393
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

* أني لرَيب الدّهْرِ لا أتضعضع ۱ *
وضعضعت البناء : أهدمته . وعَفّرتْهُم للمناخر . ألصقت أنوفهم بالعَفَر ، وهو التراب . والمناسم : جمع منسِم ، بكسر السين ، وهو خُفّ البعير . ودان لها : أطاعها ، ودان لها أيضا : ذلّ . وأخلد إليها : مال ، قال تعالى : « وَلَكِنهٌ أخْلَدَ إلَى الأَرْضِ »۲ ، والسّغَب : الجوع ، يقول : إنما زودتهم الجوع ، وهذا مثَل ، كما قال : ومدحتُه فأجازَنِي الحرمانا .
ومعنى قوله : « أو نوّرت لهم إلاّ الظلمة » ، أي بالظلمة ، وهذا كقوله : « هل زودتهم إلاّ السّغب » . وهو من باب إقامة الضدّ مقام الضدّ ، أي لم تسمح لهم بالنور بل بالظلمة . والضنك: الضيق . ثم قال : فبئست الدار ، وحذف الضمير العائد إليها وتقديره « هي » كما قال تعالى : « نِعْمَ الْعَبْدُ »۳ ، وتقديره : « هو » . ومن لم يتّهمها : من لم يسؤ ظنَّا بها . والصفيح : الحجارة . والأجنان : القبور ، الواحد جَنَن ، والمجنون : المقبور ، ومنه قول الأعرابية : « للّه درّك من مجنون في جَنَن ! » . والأكنان : جمع كِنّ : وهو السّتْر ، قال تعالى : « وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَالِ أَكْنَانَاً »۴ . والرّفات : العظام البالية . والمندبة : الندْب على الميت . لا يبالون بذلك : لا يكترثون به . وجِيدُوا : مطروا . وقُحِطوا : انقطع المطر عنهم فأصابهم القَحْط ، وهو الجدب وإلى معنى قوله عليه السلام : « فهم جيرة لا يجيبون داعيا ، ولا يمنعون ضيما ، جميع وهم آحاد ، وجيرة وهم أبعاد ، متدانون لا يتزاورون ، وقريبون لا يتقاربون » .
واعلم أنّ هذه الخطبة ذكرها شيخنا أبو عثمان الجاحظ في كتاب « البيان والتبيين » ۵ ، ورواها لقَطَرِيّ بن الفجاءة ، والناس يروونها لأمير المؤمنين عليه السلام ، وقد رأيتها في كتاب « المونق » لأبي عبيد اللّه المرزباني مروية لأمير المؤمنين عليه السلام ، وهي بكلام أمير المؤمنين أشبه ، وليس يبعد عندي أن يكون قطريّ قد خطب بها بعد أن أخذها عن بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، فإن الخوارج كانوا أصحابه وأنصاره ، وقد لقي قَطَريّ أكثرَهم .

1.ديوان الهذليين ۱ : ۳ ، وصدره : * وَتَجَلُّدِي لِلشَّامِتِينَ أُرِيهمُ *

2.سورة الأعراف ۱۷۶ .

3.سورة ص ۳۰ .

4.سورة النحل ۸۱ .

5.البيان والتبيين ۲ : ۱۲۶ ـ ۱۲۹ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
392

قلتُ : لأنّ القوادم مقاديمُ الريش ، والراكب عليها بعرض خطر عظيم وسقوط قريب ، والجناح يستر ويقي البرد والأذى .
وتُوبقه : تهلكه ، والأبّهة : الكِبْر . والرَّنَق ، بفتح النون ، مصدر رَنَق الماء ، أي تكدّر وبالكسر الكدر ، وقد روي هاهنا بالفتح والكسر ، فالكسر ظاهر ، والفتح على تقدير حذف المضاف ، أي ذو رَنَق . وماء أُجَاج : قد جمع المرارة والمُلوحة ، أجّ الماءُ يؤُج أُجاجاً . والصبِر ، بكسر الباء : هذا النبات المرّ نفسه ، ثم سمِّي كلّ مرّ صبِرا . والسّمام : جمع سَمّ لهذا القاتل ، يقال سَمّ وسُمّ ، بالفتح والضم ، والجمع سِمام وسُموم . ورمام : بالية ، وأسبابها : حبالها . وموفورها : ذو الوفْر والثروة منها . والمحروب : المسلوب ، أي لا تحمي جارا ولا تمنعه .
ثم أخذ قوله تعالى : « وَسَكَنْتمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ »۱ ، فقال : « ألستم في مساكِن مَنْ كان قبلكم أطول أعماراً » ، نصب « أطول » بأنه خبر كان ، وقد دلّنا الكتَابَ الصادق على أنهم كانوا أطول أعمارا بقوله : « فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلاَّ خَمْسِينَ عَاما »۲ ، وثبت بالعيان أنّهم أبقى آثارا ؛ فإنّ من آثارهم الأهرام والإيوان ومنارة الإسكندرية وغير ذلك . وأمّا بُعدُ الآمال فمرتَّب على طول الأعمار ، فكلّما كانت أطول كانت الآمال أبعَد ، وإن عَنَى به علُوّ الهمم ، فلا ريب أنهم كانوا أعلى همما من أهل هذا الزمان ، وقد كان فيهم مَنْ ملَك معمورة الأرض كلّها ، وكذلك القول في « أعدَّ عديدا ، وأكثَف جنوداً » ، والعديد : العدوّ الكثير ؛ وأعدّ منهم ، أي أكثر .
قوله : « ولا ظهر قاطع » ، أي قاطع لمسافة الطريق . والفوادح : المثقلات ، فَدَحه الدَّين أثقله ، ويروى « بالقوادح » بالقاف ؛ وهي آفة تظهر في الشجر ، وصدوع تظهر في الأسنان . وأوهقتهم : جعلتهم في الوهَق ، بفتح الهاء ، وهو حبل كالطِّوَل ويجوز التّسْكين ، مثل نَهْر ونَهَر . والقوارع : المحن والدواهي ، وسميت القيامة قارِعة في الكتاب العزيز من هذا المعنى وضَعْضَعتهم : أذلّتهم ، قال أبو ذؤيب :

1.سورة إبراهيم ۴۵ .

2.سورة العنكبوت ۱۴ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 87894
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي