طلحة بن عبيد اللّه بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم القرشي التيمي، وأُمه الصعبة بنت عبد اللّهبن مالك، وهو من السابقين الاَوّلين إلى الاِسلام، فلما هاجر المسلمون إلى المدينة آخى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بين طلحة وبين أبي أيّوب الاَنصاري، وهو أحد أصحاب الشورى، ولم يشهد بدراً وشهد أُحداً وما بعدها من المشاهد، وبايع بيعة الرضوان وأبلى يوم أُحد بلاءً عظيماً، ووقى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه و اتّقى عنه النبل بيده.(۱)

وقد اتفق أصحاب المعاجم انّه كان يملك ثروة عظيمة.

نقل الذهبي عن ابن سعد، قال: كان طلحة يغلّ بالعراق أربعمائة ألف، ويغلُّ بالسراة عشرة آلاف دينار، أو أقل أو أكثر، وبالاَعراض(۲)له غلات، وكان لا يدع أحداً من بني تيم عائلاً إلاّ كفاه و قضى دينه، ولقد كان يرسل إلى عائشة إذا جاءت غلته كلّ سنة بعشرة آلاف، ولقد قضى عن فلان التيمي ثلاثين ألفاً. كما قضى عن عبد اللّه بن عامر بن كريز ثمانين ألف درهم.

قال الحميدي: كانت غلة طلحة كلّ يوم ألف وافٍ.(۳)

ثمّ نقل عن الواقدي عن موسى بن طلحة انّ معاوية سأله، كم ترك أبو محمد (طلحة) من العين؟ قال: ترك الفي ألف درهم و مائتي ألف درهم و من الذهب مائتي ألف دينار.(۴)

هذه الثروة المكتنزة ملكها الرجل في عصر الخلفاء في حين انّأباذر كان يجود بنفسه جوعاً في ربذة.

وقد مات علي (عليه السلام) ولم يترك من البيضاء والصفراء إلاّ سبعمائة درهم.

وقال ابن سعد نقلاً عن بنت عوف، قالت: قتل طلحة وفي يد خازنه ألفا ألف درهم، ومائتا ألف درهم، وقُوِّمت أُصوله وعقاره ثلاثين ألف ألف درهم.(۵)

ولو أراد الباحث أن يجمع روَوس ما كان يملكه طلحة فعليه الرجوع إلى كتب التاريخ،والحديث عن ثروته التي اقتناه بعد رحيل الرسول خارج عن نطاق البحث، وقد أشرنا إليها في المقام ليعلم ان نكثـه لبيعة علي بن أبي طالب «عليه السلام» لم يكن إلاّ لعدم تحمّله لسيرة الاِمام في بيت المال، إذ هو القائل لمّا تصدى للخلافة.

«واللّه لو وجدته قد تزوّج به النساء وملك به الاِماء لرددته، فانّ في العدل سعة و من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق».(۶)

إنّ الرجل نكث بيعته مع علي (عليه السلام) ، فقاد حرب الجمل على الاِمام المفترضة طاعته، امّا بنص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما هو الحقّ، أو باعتبار بيعة المهاجرين والاَنصار له، فندم قبل هلاكه ـ ولما ينفعه النـدم ـ فقتل عام ۳۶هـ في جمادى الآخرة، ودفن قريباً من البصرة، وبذلك يعلم حال ما روي في حقّه من الفضائل.

وله في مسند «بَقيّ بن مَخْلَد» ثمانية وثلاثون حديثاً له حديثان متفق عليهما، وانفرد له البخاري بحديثين، ومسلم بثلاثة أحاديث، وقد جمعت رواياته في المسند الجامع فبلغت ۲۲ حديثاً(۷)وهو من المقلّين في حقل الحديث.

وله أحاديث رائعة و إن عزي إليه مالا تنطبق عليه الموازين السالفة الذكر.

روائع أحاديثه

۱. أخرج البخاري في صحيحه، عن أبي سهيل بن مالك، عن أبيه انّه سمع طلحة بن عبد اللّه، يقول: جاء رجل إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دويّصوته ولا يفقه ما يقول، حتى دنا فإذا هو يسأل عن الاِسلام.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل عليَّ غيرها، قال: لا، إلاّ أن تطوّع، قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وصيام رمضان، قال: هل عليّ غيره، قال: لا، إلاّ أن تطوّع، قال: وذكر له رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» الزكاة، قال: هل عليَّ غيرها، قال: لا، إلاّ أن تطوّع، قال: فأدبر الرجل، وهو يقول: واللّه لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أفلح ان صدق.(۸)

۲. أخرج أحمد، عن يحيى بن طلحة، عن أبيه طلحة بن عبيد اللّه: انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا رأى الهلال، قال: اللهمّ أهلّه علينا باليمن والاِيمان، والسلامة والاِسلام، ربي وربك اللّه.(۹)

۳. أخرج أحمد، عن موسى بن طلحة، عن أبيه، قال:

قلنا: يا رسول اللّه، كيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد.(۱۰)

وقد رويت عنه روايات تخالف الضوابط المذكورة.

أحاديثه السقيمة

۱. تأبير النخل لا يُغني عن شيء

أخرج مسلم في صحيحه عن موسى بن طلحة عن أبيه، قال:

مررت مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوم على روَوس النخل، فقال: ما يصنع هوَلاء.

فقالوا: يلقحونه، يجعلون الذكر في الاَُنثى فيتلقح.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما أظن يغني ذلك شيئاً، قال: فأُخبروا بذلك فتركوه، فأُخبر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك، فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فانّي إنّما ظننت ظنّاً فلا توَاخذوني بالظن، ولكن إذا حدّثتكم عن اللّه شيئاً فخذوا به فإنّي لن اكذب على اللّه عزّ وجلّ.(۱۱)

وروى عن رافع بن خديج: قال: قدم نبي اللّه المدينة وهم يأبرون النخل، يقولون يلقِّحون النخل، فقال: ما تصنعون؟ قالوا: كنا نصنعه، قال: لعلّكم لو لم تفعلوا كان خيراً فتركوه، فنقصت، قال: فذكروا ذلك له، فقال: إنّما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنّما أنا بشر.(۱۲)

والعجب انّمسلم النيسابوري موَلف الصحيح ذكر الحديث في باب «أسماه» بوجوب امتثال ما قاله شرعاً دون ما ذكره (صلى الله عليه وآله وسلم) من معايش الدنيا على سبيل الرأي.

نحن نعلق على الحديث تعليقاً مختصراً، ونحيل التفصيل إلى القارىَ.

أوّلاً: نفترض انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن نبيّاً، ولا أفضل الخليقة، ولم ينزل عليه الكتاب والحكمة، بل كان عربياً صميماً ولد في أرض الحجاز و عاش بين ظهراني قومه وغيرهم في الحضر والبادية، وقد توالى سفره إلى الشام، وكلّ من هذا شأنه يقف على أنّ النخيل لا يثمر إلاّ بالتلقيح، فما معنى سوَاله ما يصنع هوَلاء؟ فيجيبونه انّهم «يلقحونه».

أفيمكن أن يكون هذا الشيء البسيط خافياً على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟

ثانياً: كيف يمكن للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) النهي عن التلقيح الذي هو سنة من سنن اللّه أودعها في الطبيعة، قال سبحانه: (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّت ِاللّهِ تَحْوِيلاً) (فاطر/۴۳) ومع ذلك فكيف يقول: ما أظن يغني ذلك شيئاً.

ثالثاً: انّ الاعتذار الوارد في الرواية يسيء الظن بكل ما يخبر به عن اللّه بلسانه ويخرج من شفتيه، وأسوأ من ذلك ما نسب إليه من الاعتذار بقوله: «وإذا حدثتكم عن اللّه شيئاً فخذوا به، فإنّي لن أكذب على اللّه عزّوجلّ»لاَنّ فيه تلميحاً إلى أنّه ـ و العياذ باللّه ـ يكذب في مواضع أُخر.

فلو كانت الرواية ونظائرها مصدراً للعقيدة فسيعقبها ـ العياذ باللّه ـ جهل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأبسط السنن الجارية في الحياة فهل يصحّ التفوّه بذلك؟!

كيف يصحّ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعتذر عمّا قال، بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنّما أنا بشر، مع أنّهيقول في جواب عبد اللّه بن عمر (حيث نقل إليه اعتراض قريش عليه) «بأنّه يكتب كل شيء يسمعه من رسول اللّه، ورسول اللّه بشر يتكلّم في الغضب والرضا». مومياً باصبعه إلى فيه: اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلاّ حق.(۱۳)

۲. عمرو بن العاص من صلحاء قريش

أخرج أحمد في مسنده عن ابن أبي مليكة، قال: قال طلحة بن عبيد: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يقول: إنّ عمرو بن العاص من صالحي قريش.(۱۴)

ورواه الترمذي بالسند التالي: حدثنا إسحاق بن منصور، قال: أخبرنا أبو أُسامة عن نافع بن عمر الجمحي، عن ابن أبي مليكة، قال: قال طلحة بن عبيد اللّه...الخ.

وقال الترمذي: هذا حديث إنّما نعرفه من حديث نافع بن عمر الجمحي، ونافع ثقة وليس اسناده بمتصل،وابن أبي مليكة لم يدرك طلحة.

إذا كان هذا حال السند، فيعرف به حال المضمون ولكن يكفي لنا دراسة إجمالية لسيرة عمرو بن العاص ليتبين انّه هل كان من الصالحين؟ بل الرواية تخالف ما هو الثابت في التاريخ الصحيح.

وإليك هذه الوثيقة التاريخية:

لما علم معاوية انّالاَمر لم يتم له ان لم يبايعه عمرو، فقال له: يا عمرو؟ اتَّبعْني، قال: لماذا؟للآخرة؟ فواللّه ما معك آخرة، أم للدنيا؟ فواللّه لا كان حتى أكون شريكك فيها.

قال: فأنت شريكي فيها، قال: فاكتب لي مصر وكورها.

فكتب له مصر وكورها وكتب في آخر الكتاب وعلى عمرو السمع والطاعة.

قال عمرو : واكتب: انّ السمع و الطاعة لا ينقصان من شرطه شيئاً.

قال معاوية: لا ينظر الناس إلى هذا، قال عمرو: حتى تكتب.

قال: فكتب، واللّه ما يجد بُدّاً من كتابتها،... وعمرو يقول له، إنّما أُبايعك بها ديني.

وكتب عمرو إلى معاوية:

معاوي لا أُعطيك ديني ولم أنل * به منك دنيا فانظرن كيف تصنع

وما الدين والدُّنيا سواءٌ وإنّني * لآخذ ما تُعطي ورأسي مقنَّع(۱۵)

ومن أراد أن يقف على شخصيته من حيث نسبه وإسلامه ودهائه، فعليه أن يطالع كلمات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقّه وكلمات الاِمام أمير الموَمنين (عليه السلام) وسائر الصحابة والتابعين ليقف على أنّه هل كان من الصلحاء أو أنّه كان بوَرة الفتن والفساد؟

وقد قام العلاّمة المحقّق عبد الحسين الاَميني بدراسة وافية لسيرته في كتابه الغدير.(۱۶)

۱. أُسد الغابة: ۳/۵۹ـ ۶۰.

۲. اعراض المدينة قراها التي في أوديتها.

۳. الوافي درهم وأربعة دوانق.

۴. سير اعلام النبلاء: ۱/۳۲ـ۳۳.

۵. طبقات ابن سعد: ۳/۲۲۲.

۶. نهج البلاغة: الخطبة رقم ۱۳.

۷. المسند الجامع: ۷/۵۴۷ برقم ۳۲۰.

۸. صحيح البخاري: ۱/۱۴، باب الزكاة من الاِسلام؛ صحيح مسلم: ۱/۳۰، كتاب الاِيمان.

۹. مسند أحمد: ۱/۱۶۲.

۱۰. مسند أحمد: ۱/۱۶۲.

۱۱. صحيح مسلم: ۷/۹۵، باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً دون ما ذكره (صلى الله عليه وآله وسلم) من معايش الدنيا على سبيل الرأي.

۱۲. شرح النووي على صحيح مسلم: ۱۵/۱۲۵ـ۱۲۶، الباب ۳۸، كتاب الفضائل.

۱۳. سنن أبي داود: ۳/۳۱۸ برقم ۳۶۴۶.

۱۴. مسند أحمد: ۱/۱۶۱، ونقله الترمذي برقم ۳۸۴۵.

۱۵. العقد الفريد: ۵/۹۲، دار الكتب العلمية.

۱۶. الغدير:۲/۱۱۴ـ ۱۷۶.