683
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

وهذا الكلامُ من خطْبةٍ خَطبها في أيّام خلافته طويلةٍ ؛ يذكر فيها قُرْبه من النبي صلى الله عليه و آله وسلمواختصاصه له ، وإفضاءَه بأسراره إليه ، حتى قال فيها : «فاختار المسلمون بعده بآرائهم رجلاً منهم ، فقارَبَ وسَدّد حَسَب استطاعته على ضَعْفٍ وَحدّ كانا فيه ، وليهم بعده وَالٍ ، فأقامَ واستقامَ حتى ضَرَب الدِّين بِجرانهِ ، على عَسْف وعَجْرَفيّة كانا فيه ، ثمَّ اختلفوا ثالثاً لم يكن يملك من أمر نفسه شيئا ، غَلَب عليه أهلُه فقادوه إلى أهوائهم كما تقود الوليدةُ البعير المخْطوم ، فلم يزل الأمرُ بينه وبين الناس يَبعُد تارة ويقرُب أُخرى حتى نزَوْا عليه فقَتَلوه ، ثم جاءوا بي مَدَبّ الدَّبا يريدون بَيْعتي» . وتمام الخطبة معروف ، فليطلب من الكُتُب الموضوعة لهذا الفنّ .

477

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام :يَأتِي عَلَى النَّاس زَمَانٌ عَضُوضٌ ، يَعَضُّ الْمُوسِرُ فِيهِ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذلِكَ ، قَالَ اللّهُ سُبْحَانَهُ «وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ» ؛ يَنْهَدُ فِيهِ الْأَشْرَارُ ، وَيُسْتَذَلُ الْأَخْيَارُ ، ويُبَايِعُ الْمُضْطَرُّونَ ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَنْ بِيَعِ الْمُضْطَرِّينَ .

الشّرْحُ:

زمانٌ عَضُوض ؛ أي كلِب على النّاس ، كأنه يَعَضّهم ، وفُعول للمبالَغة ، كالنَّقور والعَقوق ، ويجوز أن يكون من قولهم : بئرٌ عَضُوض ، أي بعيدةُ القَعْر ضَيّقة ، وما كانت البئر عَضُوضاً ، فأعضّت ، كقَوْلهم : ما كانت جَرُوراً فأجرّت ، وهي كالعَضوض . وعَضّ فلانٌ على ما في يده ، أي بَخِل وأمسك .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
682

قال الرضي (رَحمهُ اللّهُ تعالى) : وهذه من الاستعارات العجيبة ، كأنه يشبه السَّتَهَ بالوعاء ، والعين بالوكاء ، فإذا أطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء . وهذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبي صلى الله عليه و آله ، وقد رواه قوم لأميرالمؤمنين عليه السلام ؛ وذكر ذلك المبرد في كتاب (المقتضب) في باب اللفظ بالحروف .
قالَ الرَّضيّ : وقد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم (بمجازات الآثار النبوية) .

الشّرْحُ:

المعروف أنّ هذا من كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، ذكَرَه المحدِّثون في كُتِبهم وأصحابُ غَرِيب الحديث في تصانيفهم ، وأهلُ الأدب في تفسير هذه اللّفظة في مجموعاتهم اللّغوية ، ولعل المبرِّد اشتَبَه عليه فنَسَبه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، والرواية بلَفْظ التثنية : «العَيْنان وِكاءُ السَّتَهِ» ، والسَّتَهُ : الاسْتُ .
وقد جاء في تمامِ الخَبَر في بعض الرّوايات : «فإذا نامت العَيْنان استَطلَق الوِكاء» ، والوكاء : رِباطُ القِرْبة ، فجعل العَيْنين وِكاء ـ والمُرَادُ اليَقَظة ـ للسَّتَه كالوِكاء للقِرْبة ، ومنه الحديث في اللُّقَطة : «احْفَظ عِفاصَها ووِكاءها ، وعرّفها سنةً ، فإن جاء صاحِبُها وإلاّ فشأنَك بها» ، والعِفاص : السِّداد ، والوكاء : السّداد ، وهذه من الكِنايات اللطيفة .

476

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام في كلامٍ لَه :وَوَلِيَهُمْ وَالٍ فأَقَامَ وَاسْتَقَامَ ، حَتَّى ضَرَبَ الدِّينُ بِجِرَانِهِ .

الشّرْحُ:

الجِران : مقدَّم العُنُق ، وهذا الوالي هو عمرُ بنُ الخَطاب ۱ .

1.قال محمد عبده : يريد بالوالي هنا : النبي صلى الله عليه و آله وسلم . ووليهم : أي تولّى أُمورهم وسياسة الشريعة فيهم . انتهى . وقوله عليه السلام : «فأقام واستقام» ، أي لم يكن عمر مثل عثمان لم يملك أمر نفسه ، وكان عمر بالضدّ ، كان مستبدّا . وقوله عليه السلام : «على عسف وعجرفية كانا فيه » : كقوله عليه السلام في الشقشقية : «حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخش مسّها ويكثر العثار فيها ...» نهج الصباغة للتستري ۹ : ۵۰۹ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 111191
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي