513
ميزان الحکمه المجلد السادس

العاشر : إذا سمع أحدٌ مغتاباً لآخر وهو لايعلم استحقاقَ المقول عنه للغيبة ولاعدمه ، قيل : لايجب نهي القائل ، لإمكان استحقاق المقول عنه ، فيحمل فعل القائل علَى الصحّة مالم يعلم فساده ؛ لأنَّ ردعه يستلزم انتهاك حرمته ، وهو أحد المُحرَّمَين ، والأولى‏ التنبيه على‏ ذلك إلى‏ أن يتحقَّق المخرج عنه ؛ لعموم الأدلَّة وترك الاستفصال فيها ، وهو دليل إرادة العموم حذراً من الإغراء بالجهل ، ولأنّ ذلك لو تمَّ لتمشّى‏ فيمن يعلم عدم استحقاق المقول عنه بالنسبة إلَى السامع ، لاحتمال اطِّلاع القائل على‏ ما يوجب تسويغ مقاله ، وهو هدم قاعدة النهي عن الغيبة ، وهذا الفرد يستثنى‏ من جهة سماع الغيبة وقد تقدَّم أنّه إحدَى الغِيبتَين .
وبالجملة : فالتحرُّز عنها من دون وجه راجح في فعلها فضلاً عن الإباحة أولى‏ ، لتتَّسم النفس بالأخلاق الفاضلة، ويؤيِّدُه إطلاق النهي فيما تقدَّم لقولِهِ صلى اللَّه عليه وآله : «أتَدرُونَ ما الغِيبةُ ؟ قالوا : اللَّهُ ورسولُهُ أعلمُ ، قالَ : ذِكرُكَ أخاكَ بما يَكرَهُ» . وأمّا مع رُجحانها كردِّ المُبتَدِعة ، وزَجرِ الفَسَقة ، والتَّنفير عنهم ، والتحذير من اتِّباعهم ، فذلك يوصف بالوجوب مع إمكانه فضلاً من غيره ، والمُعتمَد في ذلك كلِّه علَى المقاصد ، فلا يغفل المتيقِّظ عن ملاحظة مقصده وإصلاحه ، واللَّه الموفِّق. انتهى‏ ملخَّص كلامه نوَّر اللَّه ضريحه.۱
وقال الشهيد رفع اللَّه درجته في قواعده : الغيبة محرَّمة بنصِّ الكتاب العزيز والأخبار ، وهي قسمان : ظاهر وهو معلوم و خفيٌّ وهو كثير ، كما فِي التعريض مثل : أنا لا أحضر مجلس الحكّام ، أنا لا آكل أموال الأيتام أو فلان ، ويشير بذلك إلى‏ من يفعل ذلك ، أو الحمد للَّه الذي نزَّهنا عن كذا يأتي به في معرض الشُّكر . ومن الخفيِّ الإيماء والإشارة إلى‏ نقص فِي الغير وإن كان حاضراً ، ومنه لو فعل كذا كان خيراً ، ولولم يفعل كذا لكان حسناً ، ومنه التنقّص بمستحقِّ الغيبة لينبِّه به

1.بحار الأنوار : ۷۵/۲۳۱ - ۲۳۴ .


ميزان الحکمه المجلد السادس
512

جِلبابَ الحَياءِ عن‏وَجهِهِ فلا غِيبةَ لَهُ» . وظاهر الخبر جواز غيبته وإن استنكف عن ذكر ذلك الذنب . وفي جواز اغتياب مطلق الفاسق احتمال ناشٍ من قوله صلى اللَّه عليه وآله : «لا غِيبَة لفاسِقٍ» ورُدَّ بمنع أصل الحديث ، أو بحمله على‏ فاسق خاصٍّ ، أو بحمله علَى النَّهي وإن كان بصورة الخبر ، وهذا هو الأجود إلّا أن يتعلَّق بذلك غرض دينيٌّ ومقصد صحيح يعود علَى المغتاب بأن يرجو ارتداعه عن معصيته بذلك ، فيلحق بباب النهي عن المنكر .
السابع : أن يكون الإنسان معروفاً باسم يُعرِب عن غِيبته كالأعرج والأعمش فلا إثم على من يقول ذلك ، كأن يقول : روى أبو الزناد الأعرج وسليمان الأعمش ومايجري مجراه ، فقد نقل العلماء ذلك لضرورة التعريف ، ولأ نّه صار بحيث لايكرهه صاحبه لو علمه بعد أن صار مشهوراً به . والحقُّ أنَّ ما ذكره العلماء المعتمدون من ذلك يجوز التعويل فيه على‏ حكايتهم ، وأمّا ما ذكره عن الأحياء فمشروط بعلم رضا المنسوب إليه لعموم النهي ، وحينئذٍ يخرج عن كونه غِيبة ، وكيف كان فلو وجد عنه معدلاً وأمكنه التعريف بعبارة اُخرى‏ فهو أولى‏ ، ولذلك يقال للأعمى‏ : «البصير» عُدولا عن اسم النَّقص .
الثامن : لو اطَّلع العدد الذين يثبت بهم الحدُّ أو التعزير على‏ فاحشة جاز ذكرها عند الحكّام بصورة الشهادة في حضرة الفاعل وغيبته ، ولا يجوز التعرُّض لها في غير ذلك إلّا أن يتَّجه فيه أحد الوجوه الاُخرى‏ .
التاسع : قيل : إذا عَلم اثنان من رجل معصية شاهداها فأجرى‏ أحدهما ذِكرها في غيبة ذلك العاصي جاز ؛ لأ نّه لايؤثِّر عند السامع شيئاً ، وإن كان الأولى تنزيه النفس واللسان عن ذلك لغير غرض من الأغراض المذكورة ، خصوصاً مع احتمال نسيان المَقول له لذلك المعصية ، أو خوف اشتهارها عنهما .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السادس
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1391
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 190375
الصفحه من 537
طباعه  ارسل الي