135
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
134

رابعا ـ ولادته:

وسنبحثها من جهتين، وهما:
1 ـ تاريخها: لم يؤرّخ أحد ولادة الشيخ الكليني، ومع عدم معرفتنا بتاريخ ولادته، يتعذّر علينا معرفة مدّة عمره بالضبط وإن علمنا تاريخ وفاته، وحيث سينتهي بنا التحقيق في تاريخ وفاته إلى أنّها كانت (في سنة / 329 ه . ق ـ 941م ـ 322 ه .ش) فيمكن تلمّس القرائن التي تفيدنا ـ على نحو التقريب ـ في تقدير مدّة عمره الشريف.
ومن تلك القرائن:
أ ـ إنّه وُصِفَ من المجدّدين على رأس المائة الثالثة (300 ه )، والمجدّد لا يكون مجدّدا دون سنّ الأربعين عادّة، وهذه القرينة تعني أنّ ولادته كانت في حدود (سنة / 260 ه ).
ب ـ إنّه حدّث في الكافي عن بعض المشايخ الذين ماتوا قبل (سنة / 300 ه )، كمحمد بن الحسن الصّفار (ت / 290 ه )، وعلي بن إبراهيم بن محمّد بن الحسن الهاشمي، المعروف بأبي الحسن الجواني (ت / 291 ه )، والحسن بن علي الهاشمي البغدادي (ت / 291 ه ).
وهذه القرينة تساعد على التقريب المذكور.
ج ـ إنّه كان ألمع شخصية إمامية في بلاد الريّ قبل رحلته إلى بغداد كما يدلّ عليه قول النجاشي: كان «شيخ أصحابنا ـ في وقته ـ بالريّ ، ووجههم» ۱ .
وقد تقدّم ما يدلّ على كثرة علماء الشيعة بالريّ في عصر الكليني، وإذا علمنا أنّه غادر الريّ إلى العراق قبل (سنة / 310 ه )، أمكن تقدير عمره يوم مغادرته بنحو خمسين عاما أو أقلّ منه بقليل، وهو العمر الذي يؤهّله لزعامة الإمامية في بلاد الريّ ، ومعنى هذا أنّ ولادته كانت بحدود (سنة / 260 ه ).
د ـ إنّ غرض الكليني من تأليف الكافي يختلف عن أغراض أغلب المؤلّفين، إذ أراده الكليني أن يكون مرجعا للشيعة في معرفة اُصول العقيدة وفروعها وآدابها، بناء على طلب قُدِّم له في هذا الخصوص كما هو ظاهر من خطبة الكافي الرائعة التي أشارت إلى هذا الغرض بوضوح.
ولا خلاف بأنّ مثل ذلك الطلب لا يوجّه إلّا للأمثل فالأمثل، وهو من صَلُبَ عوده في العلم، واكتملت معرفته، وعرفت كفاءته، وشخّصت منزلته، وأكسبته الأيام خبرة واسعة في معرفة كلّ هذا، وفاق أقرانه، وصار قطبا يعتمد عليه في مثل هذا الأمر الخطير.
وعليه، فإن قلنا بأنّ (سنة / 290 ه ) هي بداية الشروع في تأليف الكافي بناء على وفاة بعض مشايخه بهذا التاريخ وقبله وبعده بقليل أيضا، فلا أقلّ من أن يكون عمره وقت التأليف ثلاثين عاما إن لم يكن أكثر من ذلك، بناء على ضخامة الطلب المذكور الذي لا يقدّم إلّا لمن كان رأسا في زمانه وقطبا بين أقرانه. وهذه القرينة تقوّي ما تقدّم في تقدير ولادته في حدود (سنة / 260 ه ) أيضا.
وأظنّ أنّ مثل هذا التقدير لعمر الكليني معقول، فلا معنى لأن يُستكثر بحجّة عدم وجود النصّ عليه!!
ويستفاد ممّا تقدّم أنّ ولادته كانت في أواخر حياة الإمام العسكري عليه السلام أو بعدها بقليل، وأنّ عمره الشريف كان بحدود سبعين عاما، وهو العمر الذي تجاوَزَه كلٌّ من الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي بخمس سنين، وعلى هذا يكون المحمدون الثلاثة قد تساووا من جهات شتى: في أسمائهم، وكناهم، وأهمية كتبهم، ومرجعيّتهم، وأعمارهم، وحسن عاقبتهم رضي اللّه تعالى عنهم وأرضاهم.
2 ـ مكانها: وأمّا عن مكان ولادة الشيخ الكليني رحمه الله، فالظاهر أنّها كانت في قرية كُلَين، وهناك جملة من القرائن القوية الدالّة على ذلك، وهي:
أ ـ النسبة إلى كلين، بلحاظ أنّ الرحلة لا تكون إلى القرى عادة، بل غالبا ما تكون من القرى إلى حواضر العلم والدين المشهورة التي تجمع أكبر عدد من العلماء، وعليه فإنّ نسبة ثقة الإسلام إلى تلك القرية يشير إلى ولادته بها، ونشأته الاُولى بين ربوعها لا إلى رحلته إليها كما هو واضح.
ب ـ إنّ قبر والده الشيخ يعقوب لا زال قائما إلى اليوم في قرية كلين.
ج ـ أخو الشيخ الكليني منسوب إلى كلين، وهو من مشايخ ثقة الإسلام الكليني.
د ـ اُمّ الشيخ الكليني وأخوها، وأبوها، وعمّها، وجدّها من أهل تلك القرية كما سيأتي في بيان نشأته واُسرته.
ه ـ مشايخه الأوائل الذين تلقّى العلم منهم كانوا من كلين، كما سيأتي في مشايخه.
وكلّ هذا ينفي القول بولادته في مكان آخر غير تلك القرية، ومنه يتبيّن خطأ الاُستاذ عبدالواحد الأنصاري بقوله: ولد الكليني ببغداد! ۲ ولعلّه اشتبه بوفاة ثقة الإسلام ببغداد، أو بلقبه: السلسلي البغدادي، فحسب إنّ ولادته كانت ببغداد.

1.. رجال النجاشي : ص ۳۷۷ الرقم ۱۰۲۶ .

2.. أثر الشيعة الجعفرية في تطوير الحركة الفكرية ببغداد / عبدالواحد الأنصاري : ص ۶۳ .

  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 293215
صفحه از 532
پرینت  ارسال به