معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس، أبو عبد الرحمان الاَنصاري الخزرجي المدنيّ البدريّ، ولد عام ۲۰ قبل الهجرة، شهد العقبة وهو شابّ، كما شهد بدراً والمشاهد، و روى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أحاديث ناهزت ۱۰۸، بعثه النبي للقضاء إلى اليمن بعد ما علّمه آداب القضاء، وتوفي في الشام عام ۱۸ بعد الهجرة على أحد الاَقوال.

والسابر في طيات كتب الرجال يجد في حقّه كلمات تدل على مكانته الرفيعة في القراءة ومعرفة الحلال و الحرام:

۱. عن عبد اللّه بن عمر، قال: أربعة رهط لا أزال أحبهم بعدما سمعت رسول اللّه، قال: «خذوا القرآن من أربعة، من: ابن مسعود، و سالم مولى أبي حذيفة، وأُبي بن كعب، و معاذ بن جبل».(۱)

۲. عن أبي قلابة، عن أنس مرفوعاً: وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، و يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرسلاً ومتصلاً: «يأتي معاذ يوم القيامة أمام العلماء برتوة».

وعن أبي سعيد قال: قال رسول اللّه: «معاذ بن جبل أعلم الناس بحلال اللّه وحرامه.(۲)إلى غير ما ذكر من كلمات الاِطراء والثناء في حقّه المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن الصحابة.

وقد نقل عنه أصحاب الصحاح والمسانيد انّه قال: لما بعثني النبي إلى اليمن، قال لي كيف تقضي إن عرض لك قضاء؟ قال: قلت: أقضي بما في كتاب اللّه فإن لم يكن فبما قضى به رسول اللّه، قال: فإن لم يكن فبما قضى به الرسول؟ قال: اجتهد رأيي ولا آلو، فضرب صدري، وقال: «الحمد للّه الذي وفق رسول رسول اللّه لما يرضي رسول اللّه».(۳)

هذه نبذة إجمالية عن سيرة معاذ بن جبل، والكلمة التي ذكرها النبي عند بعثه إلى اليمن للقضاء.

إنّ الوقوف على مكانة ذلك الصحابي رهن دراسة أمرين:

أ. دراسة الاَحاديث التي رواها عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) .

ب. دراسة حديث الاجتهاد الذي بلغ من الشهرة بمكان حتى اتخذه أصحاب القياس سنداً لاِعماله في استنباط الاَحكام الشرعية. وقد فسر الاِمام الشافعي الاجتهاد الوارد فيه بالقياس، كما سيوافيك تفصيله.

أحاديثه الرائعة

روى أصحاب الصحاح والسنن و المسانيد روايات عنه في شتى الموضوعات، كالاِيمان و الطهارة والجنائز والصلاة و الزكاة والصيام والنكاح والعتق و الفرائض والحدود والديات والقضاء والطب والمرض والاَدب والذكر والدعاء و القرآن والعلم والجهاد والاَمارة و المناقب والزهد والفتن وأشراط الساعة والجنة، ويناهز مجموع ما نقل عنه من الاَحاديث قرابة ۱۰۸، فهو تارة ينقل نص قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأُخرى فعله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وفي الوقت نفسه فإنّ قسماً من تلك الروايات هي في الواقع رواية واحدة نقلت بصور مختلفة فعدُّوها روايات متعددة كأكثر ما رواه في باب الاِيمان مثلاً حديثه المعروف «ما حقّ اللّه على العباد» رويت بصور تسع مع أنّـها في الحقيقة رواية واحدة، وعلى هذا الغرار يقلُّ عدد أحاديثه عن العدد المذكور بكثير، فلنذكر شيئاً من روائع أحاديثه:

۱. عن ابن عباس انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال: إنّك تأتي قوماً أهل كتاب فادعُهم إلى شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و انّي رسول اللّه، فان هم أطاعوك لذلك فاعلمهم انّ اللّه افترض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فاعلمهم أنّ اللّه افترض عليهم صدقة في أموالهم توَخذ من أغنيائهم وتردّ في فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإيّاك و كرائم أموالهم، و اتق دعوة المظلوم فانّها ليس بينها و بين اللّه عزّ وجلّ حجاب.(۴)

۲. قال: إنّ النبي قال سأنبئك بأبواب من الخير: الصوم جُنّة، والصدقة تطفىَ الخطيئة كما يطفىَ الماء النار، وقيام العبد من الليل ثمّ قرأ: (تَتَجافى جُنُوبهُمْ عَنِ المَضاجِعِ) .(۵)

۳. كان معاذ باليمن فارتفعوا إليه في يهودي مات، و ترك أخاً مسلماً، فقال معاذ: إنّي سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:

«إنّ الاِسلام يزيد و لا ينقص» فورّثه.(۶)

۴. وقال: إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «الجهاد عمود الاِسلام و ذروة سنامه».(۷)

إلى غير ذلك من روائع الاَحاديث التي يعلو هامتها نور النبوة و يشهد علو مضامينها على صدورها في بيت الوحي.

أحاديثه السقيمة

وقد روي عنه روايات شاذة لا تصح نسبتها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وإليك دراسة قسم منها:

۱. روَية اللّه في أحسن صورة

أخرج الترمذي في كتاب تفسير القرآن عن طريق مالك بن يحامر السكسكيِّ، عن معاذ بن جبل (رض) قال: احتبس عنّا رسول اللّه ص ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين(۸)الشمس، فخرج سريعاً فتثوّب بالصلاة، فصلّى رسول اللّهوتجوز في صلاته، فلمّا سلّم دعا بصوته، قال لنا: على مصافّكم كما أنتم، ثمّ انفتل(۹)إلينا، ثمّ قال: أما إنّي سأُحدثكم ما حبسني عنكم الغداة، إنّي قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قُدّر لي، فنعست في صلاتي حتى استثقلت(۱۰)فإذا أنا بربي تبارك و تعالى في أحسن صورة. فقال: يا محمَّد، قلت: لبيك ربي، قال: فيم يختصم الملاَ الاَعلى؟ قلت: لا أدري، قالها ثلاثاً.

قال: فرأيته وضع كفه بين كتفيّ حتى وجدت برد أنامله بين ثدييّ(۱۱)فتجلّى لي كل شيء و عرفت، فقال: يا محمد قلت: لبيك ربِّ قال: فيم يختصم الملاَ الاَعلى قلت: في الكفارات، قال: ما هنَّ، قلت: مشي الاَقدام إلى الحسنات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء حين الكريهات(۱۲).. الخ.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. سألت محمد بن إسماعيل (يريد البخاري) عن هذا الحديث، قال: هذا حديث حسن صحيح.

ورواه الاِمام أحمد في مسنده في حديث معاذ.(۱۳)

وللنظر في هذه الرواية ساحة رحبة.

أوّلاً: انّ المتبادر من الحديث هو انّ الصحابة كانوا على انتظار بُغية مجيَ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليصلّوا معه، وما صلّوا حتى خرج إليهم رسول اللّه وقد تراءى عين الشمس، ومعنى ذلك انّ الصحابة تركوا الصلاة عمداً والنبي فاتت عنه الصلاة لغلبة النعاس عليه، ولو انّ الصحابة أدّوا الصلاة قبل خروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم لجاء ذكره في الحديث فهذا ما لا نحتمله في حق الصحابة فضلاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

ثانياً: انّ «التثوّب بالصلاة» المشار إليه في الحديث عبارة عن قول الموَذن في أذان صلاة الصبح «الصلاة خير من النوم» و إنّما يذكر هذ الفصل من الاَذان عند إقامة الصلاة أداءً لا قضاءً، و المفروض انّ النبي أدّى صلاته قضاءً.

مضافاً إلى أنّه لم يثبت وجود التثوب بالاَذان في عهد رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» ، و إنّما أضيف إليه بعد رحيله، روى الاِمام مالك في موطّئه: انّالموَذن جاء إلى عمر بن الخطاب يأذنه لصلاة الصبح، فوجده نائماً، فقال: الصلاة خير من النوم، فأمر عمر أن يجعلها في نداء الصبح.(۱۴)

والكلام في التثوب ذو شجون، وقد استوفينا البحث عنه في كتابنا «الاعتصام بالكتاب والسنّة».(۱۵)

وثالثاً: انّه سبحانه أجلّ من أن يتجلّى لنبيه في النوم بأحسن صورة، و أن يكون له كف و أنامل لها برد، و أن يضعها بين كتفي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، تعالى عن ذلك علواً كبيراً.

هب انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما ينقل ما رآه في المنام دون أن يحكي عن الواقع، و لكن هل من الصحيح أن يذكر ما رآه دون أن يعقبه بكلمة وهي: انّ ربّه أجّل من أن يوصف بتلك الاَوصاف، لئلاّ يقع السُّذَّج من الناس في ورطة التجسيم والتشبيه؟!

وأغلب الظن انّ الرواية من مجعولات مستسلمة أهل الكتاب الذين روّجوا مسألة التشبيه و التجسيم و دسّوها في أحاديث المسلمين. و إن رآها الترمذي حديثاً حسناً صحيحاً، أو صحّحه البخاري حسب ما نقله الترمذي.

ثمّ إنّي وقفت ـ بعد ما حرّرت ذلك ـ على كلام للمحقّق السيد حسن السقاف حول الحديث، فنأتي به موجزاً:

يقول: إنّ متن الحديث يشتمل على ألفاظ منكرة توَكد وضعه :

۱. إثبات الصورة للّه تعالى، وكذلك إثبات الكفّ له ـ سبحانه وتعالى عن ذلك ـ وإنّها بقدر ما بين كتفي سيدنا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) .

«أجمع أهل السنة على استحالة الصورة على اللّه عزّ وجلّ، كما نقل ذلك الاِجماع الشيخ الاِمام عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق (ص ۳۳۲) .

وقال الشافعي : والاِجماع أكبر من الحديث المنفرد».(۱۶)

أي إنّ الاِجماع إذا صادمه حديث آحاد أسقط الاحتجاج به، بل يدلّ ذلك على وضعه و انّه لا أصل له كما يقول الحافظ الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه(۱/۱۳۲).

۲. إثبات الكف هنا إثبات جارحة للّه تعالى ويبعد تأويلها بالقدرة، لاَنّ قدرة اللّه عزّ وجلّ شاملة لجسد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) الشريف، وإثبات أنّه وجد برد كفّ اللّه تعالى عن ذلك، بين ثدييه (صلى الله عليه وآله وسلم) يبعّد التأويل بالقدرة، ويوَكد وضع الحديث، لا سيما أنّ الحفاظ كالذهبي قالوا عنه منكَر لاَجل هذه الاَلفاظ وأشباهها.

كما أنّ تأويل قوله: في أحسن صورة، أي أحسن صورة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فيه تكلّف لا يخفى، والحديث موضوع لا يثبت.(۱۷)

هذا إذا نظرنا إلى الحديث من جانب المضمون والتطبيق على الاَُصول القطعية، وأمّا إذا أردنا دراسة الحديث من حيث السند، فهو إذن مثل المضمون مرفوض جداً وقد نصّ على ضعف السند أبطال الحديث، فقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات (۱/۱۲۵)، والحافظ السيوطي في كتابه «اللآلي المصنوعة في الاَحاديث الموضوعة» (۱/۳۱) وذكر انّ في سنده حماد بن سلمة، وقال الاِمام الحافظ البيهقي في كتابه «الاَسماء والصفات» (ص ۳۰۰): «وقد روي من وجه آخر وكلّها ضعيف».

فإن قال قائل قد حسّن الترمذي الحديث، بل قد صحّحه في بعض الروايات عنه.

قلنا: هذا لا ينفع، لاَنّ الترمذي متساهل في التصحيح والتحسين مضافاً إلى معارضته بتضعيف الحفاظ الذين تعرفت على أسمائهم، فقد صرّحوا بأنّ الحديث منكر و موضوع، فهو مقدَّم على تحسين الترمذي أو تصحيحه.

ولو أردنا نقل كلمات الحفاظ حول الحديث لطال بنا الكلام وهو خارج عن موضوع الكتاب.(۱۸)

۲. إفشاء سر النبي

أخرج الاِمام أحمد، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن معاذ بن جبل، قال: كنت ردف النبي فقال: هل تدري ما حقّ اللّه عزّ وجلّ على عباده؟ قلت: اللّه و رسوله أعلم، قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً. قال: هل تدري ما حقّالعباد على اللّه إذا فعلوا ذلك؟ أن يغفر لهم و لا يعذبهم.

قال معمر في حديثه: قال: قلت يا رسول اللّه ألا أُبشرِّ الناس قال: دعهم يعملوا.(۱۹)

ورواه البخاري بنفس ذلك النص إلاّ انّه قال: قلت يا رسول اللّه: أفلا أبشّر به الناس، قال: لا تبشرهم فيتّكلوا.(۲۰)

ورواه مسلم بنفس المضمون في باب من لقي اللّه بالاِيمان و هو غير شاك فيه.(۲۱)

وللنظر في هذا الحديث كالحديث السابق مجال واسع، فإذا نهاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن البشارة به بقوله:« دعهم يعملوا» أو بقوله:« لا تبشرهم فيتكلوا» فلِمَ أفشى سرّ النبي؟

أضف إلى ذلك انّ ما جاء به النبي لم يكن أمراً مستوراً على المسلمين بل جاء في الذكر الحكيم في قوله سبحانه: (إِنَّ اللّهَ لا يغْفِرُ أَنْ يُشْركَ بِهِوَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاء) (النساء/۴۸).

نعم، انّ أنس بن مالك برّر إفشاء سرِّ النبي من قِبَلِ معاذ، بقوله: «وأخبر بها معاذاً عند موته تأثماً».(۲۲)

وقال ابن حجر العسقلاني في تفسير قوله تأثماً: هو بفتح الهمزة و تشديد المثلثة المضمومة، أي خشية الوقوع في الاِثم، والمراد بالاِثم الحاصل من كتمان العلم ودلّ صنيعُ معاذ على أنّه عرف انّ النهي عن التبشير كان على التنزيه لا على التحريم وإلاّلما كان يخبر به أصلاً أو عرف انّ النهي مقيد بالاتكال فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك فإذا زال القيد زال المقيد، و الاَوّل أوجه لكونه أخّر ذلك إلى وقت موته.(۲۳)

وما برَّر به أنس فعل معاذ تبرير غير تام، لاَنّ نهي النبي يدور أمره بين كونه تحريمياً أو تنزيهياً، فعلى الاَوّل يكون الاِظهار موجباً للاِثم دون الكتمان، وعلى الثاني يكون الاِظهار والكتمان على حدّ سواء لكن الكتمان كان أولى من الاِظهار فلم يكن هناك أي إثم حتى يبرِّر عمله هذا بالتأثم و يفسر بالاِثم الحاصل من كتمان العلم.

هذا ما يرجع إلى كلام أنس، وأمّا ما ذكره العسقلاني من أنّ النهي كان تنزيهياً لا تحريميّاً لا يلائمه ظاهر الحديث حيث إنّ الاتكال على الايمان القلبي دون العمل أمر محظور، فلذلك يكون ما يستلزمه ـ أي الاظهار ـ منهياً عنه بالنهي التحريمي لا التنزيهي.

وأضعف من ذلك تبريره الثاني حيث قال: إنّ النهي كان مقيداً بالاتكال، فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك.

وجه الضعف انّ معاذاً كان واقفاً على أنّ السامع سوف يبثّه بين المسلمين وفيه من يُخشى عليه من الاتكال، فلِمَ أخبره به و لم يأخذ منه عهداً أن لا يخبر به أحداً إلاّ مثله.

فرفضُ الحديث وتنزيه مقام معاذ أولى من قبوله و تبريره بهذه المبررات التي لا تُسمن ولا تغني من جوع.

۳. السذاجة في فهم الشريعة

أخرج الاِمام أحمد، عن أبي ظبيان، عن معاذ بن جبل انّه لما رجع من اليمن، قال: يا رسول اللّه رأيت رجالاً باليمن يسجد بعضهم لبعض أفلا نسجد لك؟ قال: لو كنت آمراً بشراً يسجد لبشر لاَمرت المرأة أن تسجد لزوجها.(۲۴)

ويظهر ممّا رواه كشف الاَستار عن زوائد البزار، انّه بعد ما رجع من الشام سجد للنبيّ، و إليك نصّه:

عن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل: انّه أتى الشام فرأى النصارى يسجدون لاَساقفتهم وبطارقتهم ورهبانهم، ورأى اليهود يسجدون لاَحبارهم وعلمائهم وفقهائهم، فقال: لاَي شيء تفعلون هذا؟ قالوا: هذه تحية الاَنبياء، قلنا: فنحن أحقّ أن نصنع بنبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلمّا قدم على نبيِّ اللّه سجد له، فقال: ما هذا يا معاذ؟! فقال: إنّي أتيت الشام فرأيت النصارى يسجدون لاَساقفتهم(۲۵)...إلى آخر ما ذكر.

إنّ الوثوق بهذا الحديث أمر عسير، فلو صحّ لدلّ على سذاجة الرجل في فهم الشريعة، وذلك لاَنّ السجود و إن لم يساوق العبادة، إذ ربَّ سجود لا يعد عبادة كسجود الملائكة لآدم وسجود يعقوب وأولاده ليوسف، بيد انّ السجود في عهد النبي كان رمزاً للعبادة ومجسِّداً لها ومظهراً من مظاهرها، فكيف خفيت تلك الحقيقة على ذلك الصحابي و سجد للنبي، في حين انّ الناس يرونه عبادة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟

إنّ هذا العمل يناسب شأن الاَعرابي البعيدعن الاِسلام وتعاليمه لا لمثل معاذ بن جبل الذي تربّى في أحضان الرسالة.

أخرج الدارمي عن ابن بريدة عن أبيه، قال:

جاء أعرابي إلى النبي، فقال: يا رسول اللّه إئذن لي فلاَسجد لك، قال: لو كنت آمراً أحداً يسجد لاَحد لاَمرت المرأة تسجد لزوجها.(۲۶)

ومن العجب انّ الدارمي نقل الحديث أيضاً عن قيس بن سعد انّه قال: أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فقلت: رسول اللّه أحقّ أن يُسجد له، فأتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: انّي أتيت الحيرة... إلى آخر ما ذكر.(۲۷)

أضف إلى ذلك كيف أخذ معاذ مثل ذلك الاَمر من النصارى حيث رآهم يسجدون للاَساقفة والرهبان والاَحبار على الرغم من انّه أعلم الاَُمة بالحلال و الحرام و اقرأ الناس للقرآن؟!

۴. عدم استجابة دعاء النبي

أخرج الاِمام أحمد في مسنده، عن عبد اللّه بن شداد، عن معاذ بن جبل، قال: وجدت رسول اللّه قائماً يصلي، فقمت خلفه فأطال الصلاة، فلما قضى الصلاة، قال: قلت يا رسول اللّه لقد صليت صلاة طويلة؟ فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّي صليت صلاة رغبة ورهبة: سألت اللّه عزّ وجلّ ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة: سألته أن لا يهلك أُمّتي غرقاً فأعطانيها، وسألته أن لا يظهر عليهم عدواً ليس منهم فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فردّها عليّ.(۲۸)

إنّ لاستجابة الدعاء شرائط خاصة ذكرت في كتب الاَدعية و الاَخلاق، ومن تلك الشرائط أن لا يكون الدعاء على خلاف السنن السائدة على الكون، مثلاً من دعا بالخلود لنفسه فلا تستجاب دعوته، وذلك لاَنّه سبحانه يقول: (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْد أَفَإِنْ مت فَهُمُ الخالِدُون) (الاَنبياء/۳۴) وبما انّ الاختلاف في التفكير أمر ذاتي للبشر فلا يتسنّى للنبي أن يطلب من اللّه سبحانه عدم اختلاف أُمّته و وحدة كلمتهم قال سبحانه: (وَلَو شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمّةً واحدةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفينَ * إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلمَةُ رَبِّكَ لاََمْلاَََنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّة وَالنّاسِ أَجْمَعين) (هود/۱۱۸ـ ۱۱۹).

فقد تعلقت مشيئته سبحانه في الاَزل باختلاف الناس في التفكير والعقيدة، وبما انّ الاختلاف أمر طبيعي لكافّة البشر، فبعث اللّه النبيين للقضاء بينهم، قال سبحانه: (كانَ النّاسُ أُمّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرينَ وَأنزَلَ مَعَهُمُ الكِتابَ بِالحَقِّ ليَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيما اخْتَلَفُوا فِيه وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدى اللّهُ الَّذينَ آمَنُوا لمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَ اللّهُ يَهْدي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقيم)(البقرة/۲۱۳).

كيف يطلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من اللّه سبحانه أن لا يجعل بأسهم بينهم، و هو القائل«افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين و سبعين فرقة و افترقت النصارى على إحدى أو اثنتين و سبعين فرقة و تفترق أُمّتي على ثلاث و سبعين فرقة»؟

رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.(۲۹)

هذا ما يرجع إلى الفقرة الثالثة التي رُدَّ فيها دعاء النبي، وأمّا الفقرة الثانية أعني قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «سألته أن لا يظهر عليهم عدواً ليس منهم فأعطانيها» فاقرأها ثمّ تابع الحوادث والنـوازل التي ألـمَّت بالمسلمين عبر القرون، فقد تسلط عليهم الوثنيون المغول، و الصليبيون قرابة قرنين، وفعلوا ما فعلوا، و ليست الجرائم التي اقترفها الصهاينة ببعيدة عن القارىَ الكريم.

هذه دراسة إجمالية لبعض ما روي عن ذلك الصحابي الجليل، فانّ منافاة تلك الاَحاديث مع الاَُصول المسلمة تغني الباحث عن دراسة أسانيدها. ولا يصدنا عن النقد ورود الحديث في صحيح البخاري كما هو الحال في حديث إفشاء سر النبي، أو كونه مما صححه البخاري حسب نقل الترمذي كما هو الحال في حديث التجسيم.

فإذا كان معاذ يأتي أمام العلماء برتوة، أو كان أعلم الناس بحلال اللّه وحرامه، فهو أجلّ من أن يكون ناقلاً لتلك الروايات عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

۵. دراسة تحليلية حول حديث اجتهاده

روى أصحاب السنن والمسانيد انّ رسول اللّه بعثه إلى اليمن للقضاء فسأله عن أُمور أجاب عنها معاذ، وقد احتجّ أصحاب القياس بهذا الحديث على حجّيته.

وهذا الحديث قابل للمناقشة من وجهين:

الاَوّل: دراسة أسانيده، و انّه هل ورد بسند قابل للاحتجاج به أو لا ؟

الثاني: على فرض صحّة سنده، فهل يمكن الاحتجاج به على حجّية القياس أو لا ؟

دراسة أسانيد حديث الاجتهاد

احتجّ غير واحد من أصحاب القياس بحديث معاذ بن جبل، والاحتجاج فرع إتقان الرواية سنداً ومتناً، وإليك بيانها:

عن الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة بن شعبة، عن ناس من أصحاب معاذ من أهل حمص، عن معاذ:

إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حين بعثه إلى اليمن، فقال: كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟

قال: أقضي بما في كتاب اللّه.

قال: فإن لم يكن في كتاب اللّه؟

قال: فبسنّة رسول اللّه.

قال: فإن لم يكن في سنّة رسول اللّه؟

قال: أجتهد رأيي، لا آلو.

قال: فضرب رسول اللّه صدري، ثمّ قال: الحمد للّه الذي وفّق رسول رسول اللّه لما يرضى رسول اللّه .(۳۰)

وقد استدلّ به الاِمام الشافعي، فقال بعدما أفاد ـ أنّ القياس حجّة فيما لم يكن في المورد نصّ كتاب أو سنّة ـ: فما القياس؟ أهو الاجتهاد أم هما مفترقان؟ثمّ أجاب: هما اسمان لمعنى واحد.(۳۱)

وقال في موضع آخر: أمّا الكتاب والسنّة فيدلاّن على ذلك، لاَنّه إذا أمر النبي بالاجتهاد فالاجتهاد أبداً لا يكون إلاّ على طلب شيء، وطلب الشيء لا يكون إلاّبدلائل، والدلائل هي القياس.(۳۲)

وقال أبو الحسين البصري: وجه الاستدلال به أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) صوّبه في قوله: أجتهد رأيي عند الانتقال من الكتاب والسنّة، فعلمنا أنّ قوله: أجتهد رأيي، لم ينصرف إلى الحكم بالكتاب والسنّة.(۳۳)

وثمّة كلمات مماثلة لما ذكرنا في تقريب الاستدلال به.

لكنّ الحديث ضعيف سنداً، وغير تام دلالة.

أمّا السند، ففيه الاَُمور التالية:

۱. إنّ أبا عون محمد بن عبيد اللّه الثقفي الوارد في السند، مجهول لم يعرف.

۲. إنّ الحارث بن عمرو، مجهول مثله، ولم يعرف سوى أنّه ابن أخي المغيرة بن شعبة.

۳. إنّ الحارث بن عمرو، ينقل عن أُناس من أهل حمص وهم مجهولون فتكون الرواية مرسلة. وبعد هذه الاَُمور ، أفيصحّ الاستدلال بحديث يرويه مجهول عن مجهول عن مجاهيل؟!

قال ابن حزم: وأمّا خبر معاذ، فإنّه لا يحلّ الاحتجاج به لسقوطه، وذلك أنّه لم يرو قطّ إلاّ من طريق الحارث بن عمرو وهو مجهول لا يدري أحد من هو ، حدّثني أحمد بن محمد العذري، حدثنا أبو ذر الهروي، حدثنا زاهر بن أحمد الفقيه، حدثنا زنجويه بن محمد النيسابوري، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري فذكر سند هذا الحديث، وقال: رفعه في اجتهاد الرأي.

قال البخاري: ولا يعرف الحارث إلاّ بهذا ولا يصحّ. هذا نصّ كلام البخاري في تاريخه الاَوسط، ثمّ هو عن رجال من أهل حمص لا يُدرى من هم.(۳۴)

وقال الذهبي: الحارث بن عمرو، عن رجال، عن معاذ بحديث الاجتهاد، قال البخاري: لا يصحّ حديثه.

قلت: تفرّد به أبو عون(محمد بن عبيد اللّه الثقفي) عن الحارث بن عمرو الثقفي ابن أخي المغيرة وما روى عن الحارث، غير أبي عون و هو مجهول.

وقال الترمذي: ليس إسناده عندي بمتّصل.(۳۵)

وقال السيد المرتضى: إنّ حديث معاذ خبر واحد، وبمثله لا تثبت الاَُصول المعلومة، ولو ثبتت بأخبار الآحاد لم يجز ثبوتها بمثل خبر معاذ، لاَنّ رُواته مجهولون.وقيل: رواه جماعة من أصحاب معاذ ولم يُذكَروا.(۳۶)

دراسة دلالة الحديث

وأمّا الدلالة، فهي مبنيّة على مساواة الاجتهاد مع القياس أو شموله له، وهو غير ثابت، قال المرتضى: ولا يُنكر أن يكون معنى قوله: «أجتهد رأيي» أي أجتهد حتى أجد حكم اللّه تعالى في الحادثة، من الكتاب والسنّة، إذ كان في أحكام اللّه فيهما ما لا يتوصّل إليه إلاّ بالاجتهاد، ولا يوجد في ظواهر النصوص، فادّعاوَهم أنّ إلحاق الفروع بالاَُصول في الحكم لعلّة يستخرجها القياس، هو الاجتهاد الذي عناه في الخبر ، ممّا لا دليل عليه ولا سبيل إلى تصحيحه.(۳۷)

على أنّ تجويز القياس في القضاء لا يكون دليلاً على تجويزه في الاِفتاء، لاَنّ القضاء أمر لا يمكن تأخيره، بخلاف الاِفتاء، فالاستدلال بجواز القياس في القضاء على جوازه في الاِفتاء، مبنيّ على صحّة القياس وهو دور واضح.

ثمّ إنّ ثمة نقطة جديرة بالذكر، وهي أنّ القضاء منصب خطير لا يشغله إلاّالعارف بالكتاب والسنّة والخبير في فصل الخصومات، فالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي نصبه للقضاء لابدّ أن يعلِّمه الكتاب والسنّة أوّلاً، و يكون واقفاً على مدى إحاطته بهما ثانياً، ثم يبعثه إلى القضاء وفصل الخصومات، ومع المعرفة التامّة لحال القاضي يكون السوَال بقوله: «فكيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب اللّه» أمراً لغواً ، وهذا يعرب عن أنّ الحديث لم ينقل على الوجه الصحيح، وستوافيك الصور الاَُخرى للرواية.

قال الفخر الرازي: إنّ الحديث يقتضي أنّه سأله عمّا به يقضي بعد أن نصبه للقضاء، وذلك لا يجوز لاَنّ جواز نصبه للقضاء مشروط بصلاحيته للقضاء، وهذه الصلاحية إنّما تثبت لو ثبت كونه عالماً بالشيء الذي يجب أن يقضي به، والشيء الذي لا يجب أن يقضي به.(۳۸)

على أنّ الظاهر من سيرة «معاذ» أنّه لم يكن يجتهد برأيه في الاَحكام و إنّما كان يتوقّف حتى يسأل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) .

روى يحيى بن الحكم أنّمعاذاً قال: بعثني رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أُصدِّق أهلَ اليمن، وأمرني أن آخذ من البقر من كلِّ ثلاثين تبيعاً، و من كلّ أربعين مُسِنَّةً قال: فعرضوا عليّ أن آخذ من الاَربعين فأبيت ذاك، وقلت لهم: حتى أسأل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك.

فقدمتُ، فأخبرت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فأمرني أن آخذ من كلّثلاثين تبيعاً، و من كلّ أربعين مُسِنَّةً.(۳۹)

فإذا كانت هذه سيرته فكيف يقضي بالظنون و الاعتبارات؟

ثمّ إنّ المتمسّكين بالحديث لمّا رأوا ضعف الحديث سنداً ودلالة، حاولوا تصحيح التمسّك به بقولهم بأنّ خبر معاذ خبر مشهور ولو كان مرسلاً، لكنّ الاَُمّة تلقّته بالقبول.(۴۰)

ولنا هاهنا وقفة قصيرة، وهي أنّ اشتهار الحديث نتيجة الاستدلال به على القياس ولولا كونه مصدراً لمقالة أهل القياس لما نال تلك الشهرة.

يقول السيد المرتضى: أمّا تلقّي الاَُمّة له بالقبول، فغير معلوم، فقد بيّنا أنّ قبول الاَُمّة لاَمثال هذه الاَخبار كقبولهم لمسّ الذكر ، و ما جرى مجراه ممّا لا يُقطع به ولا يُعلم صحّته.(۴۱)

إلى هنا تمّت مناقشة الحديث سنداً ودلالة، وتبيّن أنّ الحديث غير صالح للاحتجاج به .

الصور الاَُخرى للحديث

إنّ الحديث قد ورد بصور مختلفة وبينها اختلاف كثير في المضمون، وإليك هذه الصور:

الصورة الاَُولى: ما رواه ابن حزم قال: حدثنا حمام وأبو عمر الطلمنكي، قال حمام: حدثنا أبو محمد الباجي، حدثنا عبد اللّه بن يونس، قال: حدثنا بقي حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة.

وقال الطلمنكي: حدثنا ابن مفرج، حدثنا إبراهيم بن أحمد بن فراس، قال: حدثنا محمد بن علي بن زيد، حدثنا سعيد بن منصور، ثمّ اتّفق ابن أبي شيبة وسعيد كلاهما عن أبي معاوية الضرير. حدثنا أبو إسحاق الشيباني عن محمد بن عبيد اللّه الثقفي ـ أبو عون ـ قال: لمّا بعث رسول اللّه معاذ إلى اليمن، قال: يا معاذ بم تقضي؟ قال: أقضي بما في كتاب اللّه، قال: فإن جاءك أمر ليس في كتاب اللّه ولم يقض به نبيّه؟ قال: أقضي بما قضى به الصالحون. قال: فإن جاءك أمر ليس في كتاب اللّه ولم يقض به نبيّه ولا قضى به الصالحون؟ قال: أومَّ الحقّ جهدي.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): الحمد للّه الذي جعل رسول رسول اللّه يقضي بما يُرضي به رسول اللّه.(۴۲)

ترى أنّمعاذاً يقدّم ما قضى به الصالحون على كلّ شيء، بعد الكتاب والسنّة، ولعلّ مراده هي الاَعراف السائدة بين المجتمعات التي تكون مرجعاً للقضاء كما هو مقرّر في محله.

كما أنّ مراده أومّ الحقّ هو اعمال النظر والاستدلال في الاَُصول والقواعد الواردة في الكتاب والسنّة.

أضف إلى ذلك أنّ الرواية مرسلة، لاَنّ أبا عون لا يروي عن «معاذ» مباشرة لتأخر طبقته في الحديث عن «معاذ» بطبقتين.

الصورة الثانية: عن عبد الرحمان بن غنم، قال: حدثنا معاذ بن جبل، قال: لمّا بعثني رسول اللّه إلى اليمن، قال: لا تقضينّولا تفصِلنّ إلاّبما تعلم، وإن أشكل عليك أمر فقف حتى تبيّنه أو تكتب إليَّ فيه.(۴۳)

وهي: متّصلة السند ، ولكن المتن غير ما جاء في الحديث، بل يغايره تماماً، وينفي مقالة أهل القياس.

الصورة الثالثة: وردت في الكتب الاَُصولية صورة ثالثة للرواية، ولعلّها منقولة بالمعنى.

قال أبو الحسين البصريّ : روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أنّه قال لمعاذ وأبي موسى الاَشعري، وقد أنفذهما إلى اليمن: بم تقضيان؟

قالا: إن لم نجد الحكم في السنّة، قسنا الاَمر بالاَمر، فما كان أقرب إلى الحقّ عملنا به.(۴۴)

كما نقله الرازي في المحصول، وقال: روي أنّه أنفذ معاذاً وأبا موسى الاَشعري إلى اليمن فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لهما: بم تقضيان؟ فقالا: إذا لم نجد الحكم في السنّة نقيس الاَمر بالاَمر فما كان أقرب إلى الحقّ عملنا به.

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : أصبتما.(۴۵)

وتبعه الاَرموي في التحصيل من المحصول.(۴۶)

والظاهر أنّ الحديث نقل بالمعنى حسب فهم الراوي، ولم نعثر على هذا النصّ في الصحاح والمسانيد.

نعم أخرج أحمد، عن أبي بردة، عن أبي موسى أنّ رسول اللّهبعث معاذاً وأبا موسى إلى اليمن فأمرهما أن يعلّما الناس القرآن.(۴۷)

۱. تهذيب التهذيب: ۱۰/۱۸۷ برقم ۳۴۷ ؛ سير أعلام النبلاء: ۱/۴۴۵ برقم ۸۶ يقول المعلّق على الكتاب الاَخير: أخرجه البخاري (۴۹۹۹) في فضائل القرآن باب القرّاء من أصحاب النبي، ومسلم (۲۴۶۴ ) في الفضائل، والترمذي (۳۸۱۲) في المناقب، وأبو نعيم في الحلية: ۱/۲۲۹.

۲. تهذيب التهذيب: ۱۰/۱۸۷ برقم ۳۴۷ ؛ سير أعلام النبلاء: ۱/۴۴۶ برقم ۸۶ .و نقل المعلق على كتاب سير اعلام النبلاء انّه أخرجه أحمد: ۳/۱۸۴ و ۲۸۱، والترمذي (۳۷۹۳) في المناقب، وابن ماجة (۱۵۴) في المقدمة باب فضائل خباب، و أبو نعيم في الحلية: ۱/۲۲۸.

۳. أخرجه من أصحاب المسانيد: أحمد في مسنده: ۵/۲۳۶، ۲۴۲؛ و من أصحاب السنن: أبو داود برقم ۳۵۹۲ و ۳۵۹۳ في الاَقضية، والترمذي (۱۳۲۷) مثله (۱۳۲۸) في الاَحكام باب ما جاء في القاضي كيف يقضي؟ و سيوافيك نقل أسناده مفصلاً.

۴. أخرجه الاِمام أحمد في مسنده:۱/۲۳۳.

۵. أخرجه الاِمام أحمد:۵/۲۴۸ والآية ۱۶ من سورة السجدة.

۶. مسند الاِمام أحمد: ۵/۲۳۰ و ۲۳۶.

۷. مسند الاِمام أحمد: ۵/۲۳۴.

۸. في مسند أحمد: قرن الشمس.

۹. انفتل: أقبل.

۱۰. وفي مسند أحمد: استيقظت. والاَوّل هو الصحيح .

۱۱. وفي مسند أحمد: بين كتفيّ.

۱۲. سنن الترمذي: ۵/۳۶۸، كتاب تفسير القرآن برقم ۳۲۳۵.

۱۳. مسند الاِمام أحمد: ۵/۲۴۳ و بين المتنين اختلاف طفيف.

۱۴. الاِمام مالك، الموطأ، ص ۷۸ برقم ۸.

۱۵. الاعتصام بالكتاب والسنة، ص ۴۸ـ ۶۰.

۱۶. سير اعلام النبلاء: ۱۰/۲۰ و ۲۱، والحلية:۹/۱۰۵، وآداب الشافعي لابن أبي حاتم:۲۳۱.

۱۷. ذيل دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه: ۲۸۵ـ ۲۸۶.

۱۸. لاحظ رسالة «أقوال الحفاظ المنثورة لبيان وضع حديث رأيت ربي في أحسن صورة» ، تأليف حسن السقاف المطبوع في ذيل دفع شبه التشبيه.

۱۹. مسند أحمد: ۵/۲۲۸.

۲۰. صحيح البخاري: ۴/۲۸ باب اسم الفرس و الحمار من كتاب فضل الجهاد والسير، و من الطريف انّ البخاري نقل الرواية في هذا الباب (باب اسم الفرس و الحمار) و كم للبخاري من هذه الطرائف و المتصفح في صحيحه يجد انّ طائفة كبيرة من الروايات أوردها تحت عناوين لا تمت لها بصلة، و أنت إذا قارنت بين صحيح البخاري مع الكافي للكليني لوجدت انّ الثاني قد بلغ الغاية في حسن التبويب.

۲۱. صحيح مسلم: ۱/۴۳.

۲۲. صحيح البخاري: ۱/۴۴، كتاب العلم.

۲۳. فتح الباري: ۱/۱۸۳، كتاب العلم.

۲۴. مسند أحمد: ۵/۲۲۷ و ۲۲۸ و نقله أيضاً على وجه التفصيل في ۴/۳۸۱.

۲۵. المسند الجامع: ۱۵/۲۳۵ برقم ۱۱۵۲۷، نقلاً عن كشف الاستار عن زوائد البزار: ۲/۱۷۵ برقم ۱۴۶۱.

۲۶. سنن الدارمي:۱/۳۴۲، باب النهي أن يسجد لاَحد.

۲۷. سنن الدارمي: ۱/۳۴۱، باب النهي أن يسجد لاَحد؛ وأخرجه أيضاً أبو داود برقم ۲۱۴۰ وقد أسهب الثاني في نقل الحديث.

۲۸. مسند الاِمام أحمد: ۵/۲۴۰.

۲۹. المستدرك على الصحيحين: ۱/۱۲۸.

۳۰. مسند أحمد: ۵/۲۳۰، وسنن الدارمي:۱۷۰، وسنن أبي داود: برقم ۳۵۹۳، وسنن الترمذي: برقم ۱۳۲۸، ينتهي سند الجميع إلى حارث بن عمرو عن ناس من أصحاب معاذ من أهل حمص.

۳۱. الشافعي: الرسالة: ۴۷۷ و۵۰۵، طبع مصر ، تحقيق أحمد محمد شاكر.

۳۲. الشافعي: الرسالة: ۴۷۷ و۵۰۵، طبع مصر ، تحقيق أحمد محمد شاكر.

۳۳. أبو الحسين البصري: المعتمد:۲/۲۲۲.

۳۴. ابن حزم: الاِحكام: ۵/۲۰۷.

۳۵. الذهبي: ميزان الاعتدال:۱/۴۳۹ برقم ۱۶۳۵.

۳۶. المرتضى: الذريعة إلى أُصول الشريعة: ۲/۷۷۳.

۳۷. الذريعة:۲/۷۷۶.

۳۸. الرازي: المحصول: ۲/۲۵۵.

۳۹. مسند أحمد بن حنبل:۵/۲۴۰؛ المسند الجامع: ۱۵/۲۳۰ برقم (۱۱۵۱۸ـ ۴۱).

۴۰. الاَرموي: التحصيل من المحصول: ۲/۱۶۳.

۴۱. الذريعة إلى أُصول الشريعة: ۲/۷۷۴.

۴۲. ابن حزم: الاِحكام: ۵/۲۰۸.

۴۳. أخرجه ابن ماجة في سننه: ۱|۲۱ برقم ۵۵.

۴۴. أبو الحسين البصري: المعتمد:۲|۲۲۲.

۴۵. الفخر الرازي: المحصول: ۲|۲۵۴.

۴۶. التحصيل من المحصول: ۲|۱۶۳.

۴۷. مسند أحمد بن حنبل: ۴|۳۹۷.