الحوار

Ãحوار مع: الأستاذ علي أكبر الغفاري ، حول تحقيق النصوص الحديثية

أقام مركز البحوث في دار الحديث الملتقى الثاني لبحوث الحديث تحت عنوان "تحقيق النصوص الحديثة"، وذلك في أوائل شباط من عام 1999م في معهد (مدرسة) دار الشفاء للدراسات العليا. وكان ضيف الملتقى الأستاذ علي أكبر الغفاري حيث ألقى كلمة حول موضوع الملتقى ثم أجاب عن أسئلة الحضور في ندوة مع الباحثين (حجج الإسلام السيد جواد الشبيري ورضا مختاري والسيد حسن إسلامي).

وأدناه نص هذه الندوة مع شيء من التلخيص والتنقيح.

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتب الحديث النبوي وأحاديث المعصومين (ع) فيها مشكلات لم تُعالج إلا قليلاً. وسأتناول بعد الحديث عن قضايا عامة في فهم الحديث بعض المشكلات التي تعاني منها هذه الكتب.
لم يكن من مفر لتجاوز الإشكالات والأخطاء في كتابة الأحاديث والروايات نظراً لفترة منع كتابة الحديث وغيرها من الأسباب، كما أنه عندما نزل القرآن على النبي وكان يبلّغ الوحي للناس بلا زيادة ولا نقصان وكان كتبة الوحي يسجلون عين ما يقول، كانت تحدث أخطاء في كتابة القرآن. في القرآن الذي كتبه عثمان، يمكن ملاحظة عشرين إلى ثلاثين موضعاً تختلف فيه القراءة عن الكتابة.
والدقة التي أُعملت في رواية القرآن وكتابته لم يجر ما يشابهها في الروايات، بل كان من يسمع كلام الإمام يروي ما تلفظ به الإمام بعينه تارة وما أدركه من معناه تارة أخرى. لذلك لابد عند الأخذ بالروايات من الانتباه إلى أن ألفاظ الحديث هل تمثل لفظ المعصوم بعينه أو المعنى الذي فهمه الراوي منها؟
هذه التدقيقات ينبغي إعمالها حتى على روايات الكتب الأربعة ـ والتي هي أفضل كتب الحديث الشيعية ـ لأننا نلاحظ في هذه الكتب أيضاً أحاديث تتعارض مع بعض آيات القرآن أو أصول الدين والمذهب.
كلنا يعلم بمنع كتابة الحديث من بعد وفاة النبي (ص) بالإضافة إلى ذهاب بعض ما كُتب، حيث استمر هذا المنع إلى خلافة عمر بن عبد العزيز، فُرفع في عصره ووجد المعصومون (ع) فرصة للتحرك نحو كتابة الأصول الأربعمئة من خلال إملائهم معارف الإسلام وكتابتها، الأمر الذي لم يكن يسيراً بالنظر لسجن بعض المعصومين.
هناك أساليب مختلفة في تأليف الكتب الأربعة. الشيخ الصدوق حذف في كتاب "من لا يحضره الفقيه" أسانيد الروايات وجاء بأصلها، والشيخ الطوسي جمع "التهذيب" بطريقة اجتهادية. إذن لا مفر من التحقيق في أسانيد هذه الروايات، فإذا وجدناها صحيحة أخذنا بها. وفي "الكافي" نجد أخباراً تتعارض مع القرآن. لذلك لا بد من أن نزن الروايات بالعقل والقرآن. فإن طابقت كتاب الله فهي مقبولة وإن خالفته فـ "اضربوه على الجدار".
ينبغي أن يكون هذا الأمر نصب أعيننا وفي التعامل مع أي حديث من أنه يجب انسجام الحديث مع القرآن. ونحن قد نستطيع بناء أصول معارفنا بالقواعد العقلية ونطابقها مع القرآن بشكل من الأشكال، ولكننا لا نستطيع ذلك في الأحكام بحال من الأحوال. ينبغي ألا نتصور أن كل حديث ورد في الكتب الأربعة هو حديث صحيح. هناك أحاديث في "التهذيب" اعتبرها الشيخ الطوسي نفسه مما لا يعتمد عليه.
من روايات "الكافي" التي تعارض القرآن رواية ذات سند راق، إلا أن مضمونها يخالف صريح القرآن. فقد جاء في كتاب الديات من "الكافي":
عن أبي جعفر (ع) قال سُئل عن غلامٍ لم يدرك و امرأة قتلا رجلاً خطأً، فقال: إن خطأ المرأة والغلام عمد، فإن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما ويؤدوا إلى أولياء الغلام خمسة آلاف درهم، وإن أحبوا أن يقتلوا الغلام قتلوه وتردّ المرأة إلى أولياء الغلام ربع الدية، وإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوا المرأة قتلوها ويرد الغلام على أولياء المرأة ربع الدية، قال وإن أحبّ أولياء المقتول أن يأخذوا الدّية كان على الغلام نصف الدية وعلى المرأة نصف الدية.
هذه الرواية لا تنسجم مع الآية: "ومَن قَتَل مؤمناً خَطأً فتحريرُ رَقَبةٍ مؤمنةٍ و دِيةٌ مُسَلَّمة إلى أهله إلاّ أن يَصَّدَّقوا" [النساء/91].
يروي الشيخ الصدوق في "عيون أخبار الرضا(ع)" خبراً عن الإمام الصادق (ع) بأنه عند وفاة الإمام الباقر (ع) كان زيد (أخو الإمام) حاضراً، فقال للباقر (ع) بأن الحسن بن علي عيّن أخاه للإمامة من بعده فلماذا لا تعينني أنت لهذا الأمر؟ فأنا أخوك وأكبر من جعفر، لماذا تدع له الولاية؟ لماذا لا تجعلني خليفتك من بعدك؟ فأجاب الإمام الباقر بأن هذا في اللوح المحفوظ وليس باختياري.... بعد ذلك أرسلا الإمام الصادق (ع) إلى جابر بن عبد الله ليأتي بذلك اللوح المحفوظ ويقرأه وليسكت زيد على أثر ذلك.
الإمام الباقر (ع) توفي في عام 114 للهجرة، وقد اتفق المؤرخون على أن جابراً توفي في عام 78 وأن الإمام الصادق ولد في عام 84، فكيف يرسل الإمام الباقر الإمام الصادق لكي يحضر له جابراً؟
سند الرواية ـ كسند الخبر الذي ذكرناه آنفاً ـ صحيح ممتاز، وإذا لاحظتم "رجال النجاشي" أو أي من كتب الرجال الأخرى، ستجدون أن رجال هذا السند يُعدّون جميعاً من الأكابر، ولكن هذا الخبر موجود وهو لا ينسجم مع بديهيات العقل والتاريخ. طبعاً، أضيف هنا أن نسخة "الكافي" هذه سقط منها نصف صفحة في هذا الموضع، بمعنى سقط قسم من الجواب. بل ربما كان السقوط في النسخة التي استخدمها الكليني ولا يوجد إشكال من هذا القبيل في أصل الحديث.
ما أريد قوله هو عندما تريدون الرواية من كتب الحديث لا بد من الانتباه بشكل تام إلى هذه الأمور. الوثوق من دون تحقيق أمر مشكل. الكثير من الأخبار مروية بهذا الشكل.
جاء في "تفسير علي بن إبراهيم" أنه: "كانوا بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قَطَعوه". قطعوه تعني قطعوا علاقتهم به، أي أنه من كان يتنجّس لم يكونوا يسمحوا له بدخول المسجد. بعضهم أخذ "قطعوه" بمعنى "القطع" ثم جعلوها على شكل "قرضوا لحومهم بالمقاريض". هذه الرواية موجودة في كتاب "من لا يحضره الفقيه" و"التهذيب".
في نظام الحديث، أينما قالوا: "أخبرنا" يعني أننا لم نر الأستاذ بل وصلت كتابته إلينا وأجاز لنا أن نروي منها. وأينما قالوا: "سمعت فلاناً" يعني أن الراوي لم يكن تلميذ ذلك المحدث. وأينما قالوا: "حدثني" يعني قال لي أنا (وحدي) وأينما قالوا: "حدثنا" يعني أننا كنا جماعة وكان الأستاذ يلقي الدرس وقال ما قال.
وما لا بد من الإشارة إليه هو مسألة إجازة الحديث. إجازة الحديث ليست أن يجيز فلان فلاناً ... الأكبر للأصغر... أو أحدهم لزميله في الدراسة، كالإجازة الفقهية. هذه ليست صحيحة. في ذلك الزمان الذي لم تكن فيه طباعة، عندما كان الأستاذ يقرأ النسخة كان التلاميذ يكتبون. ثم يتبادلون النسخ، فيقرأ الأستاذ نفسه أو غيره ويلاحظون النسخ جميعاً. فإذا وجدوا خطأً أصلحوه. ثم يكتب الأستاذ: "أجزت لك أن تروي هذا الحديث". فالإجازة تعني أن الأحاديث التي كتبوها وقرأوها على الأستاذ وأيد الأستاذ صحتها يجوز لهم روايتها، وإلا فما هي فائدة إجازة الحديث بمعنى أن فلاناً يقول أجزت لك أن تروي الحديث من "الكافي"؟ الإجازة والاستجازة في الرواية هي لأجل التناقل السليم لنسخة خطية من الحديث من جيل إلى آخر، من مكان إلى مكان، من أوراق مبعثرة ليست في متناول اليد إلى مجموعة حديثية، وهي تُجدي في مثل هذه الحالات، لا لأجل رواية الحديث من الكتب المطبوعة أو النسخ المتواترة. طبعاً أنا شخصياً عندي إجازات عديدة من آية الله الميلاني وغيره، إلا أنها في الأغلب للتيمّن والتبرّك.
أنا الآن في الخامسة والسبعين ولعل هذه السنة هي السنة الأخيرة من عمري. مر علي أكثر من خمسين سنة وأنا أعمل في مجال تصحيح ومقابلة وتحقيق نصوص الحديث عند الشيعة. سادتي الأعزاء! نصوص الحديث الشيعية تفتقر إلى طبعات مناسبة. أغلبها طبعت من قبل أصحاب المكتبات. أنا شخصياً شاهدت في عدة مواضع من "جواهر الكلام" أن صاحب "الجواهر" يعتبر حديثاً من الأحاديث "صحيحاًًً" في حين يرى في موضع آخر هذا الحديث نفسه "ضعيفاً". وفي تصوري أن هذا ناشئ عن الخطأ في قراءة النسخة. وهكذا الحال في مسألة اختلاف النص المطبوع من "بحار الأنوار" عمّا يوجد في نسخه. رأيت بعضها في "الميزان" فكتبت بذلك إلى العلامة الطباطبائي فأجاب أنه نقل ذلك عن "البحار" المطبوع. وبعد طبع "الميزان" رأى سماحته النسخة وأقرّ بأن تلك الأحاديث جاءت مختلّة في النص المطبوع من "البحار".
المسألة الأخرى هي أن ظروف صدور الحديث والقرائن الزمانية والمكانية والشواهد الواردة لحديث ما في المراجع الشيعية والسنية، لها دخل في فهم الحديث. فلعل حديثاً مُقطّعاً يكون له من الضرر ما يفوق نفعه أو يؤدي إلى إحداث بدعة. مثلاً كان رسول الله يوماً في مسجد قباء بين المسلمين من أهلها، فبشّر بأن أول من يدخل من هذا الباب فهو من أهل الجنة. في هذه الأثناء خرج بعض أهل قباء من باب أخرى لكي يدخلوا من هذا الباب. خلال ذلك، أضاف النبي (ص): "من بشرني بخروج آذار فهو من أهل الجنة"... معنى ذلك طبعاً أن أياً من الداخلين يعرف في أي شهر ميلادي نحن فهو من كنت أعنيه وهو من أهل الجنة. طيب، دخل عدة أشخاص كان أحدهم أبا ذر (الذي جاء من مكان بعيد من المدينة للصلاة مع النبي). وعندما سأل النبي في أي شهر نحن، لم يكن سوى أبي ذر الذي كان يعرف أن شهر آذار قد انقضى وكان يومها هو الأول من نيسان. فهذا الحديث يقول أبو ذر من أهل الجنة، وليس فيه أي تعميم كي نتمسك به لانتهاء شهر آذار أو صفر. ثم إن النبي (ص) كان أدرى منهم جميعاً بتاريخ ذلك اليوم.
الأمر الآخر الذي يجدر ذكره هو الاطلاع على حالات رواية الحديث بالمعنى حيث يقتضي في هذه النماذج من الأحاديث ألا نجمد على الألفاظ. فعندما نريد التمسك بلفظ وإصدار حكم أو إثبات قضية على أساسه، لا بد من إيصال اللفظ إلى المعصوم، وإلا إذا كانت النسخ والطرق والمصادر وما إلى ذلك تحكي عن أن الراوي قد جاء بالمعنى الذي فهمه من الإمام (ع) وبالألفاظ الخاصة به، فلا يمكن بعد ذلك أن نتمسك بالألفاظ. مثلاً، حديث "النكاح سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني" الوارد في كتب الفقه في موضوع النكاح وفي الكثير من الرسائل العملية الشرعية، قد جاء على هذا الشكل بتصرف. فأصل الحديث هو: "إن من سنتي النكاح..." الوارد في الكثير من المصادر الشيعية والسنية.
والسادة يعلمون أن الكذب على أهل البيت (ع) يبطل الصيام. واليوم مع هذه الإمكانات التي يمتلكها الشيعة والأساليب والأجهزة المتاحة للتحقيق في أحاديث المعصومين، لا يمكن نسبة أي شيء إليهم (ع). لا بد من التيقّن على أساس القواعد العقلية والعلمية وأساليب التحقيق والتصحيح.
عندما أرسل إلي العلامة الشوشتري (التستري) ـ وهو رجالي نفسه ـ كتابه "شرح اللمعة" لأطبعه، أشكلت على بعض الأخبار المروية فيه. وبعد أن لاحظ الإشكالات خولني الإتيان في هامش الصفحات بالإشكالات السندية والمتنية للحديث مع الشواهد والقرائن والأدلة (كسقوط راوٍ من السند أو كون الحديث مرفوعاً وما إلى ذلك).
جاء بي السيد الآخوندي إلى قم لكي يقوم السادة فيها بتأديبي على هذا الكلام (هذه التدقيقات والوساوس). ذهبت إلى السيد وحيد وكان أمامه "الجواهر" ذو المجلدات الستة و"الوسائل". طبعاً كان يعرفني من السابق، ولكنه قال لي: "جناب الغفاري! ما الذي جاء بك إلى هنا؟" قلت جاء بي السيد الآخوندي لكي أسألك بعض الأسئلة. قال: "تفضل". قلت: هل أنت واثق من أن هذه "الوسائل" هي للشيخ الحر العاملي؟ قال: "نعم". قلت: ولكنها ليست بخطه. قال: "صحيح، طبعوها عن خطه". قلت: هل تعرف الذي طبعها؟ قال: "لا". قلت: وماذا عن الناسخ؟ قال: "لا". قلت: إذا كان في وسط الكتاب سطر أو اسم ساقط أو مُضاف، كيف لك معرفة ذلك؟ أنت (أنت بالمعنى العام) الذي تدقق إلى هذا الحد في سند الأحاديث من أن الراوي ثقة وتبحث في العبارات بتفحص ووسوسة، في الوقت الذي تنسب فيه كتاباً بهذا الحجم مرة واحدة إلى مؤلفه. ما هو عذر ذلك؟ هذا ونحن في عصر تطور العلم وإمكانات التحقيق؟
قبل سنين، كنت أحقق تفسير أبي الفتوح الرازي من نسخة من القرن السادس وكان المرحوم الميرزا أبو الحسن شعراني يقوم بترجمة أشعاره. وعندما تم العمل على مجلد منه، أعطاني أحد الأصدقاء نسخة ناقصة تمكن من الحصول عليها وهي تعود إلى عصر أبي الفتوح. فكنا كلما قمنا بالمقابلة أكثر وجدنا اختلافاً أكبر، حتى أن النسخة اللاحقة كانت تعطي أحياناً شيئاً يخالف رأي أبي الفتوح. كان المرحوم الشعراني يحتار أحياناً في ترجمة بيت من الأبيات، وعندما وجدنا ذلك الديوان القديم وكان يرى ذلك البيت يختلف بكلمة واحدة كانت مشكل ذلك البيت تحل بشكل كامل. فهل يمكن أن ننسب النسخة غير المحققة إلى أبي الفتوح؟
يحكي لي السيد الطباطبائي أو السيد كاظم الكلبايكاني أن المرحوم آية الله حجت كان يقابل بعض الكتب المطبوعة بالنسخ الخطية المُوقّع عليها (المعتمدة) لكي يثق بصحتها.


الاسئلة و الاجوبة
ـ السيد الغفاري! نشكرك على إتاحة هذه الفرصة. كما تعلمون هناك حركة إحياء ونشر لكثير من الآثار الحديثية في الحال الحاضر. طبعاً تختلف طبيعة العمل في بعض الأحيان، فبعض الآثار يجري إحياؤها بصفة "التحقيق النقدي" وبعضها بصفة "التحقيق" فحسب أو بأن المحقق الفلاني حققها وكتب لها مقدمة وهكذا. إلا أن المهم هو قوة ودرجة الوثوق بهذه الأعمال. فنرجو بيان المعايير التي يمكن بها تقويم الأعمال التراثية ومعرفة مستواها؟
ـ للإجابة عن ذلك، لابد لي من الإشارة إلى أن أخبار أهل البيت (ع) هي لأجل فهم الدين، ولكي نفهم الدين من هذه الأخبار لا بد من المعرفة الجيدة بالقرآن، وهذا بمعنى معرفة ظاهر القرآن هذا، لا أن نفتح أقوال المفسرين، هذا قال كذا وذاك قال كذا، والحال أننا لا نعي شيئاً من ظاهر القرآن. قول أهل البيت (ع) بعرض أخبارهم على القرآن يعني على ظاهر القرآن هذا، لا على تأويلات القرآن أو ما يشبه التأويل. كما أنه يجب مقابلة الأخبار التي تصل إلينا بالأصول الأولى وعدم الاقتصار على الكتب التي جاءت بعدها.
مثلاً، هذا الحديث المعروف نفسه: "النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني" المتفق على روايته والذي يتمسك به الجميع، وهو له سند. هذا الحديث مكتوب في الكثير من الكتب، ولكن أصله موجود في الكتب الأربعة. فإذا راجعتم أصله ستجدون أنه ليس بهذا الشكل المشهور. أو مثلاً في خصوص كتاب "وسائل الشيعة" للشيخ الحر العاملي، عندما كنت أعمل على تحقيق كتاب "من لا يحضره الفقيه" واجهت ثمانية أخبار في "الوسائل" يبدو من "الوسائل" أنها مروية عن الإمام علي بن الحسين (ع)، بمعنى أن طريقة كتابة السند هي بشكل يوحي بذلك، إلا أنه خطأ، حتى أن راوي بعض تلك الأخبار لم يرَ الإمام علي بن الحسين (ع) بتاتاً، بل وكان من رواة أخبار الإمام الرضا (ع) وكان يعيش في ذلك الزمان. ومع ذلك جاء اسمه كراوٍ ونُسب الخبر إلى علي بن الحسين (ع). والآن، هل كان الخطأ من الشيخ الحر العاملي أو من شيء آخر، لا نعلم ذلك. مشكلة النسخ المطبوعة هو أنه لا يمكن أن نعلم ذلك من خلال الرجوع إليها.
من يريد القيام بأعمال من هذا القبيل يلزمه أن يعرف الرواة جميعاً بصورة تامة، ويعرف الفترة التي عاش فيها الراوي وسنة ولادة الإمام ووفاته ومعلومات أخرى من هذا القبيل، يعرف كل ذلك جيداً. إذا لم نكن نعرف السنة التي توفي فيها الإمام الصادق (ع) وواجهنا روايات صدرت عنه ولكنها تتعارض مع بعضها، عندها نقول صدر ذلك تقيةً من الإمام، هذا ليس حلاًً، بل لا بد من أن نعرف رأي الفقهاء في زمن الإمام: أكان هذا أم ذاك، كي نتوصل من خلاله إلى معرفة أي من هذين الخبرين المتعارضين صدر عن تقية. لا بد أن نعرف كيف كان يعمل الحكم القائم آنذاك وبأي الرأيين كان يأخذ، ثم نقول إن الخبر الموافق لرأيهم صدر عن تقية وإن الخبر المخالف لهم هو الذي يبيّن الحكم الواقعي. فإذا لم تكن لدينا معلومات من هذا القبيل عن تلك الفترة ونقول إن الخبر الفلاني صدر عن تقية فهذا ليس بصحيح. لا بد أن تكون لنا مثل هذه المعلومات حول فترات كل من الأئمة ونعلم مثلاً أن الفقهاء في زمن الإمام السجاد أو الإمام الكاظم أو الإمام العسكري (ع) بماذا كانوا يحكمون لكي يمكننا بعدها في ميدان الروايات المتعارضة أن نحدد أي خبر صدر عن الإمام، وإلا فمن دون معرفة هذه الأمور لا يمكن أن نقول برأينا إن الخبر الفلاني صادر عن تقية، ولعل زمان الرواية لم يكن زمان تقية أصلاً.
مثلاً، كتاب كـ "أصول المعارف"، وهو كتاب قيّم جداً، ولكن مع ذلك لا بد من التحقّق من رواياته، هل توافق المعايير التاريخية (التي ذكرت) أو لا. فإنْ لم تكن توافقها فلا بد من توضيح ذلك ولا يمكن القول بما أن الشيخ الحر العاملي هو الذي يرويها فلا حاجة بنا إلى التحقق منها، ذلك أن الشيخ الحر العاملي قد وقع في مثل هذه الاشتباهات أيضاً في عدة مواضع، حتى في "الوسائل" توجد مثل هذه الاشتباهات. فهؤلاء الأفاضل ليسوا معصومين. في كتاب يقع في عشرين مجلداً يمكننا أن نستشكل على موضعين أو ثلاثة أو خمسة منه (طبعاً لو كتبنا نحن مثل هذا الكتاب لكان موضعان أو ثلاثة منه صحيحة والبقية مليئة بالإشكالات، إلا أن الشيخ الحر العاملي على درجة من الفضل بحيث كان موضعان أو ثلاثة من كتابه بهذا الشكل). طبعاً وجود إشكالات من هذا القبيل لا تقلل من شأنه ومقامه.
شخصية كالحر العاملي في عمله هذا يعتبر عالَماً بحد ذاته، ولكنه ليس معصوماً على أي حال ولا يعلم الغيب. ولذلك تحصل إشكالات كالتي أشرنا إليها.
والشيخ الطوسي أيضاً في كتاب "الغيبة" الذي كتبه حول إمام الزمان (عج)، جاء بأخبار من هذا القبيل. وكنموذج لذلك، الخبر المروي حول "القائم بأمر الله"، فلا بأس أن تعرفوا أنه يحكي التاريخ عن أن أحد أبناء الإمام الصادق (ع) مات ودفنه الإمام. ثم عيّن الخلفاء العباسيون أبناء هذا الابن في أعمال ومناصب، وأرسلوهم بعد حين إلى شمال أفريقيا وطرابلس ومناطق أخرى. فقاموا هم في تلك المناطق بأعمال، بنوا مساجد وصار لهم نفوذ. ومما قاموا به هو أنهم عارضوا بني العباس أنفسهم. فقامت الحرب وقُتل الآلاف، وبالتالي سيطر هؤلاء واستولوا على تلك المناطق ومن بعدها ادعوا الإمامة أيضاً. وأحد هؤلاء ـ ممن لو حسبنا من الإمام علي (ع) لكان النسل الثاني عشر ـ اسمه "القائم بأمر الله" وكان يريد ولاية العهد. نصبوا خيمة في الجزيرة الخضراء وترعرع هو هناك. فأحداث الجزيرة الخضراء وما شاكل ذلك كلها حول هؤلاء. فرويت أمور عنها وطبعتها الكتب. وذاك الشخص كان اسمه "القائم بأمر الله" وكان يقول في كل ما يرويه: "حدثني فلان عن فلان ... عن آبائي" فكانت عبارة القائم منشأ هذا الخطأ.
يروي المرحوم المجلسي أن إمام الزمان (عج) قال لابنه في الجزيرة الخضراء: افعل كذا! حتى أنه جاء باسم الابن وما إلى ذلك، وكل هذا صحيح ولكن لا علاقة له بصاحب الزمان، إمامنا القائم عجل الله تعالى فرجه. وبهذا يتضح كيف اختلطت أمور وكان أساس ذلك عدم الانتباه إلى حدث تاريخي. وفي كتاب "الغيبة" للشيخ الطوسي ـ إلى حد علمي ـ جاء خبران على هذه الشاكلة، حيث كان لا بد من تسجيل هذه الأمور عند تحقيقه في الهامش، ولكنها لم تُسجّل. طبعاً أشير إلى ذلك في مواضع أخرى.

ـ أستاذ! لو جيء لك بكتاب وقيل إن هذا الكتاب حققه الباحثون في الحوزة وكنتم تريدون تقويمه واختبار مدى متانة تحقيقه، فما هي المعايير التي تتخذونها لذلك واحداً بعد آخر بحسب الأهمية؟
ـ بعض الأخبار ما أعلم أنه أصابه تغيير. هذه الحالات أُلاحظها واحدة واحدة وأتفحّص المواضع الحساسة منها هل أصلحوها أو لا. أنا أفعل ذلك. طبعاً اعتمد عليه إذا كان العمل من مُحقق أعلم باطلاعه على هذه الأمور وأنه قد قام بها، ولكن إذا لم يكن كذلك وكان الضبط والرواية من دون تحقيق ومجرد اعتماد على نقل الأقوال، أقوم أنا بنفسي بالتحقيق ولا اعتمد عليه.

ـ كما تعلمون، أحد الاصطلاحات المستخدمة اليوم في مجال التحقيق هو تعبير "التحقيق النقدي" والذي شاع في العالم العربي قبلنا وقدّم بعضهم كعبد السلام هارون آراءً حوله. وما نريد معرفته هو إلى أي مدى يمكننا في تحقيق النصوص الروائية استخدام هذا التعبير وما هو معناه بالتحديد؟
ـ لا بد من الانتباه إلى معنى "النقد". النقد يعني تمييز الصحيح من السقيم، أي تنحية الأقوال الأخرى التي اختلطت مع أخبار الأئمة (ع) وتنقيتها منها. هذا العمل واجب علينا. فهل يسوغ لنا تصديق حديث كل من قال: قال الإمام كذا؟! يجب علينا أن نتفحّص سلسة الأسناد بدقة كاملة.
طبعاً ما يلزم الانتباه إليه هو التمييز بين ضعف الرواية عند القدماء وعند المتأخرين. فالبحث في سلسلة السند ومعرفة الرواة وتعريف "ضعف السند" ومباحث من هذا القبيل طُرحت في القرن السابع في زمن العلامة الحلي والسيد ابن طاووس. وقبل ذلك كانوا يركزون على نص الحديث ويقولون صحيح أو غير صحيح.
وبتعبير آخر، كلما قال القدماء إن الخبر الفلاني "صحيح" فمرادهم نص الخبر ولا علاقة لهم بسنده. ولذلك تارةً يعتبرون خبراً ما "صحيحاً" إلا أن سنده ليس مما يعتمد عليه. ولكن المتأخرين الذين هم من الرجاليين، عندما يعتبرون الخبر ضعيفاً يقصدون صعف سنده. طيب، ماذا يعني "ضعف السند"؟ يعني أنه موضوع؟! لا، معناه ربما أخطأ الراوي ولا يمكن أن نستوثق كما هو مطلوب من أن هذا الخبر قد صدر عن الإمام. إذن لا بد من التدقيق فيه.
ولو كان ضعف السند يعني أن الخبر موضوع، لما أمكننا نسبته إلى الإمام، لأن العلماء جميعاً يحرمون ذلك. إذن معنى أنه "ضعيف" هو أنه لا يمكن التعويل عليه كثيراً. ذلك أن الذين اعتبروا الراوي ضعيفاً ليسوا معصومين (ولعلهم أخطأوا في ذلك). فمثلاً، كميل بن زياد راوي دعاء كميل المعروف، لا يمكنكم أن تجدوا أي كتاب رجالي يقول إنه "ثقة". لم يقولوا ذلك في أي مكان. ومع ذلك، هل يمكن القول إن دعاء كميل الذي رواه لم يكن عن أمير المؤمنين؟
علماء الحديث أطلقوا صفة ثقة أو غير ثقة على من كان يروي الأحكام، ومن بعد ذلك راح يُروى في سيرة فلان أنه قيل فيه ثقة أو غير ثقة، وهذا ليس بمعنى أنهم إذا قالوا عنه "ثقة" فإنه يمكن قبول خبره وإذا قالوا "ضعيف" فلا يمكن.
القدماء وإلى القرن السابع والثامن (وهو زمان السيد ابن طاووس والعلامة الحلي) تمسكوا بأخبار ضعيفة السند. حتى الشيخ الطوسي في "الخلاف" والعلامة الحلي نفسه في "المختلف" تمسكوا بأخبار ضعيفة وعملوا بنصها، أي أنهم أفتوا على أساسها. إلى ما قبل القرن السابع لم يكونوا يهتمون بالراوي وكانوا يركزون على النص ويقولون ضعيف أو لا. من هنا، تلاحظون أن الشيخ المفيد تمسك بأخبار ضعيفة باصطلاح المتأخرين. مثلاً أخذ بخبر أحمد بن هلال الذي يقول الجميع إنه ضعيف ولا يُعتمد عليه. وسبب ذلك هو تركيزهم على النص. ولكن من القرن السابع فما بعد ـ كما يذكر العلماء أنفسهم ـ لاحظوا أن النسخ التي كانت بيد القدماء والتي كانت حجة بالنسبة إليهم قد تلفت فاضطروا إلى دراسة الأسناد، ومن عندها كلما قالوا عن خبر إنه "ضعيف" فهم يقصدون السند. طبعاً ضعف السند يجبره عمل الأصحاب وضعف السند لوحده لا يصرفهم عن العمل بخبر من الأخبار، وبالتالي فإن المتأخرين أيضاً ـ الذين يعتبرون ذلك الخبر ضعيفاً ـ يعملون بمتنه كما كان يفعل القدماء. هذا الموضوع تمّ طرحه على المرحوم آية الله الكلبايكاني (ره) فأجاب بهذا الجواب نفسه بأنه: وإنْ كنّا نعتقد جميعاً ضعف هذه الأخبار، ولكننا نقول هذا الضعف يجبره عمل الأصحاب.
إذن معنى "الضعف" عند القدماء يختلف عن معناه عند المتأخرين. فأولئك يقصدون ضعف المتن. مثلاً كانوا يقولون لأن هذا المتن لا يطابق "الأصول الأربعمئة" أو أن الفقهاء لم يفتوا به، فهو ضعيف، إلا أن المتأخرين يقصدون بذلك السند. ولذلك إذا قالوا إن سند الرواية كذا ضعيف فلعلّ متنها صحيح (وكما قلنا يجبره عمل الأصحاب)، كما أنهم إذا قالوا سندها صحيح فلعلّ متنها غير صحيح.

ـ هناك سؤال حول "التحقيق الاجتهادي" في قبال "التحقيق بالنسخة". في التحقيقات التي تقومون بها أنتم يا أستاذ، كم منها يعتمد على النسخة وكم منها يعتمد على اجتهادكم الشخصي؟ وكمثال على ذلك، ذكرتم آنفاً أنكم كنتم ترجعون في تحقيق تفسير أبي الفتوح الرازي إلى دواوين الشعراء أيضاً. وهذا صحيح، ولكن من أين لنا أن نثق بأن خطأً معيناً كان من أبي الفتوح نفسه أو من النسّاخ؟ وبتعبير آخر، عمل المحقق هو تصحيح أخطاء الناسخ أو تصحيح أخطاء المصنف؟ وإلى أي مدى فصلتم أنتم في أعمالكم بين هذين الأسلوبين (التحقيق الاجتهادي والتحقيق على أساس النسخة)؟ وإلى أي مدى ركّزتم على هذا أو ذاك؟
ـ هذا الفصل صحيح ونحن نعمل بهذا الشكل أيضاً، ولكن المواضع التي نجتهد فيها لا نأتي بها في داخل المتن. في كل الكتب التي حققتها، أينما وجدت أن المتن خطأ سجلت في الهامش أن هذا المتن برأيي غير صحيح، ولكنني لم أغيّر في المتن نفسه وتركته كما كان للباحثين ولمن سيأتي بعدنا. في كل قرن يأتي آلاف من هؤلاء الناس ونحن حافظنا لهم على المتن الأصلي. طبعاً يحصل أحياناً اختلاف بين النسخ المطبوعة والمخطوطات المصححة المعتمدة. في هذه الحالات جئنا بما يطابق المخطوطة وأشرنا في الهامش أنه في النسخة المطبوعة ورد بهذا الشكل.
طبعاً لا تكون أي نسخة ـ مهما كانت ـ أساساً لعملنا، بل النسخة التي قابلها العلماء المعروفون وأمضوا عليها في آخرها هي التي نجعلها متناً وتأتي الأقوال الأخرى في الهامش. طبعاً إذا كانت عبارة النسخ المطبوعة خطأً في الحقيقة ولم يكن الناشر يعلم بأنه أخطأ في طباعة النص، فإننا نحذف تلك العبارة ولا نأتي بها من الأساس، ولكن في الحالات التي يكون لكل من النص المطبوع والمخطوط معنى ولكنهما مختلفان نجعل المتن طبقاً للمخطوطة ونأتي بالعبارة المطبوعة في الهامش.
وأما إذا تصورنا وجود خطأ في المتن (النسخة الأصلية) أيضاً فلا نغيّر المتن بل نسجل في الهامش أننا نرى أن كذا شيئاً صحيح أو أصح وأن هذا المتن فيه تصحيف. هذا الأسلوب سهل من ناحية وليس فيه مسؤولية بالنسبة إلينا من ناحية أخرى، فإذا عاد المؤلف حياً وقال: لماذا غيّرتم في كتابي؟ نقول: لم نغيّر، فهو كما كان، كل ما هنالك جئنا برأينا في الهامش ونحن نرى أنه هو الصحيح. وهناك من ارتضى هذا الأسلوب أيضاً كالعلامة الشعراني والعلامة الطباطبائي. العلامة الأميني ـ الذي تعلمنا منه هذا الأسلوب ـ كان يرتضيه ويقول: إذا كتبنا بهذا الشكل لم تعد مسؤولية علينا شرعاً كما أننا قد جعلنا المتن أمام نظر القارئ تماماً.
نحن لا نغيّر المتن، لأننا إذا غيّرنا سيأتي آخرون ويعتبرون تصحيحنا خطأً وهكذا، وبالتالي ستضيع الكتب جميعاً. وهكذا الأمر في الأحاديث ـ ولا سيما أحاديث الأحكام ـ فنحن لا نقوم بأي تصرّف إلا ـ بالشكل الذي ذكرت ـ أن تكون النسخة الخطية صحيحة ونأتي بها في المتن.

ـ في "التهذيب" الذي حققتموه، نشاهد في الهامش أحياناً أنكم تذكرون مثلاً أنه قيل جاء في النسخة التي بخط الشيخ بهذا الشكل، إلا أن المتن تغيّر وأصبح بشكل آخر غير مطابق للعبارة المنسوبة إلى الشيخ نفسه، أو في "المنتقى" الذي حققتموه، هناك أمور كثيرة منقولة عن خط الشيخ وهي خطأ، ولكن لا بمعنى أن العبارة المنقولة عن خط الشيخ هي خطأ بالتأكيد، بل بمعنى أنه لا يوجد متن كالمنقول عن الشيخ، والمتون هي كما في نسختكم المصححة.
ـ نعم هذا صحيح. تأتينا أحياناً نسخة بخط المصنف نجعلها متناً، ولكن أحياناً ينسبون إليه عبارة أو يقال إن النسخة كذا هي بخطه، إلا أننا نرى النسخة فيها إشكال، فنحن لا نستطيع الاعتماد على ذلك والإتيان به في المتن. من هنا نجعل عبارة المتن هي العبارة الصحيحة وليس العبارة المنسوبة إلى المصنف أو العبارة الخاطئة التي وردت في النسخة المنسوبة إلى المصنف ولا يُدرى أنها حقيقةً من المصنف.

ـ لقد قمتم بتحقيق "المنتقى". ألم يكن للكتاب نسخة معتمدة؟ وكيف كانت نسخته؟
ـ لا، ليست له نسخة معتمدة. وصلتنا نسخ متعددة لم تكن أي منها للمؤلف: إحداها نسخة مطبوعة أعدّها السادة في إصفهان وهي مليئة بالأخطاء، ونسخ خطية أخرى، لأنه لم تكن إمكانات الطباعة متوفرة آنذاك وكان هذا الكتاب من الكتب المنهجية في الحوزة وأُخذت عنه نسخ عديدة. وعندما نجد عبارة ما في إحدى هذه النسخ فمن أين لنا أن نستيقن أن صاحب "المعالم" قد قال ذلك حقاً؟ أحدهم يقول أنا رأيت في نسخة بخط صاحب "المعالم" نفسه أن العبارة كذا بشكل آخر. ولو كانت هذه النسخة بخط صاحب "المعالم" نفسه لقبلنا ذلك، ولكنهم أعطونا نسخاً مطبوعة فيها هذه العبارة. وأنا غير متيقن من هذه، ولأني غير متيقن من هذه الحالة أوردت العبارة الصحيحة.

ـ إذا رجع إليكم أحد يريد أن يخطو الخطوة الأولى لتعلم علوم الحديث والدراية والرجال وما إلى ذلك، فبماذا توصونه؟ أنتم إذا أردتم الابتداء مرة أخرى، فما هو الطريق الذي تسلكون وكيف تبدأون؟ ما هي المصادر التي ستستعملونها (للتعلم)؟
ـ ينبغي أن نوجه أنظارنا إلى أساتذة هذا العلم. الأول هو السيد حجت والثاني هو السيد البروجردي الذي كان أستاذاً حقاً. السيد المحدث الأُرموي كان أستاذي وهو من أهل أرومية وكان لا يعوّل كثيراً على الفرس. وعندما جاء إلى هنا، أثنيت أمامه جداً على آية الله البروجردي. وكان مجيئه إإلى هنا للتحقيق في أحد الكتب وذهب إلى السيد البروجردي فأجابه السيد الروجردي عن كل ما قاله، سواء حول الكتاب نفسه (وأن العبارة كذا في النسخة كذا وما إلى ذلك) أو عن المؤلف (من هم تلامذته ومن هم أساتذته وما شاكل). كان المحدث الأرموي يقول: "إنه (السيد البروجردي) بحر موّاج وليس له مثيل على وجه الأرض". هذا الكلام تقوله شخصية مثل المحدث الأرموي الذي لا يعوّل على أيٍ كان.
كان السيد البروجردي يعمل خلال كل السنوات الثلاثين التي قضاها في النجف وكذا خلال السنوات التي كان في بروجرد، يعمل ليل نهار في هذه المجال ويعرف كل الرواة، يعرف كل الطبقات ويعرف كل أصحاب الكتب. فإذا قال شخص مثله شيئاً فهو حجة، لأنه يعرف كل هذه القواعد ويتكلم طبقاً للقاعدة فحسب. من كان يعرف السيد البروجردي يعلم أن من يزوره في غير أوقات الدرس لا يجد في حديثه في وقت من الأوقات شيئاً سوى البحث العلمي ولم يكن يتحدث بمزاح قط، إلا أن يقول أحد شيئاً ويتبسم هو لذلك. كان نوراً وجّهه الله إلى هؤلاء القوم. السيد البروجري ارتقى إلى العلى رقياً جعل من تلامذته الذين ذهبوا إلى النجف يهزون السيد الخوئي.
إذا لا بد من أن نعرف الرجال ونعلم من يروي هذه الرواية. طبعاً أنا لا أستطيع القول بدقة ما الذي يجب فعله. على الأساتذة أنفسهم الاهتمام بهذه القضايا وطرح هذه الموضوعات في أثناء الدروس. لا يمكن أن نجعل درساً لهذا الموضوع، لأنه سوف لن يكون درساً، بل خطبتين أو ثلاث.
يجب أن تعرفوا كل الرجال، مثلاً أولئك الذين روى عنهم "أصول الكافي" وكانوا من مشايخ الكليني. لا بد أن تعرفوا ما الذي يمكن أن يرويه هؤلاء. لا بد من أن يقوم أحد ما بإلقاء هذه الدروس ممّن يعرف الرواة وطبقاتهم أيضاً ويعرف من يمكنه أن يروي عمّن ويحدد أي الروايات مرسلة قد سقط أحد من سلسلة سندها. يجب أن تعرفوا هذه الأمور. في النسخ المختلفة لـ "أصول الكافي" يحصل أحياناً اختلاف بأنْ توجد رواية في نسخة ولا توجد في نسخة أخرى. رواة الكليني، أي أولئك المجازون بالرواية عنه، لا نجد الحديث أحياناً في كتبهم. مثلاً في نسخة النعماني، توجد رواية لا توجد في النسخ الأخرى ونحن سجلنا هناك في الهامش بأن النسخة كذا بهذا الشكل. وهذا العمل هو لأجل ألا نمس الأصول الأولية للشيعة ونضيف أو ننقص شيئاً من متونها. في كل النسخ التي وصلتنا من سماعة بن مهران وفي كل مكان يقول "قال" ثم يروي الرواية. لم يقل في أي موضع: "قال عليه السلام"، ولكنه قال في أول كتابه إنه يروي كل الأحاديث عن الإمام الصادق (ع) ثم يأتي في كل مكان بـ "قال...". فإذا وصلتنا الآن نسخة كُتب فيها: " قال الصادق عليه السلام ..." فمن الواضح أن الناسخ قد أدخلها جميعاً في المتن باعتبار قوله ذاك في أول الكتاب، وإلا فإنه لا يوجد شيء من هذا، لا في النسخ الموجودة حالياً ولا في النسخ التي رآها آخرون قبل قرون، والنسّاخ اللاحقون هم الذين جاءوا بعبارة "الصادق عليه السلام" من بعد "قال".
موضوعات من هذا القبيل يجب أن يعرفها الجميع، وعندما يعرفونها لا تبقى مسألة ذات أهمية، لأن فهم الحكم الفقهي حسابه على حدة ويحتاج إلى معرفة أصول الفقه واللغة ومعلومات أخرى وحسابات العقل، ولكن ما نقوله نحن (والذي يجب مراعاته في تحقيق النسخ) هو أمر بسيط. نحن نقول المصدر الذي يوضع أمام الآخرين لاستنباط الأحكام يجب أن يكون صحيحاً لكي يتسنى لأهل أي علم أن يتحركوا بطمأنينة ويفكروا في موضوعاته وقضاياه. هذا هو عملي وقد كرّست حياتي لأجل أن تكون المراجع التي تستخدمها الحوزة وطلاب العلوم الدينية صحيحة. ولتحقيق كتاب ما، أنا مستعد لمقابلته مهما كان عدد نسخه. مثلاً كتاب "الاستبصار" ـ الذي أعمل حالياً على طبعه ـ أحاول الحصول على أي نسخة له أو أقوم بتصويرها. وهذا كله هو من أجل حفظ هذه المتون.

ـ الموضوع الذي أُقيمت لأجله هذه الجلسة هو بالدرجة الأولى تحقيق النصوص. وبالنظر للتوضيحات التي تفضلتم بها، يُطرح في تحقيق الكتب هذا السؤال، مثلاً كتاب "التهذيب" الذي طبعتموه أخيراً، ذكرتم في الحاشية أحياناً أنه: "في النسخة كذا جاءت هذه العبارة وبهذا الشكل والصحيح هو هذا"، أي أنكم ترون صحة عبارة تلك النسخة ولكنكم لم تغيروا المتن ولم تأتوا بعبارة تلك النسخة داخل المتن. فما هو المعيار في ذلك؟
ـ المتن هو متن الشيخ نفسه، لأنهم نقلوه عنه بهذا الشكل. مثلاً عندما نقله العلامة الحلي نقله بهذا الشكل. إذن ذلك هو متن الشيخ نفسه، ولكن الناسخ لم يرتض هذا كتابة النص ذاته وجاء بالعبارة بشكلها الصحيح، ولكننا نعلم أن الشيخ لم يقل ذلك. ولذلك فنحن لا نغيّر المتن وننبّه في الهامش فقط بأن النسخة كذا بهذا الشكل وبرأينا هو الصحيح، ونقوم بذلك فحسب (طبعاً هذه الحالات نادرة ولعلها لا تزيد على حالتين أو ثلاث). نحن لا نستطيع الاعتماد على هذا القول الثاني ونغيّر في المتن.
يجب علينا مراعاة القضايا الشرعية في العمل، لأن المؤلف في الحقيقة حاضر معنا ويرى كل عمل نقوم به أثناء التحقيق. الشيخ الطوسي نجم في أعالي سماء الشيعة، أي أنه نور. مؤلفو الكتب الأربعة جميعاً لهم هذا الشأن، ولا سيما الشيخ الذي أسس حوزة النجف. من بعد أن زحف سلطان سنجر بجيشه وقاموا بإحراق المكتبات، نصب الشيخ الطوسي خيمته بالقرب من قبر أمير المؤمنين ـ في المكان الذي فيه الآن قبر الشيخ نفسه ـ وبدأ عمله من هناك وأسس في عهد الحكومات السنية مدرسة دينية استطاعت فيما بعد نشر التشيع إلى الناس جميعاً. الشيخ الطوسي بخدماته هذه هو نور على نور وأنا أشعر أنه يجلس أمامي، وعندما أقوم بالتحقيق أفكر دائماً في أن أكتب هذا الشيء أو لا أكتبه، وحتى بعد صف الحروف أبقى أفكر فيه أيضاً. وفي بعض الأحيان عندما يستشكل علي الأمر جداً ألوذ بالاستخارة. وخلاصة القول أدقق في الأمر كثيراً، ولا سيما وأني لست معمّماً ولعلّ بعضهم يقول إنه شخص غير معمم ويفعل ما يشاء. في كل موضع أريد أن أضع فيه نقطة أو أحذفها، أضع نصب عيني المؤلف والله وأهل البيت (ع) الذين يُروى عنهم هذا الحديث، أضعهم جميعاً نصب عيني وأحاول التركيز على جواز هذا العمل أو عدم جوازه ومن بعد ذلك أقوم به. طبعاًً نظراً لهذه الأمور ييسر لنا الله السبل أيضاً.
عندما كنت أعمل على تحقيق "المحجة البيضاء"، احتجت إلى كتاب "مجمع الزوائد". مجمع الزوائد كتاب مطبوع الآن في عشرة مجلدات، ولكن طبعاته القديمة كانت تقع في خمسة مجلدات كبيرة. وكان العلامة الأميني قد طلب مني العثور على "مجمع الزوائد" بأي قيمة كانت. فأنا كنت محتاجاً إليه وهو أيضاً. اتصلت هاتفياً بالجميع ولكنه لم يكن عند أحد. ذهبت ليلاً إلى حجرتي وقلت في نفسي: "إلهي يسِّر!". في اليوم التالي جاءني أحد التجار المعروفين ـ وكان رجلاً متعلماً يعرفني ـ ليسأل عن أحوالي. فقلت له أريد طبع كتاب "المحجة البيضاء". قال: "نحن لدينا مكتبة كبيرة، فإذا كنت تحتاج إلى كتاب فقل لي". قلت: أحتاج "مجمع الزوائد". قال: "عندي". بعد ذلك وفي اليوم نفسه، ترك كل أعماله وذهب ليأتي بمجلدات "مجمع الزوائد" بين ذراعيه وقال: "أؤدي عملك أنت أولاً إذ تعمل للدين ثم أذهب لأداء عملي".
فمن الواضح أني لم أُضِع الطريق وما كان يريده الله كنا نريده وهو الذي يحصل. طبعاً أنا لم أكن أريد أن أذكر ذلك. خلاصة القول، جوابكم هو أننا أثناء التحقيق أينما وجدنا من اللازم أن نعطي رأينا، نكتب بشكل يتضح منه أنه رأينا وليس رأي المؤلف.

ـ ذكرتم المرحوم آية الله البروجردي بخير. السيد البروجردي كان قد أدرك نواقص "وسائل الشيعة" فبدأ بمشروع "جامع أحاديث الشيعة" وتم إنجاز قسم منه أيضاً. واليوم تم طبع أكثر من عشرين مجلداً من "جامع أحاديث الشيعة". فهل ترون أن هذا الكتاب حقّق الهدف الذي كان ينشده آية الله البروجردي أو لا؟
ـ لا أتصور أنه حقق ذلك. فإلى الحين الذي كان يشرف عليه بنفسه كانت هناك تدقيقات لم تستمر فيما بعد. طبعاً لو ساعد من يعمل على إعداد كتاب "جامع الأحاديث" الذين يعملون في الوقت الحاضر على طبع "وسائل الشيعة" لتطور العمل، ولكن "جامع الأحاديث" المطبوع، أعتقد أن متنه والنسخ التي استخدمها المحقق فيه لا يعتمد عليها كثيراً.
عندما أرادوا طباعة مجلدين من طبعته الحجرية القديمة قدمت لهم كتاب "سنن النسائي" أو "سنن أبي داود" الذي طبعته مصر بشكل راق وجميل جداً، وقلت: "يجب أن تطبعوه بهذا الشكل، بهذه الحروف وهذه الكيفية"، ولكنهم لم يفعلوا ذلك. يجب علينا أن ننشر كتبنا للعالم، لا لأنفسنا فحسب. خذوا مثلاً كتاب "المحجة البيضاء" الذي طبعته، كانوا يأتون من الغرب ويقولون إن الكتاب موجود لديهم هناك ويعرفون كل ما ذكرته خلافاً لرأي المؤلف. وهكذا اشترى المحققون الأمريكان والساكنون في أمريكا ستين مجموعة من كتاب "من لا يحضره الفقيه".
أهل السنة يطبعون كتبهم بشكل ينشرها في العالم كله. هذا في الوقت الذي نأتي نحن فيه لنطبع كتاب السيد البروجردي الذي هو كلام الشيعة الحق وأهل البيت (ع) وبالتدقيق الكبير الذي أُعمل فيه، بصورة طبعة حجرية قديمة. معنى ذلك أننا نولّي بوجوهنا عن عالم العصر الحديث. إذا نظرنا إلى عالم اليوم فلا بد من أن نطبع بما يفي بالغرض إلى خمسمئة سنة. وإن شاء الله سيظهر إمام الزمان (ع) ولكن يجب علينا نحن أن نعمل بهذا الشكل.

ـ ما هي الكتب التي تعملون على تحقيقها في الحال الحاضر يا أستاذ؟
ـ كتاب "الاستبصار". طبعاً ترجمت أيضاً "كمال الدين" للشيخ الصدوق و"تحف العقول". الأمر الذي ينبغي مراعاته هو أن كتاباً مثل "تحف العقول" يحتوي مواعظ أهل البيت (ع) لا بد من طباعته مع حركات الإعراب، لأن الكثير لا يحسن العربية وإذا لم يستطع قراءة العربية بشكلها الصحيح فستضعف لديه الرغبة، في حين إذا كان النص العربي المحرَّك إلى جانب الترجمة فإنه سيكون كتاباً مساعداً أيضاً بالنسبة إلى الجامعيين والشباب من طلاب العلوم الدينة وستزداد رغبة الناس في اقتنائه. عندما طبعنا "عيون أخبار الرضا (ع)" بعنا منه ثلاثة آلاف نسخة في مدة سنة وانتشر في أنحاء العالم. وبهذا يتضح أن "عيون أخبار الرضا" الذي كان قد طبع في قم سابقاً هو بشكل بحيث لم يكن يشتريه سوى أهل المنبر والخطابة، ولكننا نريد لكتبنا أن تُنتشر في مختلف أرجاء العالم. ولذلك لا بد من طبعها بالشكل الذي يستقبله العالم.
المجلد الأول من "كمال الدين" للصدوق انتهى، و"تحف العقول" من المقرر أن تطبعه وزارة الإرشاد في مجلدين بألف صفحة. النص العربي في أعلى الصفحة وترجمته الفارسية جاءت مرقمةً تحته. العمل الذي أقوم به بنفسي في الحال الحاضر هو "الاستبصار". ونحن نشير إلى مواضع أخباره في الكتب الأخرى، وإذا كان الشيخ نفسه قد روى الشيخ من عدة مواضع قمنا بتحديدها جميعاً مع حالات الاختلاف بينها أيضاً، لكي يكتفي الباحث من العلماء بهذا الكتاب ويستغني به عن غيره. وقد قمنا بذلك أيضاً في "التهذيب"، أي أشرنا إلى مواضع رواياته في الكتب الأخرى تسهيلاً لمتابعة الروايات واستنباط فتوى أو إدراك حكم منها ككل.

ـ الرواية المروية في "الكافي" وفي كتاب "من لا يحضره الفقيه" أيضاً، إذا كنتم تشيرون إلى موضعها سيكون ذلك أكثر فائدة، يعني بالإضافة إلى الإشارة إلى موضع رواية "الاستبصار" في "التهذيب" تشيرون إلى موضع تلك الرواية في "الكافي وكتاب "من لا يحضره الفقيه" أيضاً فيما إذا كانت موجودة فيهما.
ـ نعم، نحن نذكر ذلك أيضاً. حتى إذا كان هناك اختلاف قليل، نشير إلى شكل الاختلاف أيضاً بالإضافة إلى الموضع.

ـ المقصود ذكر موضع الروايات أيضاً.
ـ أنا أعطي الموضع طبقاً للكتب التي طبعتها، لا طبقاً للطبعات الأخرى. طبعاً اختلاف الطبعات الأخرى جئنا به في حاشية طبعتنا.

ـ مثلاً في "التهذيب" تشيرون إلى "الكافي" وكتاب "من لا يحضره الفقيه"، ولكنكم لا تحددون الموضع. تقولون عادة: "في الكافي..." أو "في الفقيه..."، ولكنكم لم تحددوا موضع ذلك. ولهذا لم تتضح أتعابكم بجلاء.
ـ للعثور على رواية لا بد من ملاحظة بابها من "الكافي". من يقرأ هذه الكتب يعلم بنفسه مثلاً أن حديث الشك في الصلاة يجب العثور عليه في باب الشك من "الكافي". فلا حاجة إلى إعطاء رقم الصفحة وما إلى ذلك. كان المحدث الأرموي يفعل ذلك. أستاذي الشعراني كان يقول لي: "إنه (المحدث الأرموي) يطيل كثيراً. اجعل هامش الصفحات قصيراً".

ـ أستاذ! يبدو أن دار الحديث لا تنوي تحقيق "بحار الأنوار". فهل لديكم أنتم نية لتحقيقه؟
ـ كلا، لأن "بحار الأنوار" يختلف عن الكتب الأربعة ولا يكفي في تحقيقه مجرد أن يكون الفرد فقيهاً، بل لا بد من التبحّر بأن الخبر كذا يمكن الاعتماد عليه أو لا. آنذاك كانت مصادر الشيعة عدا الكتب الأربعة في طريقها إلى الضياع والمرحوم المجلسي استنسخها جميعاً وقام بتبويبها، وكل كتاب استطاع الحصول عليه جاء به في جملة تلك الأبواب، وذلك عدا أحاديث الكتب الأربعة التي قال إنها مؤكدة وتبقى على حالها.
الأخبار الواردة في "بحار الأنوار" لا تدخل في عمل الفقيه، وبطباعة "وسائل الشيعة" يستغني الفقيه حتى عن الرجوع إلى الكتب الأربعة. فبالنسبة إلى "البحار" الأمر بهذا الشكل أيضاً. طبعاً المجلدان 77 و78 منه اللذان اشتملا على المواعظ والخطب والمليئان بالمفردات الصعبة، كتبت لهما هامشاً خلال شهرين وتم طبعهما. أنا لا أستطيع العمل في "البحار" كثيراً، لأنه عمل حوزوي واسع ويتطلب شمولية وليس عمل فرد واحد أساساً. في "البحار" أبواب يستلزم تحقيقها إلى متخصص فيها بالذات.