275
ميزان الحکمه المجلد السادس

جزء يسير منها - لا يقدر أن يخلق مثل هؤلاء الناس؟! بلى‏ وإنّه خلّاق عليم.
والمراد بمثلهم قيل : هم وأمثالهم . وفيه : أ نّه مغاير لمعنى‏ «مِثْل» على‏ ما يعرف من اللغة والعرف .
وقيل : المراد بمثلهم هم أنفسهم بنحو الكناية ، على‏ حدّ قولهم : مِثلُكَ غنيّ عن كذا ؛ أي أنت غنيّ عنه . وفيه : أ نّه لو كان كناية لصحّ التصريح به ، لكن لا وجه لقولنا : أوَلَيسَ الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلقهم ، فإنّ الكلام في بعثهم لا في خلقهم ، والمشركون معترفون بأنّ خالقهم هو اللَّه سبحانه .
وقيل : ضمير (مِثلَهم) للسماوات والأرض ، فإنّهما تشملان ما فيهما من العقلاء ، فاُعيد إليهما ضمير العقلاء تغليباً ، فالمراد أنّ اللَّه الخالق للعالم قادر على‏ خلق مِثله . وفيه : أنّ المقام مقام إثبات بعث الإنسان لا بعث السماوات والأرض. على أنّ الكلام في الإعادة وخلق مثل الشي‏ء ليس إعادةً لعينه بل بالضرورة .
فالحقّ أن يقال : إنّ المراد بخلق مثلهم إعادتهم للجزاء بعد الموت ، كمايستفاد من كلام الطبرسيّ رحمة اللَّه عليه في «مجمع البيان» .
بيانه أنّ الإنسان مركّب من نفس وبدن ، والبدن في هذه النشأة في مَعرض التحلّل والتبدّل دائماً ، فهو لا يزال يتغيّر أجزاؤه ، والمركّب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه ، فهو في كلِّ آنٍ غيرُه في الآن السابق بشخصه ، وشخصيّة الإنسان محفوظة بنفسه - روحه - المجرّدة المنزّهة عن المادّة والتغيّرات الطارئة من قبلها المأمونة من الموت والفساد .
والمتحصَّل من كلامه تعالى‏ : أنّ النفس لا تموت بموت البدن ، وأ نّها محفوظة حتّى‏ ترجع إلَى اللَّه سبحانه كما تقدّم استفادته من قوله تعالى‏ : (وَقالوا ءَإذا ضَلَلْنا في الأرضِ ءَإنّا لَفي خَلْقٍ جَديدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِم كافِرونَ * قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوتِ الَّذي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إلى‏ رَبِّكُمْ تُرْجَعونَ) .۱

1.السجدة : ۱۰، ۱۱ .


ميزان الحکمه المجلد السادس
274

والدليل على‏ أنّ الإنسان المبعوث هو عين الإنسان الدنيويّ لا مثله : جميع آيات القيامة الدالّة على رجوع الإنسان إليه تعالى‏ وبعثه وسؤاله وحسابه ومجازاته بما عمل .
فهذا كلّه يشهد على أنّ المراد بالمماثلة ما ذكرناه ، وإنّما تعرّض لأمر البدن حتّى‏ ينجرّ إلى‏ ذِكر المماثلة محاذاةً لمتن ما استشكلوا به من قولهم : (ءَإذا كُنّا عِظاماً وَرُفاتاً ءَإنّا لَمَبْعوثونَ خَلْقاً جَديداً) فلم يُضمّنوا قولهم إلّا شؤون البدن لا النفس المتوفّاة منه ، وإذا قطع النظر عن النفس كان البدن مماثلاً للبدن ، وإن كان مع اعتبارها عيناً .
وذكر بعضهم : أنّ المراد بمثلهم نفسهم ، فهو من قبيل قولهم : مثلك لا يفعل هذا ؛ أي أنت لا تفعله . وللمناقشة إليه سبيل .
والظاهر أنّ العناية في هذا التركيب أنّ مثلك - لاشتماله على‏ مثل ما فيك من الصفة - لا يفعل هذا ، فأنت لا تفعله لمكان صفتك ، ففيه نفي الفعل بنفي سببه على‏ سبيل الكناية ، وهو آكد من قولنا : أنت لا تفعله .۱
قوله تعالى‏ : (أوَلَيسَ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأرْضَ بِقادِرٍ عَلى‏ أنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى‏ وَهُوَ الْخَلّاقُ العَْليمُ)۲الاستفهام للإنكار ، والآية بيان للحجّة السابقة المذكورة في قوله :(قُلْ يُحْييها الَّذي أنْشَأها أوَّلَ مَرَّةٍ ...) إلخ ، ببيان أقرب إلى الذهن ؛ وذلك بتبديل إنشائهم أوّل مرّة من خلق السماوات والأرض الذي هو أكبر من خلق الإنسان ، كما قالَ تعالى‏ : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأرْضِ أكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ) .۳
فالآية في معنى‏ قولنا : وكيف يمكن أن يقال : إنّ اللَّه - الذي خلق عوالم السماوات والأرض بما فيها من سعة الخلقة البديعة ، وعجيب النظام العامّ المتضمّن لما لا يُحصى‏ من الأنظمة الجزئيّة المدهشة للعقول المحيّرة للألباب ، والعالم الإنسانيّ

1.الميزان في تفسير القرآن : ۱۳/۲۰۹ ، ۲۱۰ .

2.يس: ۸۱ .

3.غافر : ۵۷ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السادس
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1391
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 190377
الصفحه من 537
طباعه  ارسل الي