السبب الأوّل ـ وصول بعض أهل البيت عليهم السلام إلى بغداد:
نتيجة للثورات العلوية التي مزّقت جسد الدولة العبّاسية، ولشعور بني العبّاس أنفسهم بأنّهم زمرة اغتصبت الخلافة من أهلها الشرعيين، وخوفهم من القواعد الشعبية الواسعة لأهل البيت عليهم السلام تلك القواعد التي أسهمت وبشكل كبير في إسقاط دولة الطلقاء؛ لذا حاول العبّاسيون ـ بعد الاستحواذ على السلطة ـ تضييق الخناق على أهل البيت عليهم السلام بجعلهم تحت المراقبة الشديدة.
ولهذا لا نجد إماما من أهل البيت عليهم السلام في العصر العبّاسي الأوّل وكذلك الثاني، ابتداءً من الإمام الصادق وإلى الإمام العسكري عليهم السلام إلّا وقد حمل كرها إلى عاصمة العبّاسيين، سواء كانت الكوفة، أو بغداد، أو خراسان، أو سامراء.
أمّا في خصوص بغداد، فقد أمر هارون (170 ـ 193 ه ) بحمل الإمام موسى بن جعفر عليهماالسلاممن المدينة إلى العراق، ثمّ أمر بحبسه في البصرة ونقله إلى حبس بغداد إلى أن استشهد في حبسه عليه السلام (سنة / 183 ه ).
وكذلك حملوا الإمام الجواد عليه السلام (202 ـ 220 ه ) إلى بغداد ليكون تحت مراقبة المأمون (198 ـ 218 ه ) بعد تحوّله من خراسان إلى بغداد، ثمّ المعتصم (218 ـ 227 ه ) بعد المأمون.
وفي سامراء ـ وهي قريبة من بغداد ـ كانت الإقامة الجبرية مضروبة على الإمام الهادي عليه السلام (220 ـ 254 ه ) في سامراء؛ ليكون تحت مراقبة السلطة في زمان المعتصم (218 ـ 227 ه )، والواثق (227 ـ 232 ه )، والمتوكّل (232 ـ 247 ه )، والمستعين (248 ـ 252 ه )، والمعتزّ (252 ـ 255 ه ).
وكذلك الحال مع ولده الإمام العسكري عليه السلام (254 ـ 260 ه ) ليكون تحت رقابة المعتز (252 ـ 255 ه )، والمهتدي (255 ـ 256 ه )، والمعتمد (256 ـ 279 ه ) الذي حصلت في زمانه الغيبة الصغرى للإمام المهدي عليه السلام خشية على نفسه الشريفة من جلاوزة المعتمد العبّاسي ، الذي كان شديد البغض والعداء لأهل البيت عليهم السلام ۱ .
ولا يخفى أنّ وجود أهل البيت عليهم السلام في أيّ مكان، مدعاة لتمركز شيعتهم في ذلك المكان، وإذا أُضيف إلى هذا تشرّف بغداد بمشهدي الإمامين الكاظم والجواد عليهماالسلام، وتشرّف سامراء ـ القريبة من بغداد ـ بمشاهد: الإمام الهادي، والإمام العسكري، والسيّدة حكيمة بنت الإمام الجواد واُخت الإمام الهادي وعمّة الإمام العسكري عليهم السلام ، والسيّدة نرجس اُمّ الإمام المهدي عليه السلام ؛ اتّضح سرّ الكثافة الشيعية ببغداد.