685
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

خلفهم وأنكحهم وأكل من فيئهم ، فلم يكن لنا أن نتعدَّى فعله ، ولا نتجاوز ما اشتهر عنه ؛ ألا ترى أنه لما برئ من معاوية برئْنا منه ، ولمّا لَعَنه لعنّاه ، ولمّا حَكم بضلال أهل الشام ومن كان فيهم من بقايا الصّحابة كعَمْرو بن العاص وعبد اللّه ابنه وغيرهما حكمنا أيضا بضلالهم!
والحاصل أنا لم نَجْعل بينه وبين النبي صلى الله عليه و آله وسلم إلاّ رتبة النبوّة ، وأعطيناه كلّ ما عدا ذلك من الفَضْل المشترك بينه وبينه ، ولم نَطعَن في أكابر الصحابة الذين لم يصحّ عندنا أنه طعن فيهم ، وعاملْناهم بما عامَلَهم عليه السلام به ۱ .

1.قال العلاّمة التستري في معرض ردّه على ابن أبي الحديد ما ملخّصه : قال : قلت : كلامه كله خلط وخبط ، فهو عليه السلام انما قال بهلاك محبه الغال القائل بأُلوهيته ، من أين زاد عليه : ( من قال بتكفير صحابة تقدموا عليه عليه السلام ) . وأمّا قوله : ( ولو أنه انكر امامتهم لقلنا أنهم من الهالكين ) فمن المضحك ، فالإنكار أحمر أو أخضر ، وله قرن أو ذنب ، وكيف لم ينكر وقد ملأت إنكاراته يوم السقيفة ، ويوم الشورى ما بين السماوات والأرض ، وهذا كتابه إلى معاوية في جواب كتابه : «وقلت أني كنت اُقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أُبايع ، ولعمر اللّه لقد أرادت أن تذم فمدحت ، وأن تفضح فافتضحت ، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما » ؟ [ نهج البلاغة / ضمن كتاب ۲۸ ] . وألم يأمر عمر يوم الشورى بقتل من خالف دستوره في تمهيده انتقال الأمر إلى عثمان ؟ وكيف يعقل تقدم جمع جهّال ذوي بدع ومناكير على مثله عليه السلام الّذي كان شريكا للنبيّ صلى الله عليه و آله وسلم في كل كمال وفضيلة سوى أصل النبوة؟ ألم يقل النبيّ للناس : «من كنت أولى به فعلي أولى به» ؟ ]حديث الغدير المتواتر / انظر ابن عساكر ۲ : ۴ ] ، فهل كان ذلك منه لفظ بلا معنى؟ وكلام هذا الرجل هنا نظير كلام عابدي الأصنام : إنّ اللّه تعالى خالق السماوات والأرض وما بينهما ، ومن ذلك فالأصنام آلهة مثله وشركاؤه ، قال تعالى : «ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخّر الشمس والقمر ليقولن اللّه فأنّى يُؤفكون» . ألم يكفِ الرجل في إنكاره عليه السلام أمر شيخيه إغضاؤه عن حقه يوم الشورى لما طلبوا منه العمل بسنتهما ]الطبري ۳ : ۳۰۱ ] ، وكذلك يوم حدوث الخوارج وبيعة أصحابه عليه السلام له ثانية ، فذلك يكفي إتمام حجة لمن كان له قلب أو ألْقى السمع وهو شهيد؟ ألم يكفه شكاياته عليه السلام طول أيامه في إمرة الثلاثة وفي إمرته ؟ ألم يكفه شكايات سيدة نساء العالمين وتكفيرها لهم صريحا في كلماتها ؟ وموتها كمدا مما عاملوها ! ودفن أمير المؤمنين لها سرا ! وقد كان عليه السلام يقول : «ظُلمت عدد المدر والوبر» ! ]الجمل ، للمفيد ۹۲ ] . وأمّا قوله : ( لو أنكر عليهم كما أنكر على معاوية لتبرأْنا منهم ) فغلط ومغالطة ، فالفرق بين يوم السقيفة ويوم معاوية كثير ، فيوم معاوية كان كما قال عليه السلام لو لم يكن أنكر وشهر السيف كان كفرا واضمحلالاً للإسلام [ الاستيعاب ابن عبد البر ۳ : ۵۳ ] ، كما أنّ يوم السقيفة لو كان خرج لاضمحلّ أصل الإسلام لحدوث عهدهم بالكفر ، وهو عليه السلام كان كالنبي عليه السلام يتحمل كل مشقة في سبيل الإسلام بعده كما معه ، والثلاثة كانوا لا يبالون أن يبدل الإسلام بالكفر ، فاغتنموا عداوة قريش المؤلفة الّذين حاربوا النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وكان وترهم على يده عليه السلام أن ينالوا بها الرئاسة والإمرة ، ولم يكن لهم أثر في الإسلام إلاّ الفرار في الغزوات . كما أن قوله : ( بأنه عليه السلام صلى خلفهم وأنكحهم وأكل من فيئهم ، فرضي بإمامتهم ) غلط ، فالتقية تجوز اظهار الكفر ، مع أن صلاته عليه السلام خلفهم كانت لا عن اقتداء ، فقالت عترته عليه السلام : انه بعد صلاة جمعته خلفهم كان يضيف إليها ركعتين ، وأمّا إنكاحهم فكان الرجل ذا سلطان فأجبره كما لا يخفى على من راجع سيرهم ، وكفاهم بذلك طعنا وشناعة . [ الكافي ، للكليني ۳ : ۳۷۴ ح۶ ] . وفي كتاب معاوية إلى محمّد بن أبي بكر : ( فهمّا به الهموم وأرادا به العظيم) . [ المسعودي / مروج الذهب ۳ : ۱۲ ] . وأمّا أكله من فيئهم فإنما كان لأنّ حكم اللّه ـ كما بيّنه عترته عليهم السلام ـ أن الجهاد إذا لم يكن من قبل الإمام فكل ما غنموه له عليه السلام ، والكتاب والسنة يحكمان بثبوت الخمس له ، فمنعوه الخمس كما أخذوا فدك منه غصبا وأجروه في الخمس كرجل منهم ، فلِمَ لا يأخذ جزءا من جزءٍ من حقه؟


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
684

وينْهد فيه الأشرار ، ينهضون إلى الولايات والرِّياسات ، وترتفع أقدارُهم في الدنيا . ويُستَذَلّ فيه أهْل الخيْر والدِّين ، ويكون فيه بَيْعٌ على وجه الاضطرار والإلجاء ؛ كمن بيعتْ ضَيْعَته ؛ وهو ذليل ضعيف ، مِن ربِّ ضَيْعةٍ مجاورة لها ذي ثَرْوة وعِزّ وجاه فيلجِئه بمَنْعه الماء واستذلاله الأكرةَ والوكيل إلى أن يبيعها عليه ؛ وذلك منهيٌّ عنه ، لأنّه حرامٌ مَحْض .

478

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام :يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ : مُحِبٌّ مُفْرِطٌ ، وَبَاهِتٌ مُفْتَرٍ .

قال الرضي رحمه الله : وهذا مثل قوله عليه السلام : «هَلَكَ فِيّ اثْنانِ : مُحِبٌّ غَالٍ ، وَمُبْغِضٌ قَالٍ » .

الشّرْحُ:

قد تقدّم شرحُ مِثلِ هذا الكلام ؛ وخلاصةُ هذا القول : أنّ الهالك فيه المُفْرِط والمفرِّط ، أما المُفرِط فالغُلاة ، ومن قال بتكفير أعيان الصّحابة ونِفاقِهم أو فِسْقهم ، وأمّا المُفرِّط فمن استنقص به عليه السلام أو أبغَضَه أو حارَبَه أو أضمَر له غِلاًّ ؛ ولهذا كان أصحابُنا أصحابَ النّجاة والخلاص والفَوْز في هذه المسألة ؛ لأنّهم سَلَكوا طريقةً مقتصدة ، قالوا : هو أفضل الخَلْق في الآخرة ، وأعلاهُم منزلةً في الجنّة ، وأفضل الخَلق في الدّنيا ، وأكثرهم خصائص ومزايَا ومناقب ، وكلّ من عاداه أو حاربه أو أبغَضَه فإنه عدوٌّ للّه سبحانه وخالدٌ في النّار مع الكفّار والمنافقين ، إلاّ أن يكون ممن قد ثبتتْ توبتُه ، ومات على تولِّيه وحُبِّه .
فأما الأفاضلُ مِن المهاجرين والأنصار الذين وَلُوا الإمامَة قبله فلو أنّه أنكر إمامتَهم وغضب عليهم ، وسخط فعلهم ، فضلاً عن أن يُشهِر عليهم السيف ، أو يدعو إلى نفسه ، لقُلْنا : إنهم من الهالكين ، كما لو غضب عليهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، لأنّه قد ثبَت أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمقال له : «حربُك حَرْبي ، وسَلْمك سَلْمي» ، وأنه قال : «اللهم والِ مَن والاه ، وعاد من عاداه» ، وقال له : «لا يُحبُّك إلاّ مُؤْمن ، وَلا يبغضك إلاّ مُنافِق» ، ولكنا رأيناه رضيَ إمامَتَهم وبايعهم وصلّى

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 113204
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي