قَالُوا : « مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً »۱، حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ فَـلاَ يُدْعَوْنَ رُكْبَاناً ، وَأُنْزِلُوا الْأَجْدَاثَ فَـلاَ يُدْعَوْنَ ضِيفَاناً ، وَجُعِلَ لَهُمْ مِنَ الصَّفِيحِ أَجْنَانٌ ، وَمِنَ التُّرَابِ أَكْفَانٌ وَمِنَ الرُّفَاتِ جِيرَانٌ ، فَهُمْ جِيرَةٌ لاَ يُجِيبُونَ دَاعِياً ، وَلاَ يَمْنَعُونَ ضَيْماً ، وَلاَ يُبَالُونَ مَنْدَبَةً . إِنْ جِيدُوا لَمْ يَفْرَحُوا ، وَإِنْ قُحِطُوا لَمْ يَقْنَطُوا . جَمِيعٌ وَهُمْ آحَادٌ ، وَجِيرَةٌ وَهُمْ أَبْعَادٌ . مُتَدَانُونَ لاَ يَتَزَاوَرُونَ ، وَقَرِيبُونَ لاَ يَتَقَارَبُونَ .
حُلَمَاءُ قَدْ ذَهَبَتْ أَضْغَانُهُمْ ، وَجُهَلاءُ قَدْ مَاتَتْ أَحْقَادُهُمْ . لاَ يُخْشَى فَجْعُهُمْ ، وَلاَ يُرْجَى دَفْعُهُمْ ، اسْتَبْدَلُوا بِظَهْرِ الْأَرْض بَطْناً ، وَبِالسَّعَةِ ضِيقاً ، وَبِالْأَهْلِ غُرْبَةً ، وَبِالنُّورِ ظُلمَةً ، فَجَاؤوهَا كَمَا فَارَقُوهَا ، حُفَاةً عُرَاةً ، قَدْ ظَعَنُوا عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ إِلَى الْحَيَاةِ الْدَّائِمَةِ وَالدَّارِ الْبَاقِيَةِ ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : « كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ »۲ .
الشّرْحُ :
خَضِرة ، أي ناضرة ، وهذه اللفظة من الألفاظ النبوية ، قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « إنّ الدنيا حُلْوة خضِرة ، وإن اللّه مستَخلِفُكم فيها ، فناظر كيف تعملون ! » ۳ . وحُفَّت بالشهوات ، كأن الشهوات مستديرة حولها ، كما يحفّ الهودجُ بالثياب ، وحَفّوا حوله يحفُّونَ حَفّاً : أطافوا به ، قال اللّه تعالى : « وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ »۴ .
قوله : « وتحبّبت بالعاجلة » ، أي تحبّبت إلى الناس بكونها لذّة عاجلة ، والنفوس مغرمة مولَعة بحبّ العاجل ، فحذف الجار والمجرور القائم مقام المفعول . قوله : « وراقت بالقليل » ، أي أعجبت أهلها ؛ وإنما أعجبتهم بأمر قليل ليس بدائم . قوله : « وتحلّت