391
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

بالآمال» من الحِلْية ، أي تزيّنت عند أهلها بما يؤمّلون منها . قوله : « وتزيّنت بالغرور » ، أي تزيّنت عند الناس بغرور لا حقيقة له . والحَبْرة : السرور . وحائلة : متغيّرة : ونافده : فانيه . وبائدة : منقضية . وأكّالة : قتالة . وغوّالة : مهلكة . والغَوْل : ما غال ، أي أهلك ؛ ومنه المثل : « الغضب غُول الحلم » .
ثم قال : إنها إذا تناهتْ إلى أُمنيّة ذوي الرغبات فيها لا تتجاوز أن تكون كما وصفها اللّه تعالى به وهو قوله : « وَاضْرِبُ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيما تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شيءٍ مُقْتَدِرا » ، فاختلط ، أي فالتفّ بنبات الأرض . وتكاثف به ، أي بسبب ذلك الماء وبنزوله عليه ويجوز أن يكون تقديره : فاختلط بنبات الأرض ؛ لأ نّه لَمّا غَذَاه وأنماه ، فقد صار مختلطا به ، ولَمّا كان كلّ واحد من المختلطيْن مشاركا لصاحبه في مسمّى الاختلاط جاز « فاختلط به نبات الأرض » ، كما يجوز : فاختلط هو بنبات الأرض . والهشيم : ما تهشّم وتحطّم ، الواحدة هشيمة . وتذرُوه الرياح : تطيره . وكان اللّه على ما يشاء ، من الإنشاء والإفناء مقتدراً .
قوله : « من يلق من سَرّائها بطناً » إنما خصّ السرّاء بالبطن ، والضرّاء بالظهر ؛ لأنّ الملاقي لك بالبطن ملاقٍ بالوجه ، فهو مقبل عليك ، والمعطيك ظهرَه مدبِر عنك . وقيل : لأنّ التّرس بطنُه إليك وظهره إلى عدوك ، وقيل : لأنّ المشيَ في بطون الأودية أسهلُ من السير على الظِّرَاب والآكام . وطلّه السحابَ يُطلُّه ، إذا أمطره مطراً قليلاً ، يقول : إذا أعطت قليلاً من الخير أعقبت ذلك بكثير من الشرّ ؛ لأنّ التّهتَان الكثير المطر ، هتن يهتِن بالكسر ، هَتْناً وهُتوناً وتَهْتاناً .
قوله : « وحريّ » ، أي جدير وخَليق ، وتَقول : هو حَريّ أن يفعل ذلك ، بالفتح ، أي جدير وقمين ، لا يثنّى ولا يجمع .
فإن قلت : فهلا قال : « وحريّة إذا أصبحت » ؛ لأ نّه يخبر عن الدنيا ؟!
قلت : أراد شأنها ، فذكّر ، أي وشأنها خليق أن يفعل كذا .
واعذوذب : صار عذباً . واحْلوْلَى : صار حُلْوا . وأمرّ الشيءُ ، أي صار مرّا . وأوْبى : صار وبيّا ، وليَّن الهمز ؛ لأجل السجع . والرَّغَب : مصدر رغبت في الأمر رغْبة ورَغَباً ، أي أردته .
يقول : لا ينال الإنسان منها إرادته إلاّ أرهقته تَعَبا ، يقال : أرهقه إثماً ، أي حَمّله وكلّفه.
فإن قلت : لم خَصّ الأمن بالجناح والخوف بالقوادم؟


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
390

قَالُوا : « مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً »۱، حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ فَـلاَ يُدْعَوْنَ رُكْبَاناً ، وَأُنْزِلُوا الْأَجْدَاثَ فَـلاَ يُدْعَوْنَ ضِيفَاناً ، وَجُعِلَ لَهُمْ مِنَ الصَّفِيحِ أَجْنَانٌ ، وَمِنَ التُّرَابِ أَكْفَانٌ وَمِنَ الرُّفَاتِ جِيرَانٌ ، فَهُمْ جِيرَةٌ لاَ يُجِيبُونَ دَاعِياً ، وَلاَ يَمْنَعُونَ ضَيْماً ، وَلاَ يُبَالُونَ مَنْدَبَةً . إِنْ جِيدُوا لَمْ يَفْرَحُوا ، وَإِنْ قُحِطُوا لَمْ يَقْنَطُوا . جَمِيعٌ وَهُمْ آحَادٌ ، وَجِيرَةٌ وَهُمْ أَبْعَادٌ . مُتَدَانُونَ لاَ يَتَزَاوَرُونَ ، وَقَرِيبُونَ لاَ يَتَقَارَبُونَ .
حُلَمَاءُ قَدْ ذَهَبَتْ أَضْغَانُهُمْ ، وَجُهَلاءُ قَدْ مَاتَتْ أَحْقَادُهُمْ . لاَ يُخْشَى فَجْعُهُمْ ، وَلاَ يُرْجَى دَفْعُهُمْ ، اسْتَبْدَلُوا بِظَهْرِ الْأَرْض بَطْناً ، وَبِالسَّعَةِ ضِيقاً ، وَبِالْأَهْلِ غُرْبَةً ، وَبِالنُّورِ ظُلمَةً ، فَجَاؤوهَا كَمَا فَارَقُوهَا ، حُفَاةً عُرَاةً ، قَدْ ظَعَنُوا عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ إِلَى الْحَيَاةِ الْدَّائِمَةِ وَالدَّارِ الْبَاقِيَةِ ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : « كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ »۲
.

الشّرْحُ :

خَضِرة ، أي ناضرة ، وهذه اللفظة من الألفاظ النبوية ، قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « إنّ الدنيا حُلْوة خضِرة ، وإن اللّه مستَخلِفُكم فيها ، فناظر كيف تعملون ! » ۳ . وحُفَّت بالشهوات ، كأن الشهوات مستديرة حولها ، كما يحفّ الهودجُ بالثياب ، وحَفّوا حوله يحفُّونَ حَفّاً : أطافوا به ، قال اللّه تعالى : « وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ »۴ .
قوله : « وتحبّبت بالعاجلة » ، أي تحبّبت إلى الناس بكونها لذّة عاجلة ، والنفوس مغرمة مولَعة بحبّ العاجل ، فحذف الجار والمجرور القائم مقام المفعول . قوله : « وراقت بالقليل » ، أي أعجبت أهلها ؛ وإنما أعجبتهم بأمر قليل ليس بدائم . قوله : « وتحلّت

1.سورة فصّلت ۱۵ .

2.سورة الأنبياء ۱۰۴ .

3.صحيح مسلم ۵ : ۲۷۴ ح۲۷۴۲ ، المستدرك على الصحيحين ۴ : ۵۵۱ ح۸۵۴۳ ، سنن البيهقي ۳ : ۳۶۹ ، الجامع الصغير للسيوطي ۲ : ۱۷ .

4.سورة الزمر ۷۵ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 89032
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي