273
ميزان الحکمه المجلد السادس

(أوَلَمْ يَرَوْا أنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأرْضَ قادِرٌ عَلَى‏ أنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأبَى الظَّالِمُونَ إلَّا كُفُوراً) .۱

(انظر) يس : 81 .

التّفسير :

قوله تعالى‏ : (أوَلَمْ يَرَوا أنَّ اللَّهَ الّذي خَلَقَ السّماواتِ وَالأرْضَ قادِرٌ عَلى‏ أنْ يَخْلُقَ مِثلَهُمْ ...) إلى‏ آخر الآية ، احتجاج منه تعالى‏ على البعث بعد الموت ، فقد كان قولهم : (ءَإذا كُنّا عِظاماً وَرُفاتاً ءَإنّا لَمَبعوثونَ خَلْقاً جَديداً)۲ استبعاداً مبنيّاً على‏ إحالة أن يعود هذا البدن الدنيويّ - بعد تلاشيه وصيرورته عظاماً ورُفاتاً - إلى‏ ما كان عليه بخلق جديد ، فاحتجّ عليهم بأنّ خلق البدن أوّلاً يثبت القدرة عليه وعلى‏ مثله الذي هو الخلق الجديد للبعث ، فحكم الأمثال واحد .
فالمُماثلة إنّما هي من جهة مقايسة البدن الجديد من البدن الأوّل مع قطع النظر عن النفس التي هي الحافظة لوحدة الإنسان وشخصيّته ، ولا ينافي ذلك كون الإنسان الاُخرويّ عينَ الإنسان الدنيويّ لا مثله ؛ لأنّ مِلاك الوحدة والشخصيّة هي النفس الإنسانيّة ، وهي محفوظة عند اللَّه سبحانه غير باطلة ولا معدومة ، وإذا تعلّقت بالبدن المخلوق جديداً كان هو الإنسان الدنيويّ ، كما أنّ الإنسان فِي الدنيا واحد شخصيّ باقٍ على وحدته الشخصيّة مع تغيّر البدن بجميع أجزائه حيناً بعد حين .
والدليل على‏ أنّ النفس التي هي حقيقة الإنسان محفوظة عند اللَّه مع تفرّق أجزاء البدن وفساد صورته قوله تعالى‏ : (وَقالوا ءَإذا ضَلَلْنا في الأرْضِ ءَإنّا لَفي خَلْقٍ جَديدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِم كافِرونَ * قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ المَوتِ الّذي وُكِّلَ بِكُمْ)۳ حيث استشكلوا فِي المعاد بأنّه تجديد للخلق بعد فناء الإنسان بتفرّق أجزاء بدنه ، فاُجيب عنه بأنّ ملك الموت يتوفّى الإنسان ويأخذه تامّاً كاملاً فلا يضلّ ولا يتلاشى‏ ، وإنّما الضالّ بدنه ولا ضير في ذلك ؛ فإنّ اللَّه يجدّده .

1.الإسراء : ۹۹ .

2.الإسراء : ۴۹ .

3.السجدة : ۱۰ ، ۱۱ .


ميزان الحکمه المجلد السادس
272

(وَاللَّهُ الَّذِي أرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إلَى‏ بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأحْيَيْنا بِهِ الْأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ) .۱

(فَأنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى‏ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) .۲

التّفسير :

قال العلّامة الطباطبائيّ في تفسير الآية الاُولى‏ : والمراد بقوله : (إنَّ ذلِكَ لَمُحْيي المَوتى‏) الدلالة علَى المماثلة بين إحياء الأرض الميّتة وإحياء الموتى‏ ؛ إذ في كلٍّ منهما موت - هو سقوط آثار الحياة من شي‏ءٍ محفوظ - وحياة هي تجدّد تلك الآثار بعد سقوطها ، وقد تحقّق الإحياء في الأرض والنبات ، وحياة الإنسان وغيره من ذوي الحياة مثلها ، وحكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد ، فإذا جاز الإحياء في بعض هذه الأمثال - وهو الأرض والنبات - فليجز فِي البعض الآخر .۳
وقال - في قوله تعالى‏ : (فَأحيَينا بِهِ الأرضَ بَعدَ مَوتِها) - : وأنبتنا فيها نباتاً بعد ما لم تكن ، ونسبة الإحياء إلى الأرض وإن كانت مجازيّة لكن نسبته إلى النبات حقيقيّة ، وأعمال النبات من التغذية والنموّ وتوليد المِثل وما يتعلّق بذلك أعمال حيويّة تنبعث من أصل الحياة .
ولذلك شبّه البعث وإحياء الأموات بعد موتهم بإحياء الأرض بعد موتها ؛ أي إنبات النبات بعد توقّفه عن العمل وركوده فِي الشتاء ، فقال : (كَذلِكَ النُّشورُ) ، أي البعث ، فالنشور بسط الأموات يوم القيامة بعد إحيائهم وإخراجهم من القبور .۴

2927 - الدَّليلُ الخامِسُ لِإثباتِ المَعادِ

الكتاب :

(أوَلَمْ يَرَوْا أنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلَى‏ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى‏ بَلَى‏ إنَّهُ عَلَى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ) .۵

1.فاطر : ۹ .

2.الأعراف : ۵۷ .

3.الميزان في تفسير القرآن : ۱۶/۲۰۳ .

4.الميزان في تفسير القرآن : ۱۷/۲۱ .

5.الأحقاف : ۳۳ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السادس
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1391
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 192590
الصفحه من 537
طباعه  ارسل الي