511
ميزان الحکمه المجلد السادس

وكذلك إذا رأيت رجلاً يتردَّد إلى‏ فاسق يُخفي أمره ، وخِفتَ عليه من الوقوع بسبب الصُّحبة فيما لايوافق الشرع ، فلك أن تنبِّهه على‏ فسقه مهما كان الباعث لك الخوف على إفشاء البدعة وسراية الفسق ، وذلك موضع الغرور والخديعة من الشيطان ؛ إذ قد يكون الباعث لك على‏ ذلك هو الحسد له على‏ تلك المنزلة فيلبِّس عليك الشيطان ذلك بإظهار الشَّفقة علَى الخلق ... ولتقتصر علَى العيب المنوط به ذلك الأمر ، فلا تذكر في عيب التزويج ما يُخِلُّ بالشركة أو المضاربة أو السفر مثلا ، بل تذكر في كلِّ أمر ما يتعلَّق بذلك الأمر ، ولا تتجاوزه قاصداً نصح المستشير لا الوقيعة ، ولو علم أنّه يترك التزويج بمجرَّد قوله : لايصلح لك ، فهو الواجب ، فإن علم أنّه لاينزجر إلّا بالتصريح بعيبه فله أن يصرِّح به ، قال النبيُّ صلى اللَّه عليه وآله : «أتَرعَوُون عن ذِكرِ الفاجِرِ حتّى‏ يَعرِفَهُ الناسُ ؟! اذكُرُوهُ بما فيه يَحذَرْهُ الناسُ» ، وقال صلى اللَّه عليه وآله لفاطمةَ بنتِ قيسٍ حينَ شاوَرَتهُ في خُطّابِها : «أمّا معاويةُ فَرَجُلٌ صُعلوكٌ لا مالَ لَهُ ، وأمّا أبوجَهمٍ فلا يَضَعُ العَصا عن عاتِقِهِ» .
الخامس : الجرح والتعديل للشاهد والراوي ، ومن ثمَّ وَضعَ العلماء كتبَ الرجال وقسَّموهم إلَى الثِّقات والمجروحين ، وذكروا أسباب الجرح غالباً . ويُشترط إخلاص النصيحة في ذلك كما مرَّ ، بأن يقصد في ذلك حفظ أموال المسلمين وضبط السُّنَّة وحمايتها عن الكذب ، ولايكون حامله العداوة والتعصُّب ، وليس له إلّا ذكر ما يحلُّ بالشهادة والرواية منه ، ولا يتعرَّض لغير ذلك مثل كونه ابن مُلاعَنة وشُبهة ، إلّا أن يكون متظاهراً بالمعصية كما سيأتي .
السادس : أن يكون المَقول فيه مستحقّاً لذلك لتظاهره بسببه ، كالفاسق المتظاهر بفسقه ، بحيث لايستنكف من أن يُذكَر بذلك الفعل الذي يرتكبه ، فيذكر بما هو فيه لابغيره، قال رسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : «مَن ألقى‏


ميزان الحکمه المجلد السادس
510

۱۵۶۴۳.الإمامُ الرِّضا عليه السلام: مَن ألقى‏ جِلبابَ الحَياءِ فلا غِيبَةَ لَهُ .۱

(انظر) الغيبة : باب : 3087 .
وسائل الشيعة : 8 / 604 باب 154.

كلامُ الشهيدِ الثاني في الأعذارِ المُرَخِّصَةِ للغِيبةِ:

اعلم أنَّ المرخِّص في ذكر مَساءة الغَير هو غرض صحيح فِي الشرع لايمكن التوصُّل إليه إلّا به ، فيدفع ذلك إثم الغيبة ، وقد حصروها في عشرة :
الأوّل : الظُّلم ؛ فإنَّ من ذكر قاضياً بالظُّلم والخيانة ، وأخذِ الرشوة ، كان مغتاباً عاصياً ، وأمّا المظلوم من جهة القاضي فله أن يتظلَّم إلى‏ من يرجو منه إزالة ظلمه ، وينسبَ القاضي إلَى الظلم ؛ إذ لايمكنه استيفاء حقِّه إلّا به ، وقد قال صلى اللَّه عليه وآله : «لصاحِبِ الحَقِّ مَقالٌ» وقال صلى اللَّه عليه وآله : «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلمٌ» ، وقال صلى اللَّه عليه وآله : «مَطْلُ الواجِدِ يُحِلُّ عِرضَهُ وعُقوبَتَهُ» .
الثاني : الاستعانة على‏ تغيير المنكر ، وردِّ المعاصي إلى‏ نهج الصلاح ، ومرجع الأمر في هذا إلَى القصد الصحيح ، فان لم يكن ذلك هو المقصود كان حراماً .
الثالثُ : الاستِفتاءُ ، كما تقول للمُفتي : ظلمني أبي وأخي ، فكيف طريقي فِي الخلاص ؟ والأسلم في هذا التعريض بأن تقول : ما قولك في رجل ظلمه أبوه أو أخوه ؟ وقد روي أنَّ هنداً قالت للنبيِّ صلى اللَّه عليه وآله : إنَّ أبا سفيانَ رَجُلٌ شحيحٌ لايُعطِيني مايَكفِيني أنا ووُلْدِي أفآخُذُ مِن غيرِ عِلمِهِ ؟ فقال : «خُذِي مايَكفِيكِ ووُلدَكِ بالمَعروفِ» ، فذَكَرتِ الشُّحَّ لها ولولدها ولم يزجرها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ، إذ كان قصدها الاستفتاء .۲
الرابع : تحذير المسلم من الوقوع فِي الخطر والشرِّ ، ونُصح المستشير ، فإذا رأيت متفقِّهاً يتلبَّس بما ليس من أهله فلك أن تنبِّه الناس على‏ نقصه وقصوره عمّا يؤهِّل نفسه له ، وتنبيههم علَى الخطر اللاحق لهم بالانقياد إليه ،

1.بحار الأنوار : ۷۵/۲۶۰/۵۹ .

2.قال المجلسي : الأحوط حينئذٍ التعريض لكون الخبر عامّيّاً، مع أنّه يحتمل أن يكون عدم المنع لفسق أبي سفيان ونفاقه .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السادس
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1391
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 192583
الصفحه من 537
طباعه  ارسل الي