالِحينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً)(النساء/۶۹).

۲. كيف تصف الرواية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه بشر يغضب كما يغضب البشر مع أنّ المروي عن طريق عبد اللّه بن عمرو خلافه.

روى عبد اللّه بن عمرو، قال: كنت أكتب كلّشيء أسمعه من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أُريد حفظه فنهتني قريش وقالوا:

أتكتب كلّ شيء تسمعه، ورسول اللّه يتكلم في الرضا والغضب، فأمسكت عن الكتابة، وذكرت ذلك لرسول اللّه، فأومأ باصبعه إلى فيه، وقال: اكتب فوالذي نفسي بيده لا يخرج عنه إلاّ حقّ.

وفي رواية أُخرى: قلت: يا رسول اللّه أكتب كلّ ما أسمع منك؟ قال: نعم. قلت: في الرضا والغضب؟ قال: نعم، فإنّي لا أقول في ذلك كلّه إلاّحقّاً.(۹۴)

۳. كيف يسبّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو يلعن أو يجلد أو يوَذي، وقد قال سبحانه:(وَالَّذِينَ يُوَْذُونَ المُوَْمِنِينَ وَالمُوَْمِناتِ بِغَيِْر مَااكْتَسَبُوا فَقَد احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (الاَحزاب/۵۸).

كيف يمكن وصف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما جاء في هذه الرواية من أنّه ربما يشتم ويسبَّ وهو القائل: «سباب الموَمن فسوق».(۹۵)

والروايات في ذم السب و اللعن بغير مبرر كثيرة.

ولعلّ السبب من وضع هذا الحديث هو التقرب إلى آل أبي عاص و سائر بني أُمية حتى يتدارك بذلك ما ثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من لعنهم وسبّهم كما في قوله تعالى:(وَما جَعَلْنَا الرُوَْيَا الّتِي أَرَيْناكَ إِلاّفِتْنَةً لِلنّاسِ وَالشَّجَرةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاّطُغْياناً كَبِيراً)(الاسراء/۶۰).

والشجرة الملعونة هي الاَُسرة الاَموية أخبره اللّه تعالى بتقلبهم على الحكم وقتلهم ذريته، وعيثهم في أُمته، فما روَي النبيمستجمعاً ضاحكاً حتى توفي كما رواه الحاكم في مستدركه.(۹۶)

فعند ذلك صار بنو أمية وبنو العاص كلّهم ملعونين إلاّمن ثبت إيمانه وقد أخرج الحاكم انّ الحكم بن أبي العاص استأذن عليه مرّة فعرف (صلى الله عليه وآله وسلم) صوته وكلامه، وقال: ائذنوا له، عليه لعنة اللّه وعلى من يخرج من صلبه إلاّ الموَمن منهم.(۹۷)

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا بلغ بنو أُمية أربعين، اتخذوا عباد اللّه خولاً، و مال اللّه نحلاً، وكتاب اللّه دغلاً.(۹۸)

وكان لا يولد لاَحد مولود إلاّ أُوتي به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فدعا له، فأُدخل عليه مروان بن الحكم فقال: هو الوزغ ابن الوزغ، الملعون ابن الملعون.(۹۹)

إلى غير ذلك من الروايات الصادرة في العهد النبوي عنهص حيث يلعن فيها النبي طائفة، فأراد أبو هريرة بوضع هذا الحديث التقرب إليهم.

۲۰. التلاعب بحديث بدء الدعوة

أخرج البخاري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمان، انّ أبا هريرة قال:

قام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أنزل اللّه عزّ وجلّ: (وَأَنْذِرْ عََشيرَتَكَ الاََقْرَبِين) (الشعراء/۲۱۴)، قال: يا معشر قريش ـ أو كلمة نحوها ـ اشتروا أنفسكم لا أُغني عنكم من اللّه شيئاً، يا بني عبد مناف لا أُغني عنكم من اللّه شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من اللّه شيئاً، ويا عمة رسول اللّه لا أغني عنك من اللّه شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مال لا أغني عنك من اللّه شيئاً.(۱۰۰)

نلفت نظر القارىَ الكريم إلى أُمور:

الاَوّل: انّ الآية نزلت في السّنة الثالثة من البعثة في مكة المكرمة أي قبل ۱۷ عاماً من إسلام أبي هريرة.

فكيف هو يقول: قام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أنزل اللّه عزّ وجلّ:(وَأَنْذِرْ عَشيرتَكَ الاََقْربين) وهل هذا إلاّ تدليس حيث يشهد على الروَية والسماع ولم يكن واحد منهما ؟ ولذلك قالوا: إنّأبا هريرة كان يدلس.

الثاني: الظاهر ممّا رواه الطبري وغيره انّ المدعوين كانوا رجال البيت الهاشمي ولم يشارك فيها أحد من النساء، فقد بلغ عدد القوم إلى ۴۵ رجلاً، فكيف يخاطب النبي عمته صفية وبنته فاطمة (عليها السلام)؟!

الثالث: انّالمشهور انّ فاطمة(عليها السلام) قد ولدت في العام الخامس من البعثة وقد كان بدء الدعوة في العام الثالث في مكة المكرمة فكيف يخاطب اِبنته التي لم تولد. ولو افترضنا أنّها ولدت قبل ذلك العام فلم تكن في بدء الدعوة على مبلغ النساء الكبار حتى تخاطب بما جاء في الرواية،وقد تزوجت بعليّ (عليه السلام) في العام الثاني للهجرة أي بعد اثنتي عشرة سنة من قصة بدء الدعوة، فكيف تكون آنذاك على مبلغ النساء الكبار صالحة له لتلقي الخطاب الوارد فيه؟!

الرابع: انّالخطاب المناسب لبدء الدعوة هو الدعوة إلى توحيده سبحانه ورسالته وإلى الاعتقاد بيوم المعاد ليدخلهم في حضيرة الاِيمان، والقوم بعدُ غير موَمنين بتوحيده وجزائه، فكيف يخاطب واحداً بعد واحد بأنّي لا أغني عنكم من اللّه شيئاً؟ فإنّ هذا الخطاب يناسب دعوة الموَمنين الذين آمنوا باللّه ورسله.

الخامس: انّ أبا هريرة تصرف بالرواية فلم يذكر ما هو الواقع المهمّ في تلك الحادثة، وقد نقل المحدّثون والموَرخون ما خطبه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الحشد العظيم الذي كان يشكِّل معظم رجال بني هاشم، فقال: مخاطباً إياهم بقوله: «إنّ الرائد لا يكذب أهله، واللّه الذي لا إله إلاّهو انّي رسول اللّه إليكم خاصة وإلى الناس عامة، واللّه لتموتُنَّ كما تنامون، و لتبعثُنَّ كما تستيقظون، ولتحاسبُنَّ بما تعملون، وانّها الجنَّة أبداً والنار أبداً».

ثمّ قال:

«يا بني عبد المطلب انّي واللّهما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، انّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللّه عزّوجلّ أن أدعوكم إليه، فأيّكم يوَمن بي ويوَازرني على هذا الاَمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟

ولما بلغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هذه ـ أمسك القوم وسكتوا عن آخرهم إذ كان واحد منهم يفكِّر في ما يوَول إليه هذا الاَمر العظيم، وما يكتنفه من أخطار ـ قام علي (عليه السلام) فجأة وهو آنذاك في الثالثة أو الخامسة عشرة من عمره، وقال وهو يكسر بكلماته الشجاعة جدار الصمت والذهول:

أنا يا رسول اللّه أكون وزيرك على ما بعثك اللّه.

فقال له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): اجلس، ثمّكرّر دعوته ثانية وثالثة، وفي كلّمرّة يحجم القوم عن تلبية مطلبه، ويقوم علي و يُعلن عن استعداده لموَازرة النبي، ويأمره رسول اللّه بالجلوس، حتى إذا كان في المرة الثالثة أخذ رسول اللّه بيده والتفت إلى الحاضرين من عشيرته الاَقربين وقال:«إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم (أو عليكم) فاسمعوا له، وأطيعوا».

فقام القوم يضحكون، ويقولون لاَبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع وجعله عليك أميراً.(۱۰۱)

ترى أنّ أبا هريرة أسقط ما هو المهم في تلك الواقعة من إضافة الوصاية والوزارة لعلي في بدء الدعوة، وقد أعرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ الاِمامة والنبوة توأمان لا يتخلفان بمعنى أنّ لكل نبي خليفة.

۲۱. إيقاع الفعل في وقت لا يسعه

أخرج البخاري عن همام، عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال:

خُفِّفَ على داود القراءة، فكان يأمر بدابته لتُسرج، فكان يقرأ قبل أن يفرغ يعني القرآن.(۱۰۲)

وفي الحديث إشكالان واضحان:

الاَوّل:إنّما نزل الزبور على داود والقرآن على محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) قال سبحانه:(وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (الاِسراء/۵۵) وقال سبحانه: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا القُرآن لاَُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغ) (الاَنعام/۱۹).

فكيف يقرأ داود ما لم ينزل عليه؟ اللّهم إلاّإذا أُريد من القرآن زبوره، لكنّه على خلاف الظاهر.

والثاني: كيف يمكن قراءة القرآن أو الزبور في وقت لا يسعه؟ فانّ إمكان إيقاع الفعل في زمان يسعه شرط عقلي لا مناص عنه، فكما يمتنع وضع الدنيا في البيضة، فهكذا يمتنع قراءة ما يستغرق زمناً طويلاً في مدة قصيرة مهما عجّل في القراءة.

۲۲. أُمّة مُسخت فأراً

أخرج مسلم في صحيحه، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم):

فُقدت أُمّة من بني إسرائيل لا يُدرى ما فعلت ولا أراها إلاّ الفأر ألا ترونها إذا وضع لها ألبان الاِبل لم تشربه، وإذا وضع لها ألبان الشاء شربته.

قال أبو هريرة فحدثت هذا الحديث كعباً، فقال: أنت سمعته من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟

قلت: نعم، قال: ذلك مراراً.

قلتُ: أ فأقرأ التوراة، قال إسحاق في روايته لا ندري ما فعلتْ.(۱۰۳)

أقول: إنّ نبي العظمة لا يتكلم إلاّعن وحي فما جاء في الرواية من الاستدلال يخالف ذلك الاَصل بالكلية، وذلك لاَنّ حصيلة الاستدلال هو انّ تلك الاَُمّة المفقودة مُسخت فأراً بشهادة اشتراك الفأر مع الاِنسان في خصيصة، وهي إذا وضع بين يدي الفأر لبن الشاة فتشربه وإذا وضع بين يديها لبن الاِبل فلا تشربه.

وهذا النوع من الاستدلال لا يركن إليه إلاّ الاِنسان المغفّل.

أوّلاً: انّ لازم ذلك انّه لم يكن للفأر أي وجود قبل مسخ هذه الاَُمّة وإنّما خلقه سبحانه حينما مسخت تلك الاَُمّة، ولو قيل بوجودها قبله لبطل الاستدلال من رأس.

وثانياً: انّه لا مانع من أن يكون بين الاِنسان وبعض أصناف الحيوان وجه اشتراك في بعض الاَُمور، فلا يدل ذلك على اشتقاق أحدهما من الآخر.

ولعمري انّ الجبين يندى من هذه الخرافة التي تسرّبت إلى كتب الحديث.

۲۳. أبو طالب أبى النطق بالشهادتين عند الموت

أخرج مسلم عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم الاَشجعي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمه:

قل لا إله إلاّاللّه أشهد لك بها يوم القيامة، قال: لولا أن تُعيِّرني قريش، يقولون: إنّما حمله على ذلك الجزع لاَقررت بها عينك، فأنزل اللّه: ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاء) (القصص/۵۶).

وأخرج أيضاً عن يزيد بن كيسان، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمِّه عند الموت:

قل لا إله إلاّاللّه أشهد لك بها يوم القيامة، فأبى فأنزل اللّه: (إنّك لا تَهدي مَنْ أَحْبَبْت) .(۱۰۴)

أقول: إنّ ذلك الحديث ممّا تكذّبه القرائن الكثيرة الدالة على إسلام أبي طالب ويمكن أن نلخصها في ثلاثة طرق:

۱. دراسة ما خلّف من الآثار العلمية و الاَدبية.

۲. الاَُسلوب العملي الذي نهجه في المجتمع.

۳. آراء أقربائه وأصحابه.

ونحن نستطيع إثبات إيمان أبي طالب من خلال هذه الطرق.

فإنّ الاَشعار(۱۰۵)والخطب التي خلّفها أبو طالب تدل بجلاء لا لبس فيه على إيمانه وإخلاصه.

كما انّسيرته العملية وسلوكه المتميز في السنين العشر الاَخيرة من عمره خير شاهد على إيمانه العميق وصلته الوثيقة باللّه سبحانه.

وكم له من المواقف الجليلة مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟

فانّإيمانه بابن أخيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كان عميقاً إلى درجة انّه أخذه إلى المصلّى واستسقى به، مُقسماً به على اللّه تعالى أن يكشف العذاب عن قومه، ويرسل رحمته عليهم فاستجاب اللّه دعاءه وأنزل عليهم غيثاً وافراً ممرعاً، بقيت قصته في ذاكرة التاريخ.

وأيضاً كان إيمان أبي طالب برسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) راسخاً بمكان انّه جازف بحياة أبنائه للحيلولة دون تعرض رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لخطر القتل والاغتيال ولئلا يمسّه أعداءه بسوء، فكان يضجع ولده علياً في فراشه كي لا يصيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أيُّ مكروه.

ورغم ذلك كلّه، فقدأوصى أولاده حين وفاته قائلاً:

«أُوصيكم بمحمد خيراً فإنّه الاَمين في قريش، وهو الجامع لكلّمن أُوصيكم به، وقد جاء بأمر قبله الجنان وأنكره اللسان، مخافة الشنئان، وأيم اللّه لكأني أنظر إلى صعاليك العرب، وأهل البرّ في الاَطراف، والمستضعفين من الناس، قد أجابوا دعوته، وصدّقوا كلمته، وعظّموا أمره، فخاض بهم غمرات الموت، فصارت قريش وصناديدها أذناباً، ودورها خراباً، وضعفاوَها أرباباً، وإذا أعظمهم عليه، أحوجُهم إليه، وأبعدهم منه أحظاهم عنده».(۱۰۶)

وأخيراً فيجدر بنا أن نسأل أقاربه المقربين حول إيمانه، لاَنّ أهل البيت أدرى بما في البيت.

لما مات أبو طالب جاء علي (عليه السلام) إلى رسول اللّهفآذنه بموته، فتوجع توجعاً عظيماًوحزن حزناً شديداً، ثمّ قال له امض فتولّغسله، فإذا رفعته على سريره فاعلمني، ففعل فاعترضه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو محمول على روَوس الرجال، قال: «وصلتْك رحم يا عم، وجزيت خيراً! فلقد ربّيت وكفّلت صغيراً، ونصرت وآزرت كبيراً».

ثمّ تبعه إلى حفرته، فوقف عليه مخاطباً إياه، قائلاً:

«أما واللّه لاستغفرنَّ لك، ولاَشفعنَّ فيك شفاعة يعجب لها الثقلان».(۱۰۷)

وفي الختام انظر إلى صلافة الرجل كيف يحكي القصة، فكأنّه كان حاضراً في المجلس، فعرض النبي الشهادة على عمه فأبى، مع أنّ أبا طالب التحق بالرفيق الاَعلى سنة ۱۰ للبعثة قبل الهجرة بثلاث سنين، في حين أسلم أبو هريرة في العام السابع من الهجرة، وبذلك يتحقق ما ذكرناه من أنّ أبا هريرة كان يدلس.

ولا شكّ انّ ما رواه من الموضوعات لصالح الجهاز الاَموي الحاكم للحطّ من شأن الاِمام أمير الموَمنين علي (عليه السلام) برمي أبيه بالكفر حين وفاته.

۲۴. أبو هريرة ينسب ما سمعه عن الفضل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

أخرج مسلم في صحيحه، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمان، عن أبي بكر، قال: سمعت أبا هريرة يقصّ يقول في قصصه: من أدركه الفجر جنباً فلا يصم.

فذكرت ذلك لعبد الرحمان بن الحارث(لاَبيه) فأنكر ذلك، فانطلق عبد الرحمان وانطلقت معه حتى دخلنا على عائشة وأُمّ سلمة ـ رضي اللّه عنهما ـ فسألهما عبد الرحمان عن ذلك، قال: فكلتاهما قالت: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يصبح جنباً من غير حلم(۱۰۸)ثمّ يصوم.

قال: فانطلقنا حتى دخلنا على مروان فذكر ذلك له عبد الرحمان، فقال مروان: عزمت عليك إلاّما ذهبت إلى أبي هريرة فرددت عليه ما يقول.(۱۰۹)

قال: فجئنا أبا هريرة وأبو بكر حاضر ذلك كلّه، قال: فذكر له عبد الرحمان.

فقال أبو هريرة: أهما قالتاه لك، قال: نعم، قال: هما أعلم ثمَّ ردّ أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن العباس، فقال أبو هريرة: سمعت ذلك من الفضل، ولم أسمعه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قال: فرجع أبو هريرة عمّا كان يقول في ذلك، قلت لعبد الملك: أقالتا في رمضان، قال: كذلك كان يصبح جنباً من غير حلم ثمّ يصوم.(۱۱۰)

وعلى هذا لا يبقى أي اعتماد بأحاديثه إذ ينسب ما سمعه من كعب إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وما سمعه من الفضل إليه أيضاً، فبهذه التدليسات الواضحة يخرج عن كونه ثقة في الحديث، أُسوة في الرواية.

۲۵. إبراهيم يخاصم ربّه

أخرج البخاري عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا رب انّك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، فيقول اللّه: إنّي حرّمت الجنة على الكافرين.(۱۱۱)

وفي الحديث تساوَلات وتأملات يجعلها في عداد الموضوعات:

الاَوّل: يتضمن الحديث انّ إبراهيم كان يتصور بأنّ عذاب أبيه يوم القيامة يعود عليه بالخزي، وذلك مما لا يتخيّله مسلم واع فكيف بإبراهيم خليل الرحمن، لاَنّه سبحانه أعلن منذ بدء الخليقة انّه خلق الجنة للموَمنين والنار للكافرين.

الثاني: انّه سبحانه : يحكي انّإبراهيم تبرّأ من أبيه بعد ما تبين انّه عدو للّه قال سبحانه: (ما كانَ للنّبي والّذينَ آمَنُوا أَنْيَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكينَ وَلَو كانُوا أُولي قُربى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنّهُمْ أَصحابُ الجَحيم* وَ ما كان اسْتِغْفارُ إِبْراهيمَ لاََبيهِ إِلاّ عَنْ مَوعِدِةٍ وَعَدَها إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ أنّهُ عَدُوٌّ للّهِ تَبَـرّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبراهيمَ لاََوّاهٌ حَليم) (التوبة/۱۱۳ـ ۱۱۴).

وسياق الآية يكشف عن أنّ التبري كان في الحياة الدنيا، ومع ذلك فكيف يطلب له النجاة يوم القيامة ويشتكي إلى اللّه تبارك وتعالى؟!

وللعسقلاني كلام نذكره بنصه: اختلفوا في الوقت الذي تبرأ فيه إبراهيم من أبيه فقيل: كان ذلك في الحياة الدنيا لما مات آزر مشركاً، وهذا أخرجه الطبري من طريق حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس و اسناده صحيح، وفي رواية: «فلما مات لم يستغفر له»، و من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس نحوه، قال: «استغفر له ما كان حياً فلما مات أمسك» و أورده أيضاً من طريق مجاهد وقتادة و عمرو بن دينار نحو ذلك، وقيل إنّما تبرأ منه يوم القيامة لما يئس منه حين مسخ على ما صرح به في رواية ابن المنذر التي أشرت إليها.(۱۱۲)

وضعف الوجه الثاني واضح، لاَنّه على خلاف سياق الآية، والآية بصدد تعليم أصحاب الرسول من أنّه ليس لهم الاستغفار للمشركين اقتداء بإبراهيم حيث إنّه بعد ما تبيّن انّ أباه عدو للّه تبرأ منه ولم يستغفر إلى آخر حياته فيجب أن يقتدوا به، فجعل ظرف التبري يوم القيامة مخالف لسياق الآية.

قال الرازي في تفسيره في وصف إبراهيم (عليه السلام) بالاَواه والحليم ما لفظه:

اعلم انّه تعالى إنّما وصفه بهذين الوصفين في هذا المقام، لاَنّه تعالى وصفه بشدة الرقة والشفقة والخوف والوجل، ومن كان كذلك فانّه تعظم رقته على أبيه وأولاده، فبيّن تعالى انّه مع هذه العادة، تبرّأ من أبيه وغلظ قلبه عليه لما ظهر له إصراره على الكفر فأنتم بهذا المعنى، أولى ولذلك وصفه أيضاً بأنّه حليم، لاَنّ أحد أسباب الحلم رقة القلب وشدة العطف لاَنّ المرء إذا كان حاله هكذا، اشتد حلمه عند الغضب.(۱۱۳)

وربما يقال انّاللّه إذا أدخل أباه النار فقد أخزاه لقوله سبحانه:(رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَفَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظّالِمينَ مِنْ أَنْصار ) (آل عمران/۱۹۲).

وخزي الوالد خزي الولد فيلزم الخلف في الوعد.(۱۱۴)

وما ذكره أخيراً توهم باطل، لاَنّه سبحانه قطع الصلة بين الكافر و المسلم قال سبحانه:(وَنادىنُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْـحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمينَ* قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِح )(هود/۴۵ـ۴۶).فلا يعود خزي الوالد إلى الولد، بعد انقطاع الصلة، كما لا يعود خزي أبي لهب إلى النبي الاَعظمص.

۲۶. دخول امرأة في النار بسبب هرّة

أخرج البخاري في صحيحه، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

دخلت امرأة النار في هرّة ربطتها فلم تُطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الاَرض.(۱۱۵)

وأخرج مسلم أيضاً في صحيحه، عن هشام، عن أبيه، عن أبي هريرة، انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

عُذِّبت امرأة في هرة لم تُطعمها ولم تُسقها ولم تتركها تأكل من خشاش الاَرض.(۱۱۶)

أقول: إنّ قوله: في هرّة بمعنى بسبب هرة.

وقد استشهد الاَُدباء بهذا الحديث على أنّ «في» تأتي بمعنى «اللام» وعلى هذا فيجب أن تكون المرأة مسلمة موَمنة حتى يكون الحبس هو السبب الوحيد لدخولها في النار ولا يصحّ حملها على الكافرة، لاَنّها تدخل النار سواء حبست أم لا، وعلى ذلك فكيف يُدخل سبحانه عبداً موَمناً النار بسبب قتل هرّة؟

أخرج أحمد في مسنده، عن الشعبي، عن علقمة، قال: كنّا عند عائشة فدخل أبو هريرة فقالت: أنت الذي تحدث انّ امرأة عذبت في هرّة لها ربطتها فلم تطعمها ولم تسقها ؟ فقال: سمعته منه، يعني النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قال عبد اللّه بن أحمد: كذا قال أبي.

فقالت: هل تدري ما كانت المرأة؟ انّ المرأة مع ما فعلت كانت كافرة، و انّ الموَمن أكرم على اللّه عزّ وجلّ من أن يعذبه في هرّة، فإذا حدثتَ عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فانظر كيف تحدّث.(۱۱۷)

وكلام السيدة عائشة لا يخلو عن نقاش، فانّ ظاهر الحديث انّ سبب الدخول هو الحبس لا الكفر، فلو كانت كافرة فهي تدخل النار على كل حال سواء حبست الهرة أم لم تحبسها، فالحديث رواية مصطنعة اختلقتها يد الدّس لا سيما انّ أبا هريرة كان له شغف كبير بالهرة حيث كان يلعب بها، فلما وقف انّ امرأة قامت بهذا العمل عزَّ عليه قتل الهرة فصنع ذلك الحديث.

۲۷. في جناحي الذبابة داء وشفاء

أخرج البخاري في صحيحه عن عبيد بن حنين، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثمّ لينزعه، فانّ في إحدى جناحيه داءً والاَُخرى شفاءً.(۱۱۸)

ومعنى الحديث: فليغمسه كلّه حتى يغسل كلا الجناحين بالماء ويقابل الداء بالدواء، وقوله: ثمّ لينزعه إشارة إلى انّالماء سيشرب و المرق يوَكل بعد طرحها.

وعلى ذلك فأحد جناحي الذباب داء وفي الجناح الآخر دواء فيزول ذلك الداء بفضل الدواء عند غمس كلا جناحيه.

هذا هوالمفهوم من الرواية.

والاعتقاد بصحّة الحديث مشكل جدّاً وقد كشف العلم من أنّ الذباب يحمل في جناحيه الجراثيم المهلكة والمضرة، ولم أر أحداً من العقلاء، يتفوّه بهذه المقالة.

مضافاً إلى أنّ الذباب قذر تتنفر القلوب من روَيته، فكيف يأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بغمسه إذا سقط في الماء الذي فيه طعام أو شراب، ثمّ أكل أو شرب ما في ذلك الاِناء؟!

هذه إلمامة عابرة بروايات أبي هريرة التي تركت مضاعفات خطيرة على الحديث النبوي.

ومن تفحص ما رواه في الجنة والنار و ما يقصه من بني إسرائيل لوقف على أنّ أبا هريرة كان قصّاصّاً ذا خيال واسع يخلق أساطير في أبواب مختلفة ويسوقها في قالب الحديث، فمن أراد التفصيل فليدرس رواياته في الصحيحين.

۱. سير أعلام النبلاء: ۲/۵۷۸ برقم ۱۲۶.

۲. ابن قتيبة: المعارف:۱۵۸.

۳. الطبقات الكبرى لابن سعد:۴/۳۲۹. وقد جرت سنّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على تبديل الاَسماء والكُنى غير الحسنة، إلى الحسنة منهما ولكنّهص أبقى كنية أبي هريرة على حالها و لم يُغيّرها، فما هو السرّ في ذلك؟!

۴. سير أعلام النبلاء:۲/۵۸۹.

۵. مسند أحمد:۲/۴۷۵و مختصر تاريخ ابن عساكر:۲۹/۱۸۲.

۶. مختصر تاريخ ابن عساكر:۲۹/۱۸۱.

۷. سير أعلام النبلاء:۲/۵۷۸ برقم ۱۲۶.

۸. سير أعلام النبلاء:۲/۵۷۸ برقم ۱۲۶.

۹. مختصر تاريخ ابن عساكر: ۲۹/۱۹۱.

۱۰. سير أعلام النبلاء: ۲/۵۹۹.

۱۱. انظر المسند الجامع:۱۶ و۱۷و۱۸، ولكن المسند الجامع ليس بجامع لا في هذا المورد، ولا في موارد أُخر، وقد وقفنا على روايات لاَبي هريرة في الصحيحين والسنن لم تُذكر في الجامع.

۱۲. ابن قتيبة، المعارف، ص ۱۵۸.

۱۳. أبو نعيم، حلية الاَولياء:۱/۳۸۴.

۱۴. سير أعلام النبلاء:۲/۶۱۵.

۱۵. المصدر السابق:۲/۶۱۷ـ ۶۱۸.

۱۶. الحاكم النيسابوري، المستدرك:۳/۵۰۸و۵۱۲.

۱۷. الحاكم النيسابوري، المستدرك:۳/۵۰۸و۵۱۲.

۱۸. كذا في المصدر الصحيح ثمّ يقبضه إليه.

۱۹. سير أعلام النبلاء: ۲/۵۹۵.

۲۰. فتح الباري: ۱/۱۰۴.

۲۱. سير أعلام النبلاء: ۲/۶۰۱.

۲۲. سير أعلام النبلاء: ۲/۶۰۱.

۲۳. سير أعلام النبلاء: ۲/۶۰۵.

۲۴. صحيح البخاري:۷/۶۲، ۶۳، باب وجوب النفقة على الاَهل والعيال من كتاب النفقات.

۲۵. مسند أحمد: ۲/۲۵۲.

۲۶. سير أعلام النبلاء: ۲/۶۰۷.

۲۷. مختصر تاريخ ابن عساكر:۲۹/۱۹۵ـ ۱۹۶.

۲۸. صحيح البخاري: ۱/۳۱، باب حفظ العلم من كتاب الايمان.

۲۹. انظر سير أعلام النبلاء:۲/۶۰۸ قسم التعليقة.

۳۰. تاريخ الطبري: ۱/۴۴.

۳۱. تفسير ابن كثير: ۷/۲۲۱، تفسير سورة التكوير.

۳۲. مشكل الآثار: ۱/۴۸.

۳۳. صحيح البخاري: ۹/۴۲، كتاب الفتن.

۳۴. جامع الاَُصول:۱۰/۴۶۸ـ۴۷۳، باب صفة الحوض من كتاب القيامة.

۳۵. ابن الاَثير: أُسد الغابة:۵/۳۱۷، قسم الكنى.

۳۶. صحيح مسلم:۱/۳۹، باب الاَمر بقتال الناس.

۳۷. صحيح مسلم: ۱/۵۶، باب خصال المنافق.

۳۸. مسند أحمد:۲/۳۴۵.

۳۹. مسند أحمد:۲/۳۷۳.

۴۰. سنن ابن ماجة: ۲/۸۷۴ برقم ۲۶۲۰.

۴۱. سنن الترمذي: ۵/۱۷ برقم ۲۶۲۷.

۴۲. مسند أحمد:۲/۵۰۴ـ ۵۰۵.

۴۳. سنن الترمذي: ۴/۳۲۴ برقم ۱۹۲۶.

۴۴. سنن الترمذي: ۴/۱۸۵ برقم ۱۶۵۸.

۴۵. البخاري: الاَدب المفرد، ص ۱۷۰ برقم ۴۸۷.

۴۶. العفريت: العاتي المارد من الجن: الفتك: هو الاَخذ في غفلة وخديعة.

۴۷. خنقته، وفي نقل فدعته: دفعته دفعاً شديداً.

۴۸. صحيح مسلم: ۲/۷۲، باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة والآية ۳۵ من سورة ص .

۴۹. مسند أحمد:۳/۸۲.

۵۰. صحيح مسلم:۲/۷۳، باب جواز لعن الشيطان أثناء الصلاة.

۵۱. مسند أحمد:۲/۴۱۱.

۵۲. سنن أبي داود: ۳/۱۸ برقم ۲۵۳۳.

۵۳. الوسائل: ۱۱، كتاب الجهاد، الباب ۱، الحديث ۲۴، من أبواب جهاد العدو.

۵۴. المصدر نفسه، الباب ۱۲، الحديث ۱، من أبواب جهاد العدو.

۵۵. صحيح مسلم: ۸/۹۹، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب؛ صحيح البخاري:۹/۱۴۵، باب قول اللّه تعالى(يريدون أن يبدّلوا كلام اللّه) .

۵۶. وقد تضافرت الروايات عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) من أنّ المراد من التوبة النصوح هو أن يتوب الرجل من العمل السيّء ثمّ لا يعود إليه أبداً، أخرجه السيوطي عن عمر بن الخطاب، وعبد اللّه بن مسعود وابن عباس، ومجاهد، وقتادة (الدر المنثور:۸/۲۲۷).

۵۷. مسند أحمد:۳/۱۲.

۵۸. صحيح البخاري: ۱/۲۹ـ ۳۰، باب كتابة العلم، الحديث ۱۱۲.

۵۹. المصدر نفسه: ۱/۳۰، باب كتابة العلم، الحديث ۱۱۳.

۶۰. صحيح البخاري: ۱/۳۰، باب كتابة العلم.

۶۱. سنن أبي داود:۳/۳۱۸برقم ۳۶۴۶، باب في كتاب العلم؛ مسند أحمد:۲/۱۶۲؛ سنن الدارمي:۱/۱۲۵، باب من رخَّص في كتابة العلم.

۶۲. سنن الترمذي:۵/۳۹برقم ۲۶۶۶.

۶۳. لاحظ ص ۳۰۰ من هذا الكتاب.

۶۴. صحيح البخاري: ۱/۳۱، باب حفظ العلم.

۶۵. تقييد العلم، ص ۴۹.

۶۶. سير أعلام النبلاء: ۲/۶۰۰.

۶۷. صحيح مسلم:۱/۸۴ ـ۸۵، باب بيان الوسوسة في الايمان و ما يقولها من وجدها.

۶۸. صحيح مسلم:۱/۸۴ ـ۸۵، باب بيان الوسوسة في الايمان و ما يقولها من وجدها.

۶۹. مسند أحمد:۲/۵۳۹.

۷۰. صحيح البخاري: ۸/۵۰، كتاب الاستئذان، باب بدو السلام؛ صحيح مسلم:۸/۱۴۹، باب يدخل الجنة أقوام افئدتهم مثل أفئدة الطير من كتاب الجنة، ولاحظ ارشاد الساري:۵/۳۱۹ في باب خلق آدم وذرّيته من كتاب بدء الخلق، فقد جاء فيه: في سبعة أذرع عرضاً

۷۱. صحيح مسلم : ۸/۳۲، باب النهى عن ضرب الوجه من كتاب البر والصلة والآداب.

۷۲. البخاري: الاَدب المفرد، ص۷۳و۷۴ برقم ۱۷۳و۱۷۴.

۷۳. إرشاد الساري: ۵/۳۱۹.

۷۴. كتاب تأويل مختلف الحديث، ص ۱۸۰.

۷۵. عبد الحسين شرف الدين: أبو هريرة: ۶۳ـ ۶۶.

۷۶. الصدوق، التوحيد:۱۵۲ـ۱۵۳.

۷۷. صحيح البخاري:۹/۱۳۸، باب قول اللّه إنّما قولنا لشيء من كتاب التوحيد ؛ صحيح مسلم:۵/۸۷، باب الاستثناء.

۷۸. صحيح مسلم:۷/۹۹ـ۱۰۰، باب من فضائل موسى.

۷۹. صحيح البخاري: ۲/۹۰.

۸۰. صحيح البخاري: ۴/۱۵۷.

۸۱. نهج البلاغة، الخطبة ۱۹۳.

۸۲. لاحظ ص ۳۰۸.

۸۳. صحيح البخاري: ۱/۱۵۶.

۸۴. صحيح البخاري: ۸/۱۱۸.

۸۵. صحيح مسلم:۱/۱۱۳.

۸۶. صحيح مسلم:۱/۱۱۵، باب معرفة طريق الروَية.

۸۷. كلمة حول الروَية، لشرف الدين العاملي، ص۶۵.

۸۸. صحيح مسلم:۸/۱۵۱، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء ؛ وصحيح البخاري:۶/۱۳۸، تفسير سورة ق.

۸۹. صحيح البخاري:۸/۷۱، باب الدعاء نصف الليل من كتاب الدعوات؛ وأخرجه مسلم في صحيحه:۲/۱۷۵، باب الترغيب في الدعاء من كتاب الصلاة عن أبي عبد اللّه الاَغر وعن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن أبي هريرة.

۹۰. ابن بطوطة، الرحلة، ص ۱۱۲ طبع دار الكتب العلمية.

۹۱. صحيح البخاري: ۸/۷۷، باب قول النبي من آذيته فاجعله له زكاة رحمة من كتاب الدعوات.

۹۲. صحيح مسلم:۸/۲۵، باب من لعنه النبي أو سبّه أو دعا عليه وليس هو أهلاً لذلك.

۹۳. صحيح مسلم:۸/۲۵، باب من لعنه النبي أو سبّه أو دعا عليه.

۹۴. مختصر جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، باب الرخصة من كتاب العلم، ص ۳۶.

۹۵. صحيح مسلم: ۱/۵۸، باب قول النبي :سباب المسلم فسوق.

۹۶. المستدرك:۴/۴۸۰، كتاب الفتن والملاحم.

۹۷. الحاكم، المستدرك:۴/۴۸۱، كتاب الفتن والملاحم.

۹۸. الحاكم، المستدرك:۴/۴۷۹، كتاب الفتن والملاحم.

۹۹. الحاكم، المستدرك:۴/۴۷۹، كتاب الفتن والملاحم.

۱۰۰. صحيح البخاري:۴/۶و۷ باب هل يدخل النساء والولد في الاَقارب من كتاب الوصايا.

۱۰۱. تاريخ الطبري: ۲/۶۲ و۶۳؛ تاريخ الكامل:۲/۴۰ و۴۱؛ مسند أحمد:۱/۱۱۱ وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:۱۳/۲۱۰ و۲۱۱؛ وغيرها من المصادر المتوفرة.

۱۰۲. صحيح البخاري:۶/۸۵، باب تفسير سورة الاِسراء من كتاب التفسير.

۱۰۳. صحيح مسلم: ۸/۲۲۶، باب في الفار و انّه مسخ؛ وأخرجه أيضاً البخاري في ۴/۱۲۸، في باب، خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال من كتاب بدء الخلق والاستفهام في قوله: أفأقرأ التوراة، استفهام انكار أي لا علم عندي إلاّما سمعت من النبي (عليه السلام) .

۱۰۴. صحيح مسلم:۱/۴۱، باب أوّل الاِيمان قوله لا إله إلاّاللّه من كتاب الاِيمان.

۱۰۵. انظر ديوان أبي طالب : ۳۲.

۱۰۶. السيرة الحلبية:۱/۳۵۱ـ ۳۵۲.

۱۰۷. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:۱۴/۷۶.

۱۰۸. أي مدركاً الفجر متيمماً وطاهراً بالطهارة الترابية.

۱۰۹. يريد بذلك الاِشفاق على أبي هريرة حتى لا يتسع خطأه حيث ألزمهما بالذهاب إلى أبي هريرة وإعلامهما ما ذكرا حتى يتدارك الرجل خطأه.

۱۱۰. صحيح مسلم:۳/۱۳۷، باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب من كتاب الصوم.

۱۱۱. صحيح البخاري:۶/۱۱۱، باب تفسير سورة الشعراء من كتاب التفسير.

۱۱۲. فتح الباري: ۸/۵۰۰ـ ۵۰۱.

۱۱۳. مفاتيح الغيب:۱۶/۲۱۱، في تفسير الآية ۱۱۴ من سورة التوبة.

۱۱۴. فتح الباري: ۸/۵۰۱، نقلاً عن الكرماني في شرحه على صحيح البخاري.

۱۱۵. صحيح البخاري: ۴/۱۳۰، باب خمس من الدواب فواسق يقتلنّفي الحرم من كتاب بدء الخلق.

۱۱۶. صحيح مسلم:۷/۴۴، باب تحريم قتل الهرة من كتاب قتل الحيات وغيرها.

۱۱۷. مسند أحمد:۲/۵۱۹.

۱۱۸. صحيح البخاري: ۴/۱۳۰، باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، فإنّ في إحدى جناحيه داء وفي الاَُخرى شفاء من كتاب بدء الخلق.

أبو هريرة (۲۱ق.هـ ـ ۵۷هـ)؛ سيرته و أحاديثه

إنّ أبا هريرة غامض الحسب، مغمور النسب، اختلف الناس في اسمه واسم أبيه اختلافاً كثيراً، وقد نقل الذهبي أقوالاً عشرة في اسمه ورجّح انّ اسمه عبد الرحمان بن صخر، كما نقل الاَقوال في اسم أبيه، ولا يهمُّنا التحقيق في اسمهما فقد سرد هشام [بن محمدج بن الكلبي نسب أبيه، بقوله:هو عمير بن عامر بن ذي الشرى بن طريف بن عيّان بن أبي صعب بن هُنيَّة بن سعد بن ثعلبة إلى أن ينتهي إلى نصر بن الاَزد. (۱)

ويكنّى أبا هريرة لهرّة صغيرة كان مغرماً بها.

قال ابن قتيبة: إنّ أبا هريرة كان يقول: وكُنِّيت بأبي هريرة بهرة صغيرة كنت ألعب بها. (۲)

وأخرج ابن سعد في ترجمة أبي هريرة في الطبقات بالاسناد إليه، قال: كنت أرعى غنماً، وكانت لي هريرة صغيرة، فكنت إذا كان الليل وضعتها في شجرة، وإذا أصبحت أخذتها فلعبت بها فكنّوني أبا هريرة. (۳) إسلامه

اتّفقوا على أنّه أسلم بعد فتح خيبر، يقول أبو هريرة:

خرج النبي إلى خيبر وقدمت المدينة مهاجراً ،فصلّيت الصبح خلف سِباع ابن عُرفُطة ـ كان استخلفه ـ فقرأ في السجدة الاَُولى [كذاج بسورة مريم، وفي الآخرة (ويلٌ للمُطفِفين) .

فقلت: ويل لاَبي، قلّ رجل كان بأرض الاَزد، إلاّ وكان له مكيالان، مكيال لنفسه، و آخر يبخس به الناس. (۴)

وعلى ذلك فقد أدرك من عهد الرسالة أربع سنين، إذا صحّ وقوع غزوة خيبر في شهر محرم الحرام، وهو بعدُ محل خلاف بين كُتّاب السيرة النبويّة. ولكن، قال ابن أبي خالد: حدثنا قيس بن أبي حازم، قال لنا أبو هريرة: صحبت رسول اللّه ثلاث سنين. (۵)

والجمع بين القولين هو انّ النبي أمّر العلاء بن الحضرمي في البحرين وبعث معه أبا هريرة موَذِّناً له، فلو لبث فيها سنة واحدة، فقد صحب النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» ثلاث سنين، و إن أدرك من عهد الرسالة أربع.

ويظهر مما وَصف به أرض الاَزد وما دعا به على والده بقوله: «ويل لاَبي» أنّ منبَته لم يكن منبَت خير، و قد روى هو أيضاً: انّه قال لي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ممن أنت؟ قلت: من دوس، قال: ماكنت أرى انّ في دوس أحداً فيه خير (۶).

كثرة أحاديثه

يصفه الذهبي بقوله: الاِمام، الفقيه، المجتهد، الحافظ، صاحب رسول اللّه، أبو هريرة الدوسي اليماني، سيد الحُفاظ الاَثبات، حمل عن النبي علماً كثيراً طيّباً مباركاً ـ لم يُلْحق في كثرته ـ و عن أُبيّ و أبي بكر و عمر و أُسامة وعائشة والفضل وبُصرة بن أبي بُصرة، وكعب الحبر.

حدَّث عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين، فقيل بلغ عدد أصحابه ثمانمائة، ثمّ نقل عن صاحب التهذيب أسماء من له رواية عنه في كتب الاَئمّة الستة. (۷)

وبلغ مسنده ۵۳۷۴ حديثاً، المتّفق في البخاري و مسلم منها ۳۲۶، وانفرد البخاري بـ ۹۳ حديثاً، ومسلم بـ ۹۸ حديثاً. (۸)

ولم يتفق لاَحد من الصحابة ذلك الحجم الهائل من الروايات عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى الرغم من أنّه لم يكن يكتب الحديث ولكنّه حفظ هذا العدد الهائل من الروايات عن ظهر قلب.

وقد روى سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن وهب بن منبه، عن أخيه همام، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: ما أحد من أصحاب رسول اللّه أكثر حديثاً عنه منّي، إلاّما كان من عبد اللّه بن عمرو، فانّه كان يكتب و كنت لا أكتب. (۹)

وعلى ضوء ذلك فيلزم أن يكونا متكافئين في نقل الحديث مع أنّ المروي عن عبد اللّه بن عمرو أقل بكثير عمّا روي عن أبي هريرة .

فإذا كان المروي عن أبي هريرة ۵۳۷۴ حديثاً، فلازمه أن يكون المروي عن عبد اللّه بن عمرو مثل هذا أو أكثر، مع أنّ المروي عنه سبعمائة حديث، فتكون النسبة بينهما هي السُّبْع، وهذا إن دلّعلى شيء فإنّما يدل على ضعف الاعتماد على مروياته.

وقد اعتذر المعلِّق على سير أعلام النبلاء عن هذا الفارق الشاسع بين الراويتين بوجوه ضعيفة لا يُركن إليها. فمن جملة ما اعتذر به: «انّ عبد اللّه كان مشتغلاً بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم، فقلّت الرواية عنه» (۱۰) وفي الوقت نفسه يذكر في الوجه الرابع ما يخالف ذلك و يقول: «إنّ عبد اللّه كان قد ظفر بالشام بحِمْل جمل من كتب أهل الكتاب، فكان ينظر فيها ويحدِّث منها، فتجنّب الاَخذ عنه لذلك كثير من أئمّة التابعين».

إنّ عناية عبد اللّه بكُتب أهل الكتاب والنظر فيها والتحديث منها يعرب عن اشتغاله بالتعليم أكثر من العبادة، أو مثلها ولو كان أبو هريرة يحسن القراءة والكتابة أو يمارسها لنقل من حِمْل ذلك الجمل ما شاء.

وعلى أية حال فقد جمعت رواياته في المسند الجامع فبلغت ۲۷۴۰ حديثاً. (۱۱) ضولكن الموجود في مسند أبي هريرة تأ عمر علوش أكثر من ذلك حيث بلغ عدد أحاديثه من المسند والموقوف والمعلّق إلى ۶۴۲۸، وقد جمع ما روي عنه في ثلاثة أجزاء أسماه «التمام الحسن» وهو تتمة جامع المسانيد والسنن تأليف عماد الدين ابن كثير القرشي، طبع في دار الفكر، بيروت.

ملامح من شخصيته

يظهر ممّا روي عنه من الاَقوال والاَفعال انّه كان كثير الهزل، يمارس على كبر سنّه ما يمارسه الاَطفال من الاَفعال.

يقول ابن قتيبة نقلاً عن أبي رافع: كان مروان ربّما استخلف أبا هريرة على المدينة، فيركب حماراً قد شدّ عليه برذعة، وفي رأسه خلبة من ليف، فيسير فيلقى الرجل، فيقول: الطريق قد جاء الاَمير.

وربّما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الغراب فلا يشعرون بشيءحتى يلقي نفسه بينهم و يضرب برجليه فينفر الصبيان فيفرُّون.

وربّما دعاني إلى عشائه بالليل، فيقول: دع العراق للاَمير، فانظر فإذا هو ثريدة بزيت. (۱۲)

ونقل عن سعد بن أبي مالك القرظي، قال: أقبل أبو هريرة في السوق يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة لمروان، فقال: أوسع الطريق للاَمير. (۱۳)

حبّه للثروة

يدل ما أثر عنه من فعل وقول انّه كان رجلاً محبّاً للمال وذاخراً له، فلنأت ببعض النماذج الدالة على ذلك:

فعن ابن المسيب، قال: كان أبو هريرة إذا أعطاه معاوية سكت، وإذا أمسك عنه تكلّم. (۱۴)

روى إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة: انّعمر قال لاَبي هريرة: كيف وجدت الاَمارة؟ قال: بعثتني وأنا كاره، و نزعتني وقد أحببتها.وأتاه بأربعمائة ألف من البحرين.

فقال: ما جئت به لنفسك؟ قال: عشرين ألفاً.

قال: من أين أصبتها ؟ قال: كنت أتّجر، قال: أنظر إلى رأس مالك و رزقك فخذه، واجعل الآخر في بيت المال. (۱۵)

صلته بالبيت الاَموي

وممّا لا يمكن إنكاره انّه كان له صلة وثيقة بالبيت الاَموي، ولذلك كان ينوب مروان بن الحكم في المدينة.

يقول ثابت بن مشحل: قال: كتب الوليد إلى معاوية بموت أبي هريرة، فكتب إليه: أنظر من ترك فادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم وأحسن جوارهم وافعل إليهم معروفاً فانّه كان ممن نصر عثمان و كان معه في الدار. (۱۶)

روى عاصم بن محمد، عن أبيه، قال: رأيت أبا هريرة يخرج يوم الجمعة فيقبض على رمانتي المنبر قائماً ويقول: حدثنا أبو القاسم الصادق المصدوق، فلا يزال يحدِّث حتى إذا سمع فتح باب المقصورة لخروج الاِمام للصلاة جلس.(۱۷)

هذا وغيره يدل على أنّه كان عثمانيّ الهوى، أمويّ النزعة وإن كان لا يتجاهر به إلاّ انّه يعلم من أحواله، ومع ذلك ففي أحاديثه ما يظهر منه التعاطف مع الحسنين (عليهما السلام) .

دراسة الاِطراءات الواردة في حقّه

قد رويت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إطراءات عديدة في حقّ أبي هريرة، تشير إلى أنّه كان موضع اهتمام من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فعلّمه من العلوم النبوية ما لم يُعلّم غيره، ودعا له أن لا ينسى ما تعلمه، فلو ثبتت تلك الروايات، فهو كما قال الذهبي: سيد الحفاظ الاَثبات، ولكن تلك الاِطراءات لم تنقل عن غير طريق أبي هريرة إلاّ القليل، فلنذكر بعض ما رواه هو:

۱. روى انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ألا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟ قلت: أسألك أن تعلمني ممّا علّمك اللّه، فنزع نمرة كانت على ظهري، فبسطها بيني وبينه، حتى كأنّي أنظر إلى النمل يدبّ عليها فحدثني، حتى إذا استوعبت حديثه.

قال: أجمعها فصرها إليك، فأصبحت لا أسقط حرفاً ممّا حدثني.

۲. و قال يوماً: إنّكم تقولون انّ أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول اللّه، وتقولون ما للمهاجرين والاَنصار لا يحدّثون مثله، و إنّ إخواني المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالاَسواق، وكان إخواني من الاَنصار يشغلهم عمل أموالهم وكنت امرىًَ مسكيناً من مساكين الصفّة، ألزم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) على ملء بطني، فأحضُر حين يغيبون، وأعي حين ينسون، وقد قال رسول اللّهفي حديث يحدِّثه يوماً:

انّه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي، ثمّ يجمع إليه ثوبه الاّ وعى ما أقول، فبسطت نمرة عليَّ، حتى إذا قضى مقالته، جمعتها إلى صدري فما نسيت من مقالة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) تلك من شيء.

۳. روى الزهري، عن الاَعرج، عن أبي هريرة ،قال: قال أتزعمون انّي أكثر الرواية عن رسول اللّه ـ واللّه الموعد ـ انّي كنت امرأً مسكيناً أصحب رسول اللّه على ملءِ بطني وإنّه حدَّثنا يوماً، وقال: من يبسط ثوبه حتى أقضي مقالتي، ثمّ قبضه إليه (۱۸) لم ينس شيئاً سمع مني، ففعلت. فوالذي سمعته منه. (۱۹)

وقال ابن حجر في فتح الباري بعد أن ذكر الاسنادين: والاسنادان جميعاً محفوظان صححهما الشيخان. (۲۰)

وهاهنا سوَالان:

الاَوّل: لماذا خصّص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الكرامة بأبي هريرة دون سواه من أصحاب الصفة، ولا أظنُّ انّه لم يكن يوجد بينهم من هو عدل لاَبي هريرة في النيل بهذه الكرامة؟

والثاني: ما معنى انّه بسط ثوبه وأفضى النبي جميع مقالته في ثوبه ثمّهو قبضه إلى صدره فصار ما ألقاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عجيناً مع روحه ونفسه فلم ينس ما سمعه أبداً؟

فلو كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد أن يُخصِّص هذه الكرامة بأبي هريرة لكان له أن يضع يده على صدره ويدعو له كما فعل ذلك مع غيره نظير، الاِمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) . كلّهذه النصوص المنتهية إليه تجعل الاِنسان في حيرة من أمر هذا الرجل.

أبو هريرة متهم في روايته

يظهر ممّا نقله الذهبي وغيره انّ الرجل كان متهماً في روايته بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في عهد الخلافة وبعدها، وإليك بعض ما نقله في ذلك المقام.

۱. أخرج غير واحد من الموَرّخين والمحدّثين، عن السائب بن يزيد انّه سمع عمر يقول لاَبي هريرة: لتتركنّالحديث عن رسول اللّه وإلاّ لاَلحقنّك بأرض الدوس. (۲۱)

وقال لكعب: لتتركنّ الحديث أو لاَلحقنَّك بأرض القردة. (۲۲)

لم يكن الخليفة مانعاً عن التحديث بقلة، ولذلك كان يقول: «أقلّوا الرواية عن رسول اللّه »وإنّما خالف أبا هريرة في تكثيره.

۲. روى ابن عجلان أنّ أبا هريرة، كان يقول: إنّي لاَحدِّث أحاديث لو تكلّمت بها في زمن عمر، لشجّ رأسي.

۳. روى الشعبي قال: حدث أبو هريرة فسرد عليه سعد حديثاً، فوقع بينهما كلام حتى ارتجَّت الاَبواب.

۴. روى إسحاق بن سعيد، عن أبيه قال: دخل أبو هريرة على عائشة، فقالت له: أكثرت يا أبا هريرة عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: أي واللّه يا أُمّاه، ما كانت تشغلني عنه المرآة، ولا المِكْحَلةُ، ولا الدهن، قالت: لعلّه.

۵. لما أرادوا أن يدفنوا الحسن في الحجرة النبوية وقع خصام.

قال الوليد بن رباح: سمعت أبا هريرة يقول لمروان: واللّه ما أنت وال،وانّ الوالي لغيرك، فدعه ـ يعني حين أرادوا دفن الحسن (عليه السلام) مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ ولكنّك تدخل فيما لا يعنيك، إنّما تريد إرضاء من هو غائب عنك ـ يعني معاوية ـ.

فأقبل عليه مروان مغضباً، وقال: يا أبا هريرة، إنّ الناس قد قالوا أكثر أبو هريرة الحديث عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنّما قدم قبل وفاته بيسير. (۲۳)

۶.أخرج البخاري عن أبي صالح، قال: حدّثني أبو هريرة، قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أفضل الصدقة ماترك غنىً، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، تقول المرأة: إمّا أن تطعمني وإمّا أن تطلقني.

ويقول العبد: اطعمني واستعملني.

ويقول الابن: اطعمني إلى من تدعني؟

فقالوا: يا أبا هريرة، سمعت هذا من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟!

قال: لا، هذا من كيس أبي هريرة.(۲۴)

ورواه الاِمام أحمد في مسنده باختلاف طفيف في اللفظ.(۲۵)

انظر إلى الرجل ينسب في صدر الحديث الرواية إلى النبيبضرس قاطع، ولكنّه عندما سُئل عن سماع الحديث من رسول اللّهعدل عمّا ذكره أولاً، وصرح بأنّه من كيسه الخاص أي من موضوعاته.

وبعد هذا فهل يصح توثيقه؟!

هذه النصوص تعرب عن أنّ الرجل كان متهماً في عصره، وإن كان هو يبرّر عمله بأنّ الآخرين كانوا منشغلين بالصفق في الاَسواق أو بالمرآة والمكحلة والدهن، ولكن كان في القوم من لم يكن له ذلك الشأن كعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي وأُبيّ بن كعب وأبي أيوب الاَنصاري وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن عمرو، إلى غير ذلك من أقطاب الحديث، الذين كان لهم شغف بنقل الحديث وضبطه وتحديثه، ومع ذلك لم يبلغ حديث أكثرهم معشار ما نقله أبو هريرة.

كان أبو هريرة يجلس إلى حجرة عائشة فيحدِّث، ثمّ يقول: يا صاحب الحجرة، أتنكرين مما أقول شيئاً؟

فلما قضت صلاتها، لم تُنكر ما رواه، لكن قالت: لم يكن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يسرد الحديث سردكم.

وكذلك قيل لابن عمر: هل تنكر مما يحدِّث به أبو هريرة شيئاً ؟ فقال: لا، ولكنّه اجترأ، وجبُنّا.

فقال أبو هريرة: فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا. (۲۶)

قال ابن عساكر: إنّ رجلين من بني عامر دخلا على عائشة، فقالا لها: إنّ أبا هريرة يقول: إنّ الطيرة في الدار والمرأة والفرس، فقالت: كذب والذي أنزل الفرقان على أبي القاسم (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قاله إنّما قال: كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك.

وعن عائشة انّها قالت لاَبي هريرة: إنّك تحدّث عن رسول اللّه أشياء ما سمعتها منه؟! فقال لها مجيبا: إنّه كان يشغلك عن تلك الاَحاديث، المرآة والمُكْحُلة. (۲۷)

هذه النصوص توقفك على حقيقة الحال وانّ الرجل كان متّهماً في روايته في عصره، ولكن القول بعدالة الصحابة حال بين المحققين والتحقيق في رواياته ومروياته، ولولا ذلك لما أخذوا بكثير ممّا عزاه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

التحديث بنصف ما معه

يظهر ممّا رواه أبو هريرة انّه إنّما حدَّث بنصف ما وعاه عن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» وحبس النصف الآخر لاَنّ الظروف لم تساعد لبثّه.

روى البخاري، عن المقبُري، عن أبي هريرة، قال: حفظت من رسول اللّه وعاءين، فأمّا أحدهما فبثثته وأمّا الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم. (۲۸)

التدليس في الحديث

قال يزيد بن هارون: سمعت شعبة، يقول: كان أبو هريرة يدلّس.

وذكره ابن عساكر في تاريخه والحافظ ابن كثير في البداية. (۲۹)

ولما كانت شهادة شعبة تحطُّ من مكانة أبي هريرة عاد الذهبي ناقضاً للقاعدة، فقال:

قلت: تدليس الصحابة كثير ولا عيب فيه، فانّ تدليسهم عن صاحبٍ أكبر منهم، والصحابةكلّهم عدول.

وأنت خبير بأنّ التدليس من أسباب الضعف، فكيف صار هناك من أسباب الفخر، حيث قال: إنّتدليسهم عن صاحب أكبر منهم.

وقد أشار الحافظ ابن كثير في البداية إلى تفسير كلام شعبة، بقوله: وكان شعبة يشير بهذا إلى حديث: «من أصبح جنباً فلا صيام له» فانّه لما عوتب عليه، قال: أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم).

وسيوافيك عند دراسة أحاديثه انّه نسب هذا الحديث إلى الرسولص، فلمّا شهد غير واحد من الصحابيات على خلافه، قال: أخبرني به الفضل بن العباس.

وأيّ تدليس كان أعظم من ذلك؟ بل كان ينسب ما سمعه من كعب الاَحبار إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو من أسوأ التدليسات، وها نحن نوقفك على نموذج من هذا النوع من التدليس الذي كان يرتكبه أبو هريرة.

روى الطبري عن أبي نعيم، عن مقاتل بن حيان، عن عكرمة، قال: بينا ابن عباس ذات يوم جالس إذ جاءه رجل، فقال: يا ابن عباس سمعت العجب من كعب الحبر يذكر في الشمس والقمر.

قال: وكان متكئاً فاحتفز، ثمّقال: وما ذاك؟ قال: زعم انّه يُجاء بالشمس والقمر يوم القيامة كانّهما ثوران عقيران فيُقذفان في جهنم.

قال عكرمة: فطارت من ابن عباس شفة ووضعت أُخرى غضباً، ثمّ قال: كذب كعب، كذب كعب، كذب كعب، ثلاث مرات، بل هذه يهودية يريد إدخالها في الاِسلام، اللّه أجل وأكرم من أن يعذِّب على طاعته، ألم تسمع قول اللّه تبارك و تعالى (وَسخّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ والقَمَرَ دائبَيْن) إنّما يعني دوَوبهما في الطاعة فكيف يعذِّب عبدين يُثني عليهما انّهما دائبان في طاعته؟! قاتل اللّه هذا الحبر وقبّح حبريته، ما أجرأه على اللّه وأعظم فريته على هذين العبدين المطيعين للّه.

قال: ثمّ استرجع مراراً وأخذ عُوَيداً من الاَرض فجعل ينكته في الاَرض، فظلّ كذلك ما شاء اللّه، ثمّ إنّه رفع رأسه ورمى بالعويد، فقال: ألا أحدثكم بما سمعت من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في الشمس والقمر وبدء خلقهما ومصير أمرهما فقلنا: بلى رحمك اللّه.... (۳۰)

وهذا النسج الخرافي للقصة التي حاكتها مخيّلة كعب وأضرابه، رواها أبو هريرة مباشرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

روى ابن كثير في تفسير سورة التكوير:

حدثنا إبراهيم بن زياد البغدادي، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا عبد العزيز بن المختار عن عبد اللّه الداناج، قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمان بن خالد بن عبد اللّه القسري في هذا المسجد، مسجد الكوفة، وجاء الحسن فجلس إليه، فحدث، قال: حدثنا أبو هريرة: إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: إنّ الشمس والقمر ثوران في النار عقيران يوم القيامة، فقال الحسن: وما ذنبهما؟

فقال: أحدثك عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقول أحسبه، قال: وما ذنبهما. (۳۱)

ترى أنّ حديثاً واحداً يرويه رجل عن كعب، وفي الوقت نفسه يرويه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فبما انّ كعباً لم يدرك النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» لم يستطع أن ينسبه إليه وبما انّ أبا هريرة أدرك عصر الرسالة أخذ بالتدليس فنسب ما سمعه عن كعب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .وأيّ تدليس أسوأ من ذلك؟ وليس هذا إلاّ من مقولة الكذب المنافي للعدالة.

ومما يقضى منه العجب ما ذكره أبو جعفر الطحاوي لتصحيح هذا الاَثر حيث قال: إنّ الشمس والقمر كالملائكة الموكلين لاَهل النار، معذِّبان لاَهل النار لا معذَبان فيها، إذ لا ذنوب لهما (۳۲)

يلاحظ عليه: أنّ التفسير خلاف ما فهمه المخاطبون بهذا الحديث، مضافاً إلى أنّه لا يناسب قوله «عقيران» وما العقر إلاّ لتعذيبهما.

وحيث إنّ أهل السنة ذهبوا إلى عدالة الصحابة بأجمعهم أخذوا بروايات أبي هريرة وأمثاله دون أدنى تحقيق، و إذا فتشوا عن اسناد الرواية فإنّما يفتشون عمّن ورد اسمه قبل الصحابة، فإذا وصل الكلام إليهم يكسر القلم ويُضبط اللسان فلا كلام فيهم و إن صدر عنهم ما صدر.

إنّ تقديس جميع من أسموهم بالصحابة لمجرد أنّهم رأوا الرسولص أو سمعوا حديثه أو صاحبوه ولو زمناً قصيراً ممّا لا يمكن تصديقه، لاَنّ مجرد الصحبة لا يُضفي على المصاحب ثوب القداسة ولا يخلق حوله هالة من التقديس بعد ما شهد القرآن والسنّة على كون لفيف منهم مصدراً للفتنة والفساد، وهذا هو الذكر الحكيم يصرّح ويقول:

(وَمِنْ أَهْلِ الْمَدينَةِ مَرَدُوا عَلى النِفاقِ لا تعلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)(التوبة/۱۰۱).

وهوَلاء الذين مردوا على النفاق كانوا مندسّين بين الصحابة، ولم يكن عددهم قليلاً، وإلاّ لما استأثروا باهتمام بالغ من قبل القرآن الكريم في غير واحد من سوره وآياته.

إنّه سبحانه يصف بعض الصحابة بالفسق ويقول:(إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فتَبَيَّنُوا) (الحجرات/۶).

فمن هذا الفاسق الذي أخبر القرآن عنه بين صحابته؟ و ما هو إلاّ الوليد ابن عقبة الذي صاحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أعواماً عديدة.

وليس الوليد نسيج وحده في هذا المضمار، بل انّ كثيراً من الصحابة تركوا النبي قائماً حينما كان يخطب للجمعة وخرجوا من المسجد طلباً لحطام الدنيا، فنزل قوله سبحانه: (فَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَـهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللّهُ خَيْرُ الرّازِقين) (الجمعة/۱۱).

أترى أنّ من يرجح اللهو وحطام الدنيا على صلاة الجمعة يكون من القدِّيسين و من العدول الذين تنبض قلوبهم بذكر اللّه ويخافون يوماً قمطريراً ؟!

ويكفي من السنة ما وردت حول ارتداد الصحابة عقب وفاة النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» وقد رواها البخاري في كتاب الفتن. (۳۳)

وقد جمعها ابن الاَثير في جامعه فبلغت عشرين حديثاً فلاحظ. (۳۴)

وفاته

توفي أبو هريرة سنة ۵۷ وقيل ۵۸ وهو ابن ۷۸، قيل مات بالعقيق وحمل إلى المدينة وصلّى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان و كان أميراً على المدينة لعمِّه معاوية بن أبي سفيان. (۳۵)

وقد مضى الرجل وعزّي إليه أحاديث كثيرة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي بين صحيحةتعلو على هامّاتها سمات الصحة والاتقان، وسقيمة مخالفة لكتاب اللّه والسنّة الثابتة والعقل الحصيف، فمن أراد تنزيه السنة النبوية وتمحيصها، فعليه بدراسة روايات هذا الصحابي، وكفانا موَونة ذلك ما ألّفه العالمان الكبيران أحدهما شيعي والآخر سني، فالاَوّل هو العلم المفرد المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي فقد فتح هذا الباب على مصراعيه في وجه الاَُمّة ونشر كتابه المعروف بـ«أبو هريرة».

وأمّا الثاني فهو الكاتب المجاهد محمود أبو رية موَلف كتاب «أبو هريرة شيخ المضيرة» فقد بلغا الغاية في دراسة رواياته.ولقد صدرنا في بعض ما ذكرناه في المقام عمّا أفاده العلمان لا سيما ما أفاده العلاّمة شرف الدين العاملي «طيب اللّه رمسه».

روائع أحاديثه

۱. أخرج مسلم، عن سعيد بن المسيب انّ أبا هريرة أخبره انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّاللّه، فمن قال: لا إله إلاّاللّه عصم منّي ماله ونفسه إلاّبحقه وحسابه على اللّه.

وفي لفظ آخر عن أبي هريرة، عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلاّاللّه، ويوَمنوا بي، و بما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّبحقها، وحسابهم على اللّه. (۳۶)

وهذه الرواية نقلت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) متضافرة، نقلها غير واحد من الصحابة.

۲. أخرج مسلم، عن أبي سهيل، عن أبيه ،عن أبي هريرة انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان. (۳۷)

۳. أخرج أحمد، عن أبي رافع، عن أبي هريرة انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: للصائم فرحتان: فرحة في الدنيا عند إفطاره، وفرحة في الآخرة. (۳۸)

۴. أخرج أحمد، عن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : رُبّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وربّ قائم حظه من قيامه السهر. (۳۹)

۵. أخرج ابن ماجة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : من أعان على قتل موَمن بشطر كلمة لقي اللّه عزّ وجلّ: مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة اللّه . (۴۰)

۶. أخرج الترمذي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، انّ رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» قال:المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والموَمن من أمنه النّاس على دمائهم وأموالهم. (۴۱)

۷. أخرج أحمد، عن الحسن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» :من سنّ سنّة ضلال اتّبع عليها، كان عليه مثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، و من سنّ سنّة هدى فاتّبع عليها كان له مثل أُجورهم من غير أن ينقص من أُجورهم شيء. (۴۲)

۸. أخرج الترمذي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم»، قال: إنّ الدين النصيحة، إنّالدين النصيحة، إنّالدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول اللّه؟ قال: للّه ولكتابه ولرسوله ولاَئمّة المسلمين وعامتهم. (۴۳)

۹. أخرج الترمذي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال:

سئل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أي الاَعمال أفضل، وأيّ الاَعمال خير؟ قال: إيمان باللّه ورسوله، قيل: ثمّ أيّ شيء؟ قال: الجهاد سنام العمل، قيل : ثمّ أيّ شيء يا رسول اللّه؟ قال: ثمّ حجّ مبرور. (۴۴)

۱۰. أخرج البخاري في الاَدب المفرد، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«إيّاكم والظلم، فانّ الظلم ظلمات يوم القيامة، وإيّاكم والفحش، فانّ اللّه لا يحب الفاحش المتفحش، وإيّاكم والشحّ، فانّه دعا مَنْ كان قبلكم، فقطعوا أرحامهم، ودعاهم فاستحلوا محارمهم. (۴۵)

هذه طائفة من روائع رواياته، ولكن عزيت إليه روايات سقيمة لا يصحّ عزوها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمخالفتها للمعايير العامة لصحّة الحديث التي استوفينا الكلام حولها في صدر الكتاب وإليك نزراً منها.

۱. محاولة عفريت من الجن قطع صلاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

أخرج مسلم في صحيحه، عن ابن زياد، قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّعفريتاً من الجنّ جعل يفتك (۴۶) عليَّ البارحة ليقطع عليَّ الصلاة، و انّ اللّه أمكنني منه فذعته، (۴۷) فلقد هممت أن أربطه إلى جانب سارية من سواري المسجد حتى تُصبحوا تنظرون إليه أجمعون أو كلكم، ثمّ ذكرت قول أخي سليمان: ( رَبِّ اغفِرَ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنبَغِي لاَحَدٍ مِن بَعْدِي) فردّه اللّه خاسئاً. (۴۸)

وفي الحديث تساوَلات:

أوّلاً: انّ المنقول عن أبي هريرة يختلف مضمونه مع ما نقل عن أبي سعيد الخدري، حيث نقل عنه الاِمام أحمد:«انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قام فصلّى صلاة الصبح وهو خلفه، فقرأ فالتبست عليه القراءة، فلمّا فرغ من صلاته قال: لو رأيتموني وإبليس، فأهويت بيدي فمازلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين اصبعي هاتين: الابهام والتي تليها،ولولا دعوة أخي سليمان لاَصبح مربوطاً بسارية، من سواري المسجد، يتلاعب به صبيان المدينة، فمن استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل. (۴۹)

كما انّ مضمونه يختلف عمّا رواه نفس مسلم، عن أبي الدرداء، في ذلك المقام . قال: قام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فسمعناه يقول: أعوذ باللّه منك، ثمّقال: ألعنك بلعنة اللّه ثلاثاً، وبسط يده كأنّه يتناول شيئاً، فلما فرغ من الصلاة، قلنا: يا رسول اللّه قد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله قبل ذلك، و رأيناك بسطت يدك؟ قال: إنّ عدو اللّه إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت: أعوذ باللّه منك ثلاث مرّات، ثم قلت: ألعنك بلعنة اللّه التامة، فلم يستأخر ثلاث مرات، ثمّ أردت أخذه، واللّه لولا دعوة أخينا سليمان لاَصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة. (۵۰)

والظاهر وحدة الواقعة، والاختلاف في المضمون بيّن غني عن البيان، كلّذلك يسلب الاعتماد على هذه النقول مع وحدة الواقعة.

وثانياً: انّ الرواية تعرب عن أنّ لاِبليس وجنوده سلطة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)حيث أخذه في غفلة وخديعة، كما يشهد عليه قوله «يفتك»، وهذا ما يكذبه الكتاب العزيز ويقول: (إنّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلى الّذينَ آمَنُوا وَعَلى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُون ) (النحل/۹۹)وحمل السلطة على خصوص الاِغواء خلاف الاِطلاق.

وثالثاً: انّ الرواية تدل على مشاهدة الناس للجن، ولذلك صمَّم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن يربط ذلك العفريت العاتي المارد من الجن، على سارية من سواري المسجد حتى يصبح الناس وينظروا إليه، مع أنّه خلاف القرآن الكريم، حيث يقول: (إِنَّهُ يَراكُم هُوَ وَقَبيلُهُ مِنْحَيْثُ لا تَرَونَهُمْ)(الاَعراف/۲۷).

وحمله على غالب الناس خلاف الظاهر، وعلى فرض الصحّة فأهل المدينة من تلك الاَغلبية الذين لا يستطيعون روَية الجن.

ورابعاً: الرواية تدل على أنّالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انصرف عن عمله، لاَنّه ذكر قول أخيه سليمان :(ربِّ اغْفِر لي وَهَبْلي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لاََحَدٍ مِنْ بَعْدِي) فلاَجل ذلك ردَّ اللّه ذلك الجن خاسئاً ذليلاً صاغراً مطروداً.

ولكن الآية لا تصلح أن تكون سبباً لانصرافهص، وذلك لاَنّها لا تدل على أنّ ربط الجن العاتي من خصائص سليمان، فما هو من خصائصه هو الملك المبني على قدرة قاهرة واستخدام الجن والاِنس والطير إلى غير ذلك مما جاء في الذكر الحكيم من الجنود، وأين هذا من ربط الجن العاتي بسارية من سواري المسجد في مورد واحد؟

فنفس الرواية حاكية على أنّها مندسة بين الروايات، فنجلّ ساحة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يستدل بآية على أمر ليس فيها دلالة عليه.

۲. الشيطان إذا سمع الاَذان ولّى ...

أخرج أحمد، عن عبد الرحمان بن يعقوب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا سمع الشيطان الاَذان ولّى وله ضراط حتى لا يسمع الصوت. (۵۱)

أقول: نحن لا نعلِّق على هذا الحديث شيئاً، ولكن هل للشيطان قدرة على هذا العمل الذي هو من شوَون الموجود المادي؟!

ثمّ على فرض صحته، فالاَذان ظاهرة مستمرة بين المسلمين حسب اختلاف الآفاق، والشيطان له إحاطة بالبشر فهو يواجه في كلّحين أذاناً في البلدان المختلفة، فهل يقوم بذلك العمل حسب استمرار الاَذان في بلدان المسلمين ليلاً ونهاراً ؟ لا أدري ولا المنجم يدري ولا القراء يدرون!!

إضافة إلى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إنساناً حَييّاً حسب ما ورد في الروايات، فمن البعيد أن يتفوّه بتلك الكلمة.

۳. وجوب الجهاد تحت راية كلّ برّ وفاجر

أخرج أبو داود في سننه، عن مكحول، عن أبي هريرة، قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :

الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برّاً كان أو فاجراً، والصلاة واجبة عليكم خلف كلّمسلم برّاً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر، والصلاة واجبة على كل مسلم برّاً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر. (۵۲)

أقول: الجهاد لا ينفك عن التصرف في الاَنفس والاَعراض والاَموال، فكيف يجب مع أمير فاجر، مع أنّه ربما يدعو إلى العيث والفساد والعصيان وقتل الاَبرياء وهتك الاَعراض وغصب الاَموال؟

ولقائل أن يحمل الرواية على ما إذا دعا الاَمير الفاجر إلى البرّ والاِحسان، ولكنّه في غير محله، لاَنّ معرفة ذلك في ميادين الجهاد أمر صعب جداً لو لم يكن بمتعذر.

فمن مارس الجهاد في ساحات الوغى، يعلم انّه لا يمكن لمجاهد أن يتفحص في الاَُمور المشتبهة ويأخذ بالبر ويترك خلافه. فالحقّانّ الجهاد إنّما هو مع إمام عادل لا الاَعم من البرّ والفاجر، والرواية من صنائع يد السياسة التي تبغي من وراء ذلك إضفاء المشروعية على الجهاد تحت لواء الطلقاء وأبناء البيت الاَموي.

ولكن المروي عن أئمّة أهل البيت خلاف ذلك.

قال الاِمام الرضا (عليه السلام) :والجهاد واجب مع الاِمام العادل. (۵۳)

وقال الاِمام الصادق (عليه السلام) : إنّ القتال مع غير الاِمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير. (۵۴)

إلى غير ذلك من الروايات.

۴. قبول التوبة مع عدم الندم

أخرج مسلم في صحيحه، عن عبد الرحمان بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يحكي عن ربّه عزّوجلّ، قال: ذنب عبد ذنباً، فقال: اللّهمّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم انّ له ربّاً يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب، ثمّ عاد فأذنب، فقال: أي ربِّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى عبدي أذنب ذنباً فعلم انّ له ربّاً يغفر الذنب ويأخذ بالذّنب، ثمّعاد فأذنب، فقال: أي ربِّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم انّ له ربّاً يغفر الذّنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك. (۵۵)

يلاحظ عليه : أنّ حقيقة التوبة عبارة عن الندم على المعصية والعزم على ترك المعاودة في المستقبل، وإلاّفلو لم يعزم على ترك المعاودة فهو دليل على عدم ندمه.

فإذا كان هذا حقيقة التوبة التي يصبح التائب معه كمن لا ذنب له، فلم تكن متحققة في توبة الرجل فكيف قُبلتْ توبته؟

وبعبارة أُخرى: انّ حقيقة التوبة عبارة عن الندم على ما فعل من المعصية، والعزم على ترك المعاودة إليها في المستقبل، وهذا هو الذي دعا إليه الذكر الحكيم بقوله: (يا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوبَةً نَصُوحاً) (التحريم/۸).

قال الراغب: التوبة النصوح: ما يصرف صاحبه عن العودة إلى المعصية، أو ما يخلص العبد للرجوع عن الذنب فلا يرجع إلى ما تاب منها. (۵۶)

وعلى ذلك ففي الرواية ملاحظتان:

الاَُولى: انّالظاهر من الرواية انّ التوبة لم تكن جامعة للشرائط ومنها الندم على ما مضى، بل كان يذنب رجاء غفران الرب له من دون الندم، وهذه الفكرة من الوهن بمكان، لاَنّ الربّ إنّما يغفر الذنوب إذا تاب العاصي توبة نصوح، نابعة من الندم، على ما مضى فكيف قبلت توبته في كلّمرّة؟

الثانية: انّ قوله سبحانه: «اعمل ما شئت فقد غفرت لك» هو في الواقع رخصة في ارتكاب الآثام والمعاصي دون أي وازع، وحاشا للّه أن يرخّص للعبد في ارتكاب المعاصي إلى ما شاء بمجرد انّه غفار للذنوب وإن عصى وتاب إلى ما شاء اللّه.

۵. النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يمنع من كتابة الحديث

أخرج أحمد في مسنده، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، قال:

كنّا قعوداً نكتب ما نسمع من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج علينا، فقال: ما هذا تكتبون؟

فقلنا: ما نسمع منك، فقال: أكتاب مع كتاب اللّه؟ فقلنا: ما نسمع، فقال: اكتبوا كتاب اللّه، امحضوا كتاب اللّه، أكتاب غير كتاب اللّه، امحضوا كتاب اللّه أو خلّصوه، قال: فجمعنا ما كتبناه في صعيد واحد ثمّ أحرقناه بالنار.

قلنا: أي رسول اللّه، أنتحدَّث عنك؟ قال: نعم، تحدَّثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمِّداً فليتبوّأ مقعده من النار. قال: فقلنا: يا رسول اللّه أنتحدَّث عن بني إسرائيل؟ قال: نعم. تحدَّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، فانّكم لا تحدَّثون عنهم بشيء إلاّ وقد كان فيهم أعجب منه. (۵۷)

وفي الحديث ملاحظات:

الاَُولى: انّ هذا الحديث يعارض مع كثير ممّا يدل عن أنّ النبيرخّص في الكتابة، ونحن نذكر موجزاً ممّا وقفنا عليه، وقد مرّ أيضاً في المقدمة.

۱. ما رواه البخاري، عن أبي هريرة انّخزاعة قتلوا رجلاً من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه، فأُخبر بذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فركب راحلته فخطب، فقال: إنّ اللّه حبس عن مكة القتل أو الفيل (شك أبو عبد اللّه) وسلّط عليهم رسول اللّهوالموَمنين. ألا وإنّها لم تحلَّ لاَحد قبلي ولم تحلَّ لاَحد بعدي ـ إلى أن قال ـ : فجاء رجل من أهل اليمن،فقال:

اكتب لي يا رسول اللّه فقال: اكتبوا لاَبي فلان ـ إلى أن قال: ـ كتب له هذه الخطبة. (۵۸)

۲. روى البخاري، عن أبي هريرة، يقول: ما من أصحاب النبي أحد أكثر حديثاً عنه مني، إلاّ ما كان من عبد اللّه بن عمرو فانّه كان يكتب ولا أكتب. (۵۹)

۳. ما رواه البخاري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عباس، قال:

لما اشتدّ بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعه، قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده.

قال عمر: إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) غلبه الوجع وعندنا كتاب اللّه حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغَّط، قال: قوموا عنّي ولا ينبغي عندي التنازع.

فخرج ابن عباس، يقول: إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين كتابه. (۶۰)

۴. عن عبد اللّه بن عمرو، قال: كنت أكتب كلّشيء أسمعه من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا: تكتب كلّ شيء سمعته من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بشر يتكلم في الغضب والرضا ؟ فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأومأ باصبعه إلى فيه، وقال: اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلاّ حق. (۶۱)

۵. ما رواه نفس أبي هريرة، قال: كان رجل من الاَنصار يجلس إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيسمع من النبي الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى النبي، فقال: يا رسول اللّه إنّي أسمع منك الحديث فيعجبني ولا أحفظه، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : استعن بيمينك وأومأ بيده للخط. (۶۲)

إلى غير ذلك من الروايات الحاثة على كتابة السنة قولاً وتقريراً التي هي فوق المال الذي هو زينة الحياة الدنيا، وقد أمر سبحانه أن يكتب الدين وقال: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالعَدْلِ ـ إلى أن قال: ـ وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ)(البقرة/۲۸۲).

الثانية: انّ أبا هريرة كان أُمياً لا يجيد القراءة والكتابة كما مرّفي حديث وهب بن منبه عن أخيه همام (۶۳) فكيف يقول كنا قعوداً نكتب ما نسمع من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج علينا، فقال: ما هذا تكتبون؟

ولاَجل ذلك سأل رسول اللّه أن يدعو له بعدم النسيان.

قال: قلت: يا رسول اللّه إنّي أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه، قال: ابسط رداءك فبسطته فغرف بيديه، ثمّ قال: ضمه، فضممته، فما نسيت شيئاً بعده. (۶۴)

الثالثة: انّ الرواية تصرح بأنّ أبا هريرة ومن كان معه من الجماعة الذين كانوا يكتبون الحديث جمعوا ما كتبوا ثمّ أحرقوه بالنار، وهو معارض لما تضافر عن الخليفة الثاني من انّه أراد أن يكتب السنن، فاستشار في ذلك أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير اللّه شهراً، ثمّ أصبح يوماً وقد عزم اللّه له، فقال: إنّي كنت أردت أن أكتب السنن وإنّي ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبُّوا عليها وتركوا كتاب اللّه، وإنّي واللّه لا ألبس كتاب اللّه بشيء أبداً. (۶۵)

فلو كان هناك حظر عن تدوين الحديث إلى حد فهم أبو هريرة وأضرابه انّه يجب اعدام ما كُتِب بالاحراق، لما شاور عمر بن الخطاب أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتابة الحديث، بل منع عنها بلا تشاور، فاستخارته شهراً يدل على عدم صدور نهي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

الرابعة: انّ ظاهر قوله: «قلنا أي رسول اللّه أنتحدث عنك؟ قال: نعم تحدثوا عني ولا حرج» لا يلائم مع منعهم عن كتابة الحديث إذ أيّ فرق بين صيانة الحديث بالكتابة أو صيانته بالتحدّث، فما هو الوجه من التفريق بين الكتابة والتحديث؟

وتصور انّ كتابة الحديث يوجب اختلاطه بالقرآن فهو اعتذار بوجه أسوأ، فانّ القرآن معجزة بلفظه و معناه لا يشابهه غيره ولا يخالطه شيء، وقد مرّ تفنيده في مقدّمة الكتاب فلاحظ.

والعجب مما نقله عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه أجاز التحدّث عن بني إسرائيل، قال: تحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج.

كيف يجوّز النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التحدّث عن بني إسرائيل مع أنّهم كانوا يحرّفون التوراة والاِنجيل، وكانوا يتاجرون بكتبهم المحرفة؟ قال سبحانه: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ)(البقرة/۷۹).

لا أدري ماذا يستفيد المجتمع الاِسلامي من الاِسرائيليات والمسيحيات والمجوسيات التي لعب بها الدهر والزمان، وكانت النقلة طيلة الزمان يتاجرون بما جاء فيها ويروون ما يوافق أهواء الجهاز الحاكم؟

والحديث وُضع لجواز التحديث عن بني إسرائيل، وقد حدَّث أبو هريرة عن طريق كعب الاَحبار عنهم ـ أعاذنا اللّه من شرورهم ـ وأكثر ما يرويه أبو هريرة من القصص عن بني إسرائيل منتهية إلى أُستاذه كعب الاَحبار ـ الذي قال في حقه: ما رأيت أحداً لم يقرأ التوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة (۶۶) وإن صبّها في قالب الحديث عن الرسول الاَعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) .

۶. من هو خالق اللّه؟

روى مسلم عن يزيد بن الاَصمّ قال: سمعت أبا هريرة، يقول: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : ليسألنّكم الناس عن كلّشيء حتى يقولوا: اللّه خلق كلّشيء، فمن خلقه؟! (۶۷)

وأخرج أيضاً عنه، قال: قال لي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا يزالون يسألونك يا أبا هريرة حتى يقولوا هذا اللّه، فمن خلق اللّه؟ قال: فبينا أنا في المسجد إذ جاءني ناس من الاَعراب، فقالوا: يا أبا هريرة، هذا اللّه فمن خلق اللّه؟! فأخذ حصىً بكفه فرماهم، قال: قوموا صدق خليلي.(۶۸)

والحديث يعرب انّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يُعلِّم أبا هريرة جواب السوَال، ولذلك لما سأله الاَعراب أخذ حصىً بكفّه فرماهم وأمرهم بالقيام.

مع أنّ هذا بعيد عن أدب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّ السوَال لائق بالبحث، لاَنّه يخطر هذا السوَال في ذهن كثير من الناس، فالمترقب من الرسول الاَعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا تنبأ عن مستقبل أبي هريرة أن يُعلّمه الجواب.

والحديث إمّا مكذوب على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى فرض الصحّة فهو يعرب عن عدم استعداده لتلقي الجواب.

مع أنّ الاِمام أحمد نقل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه علم الاَُمّة جواب هذا السوَال، فقال: قال: قال جعفر: بلغني انّ النبيقال: إذا سألكم الناس عن هذا فقولوا: اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قبل كلّ شيء، واللّه خلق كلّ شيء، و اللّه كائن بعد كلّ شيء. (۶۹)

ولعلّ مراده من جعفر هو جعفر بن بُر الذي روى عنه مسلم، الحديث المتقدّم في صحيحه.

والجواب في غاية المتانة، لاَنّه سبحانه ليس ظاهرة مسبوقة بالعدم، حتى يُسأل عن علّة الاِيجاد، فإذا كان واجبَ الوجود، كان موجوداً في الاَزل والاَبد، ولا يتصور له العدم حتى يُسأل عن علّة الوجود، والتفصيل في محلّه.

۷. انّ اللّه خلق آدم على صورته طوله ستون ذراعاً

أخرج البخاري في صحيحه، عن همام، عن أبي هريرة ،عن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم»، قال:

خلق اللّه آدم على صورته طوله ستون ذراعاً ( وزاد أحمد من طريق سعيد ابن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعاً: في سبعة أذرع عرضاً) فلمّا خلقه، قال:

اذهب فسلّم على أولئك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيُّونك فانّها تحيتك وتحيَّة ذريتك.

فقال : السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة اللّه فزادوه «ورحمة اللّه» فكلّ من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص بعدُ حتّى الآن. (۷۰)

وفي الحديث عدّة إشكالات تسقطه عن الاعتبار وتجعله في عداد الموضوعات:

الاَوّل: انّ الظاهر انّ الضمير على صورته يرجع إلى اللّه تبارك وتعالى وهو نفس القول بالتجسيم ولا يرجع إلى آدم، إذ يكون مفاد الحديث عندئذٍ أشبه بتوضيح الواضحات، لاَنّ كلّشيء مخلوق على صورته لا على صورة غيره، وإنّما يفيد معنى جديداً وهو الاِخبار بكرامة آدم وانّه مخلوق على صورة اللّه سبحانه، إذا عاد الضمير إلى اللّه سبحانه، وعلى هذا يلزم أن يكون للّه صورة طولها ستون ذراعاً.

والذي يدل على أنّ الضمير يرجع إلى اللّه سبحانه هو ما روى نفس أبي هريرة في غير مورد.

فقد روى هذا الحديث بصور مختلفة فتارة رواه كما سمعت وأُخرى بلفظ: إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه، فانّ اللّه خلق آدم على صورته.(۷۱)

وثالثة بأنّه إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ولا يقل قبح اللّه وجهك ووجه من أشبه وجهك، فانّ اللّه خلق آدم على صورته. (۷۲)

وربما يوَوَّل الحديث بإرجاع ضمير صورته إلى آدم نفسه لا إلى اللّه تبارك وتعالى بمعنى انّ اللّه عزّوجلّ خلقه في الجنة على صورته التي كان عليها بعد هبوطه منها، إذ أنشأه تاماً مستوياً طوله ستون ذراعاً وعرضه سبعة أذرع لم يتغير من حال إلى حال ولم يكن مثل ذريته حتى تكون نطفة ثمّ علقة إلى أن يكون رجلاً سوياً بل خلقه دفعة واحدة على صورته التي رآها عليها بنوه في الاَرض.

ولكن التأويل باطل جداً لمخالفته ما نقلناه عنه، كما يخالف ما روي عنه مرفوعاً: خلق آدم على صورة الرحمن. (۷۳)

كما يخالف ما روي عنه انّ موسى ضرب الحجر لبني إسرائيل فتفجر فقال: اشربوا يا حمير، فأوحى اللّه إليه عمدت إلى خلق خلقتهم على صورتي فشبهتهم بالحمير. (۷۴)

كلّ هذه الاَحاديث تدل على أنّ الرواية لا تقبل التأويل.

الثاني: انّه إذا كان طول آدم ستين ذراعاً فلازم تناسب أعضائه أن يكون عرضه سبعة عشر ذراعاً وسُبع الذراع، وإذا كان عرضه سبعة أذرع يجب أن يكون طوله أربعة وعشرين ذراعاً ونصف الذراع، لاَنّ عرض الاِنسان مع استواء خلقه، بقدر سبعي طوله، فما بال أبي هريرة يقول طوله ۶۰ ذراعاً في سبعة أذرع عرضاً؟! فهل كان آدم غير متناسب في خلقته مشوَّهاً في تركيبه؟!

الثالث: انّ تحية السلام إنّما شرعت في دين الاِسلام وقد قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما حسدكم اليهود على شيء كما حسدوكم على السلام، فلولا اختصاصه بهذه الا َُمّة ما اختصوهم بالحسد عليه، فما بال أبي هريرة يقول في هذا الحديث: «فلما خلق اللّه آدم، قال: اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة، فاستمع ما يحيونك فانّها تحيتك وتحية ذريتك».

وعلى أية حال فما رأي أُولي النظر في هذا الخبر؟ وماذا يقولون في قول أبي هريرة: ولم يزل الخلق ينقص بعده حتّى الآن ؟ (۷۵)

نظر أئمّة أهل البيت في الحديث

ذهب أئمة أهل البيت إلى أنّ الرواية محرّفة وقد نقلت بغير وجهها.

روى الصدوق باسناده عن أبي الورد بن ثمامة، عن علي (عليه السلام) قال: سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رجلاً يقول لرجل: قبّح اللّه وجهك ووجه من يشبهك فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : مه، لا تقل هذا فإنّ اللّه خلق آدم على صورته.

قال الصدوق: تركت المشبّهة من هذا الحديث أوّله، وقالوا: إنّ اللّه خلق آدم على صورته فضلّوا في معناه وأضلّوا.

وروى أيضاً الحسين بن خالد، عن الاِمام الرضا (عليه السلام)، قال: قلت للرضا (عليه السلام) : يابن رسول اللّه انّ الناس يروون أنّ رسول اللّه، قال: «إنّ اللّه خلق آدم على صورته» فقال (عليه السلام) : قاتلهم اللّه لقد حذفوا أوّل الحديث، انّ رسول اللّه مرّبرجلين يتسابّان فسمع أحدهما يقول لصاحبه: قبّح اللّه وجهك ووجه من يشبهك. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا عبد اللّه لا تقل هذا لاَخيك، فانّ اللّه عزّ وجلّ خلق آدم على صورته.(۷۶)

وبهذا صانت أئمة أهل البيت الاَحاديث النبويّة من التحريف، و كم لمثل هذا المورد من نظير، بمعنى أنّه يظهر الحق، إذا رجعنا إلى رواياتهم. كما في مورد «نزوله سبحانه كلّ ليلة إلى سماء الدنيا» كما سيوافيك.

۸. سليمان يطوف على ستين امرأة في ليلة واحدة

أخرج البخاري في صحيحه، عن محمد، عن أبي هريرة، قال:

إنّ نبي اللّه سليمان (عليه السلام) كان له ستون امرأة، فقال: لاَطوفنّ الليلة على نسائي فلتحمِلْن كلّ امرأة ولتلِدْن فارساً يُقاتِل في سبيل اللّه، فطاف على نسائه، فما ولدت منهنّ إلاّ امرأة وَلدت شقَّ غلام.

قال نبي اللّه: لو كان سليمان استثنى لحملت كلّ امرأة منهنّ فولدت فارساً يقاتل في سبيل اللّه. (۷۷)

وفي الحديث عدة تساوَلات:

۱. انّ اللّه سبحانه أدّب أنبياءه فأحسن أدبهم، وهم أكثر حياءً من سائر الناس ليكونوا أسوة لغيرهم في الحياة، فهل يصح لنبي حَييٍّ أن يصرِّح أمام الملاَ العام بأنّه سيطوف علىنسائه في هذه الليلة؟!

۲. انّ الذكر الحكيم يصف سليمان في آياته الكريمة بما يلي:

(وَإنّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفَى وحُسنَ مَآب) (ص/۴۰).

(وَلَقَدْ آتَيْنا داودَ وَسُلَيمانَ عِلماً وَقالا الحَمْدُ للّهِ الَّذِي فَضّلَنا عَلى كَثِيرٍمِنْ عِبادِهِ المُوَْمِنينَ) (النمل/۱۵).

(وَوَرِثَ سُليمانُ داودَ وَقالَ يا أَيُّها النّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيرِ وَأُوتينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنّ هذا لَهُوَالفَضْلُالمُبين) (النمل/۱۶).

(فَفَهّمناها سُليمانَ وَكُلاًّ آتَينا حُكْماً وَعِلماً) (الاَنبياء/۷۹).

(وَوَهَبْنا لِداودَ سُليمانَ نِعْمَ العَبْدُ إنّهُ أَوّاب) (ص/۳۰).

أفيصح لنبيّ قد أطراه الذكر الحكيم بما تلوناه عليك، أن يخبر بأنّ نساءه سيلدنَّ ستين فارساً ؟!

فإن علم به من طريق الغيب، فلماذا تخلّف الخبر عن المطابقة؟! وإن لم يعلم به كذلك، فكيف تفوّه بذلك بضرس قاطع؟!

۳.هل في استطاعة الاِنسان أن يطوف على ستين امرأة في ليلة واحدة كي يلدن له ستين فارساً؟ انّ هذا وإن كان في واقع الاَمر أمراً غير محال إلاّانّه بعيد جداً، وليست عظمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مقرونة بالقدرة الجنسية كي نتصور انّها مفخرة له.

نعم كانت تُعدّ مفخرة في العصر الجاهلي فانعكست في رواية أبي هريرة الذي تأثر بها ونسج الحديث على وفق مايعدّ فضيلة في تلك البيئات.

۹. موسى يفقأ عين ملك الموت

أخرج مسلم في صحيحه، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال:

أُرسل ملك الموت إلى موسى (عليه السلام) فلما جاءه صكّه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال: فردَّاللّه إليه عينه، وقال: ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور، فله بما غطَّت يده بكلِّ شعرة سنة، قال: أي ربِّ ثمّ مه؟ قال: ثمّ الموت، قال: فالآن، فسأل اللّه أن يدنيه من الاَرض المقدسة رميةً بحجرٍ، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): فلو كنت ثمّلاَريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الاَحمر. (۷۸)

أقول: ورواه البخاري في صحيحه تارة في باب من أحبّالدفن في الاَرض من كتاب الجنائز. (۷۹)

وأُخرى في باب وفاة موسى من كتاب بدء الخلق. (۸۰)

و قد سقط من نسخة البخاري ما نقله مسلم من قوله «ففقأ عينه» ولكن ذيله يدل على سقوطه حيث قال : «فردّاللّه عليه عينه» إذ لو لم يُحدث موسى شيئاً من فقء العين أو نظيره لماكان لقوله: فردّ اللّه عليه عينه، وجه.

وفي الحديث دلالات متعددة على كونه موضوعاً على لسان النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» .

أمّا أوّلاً: فلاَنّه يصوّر النبي موسى (عليه السلام) كأنّه أحد الجبارين يبطش ويصكُّ ويَفْقأ العين، ويوقع بأسه حتى في ملائكة اللّه المقربين.

فلو كان الكليم ـ و العياذ باللّه ـ على هذه الدرجة الساقطة، فكيف اصطفاه اللّه من عباده وآثره بمناجاته وكتابه؟!

وثانياً: هل كان موسى (عليه السلام) يحب الدنيا على وجه، خاصَمَ ملكَ ربه، وليس هذا إلاّ من سمات أهل الدنيا خصوصاً اليهود الذين يكرهون الموت لا من صفات الاَنبياء، فانّ رغبتهم إلى لقاء اللّه أشد من رغبتهم في البقاء في الدنيا؟

قال سبحانه: (يا أَيُّهَا الّذينَ هادُوا إِنْزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَولياءُ للّهِ مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَوا المَوت إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَلا يَتَمَنَّونَهُ أَبداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمين) (الجمعة/۶ـ۷).

وهذا هو الاِمام أمير الموَمنين يصف المتقين بقوله: «فلولا الاَجل الذي كتب اللّه عليهم لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم طرفة عين». (۸۱)

وثالثاً: انّ الحديث يصوِّر انّموسى كان أقوى من ملك الموت ولذلك تمكّن موسى من الوقيعة به ولم يتمكن الملك من دفع العادية، وهذا عجيب جدّاً !! لاَنّه كان مأموراً بإزهاق روحه ولازم ذلك أن تفوق قوته، قوة الضارب فصار الاَمر على العكس.

ورابعاً: انّ لازم ما جاء في التوراة من (أَنَّ النفسَ بِالنَّفْسِوَالعَيْنَ بِالعَيْنِ وَالاََنْفَ بِالاََنْفِ وَالاَُذُنَ بِالاَُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ والجُرُوجَ قِصاصٌ) (المائدة/۴۵)، أن يقتص الملك من الكليم (عليه السلام) تحقيقاً للتشريع الذي جاء به موسى (عليه السلام)، لكن صار الاَمر على العكس فاللّه سبحانه أكرمه وقال: ارجع فقل له يضع يده على متن ثور....

وخامساً: هل ملك الموت عنصر مادي له عين مادية تُفقأ بالصك عليها ؟! هذا هو ما لا أعرفه أنا ولا الراوي يعرفه ولا القارىَ يعرفه. وكم لهذا الراوية من هذه السقطات التي جلّها حصيلة الاِسرائيليات التي بثّها بين المسلمين ويا ليت انّه لم يبث ذلك الوعاء بل يعقد عليه كما عقد على الوعاء الآخر على ما مضى في ترجمته (۸۲).

۱۰. روَية اللّه بالعين الباصرة

أخرج البخاري في صحيحه، عن عطاء بن يزيد الليثي، انّ أبا هريرة أخبرهما انّ الناس قالوا: يا رسول اللّه هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا، يا رسول اللّه، قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال: فانّكم ترونه كذلك يحشر الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبع، فمنهم من يتبع الشمس ومنهم من يتبع القمر و منهم من يتبع الطواغيت وتبقى هذه الاَُمّة فيها منافقوها فيأتيهم اللّه، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربّنا عرفناه، فيأتيهم اللّه فيقول أنا ربّكم، فيقولون: أنت ربنا فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أوّل من يجوز من الرسل بأُمّته....

هذا ما أخرجه في باب فضل السجود من كتاب الصلاة. (۸۳)

وأخرجه أيضاً في باب «الصراط جسر جهنم» من كتاب ما جاء في الرقاق وان لا عيش إلاّ عيش الآخرة، ويختلف لفظه مع السابق وجاء فيه:

...وتبقى هذه الاَُمة فيها منافقوها فيأتيهم اللّه في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ باللّه منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربّنا عرفناه، فيأتيهم اللّه في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربّنا، فيتبعونه ويضرب جسر جهنم.

قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : فأكون أوّل من يجيز. (۸۴)

ورواه أيضاً مسلم عن أبي هريرة في باب معرفة طريق الروَية من كتاب الاِيمان ونذكر موضع الحاجة... فيتبع من كان يعبد الشمسَ، الشمسَ، ويتبع من كان يعبد القمرَ، القمرَ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الاَُمّة فيها منافقوها، فيأتيهم اللّه تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: نعوذ باللّه منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربّنا، فإذا جاء ربّنا عرفناه، فيأتيهم اللّه تعالى في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربّنا، فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا و أُمّتي أوّل من يجيز. (۸۵)

وقد نقله مسلم عن أبي سعيد الخدري بصورة أكثر شناعة، ومماجاء فيه: انّ ناساً في زمن رسول اللّه قالوا: يا رسول اللّه، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : نعم، قال: هل تضارّون في روَية الشمس بالظهيرة صحواً ليس معها سحاب؟ وهل تضارّون في روَية القمر ليلة البدر ليس فيها سحاب؟... إلى أن قال: حتى إذا لم يبق إلاّ من كان يعبد اللّه تعالى من برٍّ وفاجرٍ أتاهم ربّ العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها، قال: فما تنتظرون تتبع كلّأُمّة ما كانت تعبد، قالوا: يا ربّنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنّا إليهم ولم نصاحبهم، فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: نعوذ باللّه منك، لا نشرك باللّه شيئاً، مرّتين أو ثلاثاً حتى انّبعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها ؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق، فلا يبقى من كان يسجد للّه من تلقاء نفسه، إلاّ أذن اللّه له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاءً ورياءً إلاّ جعل اللّه ظهره طبقة واحدة، كلّما أراد أن يسجد خرَّ على قفاه... الحديث. (۸۶)

وفي الحديث بعامّة صوره أمارات على الدسّ والوضع.

الاَوّل: وجود الاختلاف الفاحش بين صور الحديث، فما نقله البخاري في باب «فضل السجود» يختلف عمّا نقله هو في باب «الصراط جسر جهنم» وهو واضح لمن قابل النصين، فقد جاء في النص الثاني قوله: «فيأتيهم اللّه في غير الصورة التي يعرفون...» في حين انّ النص الاَوّل خالٍ عن هذه الاِضافة إلى غير ذلك من الاختلافات.

كما انّ ما نقله البخاري في باب «فضل السجود» يختلف مع ما نقله مسلم في صحيحه في باب «معرفة طريق الروَية».

كما انّما نقله مسلم عن أبي سعيد الخدري يختلف مع ما نقله الشيخان عن أبي هريرة إذ ليس في حديثه قوله: «ويكشف عن ساق».

وهذا الاختلاف يسلب الاعتماد على الحديث لا سيما إذا كان الراوي ممن لا يجيد القراءة والكتابة فيضع لفظاً مكان لفظ آخر.

الثاني: انّ مجموع الصور تثبت الروَية بالعين الباصرة وانّ الموَمنين يرونه سبحانه كروَية أحدنا للآخر مع أنّه يستلزم أن يكون سبحانه جسماً وله جهة وآثار مادية وذلك انّ الروَية قائمة بأُمور ثمانية:

۱. سلامة الحاسة، ۲. المقابلة أو حكمها كما في روَية الصور المنطبعة في المرآة، ۳. عدم القرب المفرط، ۴. عدم البعد كذلك، ۵. عدم الحجاب بين الرائي والمرئي، ۶. عدم الشفافية فانّ ما لا لون له كالهواء لا يُرى، ۷. قصد الروَية، ۸. وقوع الضوء على المرئي وانعكاسه منه إلى العين.

فلو قلنا بأنّ هذه الشرائط ليست إلزامية بل هي تابعة لظروف خاصة، ولكن قسماً منها يعدّ مقوماً للروَية بالاَبصار، وهو كون المرئي في حيز خاص، وتحقق نوع مقابلة بين الرائي والمرئي، وعند ذلك كيف يمكن أن تتحقق الروَية من دون بعض هذه الشرائط؟ ومع تحقق هذه، يلزم أن يكون المرئيّ جسماً أو جسمانياً، تعالى عمّا يقول الظالمون علواً كبيراً.

الثالث: ماذا يريد الراوي من قوله: فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم اللّه فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: أنت ربّنا، فمن أين يعرفون انّ الجائي هو اللّه سبحانه، وما هي أمارته وعلامته؟

وأسوأ من هذا ما في النقل الثاني: فيأتيهم اللّه في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ باللّه منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربّنا فإذا أتانا ربّنا عرفناه، فيأتيهم اللّه في الصورة التي يعرفون.

فهل للّه تبارك وتعالى صور متعددة تعرف بعضها وينكر البعض الآخر؟ فكيف يعرفون انّ بعضاً منها صورته دون البعض الآخر؟ فهل شاهدوا تلك الصور في الدنيا أو في البرزخ؟

الرابع: انّما نقله مسلم عن أبي سعيد الخدري أسوأ حالاً من سابقيه، فماذا يريد الراوي من قوله: «فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق، فلا يبقى من كان يسجد للّه من تلقاء نفسه...»؟ فانّ معناه انّ الموَمنين والمنافقين يعرفونه سبحانه بساقه، فكانت هي الآية الدالة عليه. فهل للّه سبحانه ساق، يكشف يوم القيامة عنها؟

الخامس: كفى في ضعف الحديث ما علق عليه العلاّمة السيد شرف الدين ص حيث قال : إنّ الحديث ظاهر في أنّ للّه تعالى جسماً، ذا صورة مركبة تعرض عليها الحوادث من التحول والتغير، وانّه سبحانه ذو حركة و انتقال، يأتي هذه الاَُمّة يوم حشرها، وفيها موَمنوها ومنافقوها، فيرونه بأجمعهم ماثلاً لهم في صورة غير الصورة التي كانوا يعرفونها من ذي قبل، فيقول لهم: أنا ربّكم، فينكرونه متعوذين باللّه منه، ثمّ يأتيهم مرّة ثانية في الصورة التي يعرفون، فيقول لهم: أنا ربّكم، فيقول الموَمنون والمنافقون جميعاً:

نعم، أنت ربنا و إنّما عرفوه بالساق إذ كشف لهم عنها، فكانت هي آيته الدالة عليه، فيتسنّى حينئذٍ السجود للموَمنين منهم دون المنافقين وحين يرفعون روَوسهم يرون اللّه ماثلاً بصورته التي يعرفون لا يمارون فيه، كما كانوا في الدنيا لا يمارون في الشمس والقمر، ماثلين فوقهم بجرميهما النيرّين ليس دونهما سحاب. (۸۷)

۱۱. لا تملاَ النار حتى يضع الربُّ رجله فيها

أخرج مسلم في صحيحه، عن الاَعرج، عن أبي هريرة ،عن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» قال:تحاجت النّار والجنّة، فقالت النار: أُوثرتُ بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: فمالي لا يدخلني إلاّ ضعفاء النّاس وسقطهم وعجزهم، فقال اللّه للجنّة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكلّ واحدة منكم ملوَها، فأمّاالنّار فلا تمتلىَ فيضع قدمه عليها فتقول: قط قط فهنالك تمتلىَ ويزوى بعضها إلى بعض. (۸۸)

وفي الحديث ملاحظات ربما تجعله في مدحرة البطلان:

الاَُولى: أي فضل في المتكبرين والمتجبرين حتى تفتخر بهم النار، ثُمّ ومن أين علمت الجنة بأنّ الفائزين بها من عجزة الناس مع أنّه سبحانه أعدّها للنبيين والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين؟!

الثانية: ثمّ هل للجنة والنار عقل ومعرفة بمن حلّ فيهما من متجبر ومتكبر أو ضعيف وساقط من الناس؟

الثالثة: انّه سبحانه قد أخبر بأنّه يملاَ جهنم بالجِنّة والناس لا برجله تعالى كما قال سبحانه: (لاََمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعين) (ص/۸۵)، وقال: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاََمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعين)(هود/۱۱۹).

وعلى ذلك فالموعود هو امتلاء جهنم بهما، وما هو المتحقق فإنّما هو امتلاء النار بإدخال رجل الرب فيها، فما وُعد لم يتحقق، وما تَحقق لم يُعْد.

رابعاً: هل للّه سبحانه رجل أكبر وأوسع حتى تمتلىَ بها نار جهنم بحد يضيق الظرف عن المظروف فينادي بقوله: قط قط.

فالحديث أشبه بالاَُسطورة وقد صاغها الراوي في ثوب الحديث عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فجنى به على الرسول وحديثه وسوّد صحائف كتب الحديث وصحيفة عمره ـ أعاذنا اللّه من الجهل المطبق، والهوى المغري ـ.

۱۲. نزول الرب كلّليلة إلى السماء الدنيا

أخرج البخاري في صحيحه، عن أبي عبد اللّه الاَغر وأبي سلمة بن عبد الرحمان، عن أبي هريرة:

إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: يتنزّل ربنا تبارك وتعالى كلّليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له. (۸۹)

وفي الحديث تساوَلات

أوّلاً: انّ ربّنا هو الغفور الرحيم وهو القائل عزّ من قائل: (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيم) (المائدة/۳۹).

والقائل تبارك وتعالى: (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحيم) (المائدة/۷۴).

والقائل سبحانه: (قُلْ ياعِباديَ الَّذِينَ أَسْـرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُالذُّنُوبَ جَميعاً) (الزمر/۵۳).إلى غير ذلك من الآيات التي تكشف عن سعة رحمته لعموم مغفرته.

كما انّه سبحانه وعد عباده بأنّه يستجيب دعاء من دعاه ويقول: (ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر/۶۰) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على قُرب المغفرة من المستغفرين، والاِجابة من اللّه سبحانه للسائلين آناء الليل والنهار فأي حاجة إلى نزول الرب الجليل من عرشه الكريم إلى سماء الدنيا وندائه بقوله: « من يدعوني فاستجيب له».

ثانياً: تعالى ربّنا عن النزول والصعود والمجيء والذهاب والحركة والانتقال وسائر العوارض والحوادث، وقد صار هذا الحديث سبباً لذهاب الحشوية إلى التجسيم والسلفية إلى التشبيه، وإن كنت في شكّ فاستمع لكلام من أحيى تلك الطريقة بعد اندثارها وانطماسها، يقول الرّحالة ابن بطوطة في رحلته:

وكان بدمشق من كبار فقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية كبير الشام يتكلم في فنون، إلاّ أنّ في عقله شيئاً، وكان أهل دمشق يعظّمونه أشدّالتعظيم، ويعظهم على المنبر، وتكلم مرّة بأمر أنكره الفقهاء...ورفعوه إلى الملك الناصر فأمر بإشخاصه إلى القاهرة، وجمع القضاة والفقهاء بمجلس الملك الناصر، وتكلم شرف الدين الزواوي المالكي، وقال: «إنّهذا الرجل قال كذا وكذا» وعدّد ما أُنكر على ابن تيمية، وأُحضر الشهود بذلك ووضعها بين يدي قاضي القضاة.

قال قاضي القضاة لابن تيمية: ما تقول؟ قال: لا إله إلاّاللّه، فأعاد عليه فأجاب عليه بمثل قوله: فأمر الملك الناصر بسجنه، فسجن أعواماً وصنف في السجن كتاباً في تفسير القرآن سماه بـ «البحر المحيط».

ثمّ إنّ أُمّه تعرضت للملك الناصر، وشكت إليه فأمر بإطلاقه إلى أن وقع منه مثل ذلك ثانية، وكنت إذ ذاك بدمشق، فحضرتُه يوم الجمعة، وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم، فكان من جملة كلامه أن قال: إنّاللّه ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا،ونزل درجة من درج المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزاهراء، وأنكر ما تكلّم به، فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالاَيدي والنعال ضرباً كثيراً. (۹۰) سيوافيك في ترجمة جبير بن مُطْعِم، حديث الاِمام الطاهر موسى بن جعفر (عليهما السلام) حول نزول الربّ فانتظر.

۱۹. النبي يوَذي ويجلد ويسبّ ويلعن من لا يستحق

أخرج البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة انّه سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: فأي موَمن سببُته فاجعل ذلك قربة إليك يوم القيامة. (۹۱)

وأخرج مسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» :

اللّهمّ إنّما أنا بشر فأيما رجل من المسلمين سببته أولعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة.

وفي رواية أُخرى: فإنّما أنا بشر فأيّ الموَمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة. (۹۲)

وقد أخرجها مسلم بطرق كثيرة.

كما أخرجها أيضاً في صحيحه عن أبي سفيان عن جابر. (۹۳)

وموردها لا يخلو عن صورتين:

الاَُولى: أن يصدر السب واللعن والجلد من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مبرّر شرعي كما إذا قامت البينة على استحقاق شخص للّعن والسبّ والجلد ولكن كانت البينة كاذبة فعند ذلك يرجع التقصير إلى البينة لا إلى النبي الاَعظم حتى يسأل الرب بجعله له زكاة ـ مضافاً ـ إلى أنّ هذه الصورة لا تناسب صدر الرواية على بعض صورها، لاَنّه يقول : اللّهمّ إنّما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر، ومعناه انّه ربما يستفزّه الغضب إلى جلد من لا يستحق الجلد، بلا مبرّر شرعي، وهكذا الحال في اللعن والسب.

الثانية: أن يصدر كلّ ذلك بلا مبرّر شرعي كما هو الظاهر من قوله: «إنّما محمد بشر يغضب» فتعرَّف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه إنسان عادي ربما يغضب بلا مبرّر ويلعن ويسب كذلك، وعندئذ تكون الرواية مردودة لوجوه:

۱. لو صحّ الفرض يكون النبي عندئذٍ عاصياً في فعله غير معصوم من الذنب في هذه الحالة، ومرتكباً (العياذ باللّه) للقبيح وخارجاً عن طاعة اللّه سبحانه، فهل يجوز لمسلم أن ينسب إليه تلك الفرية الشائنة؟

كيف وهو أفضل الخليقة وأشرف أنبياء اللّه ورسله الذين وصفهم اللّه سبحانه بقوله:(غَيْرِ المَغْضُوبِعَلَيْهِمْ وَلا الضّالّين)، (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدِّيقينَ وَالشُّهَداءِ والصّالِحينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً)(النساء/۶۹).

۲. كيف تصف الرواية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه بشر يغضب كما يغضب البشر مع أنّ المروي عن طريق عبد اللّه بن عمرو خلافه.

روى عبد اللّه بن عمرو، قال: كنت أكتب كلّشيء أسمعه من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أُريد حفظه فنهتني قريش وقالوا:

أتكتب كلّ شيء تسمعه، ورسول اللّه يتكلم في الرضا والغضب، فأمسكت عن الكتابة، وذكرت ذلك لرسول اللّه، فأومأ باصبعه إلى فيه، وقال: اكتب فوالذي نفسي بيده لا يخرج عنه إلاّ حقّ.

وفي رواية أُخرى: قلت: يا رسول اللّه أكتب كلّ ما أسمع منك؟ قال: نعم. قلت: في الرضا والغضب؟ قال: نعم، فإنّي لا أقول في ذلك كلّه إلاّحقّاً. (۹۴)

۳. كيف يسبّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو يلعن أو يجلد أو يوَذي، وقد قال سبحانه:(وَالَّذِينَ يُوَْذُونَ المُوَْمِنِينَ وَالمُوَْمِناتِ بِغَيِْر مَااكْتَسَبُوا فَقَد احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (الاَحزاب/۵۸).

كيف يمكن وصف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما جاء في هذه الرواية من أنّه ربما يشتم ويسبَّ وهو القائل: «سباب الموَمن فسوق». (۹۵)

والروايات في ذم السب و اللعن بغير مبرر كثيرة.

ولعلّ السبب من وضع هذا الحديث هو التقرب إلى آل أبي عاص و سائر بني أُمية حتى يتدارك بذلك ما ثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من لعنهم وسبّهم كما في قوله تعالى:(وَما جَعَلْنَا الرُوَْيَا الّتِي أَرَيْناكَ إِلاّفِتْنَةً لِلنّاسِ وَالشَّجَرةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاّطُغْياناً كَبِيراً)(الاسراء/۶۰).

والشجرة الملعونة هي الاَُسرة الاَموية أخبره اللّه تعالى بتقلبهم على الحكم وقتلهم ذريته، وعيثهم في أُمته، فما روَي النبيمستجمعاً ضاحكاً حتى توفي كما رواه الحاكم في مستدركه. (۹۶)

فعند ذلك صار بنو أمية وبنو العاص كلّهم ملعونين إلاّمن ثبت إيمانه وقد أخرج الحاكم انّ الحكم بن أبي العاص استأذن عليه مرّة فعرف (صلى الله عليه وآله وسلم) صوته وكلامه، وقال: ائذنوا له، عليه لعنة اللّه وعلى من يخرج من صلبه إلاّ الموَمن منهم. (۹۷)

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا بلغ بنو أُمية أربعين، اتخذوا عباد اللّه خولاً، و مال اللّه نحلاً، وكتاب اللّه دغلاً. (۹۸)

وكان لا يولد لاَحد مولود إلاّ أُوتي به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فدعا له، فأُدخل عليه مروان بن الحكم فقال: هو الوزغ ابن الوزغ، الملعون ابن الملعون. (۹۹)

إلى غير ذلك من الروايات الصادرة في العهد النبوي عنهص حيث يلعن فيها النبي طائفة، فأراد أبو هريرة بوضع هذا الحديث التقرب إليهم.

۲۰. التلاعب بحديث بدء الدعوة

أخرج البخاري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمان، انّ أبا هريرة قال:

قام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أنزل اللّه عزّ وجلّ: (وَأَنْذِرْ عََشيرَتَكَ الاََقْرَبِين) (الشعراء/۲۱۴)، قال: يا معشر قريش ـ أو كلمة نحوها ـ اشتروا أنفسكم لا أُغني عنكم من اللّه شيئاً، يا بني عبد مناف لا أُغني عنكم من اللّه شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من اللّه شيئاً، ويا عمة رسول اللّه لا أغني عنك من اللّه شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مال لا أغني عنك من اللّه شيئاً. (۱۰۰)

نلفت نظر القارىَ الكريم إلى أُمور:

الاَوّل: انّ الآية نزلت في السّنة الثالثة من البعثة في مكة المكرمة أي قبل ۱۷ عاماً من إسلام أبي هريرة.

فكيف هو يقول: قام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أنزل اللّه عزّ وجلّ:(وَأَنْذِرْ عَشيرتَكَ الاََقْربين) وهل هذا إلاّ تدليس حيث يشهد على الروَية والسماع ولم يكن واحد منهما ؟ ولذلك قالوا: إنّأبا هريرة كان يدلس.

الثاني: الظاهر ممّا رواه الطبري وغيره انّ المدعوين كانوا رجال البيت الهاشمي ولم يشارك فيها أحد من النساء، فقد بلغ عدد القوم إلى ۴۵ رجلاً، فكيف يخاطب النبي عمته صفية وبنته فاطمة (عليها السلام)؟!

الثالث: انّالمشهور انّ فاطمة(عليها السلام) قد ولدت في العام الخامس من البعثة وقد كان بدء الدعوة في العام الثالث في مكة المكرمة فكيف يخاطب اِبنته التي لم تولد. ولو افترضنا أنّها ولدت قبل ذلك العام فلم تكن في بدء الدعوة على مبلغ النساء الكبار حتى تخاطب بما جاء في الرواية،وقد تزوجت بعليّ (عليه السلام) في العام الثاني للهجرة أي بعد اثنتي عشرة سنة من قصة بدء الدعوة، فكيف تكون آنذاك على مبلغ النساء الكبار صالحة له لتلقي الخطاب الوارد فيه؟!

الرابع: انّالخطاب المناسب لبدء الدعوة هو الدعوة إلى توحيده سبحانه ورسالته وإلى الاعتقاد بيوم المعاد ليدخلهم في حضيرة الاِيمان، والقوم بعدُ غير موَمنين بتوحيده وجزائه، فكيف يخاطب واحداً بعد واحد بأنّي لا أغني عنكم من اللّه شيئاً؟ فإنّ هذا الخطاب يناسب دعوة الموَمنين الذين آمنوا باللّه ورسله.

الخامس: انّ أبا هريرة تصرف بالرواية فلم يذكر ما هو الواقع المهمّ في تلك الحادثة، وقد نقل المحدّثون والموَرخون ما خطبه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الحشد العظيم الذي كان يشكِّل معظم رجال بني هاشم، فقال: مخاطباً إياهم بقوله: «إنّ الرائد لا يكذب أهله، واللّه الذي لا إله إلاّهو انّي رسول اللّه إليكم خاصة وإلى الناس عامة، واللّه لتموتُنَّ كما تنامون، و لتبعثُنَّ كما تستيقظون، ولتحاسبُنَّ بما تعملون، وانّها الجنَّة أبداً والنار أبداً».

ثمّ قال:

«يا بني عبد المطلب انّي واللّهما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، انّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللّه عزّوجلّ أن أدعوكم إليه، فأيّكم يوَمن بي ويوَازرني على هذا الاَمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟

ولما بلغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هذه ـ أمسك القوم وسكتوا عن آخرهم إذ كان واحد منهم يفكِّر في ما يوَول إليه هذا الاَمر العظيم، وما يكتنفه من أخطار ـ قام علي (عليه السلام) فجأة وهو آنذاك في الثالثة أو الخامسة عشرة من عمره، وقال وهو يكسر بكلماته الشجاعة جدار الصمت والذهول:

أنا يا رسول اللّه أكون وزيرك على ما بعثك اللّه.

فقال له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): اجلس، ثمّكرّر دعوته ثانية وثالثة، وفي كلّمرّة يحجم القوم عن تلبية مطلبه، ويقوم علي و يُعلن عن استعداده لموَازرة النبي، ويأمره رسول اللّه بالجلوس، حتى إذا كان في المرة الثالثة أخذ رسول اللّه بيده والتفت إلى الحاضرين من عشيرته الاَقربين وقال:«إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم (أو عليكم) فاسمعوا له، وأطيعوا».

فقام القوم يضحكون، ويقولون لاَبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع وجعله عليك أميراً. (۱۰۱)

ترى أنّ أبا هريرة أسقط ما هو المهم في تلك الواقعة من إضافة الوصاية والوزارة لعلي في بدء الدعوة، وقد أعرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ الاِمامة والنبوة توأمان لا يتخلفان بمعنى أنّ لكل نبي خليفة.

۲۱. إيقاع الفعل في وقت لا يسعه

أخرج البخاري عن همام، عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال:

خُفِّفَ على داود القراءة، فكان يأمر بدابته لتُسرج، فكان يقرأ قبل أن يفرغ يعني القرآن. (۱۰۲)

وفي الحديث إشكالان واضحان:

الاَوّل:إنّما نزل الزبور على داود والقرآن على محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) قال سبحانه:(وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (الاِسراء/۵۵) وقال سبحانه: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا القُرآن لاَُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغ) (الاَنعام/۱۹).

فكيف يقرأ داود ما لم ينزل عليه؟ اللّهم إلاّإذا أُريد من القرآن زبوره، لكنّه على خلاف الظاهر.

والثاني: كيف يمكن قراءة القرآن أو الزبور في وقت لا يسعه؟ فانّ إمكان إيقاع الفعل في زمان يسعه شرط عقلي لا مناص عنه، فكما يمتنع وضع الدنيا في البيضة، فهكذا يمتنع قراءة ما يستغرق زمناً طويلاً في مدة قصيرة مهما عجّل في القراءة.

۲۲. أُمّة مُسخت فأراً

أخرج مسلم في صحيحه، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم):

فُقدت أُمّة من بني إسرائيل لا يُدرى ما فعلت ولا أراها إلاّ الفأر ألا ترونها إذا وضع لها ألبان الاِبل لم تشربه، وإذا وضع لها ألبان الشاء شربته.

قال أبو هريرة فحدثت هذا الحديث كعباً، فقال: أنت سمعته من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟

قلت: نعم، قال: ذلك مراراً.

قلتُ: أ فأقرأ التوراة، قال إسحاق في روايته لا ندري ما فعلتْ. (۱۰۳)

أقول: إنّ نبي العظمة لا يتكلم إلاّعن وحي فما جاء في الرواية من الاستدلال يخالف ذلك الاَصل بالكلية، وذلك لاَنّ حصيلة الاستدلال هو انّ تلك الاَُمّة المفقودة مُسخت فأراً بشهادة اشتراك الفأر مع الاِنسان في خصيصة، وهي إذا وضع بين يدي الفأر لبن الشاة فتشربه وإذا وضع بين يديها لبن الاِبل فلا تشربه.

وهذا النوع من الاستدلال لا يركن إليه إلاّ الاِنسان المغفّل.

أوّلاً: انّ لازم ذلك انّه لم يكن للفأر أي وجود قبل مسخ هذه الاَُمّة وإنّما خلقه سبحانه حينما مسخت تلك الاَُمّة، ولو قيل بوجودها قبله لبطل الاستدلال من رأس.

وثانياً: انّه لا مانع من أن يكون بين الاِنسان وبعض أصناف الحيوان وجه اشتراك في بعض الاَُمور، فلا يدل ذلك على اشتقاق أحدهما من الآخر.

ولعمري انّ الجبين يندى من هذه الخرافة التي تسرّبت إلى كتب الحديث.

۲۳. أبو طالب أبى النطق بالشهادتين عند الموت

أخرج مسلم عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم الاَشجعي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمه:

قل لا إله إلاّاللّه أشهد لك بها يوم القيامة، قال: لولا أن تُعيِّرني قريش، يقولون: إنّما حمله على ذلك الجزع لاَقررت بها عينك، فأنزل اللّه: ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاء) (القصص/۵۶).

وأخرج أيضاً عن يزيد بن كيسان، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمِّه عند الموت:

قل لا إله إلاّاللّه أشهد لك بها يوم القيامة، فأبى فأنزل اللّه: (إنّك لا تَهدي مَنْ أَحْبَبْت) . (۱۰۴)

أقول: إنّ ذلك الحديث ممّا تكذّبه القرائن الكثيرة الدالة على إسلام أبي طالب ويمكن أن نلخصها في ثلاثة طرق:

۱. دراسة ما خلّف من الآثار العلمية و الاَدبية.

۲. الاَُسلوب العملي الذي نهجه في المجتمع.

۳. آراء أقربائه وأصحابه.

ونحن نستطيع إثبات إيمان أبي طالب من خلال هذه الطرق.

فإنّ الاَشعار (۱۰۵) والخطب التي خلّفها أبو طالب تدل بجلاء لا لبس فيه على إيمانه وإخلاصه.

كما انّسيرته العملية وسلوكه المتميز في السنين العشر الاَخيرة من عمره خير شاهد على إيمانه العميق وصلته الوثيقة باللّه سبحانه.

وكم له من المواقف الجليلة مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟

فانّإيمانه بابن أخيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كان عميقاً إلى درجة انّه أخذه إلى المصلّى واستسقى به، مُقسماً به على اللّه تعالى أن يكشف العذاب عن قومه، ويرسل رحمته عليهم فاستجاب اللّه دعاءه وأنزل عليهم غيثاً وافراً ممرعاً، بقيت قصته في ذاكرة التاريخ.

وأيضاً كان إيمان أبي طالب برسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) راسخاً بمكان انّه جازف بحياة أبنائه للحيلولة دون تعرض رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لخطر القتل والاغتيال ولئلا يمسّه أعداءه بسوء، فكان يضجع ولده علياً في فراشه كي لا يصيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أيُّ مكروه.

ورغم ذلك كلّه، فقدأوصى أولاده حين وفاته قائلاً:

«أُوصيكم بمحمد خيراً فإنّه الاَمين في قريش، وهو الجامع لكلّمن أُوصيكم به، وقد جاء بأمر قبله الجنان وأنكره اللسان، مخافة الشنئان، وأيم اللّه لكأني أنظر إلى صعاليك العرب، وأهل البرّ في الاَطراف، والمستضعفين من الناس، قد أجابوا دعوته، وصدّقوا كلمته، وعظّموا أمره، فخاض بهم غمرات الموت، فصارت قريش وصناديدها أذناباً، ودورها خراباً، وضعفاوَها أرباباً، وإذا أعظمهم عليه، أحوجُهم إليه، وأبعدهم منه أحظاهم عنده». (۱۰۶)

وأخيراً فيجدر بنا أن نسأل أقاربه المقربين حول إيمانه، لاَنّ أهل البيت أدرى بما في البيت.

لما مات أبو طالب جاء علي (عليه السلام) إلى رسول اللّهفآذنه بموته، فتوجع توجعاً عظيماًوحزن حزناً شديداً، ثمّ قال له امض فتولّغسله، فإذا رفعته على سريره فاعلمني، ففعل فاعترضه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو محمول على روَوس الرجال، قال: «وصلتْك رحم يا عم، وجزيت خيراً! فلقد ربّيت وكفّلت صغيراً، ونصرت وآزرت كبيراً».

ثمّ تبعه إلى حفرته، فوقف عليه مخاطباً إياه، قائلاً:

«أما واللّه لاستغفرنَّ لك، ولاَشفعنَّ فيك شفاعة يعجب لها الثقلان». (۱۰۷)

وفي الختام انظر إلى صلافة الرجل كيف يحكي القصة، فكأنّه كان حاضراً في المجلس، فعرض النبي الشهادة على عمه فأبى، مع أنّ أبا طالب التحق بالرفيق الاَعلى سنة ۱۰ للبعثة قبل الهجرة بثلاث سنين، في حين أسلم أبو هريرة في العام السابع من الهجرة، وبذلك يتحقق ما ذكرناه من أنّ أبا هريرة كان يدلس.

ولا شكّ انّ ما رواه من الموضوعات لصالح الجهاز الاَموي الحاكم للحطّ من شأن الاِمام أمير الموَمنين علي (عليه السلام) برمي أبيه بالكفر حين وفاته.

۲۴. أبو هريرة ينسب ما سمعه عن الفضل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

أخرج مسلم في صحيحه، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمان، عن أبي بكر، قال: سمعت أبا هريرة يقصّ يقول في قصصه: من أدركه الفجر جنباً فلا يصم.

فذكرت ذلك لعبد الرحمان بن الحارث(لاَبيه) فأنكر ذلك، فانطلق عبد الرحمان وانطلقت معه حتى دخلنا على عائشة وأُمّ سلمة ـ رضي اللّه عنهما ـ فسألهما عبد الرحمان عن ذلك، قال: فكلتاهما قالت: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يصبح جنباً من غير حلم (۱۰۸) ثمّ يصوم.

قال: فانطلقنا حتى دخلنا على مروان فذكر ذلك له عبد الرحمان، فقال مروان: عزمت عليك إلاّما ذهبت إلى أبي هريرة فرددت عليه ما يقول. (۱۰۹)

قال: فجئنا أبا هريرة وأبو بكر حاضر ذلك كلّه، قال: فذكر له عبد الرحمان.

فقال أبو هريرة: أهما قالتاه لك، قال: نعم، قال: هما أعلم ثمَّ ردّ أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن العباس، فقال أبو هريرة: سمعت ذلك من الفضل، ولم أسمعه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قال: فرجع أبو هريرة عمّا كان يقول في ذلك، قلت لعبد الملك: أقالتا في رمضان، قال: كذلك كان يصبح جنباً من غير حلم ثمّ يصوم. (۱۱۰)

وعلى هذا لا يبقى أي اعتماد بأحاديثه إذ ينسب ما سمعه من كعب إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وما سمعه من الفضل إليه أيضاً، فبهذه التدليسات الواضحة يخرج عن كونه ثقة في الحديث، أُسوة في الرواية.

۲۵. إبراهيم يخاصم ربّه

أخرج البخاري عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا رب انّك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، فيقول اللّه: إنّي حرّمت الجنة على الكافرين. (۱۱۱)

وفي الحديث تساوَلات وتأملات يجعلها في عداد الموضوعات:

الاَوّل: يتضمن الحديث انّ إبراهيم كان يتصور بأنّ عذاب أبيه يوم القيامة يعود عليه بالخزي، وذلك مما لا يتخيّله مسلم واع فكيف بإبراهيم خليل الرحمن، لاَنّه سبحانه أعلن منذ بدء الخليقة انّه خلق الجنة للموَمنين والنار للكافرين.

الثاني: انّه سبحانه : يحكي انّإبراهيم تبرّأ من أبيه بعد ما تبين انّه عدو للّه قال سبحانه: (ما كانَ للنّبي والّذينَ آمَنُوا أَنْيَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكينَ وَلَو كانُوا أُولي قُربى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنّهُمْ أَصحابُ الجَحيم* وَ ما كان اسْتِغْفارُ إِبْراهيمَ لاََبيهِ إِلاّ عَنْ مَوعِدِةٍ وَعَدَها إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ أنّهُ عَدُوٌّ للّهِ تَبَـرّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبراهيمَ لاََوّاهٌ حَليم) (التوبة/۱۱۳ـ ۱۱۴).

وسياق الآية يكشف عن أنّ التبري كان في الحياة الدنيا، ومع ذلك فكيف يطلب له النجاة يوم القيامة ويشتكي إلى اللّه تبارك وتعالى؟!

وللعسقلاني كلام نذكره بنصه: اختلفوا في الوقت الذي تبرأ فيه إبراهيم من أبيه فقيل: كان ذلك في الحياة الدنيا لما مات آزر مشركاً، وهذا أخرجه الطبري من طريق حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس و اسناده صحيح، وفي رواية: «فلما مات لم يستغفر له»، و من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس نحوه، قال: «استغفر له ما كان حياً فلما مات أمسك» و أورده أيضاً من طريق مجاهد وقتادة و عمرو بن دينار نحو ذلك، وقيل إنّما تبرأ منه يوم القيامة لما يئس منه حين مسخ على ما صرح به في رواية ابن المنذر التي أشرت إليها. (۱۱۲)

وضعف الوجه الثاني واضح، لاَنّه على خلاف سياق الآية، والآية بصدد تعليم أصحاب الرسول من أنّه ليس لهم الاستغفار للمشركين اقتداء بإبراهيم حيث إنّه بعد ما تبيّن انّ أباه عدو للّه تبرأ منه ولم يستغفر إلى آخر حياته فيجب أن يقتدوا به، فجعل ظرف التبري يوم القيامة مخالف لسياق الآية.

قال الرازي في تفسيره في وصف إبراهيم (عليه السلام) بالاَواه والحليم ما لفظه:

اعلم انّه تعالى إنّما وصفه بهذين الوصفين في هذا المقام، لاَنّه تعالى وصفه بشدة الرقة والشفقة والخوف والوجل، ومن كان كذلك فانّه تعظم رقته على أبيه وأولاده، فبيّن تعالى انّه مع هذه العادة، تبرّأ من أبيه وغلظ قلبه عليه لما ظهر له إصراره على الكفر فأنتم بهذا المعنى، أولى ولذلك وصفه أيضاً بأنّه حليم، لاَنّ أحد أسباب الحلم رقة القلب وشدة العطف لاَنّ المرء إذا كان حاله هكذا، اشتد حلمه عند الغضب. (۱۱۳)

وربما يقال انّاللّه إذا أدخل أباه النار فقد أخزاه لقوله سبحانه:(رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَفَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظّالِمينَ مِنْ أَنْصار ) (آل عمران/۱۹۲).

وخزي الوالد خزي الولد فيلزم الخلف في الوعد. (۱۱۴)

وما ذكره أخيراً توهم باطل، لاَنّه سبحانه قطع الصلة بين الكافر و المسلم قال سبحانه:(وَنادىنُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْـحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمينَ* قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِح )(هود/۴۵ـ۴۶).فلا يعود خزي الوالد إلى الولد، بعد انقطاع الصلة، كما لا يعود خزي أبي لهب إلى النبي الاَعظمص.

۲۶. دخول امرأة في النار بسبب هرّة

أخرج البخاري في صحيحه، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

دخلت امرأة النار في هرّة ربطتها فلم تُطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الاَرض. (۱۱۵)

وأخرج مسلم أيضاً في صحيحه، عن هشام، عن أبيه، عن أبي هريرة، انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

عُذِّبت امرأة في هرة لم تُطعمها ولم تُسقها ولم تتركها تأكل من خشاش الاَرض. (۱۱۶)

أقول: إنّ قوله: في هرّة بمعنى بسبب هرة.

وقد استشهد الاَُدباء بهذا الحديث على أنّ «في» تأتي بمعنى «اللام» وعلى هذا فيجب أن تكون المرأة مسلمة موَمنة حتى يكون الحبس هو السبب الوحيد لدخولها في النار ولا يصحّ حملها على الكافرة، لاَنّها تدخل النار سواء حبست أم لا، وعلى ذلك فكيف يُدخل سبحانه عبداً موَمناً النار بسبب قتل هرّة؟

أخرج أحمد في مسنده، عن الشعبي، عن علقمة، قال: كنّا عند عائشة فدخل أبو هريرة فقالت: أنت الذي تحدث انّ امرأة عذبت في هرّة لها ربطتها فلم تطعمها ولم تسقها ؟ فقال: سمعته منه، يعني النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قال عبد اللّه بن أحمد: كذا قال أبي.

فقالت: هل تدري ما كانت المرأة؟ انّ المرأة مع ما فعلت كانت كافرة، و انّ الموَمن أكرم على اللّه عزّ وجلّ من أن يعذبه في هرّة، فإذا حدثتَ عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فانظر كيف تحدّث. (۱۱۷)

وكلام السيدة عائشة لا يخلو عن نقاش، فانّ ظاهر الحديث انّ سبب الدخول هو الحبس لا الكفر، فلو كانت كافرة فهي تدخل النار على كل حال سواء حبست الهرة أم لم تحبسها، فالحديث رواية مصطنعة اختلقتها يد الدّس لا سيما انّ أبا هريرة كان له شغف كبير بالهرة حيث كان يلعب بها، فلما وقف انّ امرأة قامت بهذا العمل عزَّ عليه قتل الهرة فصنع ذلك الحديث.

۲۷. في جناحي الذبابة داء وشفاء

أخرج البخاري في صحيحه عن عبيد بن حنين، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثمّ لينزعه، فانّ في إحدى جناحيه داءً والاَُخرى شفاءً. (۱۱۸)

ومعنى الحديث: فليغمسه كلّه حتى يغسل كلا الجناحين بالماء ويقابل الداء بالدواء، وقوله: ثمّ لينزعه إشارة إلى انّالماء سيشرب و المرق يوَكل بعد طرحها.

وعلى ذلك فأحد جناحي الذباب داء وفي الجناح الآخر دواء فيزول ذلك الداء بفضل الدواء عند غمس كلا جناحيه.

هذا هوالمفهوم من الرواية.

والاعتقاد بصحّة الحديث مشكل جدّاً وقد كشف العلم من أنّ الذباب يحمل في جناحيه الجراثيم المهلكة والمضرة، ولم أر أحداً من العقلاء، يتفوّه بهذه المقالة.

مضافاً إلى أنّ الذباب قذر تتنفر القلوب من روَيته، فكيف يأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بغمسه إذا سقط في الماء الذي فيه طعام أو شراب، ثمّ أكل أو شرب ما في ذلك الاِناء؟!

هذه إلمامة عابرة بروايات أبي هريرة التي تركت مضاعفات خطيرة على الحديث النبوي.

ومن تفحص ما رواه في الجنة والنار و ما يقصه من بني إسرائيل لوقف على أنّ أبا هريرة كان قصّاصّاً ذا خيال واسع يخلق أساطير في أبواب مختلفة ويسوقها في قالب الحديث، فمن أراد التفصيل فليدرس رواياته في الصحيحين.

المصدر: الحديث النبوي بين الرواية والدراية / تأليف: العلاّمة المحقّق جعفر السبحاني

۱. سير أعلام النبلاء: ۲/۵۷۸ برقم ۱۲۶.

۲. ابن قتيبة: المعارف:۱۵۸.

۳. الطبقات الكبرى لابن سعد:۴/۳۲۹. وقد جرت سنّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على تبديل الاَسماء والكُنى غير الحسنة، إلى الحسنة منهما ولكنّهص أبقى كنية أبي هريرة على حالها و لم يُغيّرها، فما هو السرّ في ذلك؟!

۴. سير أعلام النبلاء:۲/۵۸۹.

۵. مسند أحمد:۲/۴۷۵و مختصر تاريخ ابن عساكر:۲۹/۱۸۲.

۶. مختصر تاريخ ابن عساكر:۲۹/۱۸۱.

۷. سير أعلام النبلاء:۲/۵۷۸ برقم ۱۲۶.

۸. سير أعلام النبلاء:۲/۵۷۸ برقم ۱۲۶.

۹. مختصر تاريخ ابن عساكر: ۲۹/۱۹۱.

۱۰. سير أعلام النبلاء: ۲/۵۹۹.

۱۱. انظر المسند الجامع:۱۶ و۱۷و۱۸، ولكن المسند الجامع ليس بجامع لا في هذا المورد، ولا في موارد أُخر، وقد وقفنا على روايات لاَبي هريرة في الصحيحين والسنن لم تُذكر في الجامع.

۱۲. ابن قتيبة، المعارف، ص ۱۵۸.

۱۳. أبو نعيم، حلية الاَولياء:۱/۳۸۴.

۱۴. سير أعلام النبلاء:۲/۶۱۵.

۱۵. المصدر السابق:۲/۶۱۷ـ ۶۱۸.

۱۶. الحاكم النيسابوري، المستدرك:۳/۵۰۸و۵۱۲.

۱۷. الحاكم النيسابوري، المستدرك:۳/۵۰۸و۵۱۲.

۱۸. كذا في المصدر الصحيح ثمّ يقبضه إليه.

۱۹. سير أعلام النبلاء: ۲/۵۹۵.

۲۰. فتح الباري: ۱/۱۰۴.

۲۱. سير أعلام النبلاء: ۲/۶۰۱.

۲۲. سير أعلام النبلاء: ۲/۶۰۱.

۲۳. سير أعلام النبلاء: ۲/۶۰۵.

۲۴. صحيح البخاري:۷/۶۲، ۶۳، باب وجوب النفقة على الاَهل والعيال من كتاب النفقات.

۲۵. مسند أحمد: ۲/۲۵۲.

۲۶. سير أعلام النبلاء: ۲/۶۰۷.

۲۷. مختصر تاريخ ابن عساكر:۲۹/۱۹۵ـ ۱۹۶.

۲۸. صحيح البخاري: ۱/۳۱، باب حفظ العلم من كتاب الايمان.

۲۹. انظر سير أعلام النبلاء:۲/۶۰۸ قسم التعليقة.

۳۰. تاريخ الطبري: ۱/۴۴.

۳۱. تفسير ابن كثير: ۷/۲۲۱، تفسير سورة التكوير.

۳۲. مشكل الآثار: ۱/۴۸.

۳۳. صحيح البخاري: ۹/۴۲، كتاب الفتن.

۳۴. جامع الاَُصول:۱۰/۴۶۸ـ۴۷۳، باب صفة الحوض من كتاب القيامة.

۳۵. ابن الاَثير: أُسد الغابة:۵/۳۱۷، قسم الكنى.

۳۶. صحيح مسلم:۱/۳۹، باب الاَمر بقتال الناس.

۳۷. صحيح مسلم: ۱/۵۶، باب خصال المنافق.

۳۸. مسند أحمد:۲/۳۴۵.

۳۹. مسند أحمد:۲/۳۷۳.

۴۰. سنن ابن ماجة: ۲/۸۷۴ برقم ۲۶۲۰.

۴۱. سنن الترمذي: ۵/۱۷ برقم ۲۶۲۷.

۴۲. مسند أحمد:۲/۵۰۴ـ ۵۰۵.

۴۳. سنن الترمذي: ۴/۳۲۴ برقم ۱۹۲۶.

۴۴. سنن الترمذي: ۴/۱۸۵ برقم ۱۶۵۸.

۴۵. البخاري: الاَدب المفرد، ص ۱۷۰ برقم ۴۸۷.

۴۶. العفريت: العاتي المارد من الجن: الفتك: هو الاَخذ في غفلة وخديعة.

۴۷. خنقته، وفي نقل فدعته: دفعته دفعاً شديداً.

۴۸. صحيح مسلم: ۲/۷۲، باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة والآية ۳۵ من سورة ص .

۴۹. مسند أحمد:۳/۸۲.

۵۰. صحيح مسلم:۲/۷۳، باب جواز لعن الشيطان أثناء الصلاة.

۵۱. مسند أحمد:۲/۴۱۱.

۵۲. سنن أبي داود: ۳/۱۸ برقم ۲۵۳۳.

۵۳. الوسائل: ۱۱، كتاب الجهاد، الباب ۱، الحديث ۲۴، من أبواب جهاد العدو.

۵۴. المصدر نفسه، الباب ۱۲، الحديث ۱، من أبواب جهاد العدو.

۵۵. صحيح مسلم: ۸/۹۹، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب؛ صحيح البخاري:۹/۱۴۵، باب قول اللّه تعالى(يريدون أن يبدّلوا كلام اللّه) .

۵۶. وقد تضافرت الروايات عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) من أنّ المراد من التوبة النصوح هو أن يتوب الرجل من العمل السيّء ثمّ لا يعود إليه أبداً، أخرجه السيوطي عن عمر بن الخطاب، وعبد اللّه بن مسعود وابن عباس، ومجاهد، وقتادة (الدر المنثور:۸/۲۲۷).

۵۷. مسند أحمد:۳/۱۲.

۵۸. صحيح البخاري: ۱/۲۹ـ ۳۰، باب كتابة العلم، الحديث ۱۱۲.

۵۹. المصدر نفسه: ۱/۳۰، باب كتابة العلم، الحديث ۱۱۳.

۶۰. صحيح البخاري: ۱/۳۰، باب كتابة العلم.

۶۱. سنن أبي داود:۳/۳۱۸برقم ۳۶۴۶، باب في كتاب العلم؛ مسند أحمد:۲/۱۶۲؛ سنن الدارمي:۱/۱۲۵، باب من رخَّص في كتابة العلم.

۶۲. سنن الترمذي:۵/۳۹برقم ۲۶۶۶.

۶۳. لاحظ ص ۳۰۰ من هذا الكتاب.

۶۴. صحيح البخاري: ۱/۳۱، باب حفظ العلم.

۶۵. تقييد العلم، ص ۴۹.

۶۶. سير أعلام النبلاء: ۲/۶۰۰.

۶۷. صحيح مسلم:۱/۸۴ ـ۸۵، باب بيان الوسوسة في الايمان و ما يقولها من وجدها.

۶۸. صحيح مسلم:۱/۸۴ ـ۸۵، باب بيان الوسوسة في الايمان و ما يقولها من وجدها.

۶۹. مسند أحمد:۲/۵۳۹.

۷۰. صحيح البخاري: ۸/۵۰، كتاب الاستئذان، باب بدو السلام؛ صحيح مسلم:۸/۱۴۹، باب يدخل الجنة أقوام افئدتهم مثل أفئدة الطير من كتاب الجنة، ولاحظ ارشاد الساري:۵/۳۱۹ في باب خلق آدم وذرّيته من كتاب بدء الخلق، فقد جاء فيه: في سبعة أذرع عرضاً

۷۱. صحيح مسلم : ۸/۳۲، باب النهى عن ضرب الوجه من كتاب البر والصلة والآداب.

۷۲. البخاري: الاَدب المفرد، ص۷۳و۷۴ برقم ۱۷۳و۱۷۴.

۷۳. إرشاد الساري: ۵/۳۱۹.

۷۴. كتاب تأويل مختلف الحديث، ص ۱۸۰.

۷۵. عبد الحسين شرف الدين: أبو هريرة: ۶۳ـ ۶۶.

۷۶. الصدوق، التوحيد:۱۵۲ـ۱۵۳.

۷۷. صحيح البخاري:۹/۱۳۸، باب قول اللّه إنّما قولنا لشيء من كتاب التوحيد ؛ صحيح مسلم:۵/۸۷، باب الاستثناء.

۷۸. صحيح مسلم:۷/۹۹ـ۱۰۰، باب من فضائل موسى.

۷۹. صحيح البخاري: ۲/۹۰.

۸۰. صحيح البخاري: ۴/۱۵۷.

۸۱. نهج البلاغة، الخطبة ۱۹۳.

۸۲. لاحظ ص ۳۰۸.

۸۳. صحيح البخاري: ۱/۱۵۶.

۸۴. صحيح البخاري: ۸/۱۱۸.

۸۵. صحيح مسلم:۱/۱۱۳.

۸۶. صحيح مسلم:۱/۱۱۵، باب معرفة طريق الروَية.

۸۷. كلمة حول الروَية، لشرف الدين العاملي، ص۶۵.

۸۸. صحيح مسلم:۸/۱۵۱، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء ؛ وصحيح البخاري:۶/۱۳۸، تفسير سورة ق.

۸۹. صحيح البخاري:۸/۷۱، باب الدعاء نصف الليل من كتاب الدعوات؛ وأخرجه مسلم في صحيحه:۲/۱۷۵، باب الترغيب في الدعاء من كتاب الصلاة عن أبي عبد اللّه الاَغر وعن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن أبي هريرة.

۹۰. ابن بطوطة، الرحلة، ص ۱۱۲ طبع دار الكتب العلمية.

۹۱. صحيح البخاري: ۸/۷۷، باب قول النبي من آذيته فاجعله له زكاة رحمة من كتاب الدعوات.

۹۲. صحيح مسلم:۸/۲۵، باب من لعنه النبي أو سبّه أو دعا عليه وليس هو أهلاً لذلك.

۹۳. صحيح مسلم:۸/۲۵، باب من لعنه النبي أو سبّه أو دعا عليه.

۹۴. مختصر جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، باب الرخصة من كتاب العلم، ص ۳۶.

۹۵. صحيح مسلم: ۱/۵۸، باب قول النبي :سباب المسلم فسوق.

۹۶. المستدرك:۴/۴۸۰، كتاب الفتن والملاحم.

۹۷. الحاكم، المستدرك:۴/۴۸۱، كتاب الفتن والملاحم.

۹۸. الحاكم، المستدرك:۴/۴۷۹، كتاب الفتن والملاحم.

۹۹. الحاكم، المستدرك:۴/۴۷۹، كتاب الفتن والملاحم.

۱۰۰. صحيح البخاري:۴/۶و۷ باب هل يدخل النساء والولد في الاَقارب من كتاب الوصايا.

۱۰۱. تاريخ الطبري: ۲/۶۲ و۶۳؛ تاريخ الكامل:۲/۴۰ و۴۱؛ مسند أحمد:۱/۱۱۱ وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:۱۳/۲۱۰ و۲۱۱؛ وغيرها من المصادر المتوفرة.

۱۰۲. صحيح البخاري:۶/۸۵، باب تفسير سورة الاِسراء من كتاب التفسير.

۱۰۳. صحيح مسلم: ۸/۲۲۶، باب في الفار و انّه مسخ؛ وأخرجه أيضاً البخاري في ۴/۱۲۸، في باب، خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال من كتاب بدء الخلق والاستفهام في قوله: أفأقرأ التوراة، استفهام انكار أي لا علم عندي إلاّما سمعت من النبي (عليه السلام) .

۱۰۴. صحيح مسلم:۱/۴۱، باب أوّل الاِيمان قوله لا إله إلاّاللّه من كتاب الاِيمان.

۱۰۵. انظر ديوان أبي طالب : ۳۲.

۱۰۶. السيرة الحلبية:۱/۳۵۱ـ ۳۵۲.

۱۰۷. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:۱۴/۷۶.

۱۰۸. أي مدركاً الفجر متيمماً وطاهراً بالطهارة الترابية.

۱۰۹. يريد بذلك الاِشفاق على أبي هريرة حتى لا يتسع خطأه حيث ألزمهما بالذهاب إلى أبي هريرة وإعلامهما ما ذكرا حتى يتدارك الرجل خطأه.

۱۱۰. صحيح مسلم:۳/۱۳۷، باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب من كتاب الصوم.

۱۱۱. صحيح البخاري:۶/۱۱۱، باب تفسير سورة الشعراء من كتاب التفسير.

۱۱۲. فتح الباري: ۸/۵۰۰ـ ۵۰۱.

۱۱۳. مفاتيح الغيب:۱۶/۲۱۱، في تفسير الآية ۱۱۴ من سورة التوبة.

۱۱۴. فتح الباري: ۸/۵۰۱، نقلاً عن الكرماني في شرحه على صحيح البخاري.

۱۱۵. صحيح البخاري: ۴/۱۳۰، باب خمس من الدواب فواسق يقتلنّفي الحرم من كتاب بدء الخلق.

۱۱۶. صحيح مسلم:۷/۴۴، باب تحريم قتل الهرة من كتاب قتل الحيات وغيرها.

۱۱۷. مسند أحمد:۲/۵۱۹.

۱۱۸. صحيح البخاري: ۴/۱۳۰، باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، فإنّ في إحدى جناحيه داء وفي الاَُخرى شفاء من كتاب بدء الخلق.