هو سعد بن مالك بن سنان الخزرجي وأخوه لاَُمّه هو قتادة بن النعمان الظفري أحد البدريين، استشهد أبوه «مالك» يوم أُحد، و شهد أبو سعيد الخندقَ وبيعة الرضوان.

قال أبو سعيد: عُرضتُ يوم أحد وأنا ابن ثلاث عشرة، فجعل أبي يأخذ بيدي و يقول: يا رسول اللّه إنّه عَبْلَ العظام، و جعل نبيّ اللّه يصعِّد في النظر ويصوِّبه ثمّ قال: رُدّه فردّني.

قال الذهبي: مسند أبي سعيد ۱۱۷۰ حديثاً، ففي البخاري و مسلم ۴۳ وانفرد البخاري بـ ۱۶ حديثاً و مسلم بـ۵۲ حديثاً.(۱)

ولكن الموجود من أحاديثه في الصحاح و المسانيد لا يبلغ هذا المقدار بل ينقص عنه بكثير، و قد جمعت في المسند الجامع رواياته فبلغت ۶۲۵ حديثاً(۲). ولعلّه لم يستوفها كما هو دأبه في غير مورد.

يقول ابن الاَثير : أبو سعيد الاَنصاري الخدري و هو مشهور بكنيته من مشهوري الصحابة و فضلائهم و هو من المكثرين من الرواية عنه، وأوّل مشاهده الخندق، و غزا مع رسول اللّه اثنتي عشرة غزوة، وروى عنه من الصحابة: جابر وزيد بن ثابت وابن عباس و أنس و ابن عمر وابن الزبير؛ ومن التابعين: سعيد بن المسيب وأبو سلمة وعبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة و عطاء بن يسار و أبو أمامة بن سهل بن حنيف و غيرهم، توفي سنة ۷۴هـ يوم الجمعة و دفن بالبقيع، وهو ممّن له عقب من الصحابة، و كان يحفي شاربه و يصفر لحيته.(۳)

وقال في قسم الكنى: و كان من الحفاظ لحديث رسول اللّهالمكثرين ومن العلماء الفضلاء العقلاء.(۴)

وقال ابن عبد البر: وكان ممّن حفظ عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) سنناً كثيرة وروى عنه علماً جماً، و كان من نجباء الاَنصار و علمائهم وفضلائهم.(۵)

وروى السيد نور الدين السمهودي في «جواهر العقدين» نقلاً عن الحافظ أبي نعيم الاصبهاني في حلية الاَولياء عن أبي الطفيل، قال: إنّ عليّاً «عليه السلام» قام فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: أنشد اللّه من شهد يوم غدير خم إلاّ قام، ولا يقوم رجل يقول: إنّي نُبئت أو بلغني، إلاّ رجل سمعتْ أُذناه و وعاه قلبه.

فقام سبعة عشر رجلاً منهم أبو سعيد الخدري.(۶)

وقال ابن قتيبة ـ عند سرده لوقعة الحرّة لما أراد أهل الشام نهبَ المدينة وقتلَ رجالها الذين خلعوا بيعة يزيد عن أعناقهم ـ قال: ولزم أبو سعيد الخدري في بيته فدخل عليه نفر من أهل الشام، فقال: أيّها الشيخ من أنت؟ فقال: أنا أبو سعيد صاحب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقالوا: مازلنا نسمع عنك فبحظك أخذت في تركك قتالنا و كفك عنّا ولزوم بيتك، ولكن أخرج إلينا ما عندك، قال: واللّه ما عندي مال فنتفوا لحيته و ضربوه ضربات، ثمّ أخذوا كلّما وجدوه في بيته حتّى الثوم و حتى زوج حمام كان له.(۷)

تعاطفه مع أهل البيت (عليهم السلام)

إنّ أبا سعيد الخدري من أجلاّء الصحابة الذين كانت لهم مواقف مشرِّفة مع أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ، و قد عرفتَ أنّه أحد من شهد لعلي «عليه السلام» بالولاية يوم الغدير، وأخرج الاِمام أحمد عنه، انّه قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الاَرض، وعترتي أهل بيتي، وانّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.(۸)

وقد أخرج هذا الحديث الترمذي في سننه، عن جابر بن عبد اللّه، قال: رأيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجته يوم عرفة و هو على ناقته القصواء يخطب فسمعته، يقول: ياأيّها الناس إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا؛ كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي.(۹)

هذه إلمامة عابرة بترجمة ذلك الصحابي العظيم، و إليك استعراض ما روي عنه من روائع الاَحاديث.

روائع أحاديثه

۱. أخرج ابن ماجة في سننه، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : من خرج من بيته إلى الصلاة، فقال: «اللهمّ إنّي أسألك بحقّ السائلين عليك، و أسألك بحقّممشاي هذا فإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعة وخرجت اتقاء سخطك و ابتغاء مرضاتك، فأسألك أن تعيذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي انّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت». أقبل اللّه عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك.(۱۰)

وبالرغم من أنّ المعلق على سنن ابن ماجة ضعّف الحديث لمكان عطية العوفي، لكنّه رجل ثقة، وما نقموا منه إلاّ تشيّعه وحبّه لاَهل البيت «عليهم السلام» .

۲. أخرج ابن ماجة، عن جابر بن عبد اللّه، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إذا قضى أحدكم صلاته فليجعل لبيته نصيباً، فانّ اللّه جاعل في بيته من صلاته خيراً.(۱۱)

ولاَجل ذلك كان النبي يوَدِّي نوافل رمضان في بيته فرادى، و قلّما يتفق أن يصليها في المسجد، و ما هذا إلاّ لاَنّ للبيت نصيباً من الصلاة، و بذلك يعلم انّ إقامة صلاة التراويح جماعة، إخلاء للبيت من إقامة الصلاة فيه، و قد أخرج ابن ماجة عن عبد اللّه بن سعد، قال: سألت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أيما أفضل، الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ قال: ألا ترى إلى بيتي؟ ما أقربه من المسجد! فلئن أصلّي في بيتي أحبُّ إليّمن أن أُصلّي في المسجد إلاّأن تكون صلاة مكتوبة.(۱۲)

ونقل المعلق عن الزوائد انّ اسناده صحيح و رجاله ثقات.

۳. أخرج البخاري في صحيحه، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ما استخلف خليفة إلاّ له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، و المعصوم من عصم اللّه.(۱۳)

۴. أخرج الترمذي عن عطية ،عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : اتقوا فراسة الموَمن فانّه ينظر بنور اللّه، ثمّ قرأ: (إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِين) .(۱۴)

۵.أخرج أبو داود في سننه، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري: قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر.(۱۵)

۶. أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: من رأى منكم منكراً فليغيّـره بيده، ومن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الاِيمان.(۱۶)

۷. أخرج أحمد في مسنده، عن أبي عيسى الاَسواري، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: عوِّدوا المريض، واتّبعوا الجنائز تذكِّركم الآخرة.(۱۷)

۸. أخرج الاِمام مسلم في صحيحه، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي سعيد الخدري: انّ ناساً من الاَنصار سألوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فأعطاهم، ثمّ سألوه فأعطاهم، حتى إذا نفد ما عنده، قال: مايكن عندي من خير فلن أدّخره عنكم، و من يستعفف يعِفّه اللّه و من يستغن يُغنه اللّه و من يصبر يصبِّـره اللّه، و ما أُعطي أحد من عطاء خيراً وأوسع من الصبر.(۱۸)

۹. أخرج البخاري في الاَدب المفرد، وأحمد في مسنده، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : من لا يرحم الناس لا يرحمه اللّه.(۱۹)

۱۰. أخرج الترمذي، عن عبد اللّه بن غالب الحرّاني، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : خصلتان لا تجتمعان في قومي: البخل وسوء الخلق.(۲۰)

۱۱. أخرج الترمذي، عن ابن أبي ليلى، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : من لم يشكر الناس لم يشكر اللّه.(۲۱)

هذه جملة من روائع أحاديثه اقتصرنا عليها، لاَنّ المقصود عرض نماذج من أحاديثه التي علا هامتَها نورُ النبوّة، و إليك شيئاً ممّا نسب إليه والذي لا يوافق المعايير المذكورة في صدر الكتاب.

أحاديثه السقيمة

۱. ثلاثمائة و خمس عشرة شريعة

أخرج عبد بن حميد، عن عبد اللّه بن راشد مولى لعثمان بن عفان، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :

إنّ بين يدي الرحمن تبارك وتعالى لوحاً فيه ثلاثمائة و خمس عشرة شريعة، يقول الرحمن: وعزتي وجلالي لا يجيئني عبد من عبادي لا يشرك بي شيئاً فيه واحدة، وإحدى منكنّ إلاّ أدخلته الجنة.(۲۲)

تتضمن الرواية انّه سبحانه و تعالى أنزل شرائع كثيرة تربو على ۳۱۵ شريعة ولكن الظاهر من الذكر الحكيم انحصار شرائعه في خمس، قال سبحانه: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّين ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَالّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهيمَوَ مُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى/۱۳) فلو كان هناك شريعة قبل نوح أو شريعة في ثنايا شرائع السابقين لاَشار إليها.

وقال سبحانه: (وَإِذْأَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهيمَ وَمُوسى وَعِيسى ابنِ مَرْيمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) (الاَحزاب/۷).

فالمتبادر من الآيتين انّ هوَلاء هم أصحاب الشرائع وانّ الباقين كانوا من الدعاة إلى شرائعهم، يقول ابن كثير في تفسير الآية الاَُولى: «فذكر أوّل الرسل بعد آدم و هو (نوح (عليه السلام) ) وآخرهم و هو (محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ) ثمّ ذكر من بين ذلك من أُولي العزم: إبراهيم وموسى و عيسى بن مريم، وهذه الآية تضمنت ذكر الخمسة كما اشتملت آية الاَحزاب عليهم في قوله تبارك وتعالى: (وَإِذْأَخَذْنا مِنَ النَّبِيينَ مِيثاقهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهيمَ وَمُوسى وَعِيسى ابنِ مَرْيم) .(۲۳)

وقال جلال الدين السيوطي في تفسير آية الشورى الماضية: وأخرج ابن المنذر عن زيد بن رفيع، بقية أهل الجزيرة، قال: بعث اللّه نوحاً (عليه السلام) وشرع له الدين فكان الناس في شريعة نوح (عليه السلام) ما كانوا، فما اطفأها إلاّ الزندقة، ثمّبعث اللّه موسى (عليه السلام) وشرع له الدين، فكان الناس في شريعة من بعد موسى، ما كانوا، فما اطفأها إلاّ الزندقة، ثمّ بعث اللّه عيسى «عليه السلام» وشرع له الدين، فكان الناس في شريعة عيسى (عليه السلام) ما كانوا فما أطفأها إلاّالزندقة، قال: ولا يخاف على هلاك هذا الدين إلاّ الزندقة».(۲۴)

يقول العلاّمة الطباطبائي: يستفاد من الآية (آية الشورى) أُمور (نذكر ممّا ذكره أمرين):

الاَوّل: انّ الشرائع الاِلهية المنتسبة إلى الوحي إنّما هي شريعة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى و محمد (عليهم السلام) ، إذ لو كان هناك غيرها لذكر قضاء لحقّ الجامعية المذكورة، و لازم ذلك أوّلاً : ان لا شريعة قبل نوح «عليه السلام» بمعنى القوانين الحاكمة في المجتمع الاِنساني الرافعة للاختلافات الاجتماعية.و ثانياً: انّ الاَنبياء المبعوثين بعد نوح كانوا على شريعته إلى بعثة إبراهيم وبعدها على شريعة إبراهيم إلى بعثة موسى و هكذا.

الثاني: انّ الاَنبياء أصحاب الشرائع وأُولي العزم هم هوَلاء الخمسة المذكورون في الآية إذ لو كان معهم غيرهم لذكر فهوَلاء سادة الاَنبياء، ويدل على تقدمهم أيضاً قوله: (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهيمَ وَمُوسى وَعِيسى ابنِ مَرْيَم) (الاَحزاب/۷).(۲۵)

نعم ليس كل نبي ذا شريعة، ولاَجل ذلك يربو عدد الاَنبياء على الاَُلوف مع أنّ الشريعة لا تتجاوز الخمس .

ولو فرض إطلاق صاحب الشريعة على كلّ نبي باعتبار انّه مروّجها ومبينها فلا تنحصر الشريعة في العدد المذكور في الرواية بل يزيد عددهم بكثير.

ثمّ أين هذه الشرائع الكثيرة التي تحكي عنها الرواية، ولا أثر لها في الكتب السماوية الموجودة؟

۲. نزول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند رغبة عمر

أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد، قال: لما كان غزوة تبوك، أصاب الناس مجاعة، قالوا: يا رسول اللّه لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادّهنّا.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : افعلوا.

قال فجاء عمر، فقال: يا رسول اللّه إن فعلت قلّ الظّهر ولكن ادعهم بفضل ازوادهم. ثمّ ادع اللّه لهم عليها بالبركة لعلّ اللّه أن يجعل في ذلك.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) نعم.(۲۶)

أقول: إنّه سبحانه يصف نبيَّه بقوله: (وَعلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) (النساء/۱۱۳).

والمراد من الفضل هو علمه ومن وصف سبحانه علمه بالعظمة، فهل من المعقول أن يكون غير واقف على ما جاء في هذه الرواية وكان بعض أتباعه أعلم منه؟!

إنّ الحنكة السياسية والعسكرية تفرض على القائد أن يكون واقفاً على المصالح والمفاسد التي تحدق بعسكره، فإذا كان عمر قد اطّلع على ذلك فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى بالاطّلاع منه فكيف وقف الاَوّل عليها دون أفضل الخليقة؟!

وثمة نكتة جديرة بالاِشارة وهي انّ ما جاء في تلك الرواية ليس فريداً من نوعه بل تكرر ذلك في موارد أُخرى بنحو تُصوِّر انّ عمر كان أعلم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا النوع من الروايات نابع عن الاِفراط في العاطفة تجاه الخليفة، فلنذكر بعض الموارد.

المورد الاَوّل: قتل الاَسرى

أخرج الاِمام أحمد عن أنس (رض) قال: استشار النبي الناس في الاَُسارى يوم بدر، فقال: إنّ اللّه أمكنكم منهم.

فقام عمر بن الخطاب (رض) فقال: يا رسول اللّه، اضرب أعناقهم؟فأعرض عنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا أيّها الناس إنّ اللّه قد أمكنكم منهم و إنّما هم إخوانكم بالاَمس. فقام عمر، فقال: يا رسول اللّه اضرب أعناقهم؟

فأعرض عنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمّ عاد فقال مثل ذلك. فقام أبو بكر الصديق فقال: يا رسول اللّه نرى أن تعفو عنهم و ان تقبل منهم الفداء. فعفا عنهم و قبل منهم الفداء، فنزل (لَولا كتابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) الآية.(۲۷)

يلاحظ عليه أوّلاً: انّ هناك موضوعات عرفية ربما يستشير فيها النبي أصحابه لا لاَجل الوقوف على ما هو الاَصلح بل لاَجل منحهم الشخصية، يقول سبحانه: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِر لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الاََمْر ) (آل عمران / ۱۵۹). وربما تكون في المشاورة مصالح أُخرى كتعليم أصحابه كيفية معالجة المشاكل كما شاور (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة أُحد والاَحزاب.

وأمّا الاَحكام الشرعية التي يختص تشريعها باللّه سبحانه وأُمِرَ النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بإبلاغها دون أيّ تصرف، فهي أُمور لا تخضع للمشاورة بل على النبي أن يمكث حتى يوافيه الوحي بها، وقد تكرر ذلك فسُئل النبي عن أشياء، فمكث حتى وافاه الوحي.

ومسألة الاَُسارى من المسائل الشائكة المهمة في الحياة الاجتماعية والسياسية للمسلمين فللّه سبحانه فيها تشريع كتشريعه في سائر الموضوعات ولا يسع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) المبلِّغ عن اللّه أحكامه، أن يشاور هذا أو ذاك حتّى يشير أحدهم بالقسوة والآخر بالرأفة .

وعلى ذلك فليس هناك أيُ مسوغ للنبي للمشاورة حسب الموازين الشرعية.

ثانياً: كيف يكون الرسول غير واقف على الحكم الاَصلح في حقّ الاَُسارى ويكون غيره واقفاًعليه، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أكرم الخليقة و أفضل من أبينا آدم الذي علَّمه سبحانه الاَسماء كلّها وصار بذلك خليفة للّه ومعلّماً للملائكة.

ثالثاً: انّ ظاهر الحديث يعرب عن كون الخطاب في قوله: (لمسّكم فيه عذاب عظيم) ـ نعوذ باللّه ـ عاماً شاملاً للنبيّ، لاَنّه ـ صلوات اللّه عليه ـ اختار الاَخذ و الفداء دون ضرب الاَعناق، فيدخل ـ صلوات اللّه عليه ـ تحت قوله (لولا كتاب من اللّه سبق...) وفي الوقت نفسه ليس شاملاً لعمر، وهذا على طرف النقيض من القول بعصمته بعد البعثة التي اتفقت عليه عامة المسلمين. مع أنّ سياق الآية وما قبلها يشهد على خروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مصب الخطاب، لاَنّه سبحانه يذكره بصيغة الغائب، و يقول: ( ما كانَ لِنَبِىٍّ أنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى...) (الاَنفال / ۶۷) وعندما يندد بهذا العمل يخص المجاهدين بالخطاب، ويقول: (ولولا كتاب من اللّه سبق لمسّكم...) والتغاير في التعبير آية عدم الشمول.

المورد الثاني : عدم إقامة الصلاة على المنافقين

أخرج البخاري في تفسير قوله سبحانه: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْأَوْ لا تَسْتَغْفِر لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِر لَهُمْ سَبْعِينَ مَرّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنّهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفاسِقِين) (التوبة/۸۰).

قال: لما توفي عبد اللّه (ابن أُبي) جاء ابنه عبد اللّه بن عبد اللّه إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأله أن يعطيه قميصه يُكفّن فيه أباه فأعطاه، ثمّ سأله أن يصلّي عليه فقام رسول اللّهليصلّـي، فقام عمر فأخذ بثوب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال :يا رسول اللّه تصلي عليه و قد نهاك ربّك أن تصلي عليه؟ فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّما خيّـرني اللّه فقال: ( استغفر لهم أو لاتستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة)، وسأزيده على السبعين، قال: إنّه منافق، قال: فصلّى عليه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنزل اللّه (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) (البقرة/۸۴).(۲۸)

وفي الحديث تأملات وتساوَلات:

أوّلاً: المتبادر من الآية عند الناطقين بالضاد هو أنّ عدد السبعين فيها كناية عن الكثرة بمعنى انّ الاستغفار لا يجدي لهم مهما بلغ عددها سواء أكان أقل من السبعين أو أزيد منه و هذا ما يفهمه العربيّ الصميم من الآية، ويوَيد ذلك انّه سبحانه علّل عدم الجدوى بقوله: ( بأنّهم كفروا باللّه ورسوله) والكافر مادام كافراً لا يستحق الغفران أبداً، وإن استغفر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقّه مائة مرة.

ولكن الظاهر من الرواية انّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فهم من الآية انّلعدد السبعين خصوصية وانّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أقدم على الصلاة على عبد اللّه بن أُبي(وهو رأس المنافقين) إلاّ لاَجل أن يستغفر له أزيد من السبعين الذي ربما تكون الزيادة نافعة لحاله ولا خفاء في أنّه على خلاف ما يفهمه العربي الصميم من الآية فكيف بنبيّ الاِسلام وهو أفصح من نطق بالضاد؟!

وثانياً: انّ المتبادر من لفظة «أو» في الآية من قوله: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) أنّـها للتسوية أي الاستغفار وعدمه سيان، لاَنّ المحل غير قابل للاستفاضة ولكن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حسب الرواية حملها على التخيير حيث قال: إنّما خيّـرني اللّه وقال: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم)فكيف خفي على النبي مفاد الآية؟!

نعم نقل ابن حجر في فتح الباري لفظة: «اخبرني» مكان «خيرني» و لكنه يخالف ما هو المتضافر من نسخ البخاري على أنّه روى هذه الرواية بصورة أُخرى وهي: «اخّر عني يا عمر فلما أكثرت عليه، قال: إنّما خُيّرت فاخترت لو أعلم انّي زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها».(۲۹)

وثالثاً: كيف قام النبي بالصلاة على المنافق، وهو يشتمل على الاستغفار مع أنّ المروي في الصحاح انّه سبحانه نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الاستغفار للمشركين، وهو في مكّة المكرّمة وقال: (ما كانَ للنَّبيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكينَ وَ لَوكانُوا أُولي قُربى مِنْ بَعْدِما تَبَيّـنَ لَهُمْأَنَّـهُمْ أصحابُ الْجَحِيم) (التوبة/۱۱۳).

قال ابن حجر: نزلت الآية في قصة أبي طالب حين قالص : لاستغفرنّلك ما لم أنه عنك، فنزلت الآية وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة اتّفاقاً(۳۰)وقصة عبد اللّه بن أُبي كانت في السنة التاسعة من الهجرة فكيف يجوز للنبيّ مع النهي المتقدم الاستغفار للمنافق مع الجزم بكفره؟!(۳۱)

ورابعاً: انّه سبحانه نهى النبي عن الاستغفار في سورة المنافقين، وقد نزلت في غزوة بني المصطلق وغزاهم النبي في العام السادس من الهجرة ، قال سبحانه: (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِر لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدي القَوْمَ الفاسِقينَ) (المنافقون/۶).

ومع هذا البيان الصريح كيف أقدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الصلاة على المنافق والتي لم تكن إلاّ عملاً لغواً غير مفيد؟

وما ربما يتوهم من أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قدم على الصلاة استمالة لقلوب عشيرته فهو كما ترى، لاَنّ القرآن يخبر بصراحة انّ الصلاة والاستغفار لا تفيد بحاله، أفيكون عمل النبي بعد هذا التصريح سبباً للاستمالة.

وخامساً: انّمعنى الحديث انّ الخليفة كان أعلم من رسول اللّه بحكم اللّه تعالى بشهادة انّ الوحي وافاه وصدّق قول الخليفة وخطّأ قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالملازمة، وما هذا إلاّ قول عازب و رأي كاذب صدر عن عاطفة انجر القائل معها إلى ترجيح التابع على المتبوع «ما هكذا تورد يا سعدُ الابل».

وأخيراً انّ الحديث بلغ من الشناعة بمكان أنكره جمع غفير من المحقّقين لا سيما أبو بكر الباقلاني، حيث قال في التقريب: هذا الحديث من أخبار الآحاد لا يعلم ثبوته، وقال إمام الحرمين في مختصره: هذا الحديث غير مخرج في الصحيح، وقال أيضاً في البرهان: لا يصححه أهل الحديث.

وقال الغزالي في المستصفى: الاَظهر انّ هذا الخبر غير صحيح.

وقال الداوودي الشارح: هذا الحديث غير محفوظ.

إلى غير ذلك من كلمات أعلام السُّنَّة حول الحديث.(۳۲)

المورد الثالث: آية الحجاب

روى البخاري في تفسير سورة الاَحزاب عن أنس قال: قال عمر: قلت يا رسول اللّه يدخل عليك البرّ و الفاجر، فلو أمرت أُمّهات الموَمنين بالحجاب، فأنزل اللّه آية الحجاب.(۳۳)

وهذا أحد الموارد الثلاثة التي نزل الوحي على وفق ما اقترحه الخليفة، ولكن في الحديث عدة تساوَلات .

أوّلاً: يخالفه ما رواه نفس أنس، في سبب نزول قوله: (فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجاب) قال أنس: أنا أعلم الناس بهذه الآية: آية الحجاب، لمّا اهديت زينب إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت معه في البيت صنعت طعاماً ودعا القوم فقعدوا يتحدثون فجعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخرج ثمّيرجع و هم قعود يتحدثون، فأنزل اللّه تعالى: (يا أَيّها الّذينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيّ إِلاّأن يُوَذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَير ناظِرِينَ... مِنْ وراءِ حِجاب ) فضرب الحجاب و قام القوم.(۳۴)

ثانياً: يخالفه ما رواه السيوطي في الدر المنثور قال: وأخرج ابن جرير عن مجاهد انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يطعم و معه بعض أصحابه ، فأصابت يد رجل منهم يد عائشة، فكره ذلك النبي، فنزلت آية الحجاب.(۳۵)

ثالثاً: انّ لازم تلك الرواية وما تقدمها أن يكون الخليفة أعلم وأكثر غيرة من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهذا ما أنكره الخليفة مصرِّحاً في مواطن عديدة بأنّ كلّ الناس أفقه من عمر.

فعن مسروق بن أجدع ـ التابعي العظيم ـ قال ركب عمر بن الخطاب منبر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمّ قال: «يا أيّها الناس ما إكثاركم في صداق النساء وقد كان رسول اللّهوأصحابه، والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم، فما دون ذلك ولو كان الاِكثار في ذلك تقوى عند اللّه أو كرامة لم تسبقوهم إليها. فلا أعرف ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم قال: ثمّ نزل، فاعترضته امرأة من قريش، فقالت: يا أمير الموَمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم، قال: نعم، فقالت: أما سمعت ما أنزل اللّه في القرآن؟ قال: واي ذلك؟ فقالت: أما سمعت اللّه يقول: (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) الآية؟ قال: فقال: اللهمّ غفراً، كلّ الناس أفقه من عمر. ثمّرجع فركب المنبر، فقال: أيّها الناس إنّي كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب. وقال اسناده جيد قوي.(۳۶)

ورواه السيوطي في الدر المنثور عن عبد اللّه بن مصعب، قال: قال عمر: لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية، فمن زاد القيت الزيادة في بيت المال، فقالت امرأة: ما ذاك لك، قال: و لِمَ؟

قالت: لاَنّاللّه يقول: (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) الآية.

فقال عمر: امرأة أصابت و رجل أخطأ.(۳۷)

المورد الرابع و الخامس: أخذ المصلي من مقام إبراهيم و...

أخرج السيوطي في الدر المنثور عن البيهقي، وغيره عن أنس بن مالك، قال: قال عمر بن الخطاب وافقت ربي في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث، قلت: يا رسول اللّه لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت : (وََاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهيمَ مُصَلّى...) واجتمع على رسول اللّه نساوَه في الغيرة، فقلت لهنَّ: عسى ربّه أن طلقكنّ أن يبدله أزواجاً خيراً منكنَّ، فنزلت كذلك.(۳۸)

هذه الاَُمور الخمسة نماذج ممّا ادّعي فيها انّ الوحي وافق رغبة عمر، وقد عرفت انّ كثيراً منها لا يوافق الكتاب.

والتشريع أجلّ من أن يكون خاضعاً لرغبة إنسان غير معصوم.

۳. احتجاج آدم على موسى بالقدر

عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :

احتج آدم و موسى (عليهما السلام) : فقال موسى: أنت خليفة اللّه، بيده أسكنك جنته، واسجد لك ملائكته، فأخرجت ذريتك من الجنة، وأشقيتهم. فقال آدم (عليه السلام) : أنت موسى الذي اصطفاك اللّه بكلامه ورسالته، تلومني في شيء وجدته قد قدّر عليَّ قبل أن أخلق؟ قال: فحجَّ آدم موسى.(۳۹)

هذا الحديث رواه البخاري أيضاً، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : احتج آدم وموسى، فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنّة. فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك اللّه برسالاته وبكلامه ثمّ تلومني على أمر قدر عليَّ قبل أن أخلق.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : فحجَّ آدم موسى مرتين.(۴۰)

أقول: إنّ الاحتجاج بالقدر في تبرير المعاصي فكرة جاهلية قد أشار إليها سبحانه في كتابه الكريم، فقال: (سَيَقُولُ الّذينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباوَُنا وَ لا حَرَّمْنا مِنْ شَيءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْهَلْعِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا ان تَتَّبِعُونَ إِلاّالظنَّوَإِنْأَنْتُمْ إِلاّتَخْرُصُونَ)(الاَنعام/۱۴۸).

وقال سبحانه: (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاء أَتَقُولُونَ عَلى اللّهِ ما لا تَعْلَمُون) (الاَعراف/۲۸) فالآيتان تشيران إلى الفكرة الرائجة في العصر الجاهلي فانّهم كانوا يبررّون شركهم، وشرك ابائهم وتحريمهم الحلال واقترافهم الآثام بتقديره سبحانه و علمه بأفعالهم وهي نفس الفكرة التي طرحتها الرواية حيث احتجّ آدم على موسى وأفحمه بأنّه وجده قد قدّر عليه قبل أن يخلق، و التقدير ليست إلاّ مشيته سبحانه و تعالى الواردة في الآية الاَُولى: (لَوْ شاءَ اللّه ما أَشْرََكْنا) أو أمره سبحانه الوارد في الآية الثانية «واللّه أمرنا بها».

حتّى انّ الفكرة لم تجتثَّ من أُصولها بعد مجيء الاِسلام، وهذا هو السيوطي ينقل عن عبد اللّه بن عمر انّه جاء رجل إلى أبي بكر فقال: أرأيت الزنا بقدر ؟ قال: نعم: قال: فانّ اللّه قدره عليَّ ثمّيعذبني ؟! قال: نعم، يا ابن اللخناء أما واللّه لو كان عندي إنسان أمرته أن يجأ أنفك.(۴۱)

إنّ القضاء والقدر من المعارف الاِلهية والتي لا يمكن لمسلم إنكارهما، غير انّ تفسير القضاء والقدر بمثل ما جاء في الرواية أو أشير إليه في الآية السابقة يجعل الاِنسان مكتوف اليدين لاحيلة له أمام الحوادث التي تعصف به، وهو مما ترغب عنه الفطرة السليمة، وينافي دعوة الاَنبياء والمصلحين التي قامت أُسسها على حرية الاِنسان في اختيار مصيره.

أظن انّ هذه الاَحاديث قد نسجت وفق العقائد التي روّجها الجهاز الحاكم آنذاك حتى يُبرِّر فكرة انّ الوضع الاجتماعي لا يمكن تغييره أبداً بأي أُسلوب من الاَساليب، فالقوي يبقى قوياً، والضعيف يبقى ضعيفاً، وهكذا الحال في الظالم والمظلوم لكونه مسبوقاً في علم اللّه.

ثمّإنّ شرّاح الحديث مالوا يميناً وشمالاً حتى يجدوا له معنى صحيحاً يفارق الجبر، وأنّى لهم ذلك، فانّه يساوي الجبر ، وإلاّ لم يصح احتجاج آدم على موسى، ولم يغلب عليه في مقام المحاجّة حيث اقنعه بقوله بأنّه (ليس علي اللوم وإنّما سبق الكتاب على عملي)، وقد رواه البخاري أيضاً في كتاب القدر عن أبي هريرة(۴۲)باختلاف طفيف.

ونقل ابن حجر، عن ابن عبد البر ، انّه قال: هذا الحديث أصل جسيم لاَهل الحق في إثبات القدر وانّ اللّه طوى أعمال العباد، فكلّ أحد يصير لما قُدِّر له بما سبق في علم اللّه، قال: و ليس فيه حجة للجبرية و إن كان في بادىَ الرأي ساعدهم.

وقال الخطابي في «معالم السنن» يحسب كثير من الناس انّ معنى القضاء والقدر يستلزم الجبر وقهر العبد و يتوهم انّ غلبة آدم (على موسى) كانت من هذا الوجه وليس كذلك، وإنّما معناه الاِخبار عن إثبات علم اللّه بما يكون من أفعال العباد وصدورها عن تقدير سابق منه.(۴۳)

يلاحظ عليه: انّ النزاع ليس في تقدم علمه سبحانه على ما يجري في العالم من حوادث وكوارث، إنّما الكلام في احتجاج آدم على موسى ورد اعتراضه، وعندئذٍ إمّا أن يكون علمه السابق سبباً للجبر والسير وراء العلم على وجه القطع أو لا، فعلى الاَوّل يصحّ الجواب ولكن يستلزم الجبر.

وعلى الثاني: لا يصحّ الجواب لافتراض انّ علمه سبحانه لا يسلب الاختيار عن آدم و يمكن للاِنسان السير على خلافه فيبقى اعتراض موسى بلا جواب . إذ كان بامكان أبينا آدم أن يخالف ما قُدِّر ولم يفعل.

۴. قتال المارّ بين يدي المصلي

أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً يمرّ بين يديه وليدرأه ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإنّما هو شيطان.(۴۴)

والحديث مطلق يدل على جواز دفع المارّ سواء كان بين المصلي والمارّ سترة أو لا، ولكن الرواية الاَُخرى تقيّد القتال بصورة وجود السترة.

روى مسلم عنه انّه قال: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يقول: إذا صلّى أحدكم إلى شيء يستره الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه، فليدفع في نحره، فإن أبى فليقاتله فإنّما هو شيطان.

وقد روي عن الاِمام الصادق (عليه السلام) انّه قال: كان طول رحل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ذراعاً فإذا كان صلّى وضعه بين يديه يستتر به بين يديه.(۴۵)

وفي رواية أُخرى عنه (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا صلّى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل موَخرة الرحل، فإن لم يجد فحجراً، فإن لم يجد فسهماً، وإن لم يجد فليخط في الاَرض بين يديه.(۴۶)

وبهذه الروايات يعلم انّ المنع مختص بما إذا استتر المصلي بشيء من المارّ كالرحل والحجر والخط والعصاء.

روى الاِمام الصادق (عليه السلام) قال: كان لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عنزة في أسفلها عكاز يتوكأ عليها ويخرجها في العيدين يصلى إليها.(۴۷)

وعلى ذلك فلو صلى المصلي من دون أن يجعل بينه و بين المار شيئاً يُعلِمَ به منع المرور فليس له الدفع.

نعم ربما يكون مرور المار مكروهاً مطلقاً وإن لم يكن بينه و بين المصلي حائل وساتر.

هذا كلّه ممّا اتّفقت عليه المذاهب الفقهية إجمالاً، إنّما الكلام في جواز المقاتلة في ردع المارّ عن العبور كما أشارت إليه رواية أبي سعيد، فالمذكور في رواية أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) هو درأ المارّ على القدر المستطاع.

روى ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عن الرجل هل يقطع صلاته شيء ممّا يمر بين يديه ؟ فقال: لا يقطع صلاة الموَمن شيء، ولكن ادرأوا ما استطعتم.(۴۸)

وممّا لا شكّ فيه انّ الدرء بالقدر المستطاع عبارة عمّا يمكن للمصلي من ردع المارّ في حال الصلاة كالاشارة باليد أو شيء آخر لا أن تصل إلى المقاتلة، فما تضمّنته رواية أبي سعيد من جواز المقاتلة أمر ينكره الشرع والعقل.

امّا الشرع فلما عرفت من انّ الوارد عن طريق أئمّة أهل البيت هو الدرء على القدر المستطاع، وقد نقل عن علي (عليه السلام) انّه قال: إنّالصلاة لا يقطعها شيء، و لكن إدرأوا ما استطعتم هي أعظم من ذلك(۴۹)وأين هو من المقاتلة؟

وأمّا العقل فهل يجوز إراقة دم مسلم بمجرد مروره امام المصلي مع أنّه لا يبطل صلاته أبداً؟ واحترام دم المسلم أعظم من ذلك فلا يُقتل إذا زنى أو أكل الربا أو ترك الصلاة، فكيف يجوز قتله بمجرد المرور ؟! وأظن انّ الحديث نقل على غير وجهه الصحيح، لكن شراح الحديث تلقوه حقيقة راهنة فجوزوا القتل.

قال النووي في تفسير قوله: «فإن أبى فليقاتله فإنّما هو شيطان» هذا الاَمر بالدفع أمر ندب وهو ندب متأكد ولا أعلم أحداً من العلماء أوجبه بل صرح أصحابنا وغيرهم بأنّه مندوب غير واجب.

قال القاضي عياض: وأجمعوا على أنّه لا يلزمه مقاتلته بالسلاح ولا ما يوَدي إلى هلاكه، فان دفعه بما يجوز فهلك من ذلك فلا قود عليه باتفاق العلماء، وهل تجب ديته أم يكون هدراً ؟ فيه مذهبان للعلماء وهما قولان في مذهب مالك.

والذي قاله أصحابنا : إنّ المصلي يرده إذا أراد المرور بينه و بين سترته بأسهل الوجوه، فإن أبى فبأشدها وإن أدى إلى قتله فلا شيء عليه، وقد أباح له الشرع مقاتلته، والمقاتلة المباحة لا ضمان فيها.(۵۰)

وفي روايات أئمّة أهل البيت تصريح بالاِغماض عنه. روى أبو بصير المرادي عن الاِمام الصادق (عليه السلام) : لا يقطع الصلاة شيء لا كلب ولا حمار ولا امرأة ولكن استتروا بشيء و إن كان بين يديك قدر ذراع رافع من الاَرض فقد استترت والفضل في هذا أن تستتر بشيء بين يديك ما تتقي به المارّ، فإن لم تفعل فليس به بأس لاَنّ الذي يصلّي له المصلِّي أقرب إليه ممّن يمرّ بين يديه ولكن ذلك أدب الصلاة وتوقيرها.(۵۱)

فقوله (عليه السلام) : «لا يقطع الصلاة شيء لا كلب و... » ورد لردّ الفكرة السائدة يوم ذاك وإلاّ فهو أجل من أن يجمع بين المرأةو الكلب والحمار. فتدبّر.

ونحن نحيل القضاء في تمييز ما صدر عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى القارىَ الكريم، فهل الصحيح هو ما روي عن أئمّة أهل البيت «عليهم السلام» ، أو ما ورد في صحيح مسلم من تسويغ إراقة دم مسلم لاَجل إصراره على المرور امام المصلي الذي لا يبطل صلاته؟

۵. النبي يغفل عن صلاته

أخرج الاِمام أحمد ، عن عبد الرحمان بن سعيد الخدري، عن أبيه، قال: شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: (وَكَفى اللّهُ المُوَمِنينَ القِتال)(الاَحزاب / ۲۵) .

فأمر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بلالاً ، فأقام لصلاة الظهر، فصلاها كما كان يصليها لوقتها، ثمّ أقام للعصر، فصلاها كما كان يصليها في وقتها، ثمّأذّن للمغرب، فصلاها كما كان يصليها في وقتها.(۵۲)

يلاحظ على مضمون الحديث انّ في الفقه الاِسلامي صلاة باسم صلاة الخوف والمطاردة وقد ورد فيها الذكر الحكيم والسنة الشريفة.

أمّا القرآن فقد ورد قوله سبحانه: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْتَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الّذِينَ كَفَرُوا) (النساء/۱۰۱) وقوله سبحانه: (فَإِنْخِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُُرُوا اللّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُون) (البقرة /۲۳۹).

أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: (فَإِنْخِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكباناً) قال:يصلي الراكب على دابته والراجل على رجليه.

وأخرج ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد اللّه: إذا كانت المسايفة فليوم برأسه حيث كان وجهه فذلك قوله: ( فَرِجالاً أَوْ رُكباناً ).

وأخرج ابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : ( فرجالاً): قال: مشاة أو ركباناً، قال: لاَصحاب محمد على الخيل في القتال إذا وقع الخوف فليصل الرجل إلى كلّ جهة قائماً أو راكباً أو ما قدر على أن يومىَ ايماء برأسه أو يتكلم بلسانه.(۵۳)

وهذه الاَحاديث التي نقلناها و التي لم ننقلها تعيّن موقف المجاهد في ميدان القتال وانّه ليس له ترك الصلاة بل له أن يومىَ برأسه ما استطاع، و قد روي عن الاِمام الصادق (عليه السلام) هذا المضمون نفسه، وانّه قال: إن خاف من سبع أو لصٍّ كيف يصلي؟ قال: يكبّـر ويومىَ برأسه ايماءً.(۵۴)

وعلى ضوء ذلك فما رواه أبو سعيد الخدري: حبسنا يوم الخندق على الصلوات حتى كان بعد المغرب.ناظر إلى غزوة الخندق في العام السادس، والآيات الواردة حول صلاة الخوف و المطاردة جاءت في سورة النساء، والمشهور انّها أوّل سورة نزلت في المدينة(۵۵)كما تحكي عنها مضامينها فكيف ترك النبي الصلاة بتاتاً؟ إلاّ أن يقال بنزول غالب آياتها في السنة الاَُولى و استثناء ما دلّ على حكم صلاة الخوف.

نعم على ما رواه أبو خالد الاَحمر عن ابن أبي ذئب من أنّ ذلك كان قبل نزول قوله سبحانه: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكباناً) يلزم نزول آية صلاة الخوف بعد غزوة الاَحزاب وقد عرفت انّه خلاف المشهور.

وروى جلال الدين السيوطي ما رويناه عن أبي سعيد مذيلاً بما في رواية ابن أبي ذئب، و قال: كنا مع رسول اللّه يوم الخندق فشغلنا عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى كفينا وذلك قوله:(وَكَفى اللّه الموَمِنينَ القِتال)فأمر رسول اللّه بلالاً فأقام لكلّ صلاة إقامة وذلك قبل أن ينزل عليه (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكباناً).(۵۶)

۶. الوقوع على السبايا قبل الاستبراء

أخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري، قال: خرجنا مع رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» في غزوة بني المصطلق وأصبنا سبياً من سبي العرب، فاشتهينا النساء، واشتدّت علينا العزبة، وأحببنا العزل، فأردنا أن نعزل، وقلنا نعزل و رسول اللّه بين أظهرنا قبل أن نسأله، فسألناه عن ذلك، فقال: ما عليكم ألا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلاّ وهي كائنة.(۵۷)

ويثار حول الحديث سوَالان:

الاَوّل: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يوجب عليهم العزل و معنى ذلك انّه (صلى الله عليه وآله وسلم) سوغ لهم المجامعة بعد السبي قبل استبرائهنَّ وهو سبب لاختلاط الاَنساب، وقد روي عن نفس أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال: «لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة».(۵۸)

وروي أيضاً عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال: «لا يحل لامرىَ يوَمن باللّه واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره» يعني إتيان الحبالى «ولا يحل لامرىَ يوَمن باللّه واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها».(۵۹)

الثاني: انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن العزل واحتج بذلك بأنّها «ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلاّوهي كائنة» ومعنى ذلك انّه قد تعلقت مشيئته سبحانه بوجود الكائن الحي في الرحم ثمّ في الخارج، فالعزل يخالف التقدير.

وعند ذلك يتوجه السوَال إذا تعلقت مشيئته بوجود الكائن فأمّا أن يكون التعلق قطعياً أو على تقدير عدم العزل.

فعلى الاَوّل يحرم العزل لاَنّه بعزله يتحكّم على تقديره.

وعلى الثاني: لا ينسجم تعليل المنع عن العزل بتعلق المشيئة، لاَنّها وإن تعلقت بوجود النسمة الكائنة ولكن تعلقاً مشروطاً بعدم عزل الاِنسان، فإذا همَّ الاِنسان بالعزل فليس هناك مشيئة متعلقة بوجود النسمة الكائنة حتى تكون مانعة عن العزل.

۷. الصوم في السفر

أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد اللّه (رض) قالا:سافرنا مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيصوم الصائم و يفطر المفطر فلا يعيب بعضهم على بعض.(۶۰)

وسيوافيك الكلام في هذه الرواية عند التطرق إلى روايات أنس بن مالك، ويظهر فيها انّ الصحابة تبعاً للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ندّدوا بمن صاموا و عابوا عليهم حتى انّ رسول اللّه سماهم عصاة. إلاّأن ترجع الواقعة إلى الفترة التي لم يُحرّم الصوم فيها.

۸. سلطان إبليس على النبي

أخرج الاِمام أحمد، عن أبي سعيد انّرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قام فصلى صلاة الصبح وهو خلفه، فقرأ فالتبست عليه القراءة، فلما فرغ من صلاته، قال: لو رأيتموني وإبليس، فأهويت بيدي، فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين اصبعي هاتين: الاِبها م والتي تليها، ولولا دعوة أخي سليمان لاَصبح مربوطاً بسارية من سواري المسجد، يتلاعب به صبيان المدينة، فمن استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل.(۶۱)

وهذا الحديث لا يخلو عن نقاش.

الاَوّل: هل يعرض السهو على النبي أو لا ؟ وهل النبي بما انّه إنسان تلتبس عليه القراءة أو لا ؟ وهذا خارج عن موضوع الحديث.

الثاني: هل يكون لابليس (لعنه اللّه) سلطان على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنحو تلتبس عليه القراءة؟ وهذا أمر يرفضه القرآن الكريم: (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلطانٌ إِلاّمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغاوِين) (الحجر/۴۲). وقال سبحانه: (إِنهُ لَيْسَ لَهُ سُلطانٌ على الّذينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون)(النحل/۹۹). وقال تعالى: (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) (الاِسراء/۶۵).

مضافاً إلى أنّ الرواية تشير إلى أنّإبليس موجود عنصري وله حلق و عنق ولعاب وانّ النبي أمسك عنقه فخنقه فوجد برد لعابه بين اصبعيه، وهذه كلّها أُمور لا تخلو من تأمل وإشكال.

الثالث: انّ مفاد الرواية كون الشيطان موجوداً عنصرياً وله من الصفات ما للموجود المادي من كونه متحيزاً في مكان، و معه كيف يمكن له أن يوسوس الناس مع تشتتهم في الاَمصار ، قال سبحانه: ( الَّذِي يُوَسْوِسُ في صُدُور الناسِ * مِنَ الجِنَّةِ وَالنّاس) (الناس/۵ـ ۶).وكيف يمكن لمتحيّز في مكان معين، أن يحصل له الحضور في أمكنة غير محصورة فيوسوس في صدور الناس.

الرابع: انّه سبحانه يصرّح بأنّ الشيطان يرى الناس وهوَلاء لا يرونه، قال سبحانه: (انّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تََروْنَهُمْ) (الاَعراف/۲۷) وعندئذٍ كيف يصح قوله: «يتلاعب به الصبيان»؟ و هل اللعب إلاّ فرع الروَية؟

إلى غير ذلك من التأملات وقد مضى الكلام في أمثال هذه الرواية عند دراسة روايات أبي هريرة، فلاحظ.

۹. كَذِبَ إبراهيمُ ثلاثَ مرّات

أخرج الترمذي، عن أبي سعيد، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ، آدم فمن سواه إلاّ تحت لوائي، وأنا أوّل من تنشق عنه الاَرض ولا فخر، قال: فيفزع الناس ثلاث فزعات، فيأتون آدم، فيقولون: أنت أبونا آدم فاشفع لنا إلى ربّك فيقول: إنّي أذنبت ذنباً أُهبطت عنه إلى الاَرض ولكن ائتوا نوحاً، فيأتون نوحاً فيقول: إنّي دعوت على أهل الاَرض دعوة فأُهلكوا ولكن اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم، فيقول: إنّي كذبت ثلاث كذبات ـ ثمّ قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما منها كذبة إلاّما حلَّ بها عن دين اللّه ـ ولكن ائتوا موسى، فيأتون موسى، فيقول: إنّي قد قتلت نفساً ولكن ائتوا عيسى، فيأتوا عيسى، فيقول: إنّي عبدت من دون اللّه ولكن ائتوا محمّداً قال: فيأتونني فانطلق معهم، قال ابن جدعان: قال أنس: فكأنّي انظر إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: فآخذ بحلقة باب الجنة فأُقعقعها(۶۲)فيقال: من هذا؟ فيقال محمد، فيفتحون لي و يرحبون فيقولون مرحباً.(۶۳)

وأخرجه الاِمام أحمد، عن ابن عباس على وجه التفصيل وبيّن المواضع التي كذب فيها إبراهيم، وقال: فيقول إنّي لست هنا، كم انّي كذبت في الاِسلام ثلاث كذبات واللّه إن حاول(كذا في المصدر) بهنَّ إلاّعن دين اللّه: قوله: (إِنّي سَقيم)(۶۴)وقوله : ۵۴۳۲۱بَلْ فَعَلَهُ كَبيرُهُمْ هذا فَاسْئَلُوهُمْ إِنْكانُوا يَنْطِقُون)(۶۵)وقوله لامرأته حين أتى على الملك «اختي»(۶۶)و انّه لا يهمني إلاّنفسي.(۶۷)

وأخرجه الاِمام أحمد عن أبي سعيد أيضاً وليس فيه حديث كذب إبراهيم: قال: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل من تنشق عنه الاَرض يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل شافع يوم القيامة ولا فخر».(۶۸)

كما أخرجه في الجزء الثاني في مسنده عن أبي هريرة ملخصاً، قال: أنا سيد ولد آدم، وأوّل من تنشق عنه الاَرض، وأوّل شافع، وأوّل مشفع.(۶۹)

وأخرجه ابن ماجة في باب ذكر الشفاعة مثل ما أخرجه أحمد في الجزءين الاَخيرين.(۷۰)

وأخرجه الاِمام البخاري في باب قول اللّه تعالى: (وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْراهيمَ خَليلاً).(۷۱)

وفي الحديث إشكالات واضحة تسقطها عن الاعتبار.

أوّلاً: انّ الذكر الحكيم يصف إبراهيم بصفات لم يصف بها أحداً من أنبيائه العظام، فقد وصفه بالصفات التالية: حنيفاً(۷۲)خليلاً(۷۳)أوّاهاً مُنيباً(۷۴)أُمّة قانتاً للّه(۷۵)،صديقاً نَبياً(۷۶)

أفيمكن أن يكون الموصوف بهذه الصفات يكذب في دين اللّه وإن كان للغاية المذكورة في الحديث؟

ثانياً: انّه لا دليل على أنّه كذب في الموارد الثلاثة المعروفة.

أمّا الاَوّل: أعني قوله: (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُوم* فَقالَ إِنّي سَقيم) (الصافات / ۸۸ ـ ۸۹) . فلا دليل لنا انّه لم يكن حين ذاك سقيماً، وقد أخبر القرآن بإخباره بأنّه سقيم، وذكر سبحانه قبل ذلك انّه جاء ربّه بقلب سليم.

فلا يصحّ عليه كذب ولا لغو في القول.

وأمّا ما هي الصلة بين قوله ( فنظر نظرةً في النجوم) وقوله: (انّي سقيم)؟فخارج عن موضوع بحثنا، ولو لم يظهر لنا وجه الصلة، فلا مسوغ لنا على حمل قوله على الكذب.

وأمّا الثاني أعني: قوله: (قالَبَلْفَعَلهُ كَبِيرُهُمْ هذا فاسئَلُوهُمْ إِنْكانُوا يَنْطِقُون) (الاَنبياء / ۶۳) فليس بكذب قطعاً فانّ الصدق والكذب من صفات الكلام الصادر عن جدٍّ. وأمّا الكلام الصادر لغاية أُخرى كالهزل والاستهزاء الحق، فلا يوصف بالكذب وممّا لا شك فيه انّإبراهيم تكلّم بما تكلّم و نسب كسر الاَصنام إلى كبيرهم بغية الاستخفاف بعقول القوم حتى يهيّىَ الاَرضية اللازمة لاَن يقولوا له: (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هوَلاءِ يَنْطِقُون) (الاَنبياء / ۶۵) فتتهيأ عندئذٍ أرضية مناسبة لاِفحامهم و تفنيد مزاعمهم بأُلوهية تلك التماثيل، بقوله: (أَفَتَعبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه ما لا يَنْفَعُكُمُ شيئاً وَلا يَضُرُّكُمْ* أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه ِ أَفَلا تَعْقِلُون) (الاَنبياء/ ۶۶ـ۶۷).

فالكلام الملقى لتسكيت الخصم و إفحامه لا يوصف بالكذب إذا كان هناك قرينة واضحة على أنّه لم يصدر لغاية الجد، بل صدر لتكون مقدمة لاستنطاق الخصم واعترافه بعدم قابلية الاَصنام على التكلم حتى يتابعه إبراهيم بالبرهان الدامغ والتنديد بعقيدتهم الساذجة بما عرفت.

وأمّا الثالث فليس له مصدر إلاّ التوراة المحرفة، فقد جاء فيها:

فحدث لما دخل ابرام إلى مصر أنّ المصريين رأوا المرأة انّـها حسنة جداً ورآها روَساء فرعون ومدحوها لدى فرعون، فأُخذت المرأة إلى بيت فرعون فصنع إلى ابرام خيراً بسببها وصار له غنم و بقر وحمير و عبيد وإماء وأُتن وجمال فضرب الربُّ فرعون وبيته ضربات عظيمة بسبب ساراي امرأة ابرام.

فدعا فرعون أبرام و قال: ما هذا الذي صنعت بي، لماذا لم تخبرني انّها امرأتك لماذا قلت هي أُختي حتى أخذتها لي لتكون زوجتي، والآن هو ذا امرأتك خذها واذهب فأوصى عليه فرعون رجالاً فشيعوه وامرأته وكلّ ما كان له.(۷۷)

وثالثاً: نفترض انّه كذب في هذه المواضع الثلاثة، ولكنّه ما كذب إلاّتقية وصيانة لنفسه عن تعرض العدو الماكر، فقد امتثل واجبه، قال سبحانه: (إِلاّأن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاة) (آل عمران/۲۸) وقال سبحانه: (إِلاّمَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاِِيمان) (النحل/۱۰۶).

وعندئذ فما معنى قوله: ما منها كذبة إلاّما حلّبها عن دين اللّه؟ أي خرج بها عن دين اللّه، يقال: حلَّ الرجل أي خرج من إحرامه.

وربما يجعل فعلاً من ماحل يماحل أي دافع، يدافع بمعنى انّه دافع عن دين اللّه ولكنّه لا يناسب سياق الكلام، فانّه إذا دافع بهذه الكذبات عن دين اللّه فقد امتثل المعروف فلِمَ لا تقبل شفاعته، مع أنّ مثل هذا الكذب أفضل من صدق يترتب عليه مفسدة كبيرة.

ورابعاًً: انّ المسيح يعتذر بقوله: «إنّي عُبدت من دون اللّه» وأي ذنب للمسيح إذا عبده غيره؟ قال سبحانه : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخرى) (الاَنعام/۱۶۴) وقال سبحانه:( وإِذْ قالَ اللّهُ يا عِيسَى ابنَ مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُوني وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما في نَفْسي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الغُيُوبِ)، إلى أن قال سبحانه: (قالَ اللّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْري مِنْ تَحْتِها الاََنْهارُ خالِدينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ هُوَ الْفَوزُ العَظِيمُ) (المائدة/۱۱۶ـ ۱۱۹) فالمسيح هو من الصادقين الذين ينفعهم صدقهم، فله الجنات التي تجري من تحتها الاَنهار، فلماذا لا تقبل شفاعتهم؟

والعجب انّالترمذي بعدما نقل الحديث قال: هذا حديث حسن صحيح، وقد روى بعضهم هذا الحديث عن أبي نضرة عن ابن عباس الحديث بطوله.

۱۰. جواز التحدّث عن بني إسرائيل

أخرج الاِمام أحمد في مسنده، عن أبي سعيد الخدري انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: حدّثوا عنّي ولا تكذبوا عليَّ، ومن كذّب عليَّ متعمداً فقد تبوّأ مقعده من النار وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج.(۷۸)

وهذا الحديث يكتنفه كثير من الغموض وذلك لا َُمور :

أوّلاً: انّ الاِمام أحمد أخرجه عن أبي سعيد الخدري بلا زيادة قوله: «حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» فقال: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا تكتبوا عني شيئاً إلاّ القرآن، فمن كتب عنّي شيئاً فليمحه، وقال: حدّثوا عني و من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.(۷۹)

وثانياً: قد أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري بلا هذه الزيادة وقال: إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا تكتبوا عنّي، ومن كتب عنّي غير القرآن فليمحه وحدثوا عني ولا حرج ومن كذب عليَّ ـ قال همام: احسبه قال متعمداً ـ فليتبوّأ مقعده من النار.(۸۰)

نعم أخرج البخاري عن عبد اللّه بن عمرو انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: بلغوا عني ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذّب عليَّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار.(۸۱)

وفي سند البخاري أبي كبشة السلولي، قال ابن حجر: و ليس له في البخاري سوى هذين الحديثين.(۸۲)

والذي يسيء الظن بصحة ما رواه البخاري هو انّ الراوي هو عبد اللّه بن عمرو بن العاص الذي أكثر الرواية عن كتب بني إسرائيل والذي عثر على زاملتين من كتب أهل الكتاب فحدّث عنهما كثيراً.

ثمّ إنّ هنا رواية أُخرى أخرجها البخاري عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لاَهل الاِسلام ، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم.(۸۳)

وظاهرها يعرب عن أنّ أبا هريرة شاهد الواقعة و رأى انّ أهل الكتاب كانوا يقرأون بالعبرانية ويفسرون بالعربية، وعند ذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قال مع أنّه أسلم بعد فتح خيبر و قد أُجليت اليهود من الجزيرة العربية كبني قينقاع و بني النضير، واجتث جذورهم، فكيف شاهد هذه الواقعة؟ ولعلّه سمعها من غيره ولم يذكر اسمه، وقد مرّ في ترجمة أبي هريرة انّه كان يُدلّس في الاسناد.

وثالثاً: انّ الاِنسان لا يقتنع مهما أحسن الظن برواة الصحاح و المسانيد، إذ كيف يأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتحدث عنهم مع أنّ كتابه يصفهم بأنّهم اقترفوا الكذب والتحريف والوضع في الكتب التي أنزلت على أنبياء بني إسرائيل.

إنّ الاعتماد على هذه الاَحاديث وأمثالها جرّ الويلات على المسلمين حيث حشُّوا كتبهم بخرافات وأقاصيص بني إسرائيل لا يصدّقها العقل والنقل.

ثمّ إنّ التمسك بجواز النقل عن أهل الحديث بعمل الصحابة كما ترى، فإنّ الحجة هي قول المعصوم وفعله وتقريره لا قول الصحابي، فهم معذورون في نقل هذه الاَحاديث.

قال ابن حجر في تفسير الحديث المروي في صحيح البخاري:« إنّ عمر أتى النبي بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه عليه، فغضب، وقال: لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحقّ فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو انّ موسى كان حياً ما وسعه إلاّ أن يتبعني»: إنّ رجاله موثقون إلاّ أنّ في مجالد ضعفاً وأخرج البزار أيضاً من طريق عبد اللّه بن ثابت الاَنصاري انّعمر نسخ صحيفة من التوراة، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء و في سنده جابر الجعفي وهو ضعيف.(۸۴)

وعلى أية حال فما روي عن بني إسرائيل في كتبنا بحاجة إلى تمحيص علمي كي يميز المخالف للكتاب عن موافقه، و ما لا يصدقه العقل عمّا يصدقه، وما يخالف اتفاق المسلمين عمّا يوافقه.

وقد بلغ اعتماد الصحابة على مستسلمة الاَحبار والرهبان بمكان أنّهم كانوا يسندون ما سمعوه من كعب الاَحبار إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ظناً منهم بصدق الخبر، وانّ الخبر ينتهي إلى الوحي السماوي، وقد وضعنا أمامك نموذجاً واضحاً على ذلك عند دراسة روايات أبي هريرة، فلاحظ.

هذه دراسة إجمالية لبعض ما أسند إلى ذلك الصحابي الجليل أبي سعيد الخدريّ، من الاَخبار السقيمة، والاَقاصيص الباطلة.

۱. سير أعلام النبلاء:۳/۱۶۸ برقم ۱۸.

۲. المسند الجامع: ۶/۵۷۵.

۳. أُسد الغابة: ۲/۲۸۹.

۴. المصدر نفسه: ۵/۲۱۱.

۵. الاستيعاب: ۲/۶۰۲ تحقيق علي محمد البجاوي.

۶. الغدير: ۱/۱۷۶.

۷. ابن قتيبة، الاِمامة والسياسة، ص ۱۹۵.

۸. مسند أحمد: ۳/۱۴.

۹. سنن الترمذي:۵/۶۶۲ برقم ۳۷۸۶.

۱۰. سنن ابن ماجة:۱/۲۵۶ برقم ۷۷۸؛ مسند أحمد: ۳/۲۱، قوله «أقبل اللّه عليه بوجهه» خلاف قوله «صرف اللّه وجهه عنه» وكلاهما كنايتان عن شمول الرحمة وخلافه.

۱۱. سنن ابن ماجة: ۱/۴۳۸ برقم ۱۳۷۶ ؛ مسند أحمد: ۳/۱۵.

۱۲. سنن ابن ماجة: ۱/۴۳۹ برقم ۱۳۷۸.

۱۳. صحيح البخاري: ۸/۱۲۵، باب المعصوم من عصم اللّه.

۱۴. سنن الترمذي: ۵/۲۹۸ برقم ۳۱۲۷ والآية ۷۵ من سورة الحجر .

۱۵. سنن أبي داود: ۴/۱۲۴ برقم ۴۳۴۴.

۱۶. صحيح مسلم: ۱/۵۰، باب كون النهي عن المنكر من الاِيمان.

۱۷. مسند أحمد: ۳/۲۲۳.

۱۸. صحيح مسلم: ۳/۱۰۲، باب فضل التعفف والصبر.

۱۹. البخاري: الاَدب المفرد، ص ۹۵؛ مسند أحمد:۳/۴۰.

۲۰. سنن الترمذي: ۴/۳۴۳ برقم ۱۹۶۲.

۲۱. سنن الترمذي: ۴/۳۳۹ برقم ۱۹۵۵.

۲۲. المسند الجامع: ۶/۱۵۸ـ ۱۵۹، قال أخرجه عبد بن حميد برقم ۹۶۸.

۲۳. مختصر تفسير ابن كثير: ۳/۲۷۲.

۲۴. الدر المنثور: ۷/۳۴۰.هكذا في المصدر و قد سقط من الرواية ذكر شريعة إبراهيم.

۲۵. الطباطبائي، الميزان: ۱۸/۲۹.

۲۶. صحيح مسلم: ۱/۴۲، باب من لقي اللّه بالاِيمان وهو غير شاك فيه، من كتاب الاِيمان.

۲۷. الدر المنثور: ۴/۱۰۴ والآية ۶۸ من سورة الاَنفال.

۲۸. البخاري: الصحيح: ۶/۶۷، قسم التفسير.

۲۹. فتح الباري: ۸/۳۳۸.

۳۰. توفي سيد الاَباطح أبو طالب موَمن قريش في العام العاشر من البعثة، وقد ثبت في محله إيمان أبي طالب ببراهين ساطعة وقد نزلت الآية في حقّ غيره.

۳۱. فتح الباري: ۸/۳۳۹.

۳۲. انظر فتح الباري: ۸/۳۳۸.

۳۳. البخاري: الصحيح: ۶/۱۱۸، تفسير سورة الاَحزاب. من هذا الفاجر الذي كان يدخل على بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟! فهل كان من المسلمين (الصحابة) «وهم عدول» أو من غيرهم، فإذا كان من غيرهم فكيف يدخل بيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) و ليس بمسلم ؟!

۳۴. المصدر السابق: ۶/۱۱۹. والآية ۵۳ من سورة الاَحزاب .

۳۵. الدر المنثور: ۶/۶۴۱.

۳۶. تفسير ابن كثير: ۲/۲۳۰. والآية ۲۰ من سورة النساء .

۳۷. الدر المنثور: ۲/۴۶۶.

۳۸. الدر المنثور:۱/۲۹۰. والآية ۱۲۵ من سورة البقرة .

۳۹. المسند الجامع: ۶/۱۶۵ برقم ۴۱۸۴ نقلاً عن عبد بن حميد برقم ۹۴۹.

۴۰. صحيح البخاري: ۴/۱۵۸، باب وفاة موسى.

۴۱. السيوطي: تاريخ الخلفاء: ۹۵.

۴۲. البخاري: ۸/۱۲۶، باب في القدر.

۴۳. فتح الباري: ۱۱/۵۰۹.

۴۴. صحيح مسلم: ۲/۵۷، باب منع المارّ بين يدي المصلي من كتاب الصلاة.

۴۵. الوسائل: ۳/۴۳۷، الباب ۱۲ من أبواب مكان المصلي، الحديث ۲

۴۶. الوسائل: ۳/۴۳۷، الباب ۱۲ من أبواب مكان المصلي، الحديث ۴و ۷.

۴۷. الوسائل: ۳/۴۳۷، الباب ۱۲ من أبواب مكان المصلي، الحديث ۴و ۷.

۴۸. الوسائل: ۳/۴۳۵، الباب ۱۱ من أبواب مكان المصلي، الحديث ۸و ۹.

۴۹. الوسائل: ۳/۴۳۵، الباب ۱۱ من أبواب مكان المصلي، الحديث ۸و ۹.

۵۰. شرح مسلم للنووي: ۴/۴۷۰ـ ۴۷۱، باب منع المار.

۵۱. وسائل الشيعة:۳/۴۳۵، الباب ۱۱، الحديث ۱۰.

۵۲. مسند أحمد:۳/۲۵.ومراده من قوله«وذلك قبل أن تنزل»... آية صلاة الخوف.

۵۳. السيوطي، الدر المنثور:۱/۷۳۶.

۵۴. الوسائل: ۵/۴۸۲، الباب ۳ من أبواب صلاة الخوف، الحديث۱، وانظر ما ورد في هذا المجال في ذلك الباب.

۵۵. الدر المنثور: ۱/۴۶.

۵۶. الدر المنثور: ۱/۷۳۷.

۵۷. صحيح البخاري:۵/۱۱۵، باب غزوة بني المصطلق؛ ورواه أحمد في مسنده:۳/۸۲

۵۸. سنن أبي داود: ۲/۲۴۸ برقم ۲۱۵۷.

۵۹. سنن أبي داود: ۲/۲۴۸ برقم ۲۱۵۸.

۶۰. صحيح مسلم: ۳/۱۴۳، باب جواز الصوم والفطر من شهر رمضان.

۶۱. مسندأحمد:۳/۸۲.ورواه أيضاً عن جابر بن سمرة في:۵/۱۰۴ لكن بتفاوت في اللفظ والمعنى؛ ورواه مسلم عن أبي هريرة في :۲/۷۲. وقد مرّت دراسة رواية الاَخير في محلها.

۶۲. فأُقعقعها: أي أحركها وأصلها حكاية صوت الشيء يسمع له صوت.

۶۳. سنن الترمذي:۵/۳۰۸ برقم ۳۱۴۸.

۶۴. الصافات:۸۹.

۶۵. الاَنبياء: ۶۳.

۶۶. التوراة ، سفر التكوين۱۲و۱۳، الاصحاح الثاني عشر.

۶۷. مسندأحمد: ۱/۲۸۱.

۶۸. مسند أحمد:۳/۲.

۶۹. مسند أحمد:۲/۵۴۰.

۷۰. سنن ابن ماجة: ۲/۱۴۴۰ برقم ۴۳۰۸.

۷۱. صحيح البخاري:۴/۱۴۰، باب قول اللّه تعالى: (واتخَذ اللّه إِبراهيم خليلاً) (النساء/۱۲۵).

۷۲. آل عمران: ۶۷.

۷۳. النساء: ۱۲۵.

۷۴. هود: ۷۵.

۷۵. النحل: ۱۲۰.

۷۶. مريم: ۴۱.

۷۷. التوراة، سفر التكوين۱۲و۱۳، الاصحاح الثاني عشر.

۷۸. مسند أحمد:۳/۴۶.

۷۹. المصدر السابق:۳/۳۹.

۸۰. مسلم: الصحيح:۸/۲۲۹، باب التثبت في الحديث.

۸۱. البخاري: الصحيح: ۴/۱۷۰، باب ما ذكر عن بني إسرائيل.

۸۲. فتح الباري: ۶/۴۹۸، باب ما ذكر عن بني إسرائيل.

۸۳. البخاري: الصحيح:۹/۱۱۱، باب قول النبي.

۸۴. فتح الباري: ۱۳/۳۳۴، باب قول النبي لا تسألوا أهل الكتاب.