95
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

السبب الأوّل ـ وصول بعض أهل البيت عليهم السلام إلى بغداد:

نتيجة للثورات العلوية التي مزّقت جسد الدولة العبّاسية، ولشعور بني العبّاس أنفسهم بأنّهم زمرة اغتصبت الخلافة من أهلها الشرعيين، وخوفهم من القواعد الشعبية الواسعة لأهل البيت عليهم السلام تلك القواعد التي أسهمت وبشكل كبير في إسقاط دولة الطلقاء؛ لذا حاول العبّاسيون ـ بعد الاستحواذ على السلطة ـ تضييق الخناق على أهل البيت عليهم السلام بجعلهم تحت المراقبة الشديدة.
ولهذا لا نجد إماما من أهل البيت عليهم السلام في العصر العبّاسي الأوّل وكذلك الثاني، ابتداءً من الإمام الصادق وإلى الإمام العسكري عليهم السلام إلّا وقد حمل كرها إلى عاصمة العبّاسيين، سواء كانت الكوفة، أو بغداد، أو خراسان، أو سامراء.
أمّا في خصوص بغداد، فقد أمر هارون (170 ـ 193 ه ) بحمل الإمام موسى بن جعفر عليهماالسلاممن المدينة إلى العراق، ثمّ أمر بحبسه في البصرة ونقله إلى حبس بغداد إلى أن استشهد في حبسه عليه السلام (سنة / 183 ه ).
وكذلك حملوا الإمام الجواد عليه السلام (202 ـ 220 ه ) إلى بغداد ليكون تحت مراقبة المأمون (198 ـ 218 ه ) بعد تحوّله من خراسان إلى بغداد، ثمّ المعتصم (218 ـ 227 ه ) بعد المأمون.
وفي سامراء ـ وهي قريبة من بغداد ـ كانت الإقامة الجبرية مضروبة على الإمام الهادي عليه السلام (220 ـ 254 ه ) في سامراء؛ ليكون تحت مراقبة السلطة في زمان المعتصم (218 ـ 227 ه )، والواثق (227 ـ 232 ه )، والمتوكّل (232 ـ 247 ه )، والمستعين (248 ـ 252 ه )، والمعتزّ (252 ـ 255 ه ).
وكذلك الحال مع ولده الإمام العسكري عليه السلام (254 ـ 260 ه ) ليكون تحت رقابة المعتز (252 ـ 255 ه )، والمهتدي (255 ـ 256 ه )، والمعتمد (256 ـ 279 ه ) الذي حصلت في زمانه الغيبة الصغرى للإمام المهدي عليه السلام خشية على نفسه الشريفة من جلاوزة المعتمد العبّاسي ، الذي كان شديد البغض والعداء لأهل البيت عليهم السلام ۱ .
ولا يخفى أنّ وجود أهل البيت عليهم السلام في أيّ مكان، مدعاة لتمركز شيعتهم في ذلك المكان، وإذا أُضيف إلى هذا تشرّف بغداد بمشهدي الإمامين الكاظم والجواد عليهماالسلام، وتشرّف سامراء ـ القريبة من بغداد ـ بمشاهد: الإمام الهادي، والإمام العسكري، والسيّدة حكيمة بنت الإمام الجواد واُخت الإمام الهادي وعمّة الإمام العسكري عليهم السلام ، والسيّدة نرجس اُمّ الإمام المهدي عليه السلام ؛ اتّضح سرّ الكثافة الشيعية ببغداد.

1.. راجع كتابنا: المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي : ص ۱۱۷ بعنوان: (تصرّف السلطة دليل على ولادة الإمام المهدي عليه السلام ).


حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
94

رابعا ـ أسباب انتشار الفكر الشيعي ببغداد في عصر الكليني:

ربّما يوحي الحديث عن انتشار الفكر الشيعي ببغداد في عصر الكليني بإعطاء السلطة العبّاسية ـ في عصرها الثاني ـ الحريه الكاملة للشيعة في ممارسة دورهم الثقافي والفكري في بناء المجتمع الإسلامي، على خلاف ما لاقوه من عنت واضطهاد في العصر العبّاسي الأوّل. مع أنّ الصحيح الثابت هو سلبية موقف السلطة العبّاسية من الفكر الشيعي في كلا العصرين، باستثناء عصر المنتصر العبّاسي الذي حكم ستة أشهر ويومين فقط رحمه الله ۱ وحينئذٍ لابدّ من وجود المبرّرات الموضوعية لانتشار الفكر الشيعي ببغداد، وأوّلها موقف السلطة منه، إذ المعروف أنّ العبّاسيين قد تدخّلوا في الحياة الثقافية والفكرية منذ أن وطأت أقدامهم السلطة (سنة / 132 ه )، وكان لها رأي في اعتقادات الناس وآرائهم. وبما أنّ بغداد كانت تضمّ جميع المذاهب والفرق المنتمية إلى الإسلام، فكان من الطبيعي جدّا أن تختلف الاعتقادات والآراء والأفكار بحسب اختلاف الناس وتعدّد مشاربهم، ومعنى القول بتدخّل السلطة في ذلك أنّها لم تقف حيال عقيدة المجتمع وفكره وثقافته موقف المتفرّج، وهو ما قدّمناه قبل قليل.
ترى كيف انتشر الفكر الشيعي ببغداد عاصمة العبّاسيين إذن ؟
فهل انتشر بقوّة السلطان؟ أو بما يمتلكه من قدرة على البقاء والتوسّع لما فيه من قيم روحية وفكرية عالية تعبّر عن الدين الحق؟ فنقول:
توفّرت للفكر الشيعي (الذي هو فكر آل محمّد صلى الله عليه و آله ) بعض الظروف المناسبة لامتداده ببغداد وانتشاره بين أهلها في هذا العصر، وقد ارتبط بعضها بتاريخ التشيّع ومبادئه، وفي بعضها شَبَهٌ بالاُمور التي أدّت إلى نموّه في بلاد الريّ بعد ما كانت خارجة ناصبة!
وفيما يلي أهمّ الأسباب التي توفّرت لإنطلاقة التشيّع ببغداد.

1.. تاريخ أبي الفداء : ج ۱ ص ۳۵۶.

  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 293304
صفحه از 532
پرینت  ارسال به