539
شرح فروع الکافي ج5

شرح فروع الکافي ج5
538

باب إتيان المشاهد وقبور الشهداء

أراد قدس سره بالمشاهد بقرينة أخبار الباب مشاهد الملائكة والأولياء من المساجد، وبقبور الشهداء مقابر اُحد .
قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (مسجد قبا فإنّه المسجد الذي أُسّس على التقوى) إلخ .] ح 1 / 8129] حكى طاب ثراه عن الآبي أنّه قال : «المشهور في قبا المدّ والتذكير والصرف ، وفي لغة هو مقصور، وفي لغة مؤنّث، وفي لغة مذكّر غير مصروف ». ۱
وفي مجمع البيان: أنّ بني عمرو بن عوف اتّخذوا مسجد قبا، وبعثوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يأتيهم، فأتاهم فصلّى فيه، فحسد [ هم] جماعة من المنافقين من بني غنم بن عوف، فقالوا : نبني مسجداً نصلّي فيه ولا نحضر جماعة محمّد، وكانوا اثنى عشر رجلاً، وقيل: خمسة عشر رجلاً، منهم: ثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير، ونثيل بن الحارث، فبنوا مسجداً بجنب مسجد قبا، فلمّا فرغوا منه أتوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو يتجهّز إلى تبوك، فقالوا : يارسول اللّه ، إنّا قد بنينا مسجداً لذي العلّة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنّا نحبّ أن تأتينا فتصلّي لنا فيه وتدعو بالبركة ، فقال عليه السلام : «إنّي على جناح السفر، ولو قدمنا أتيناكم إن شاء اللّه ، فصلّينا لكم [ فيه]»، فلمّا انصرف رسول اللّه صلى الله عليه و آله من تبوك نزلت عليه في شأن المسجدين قوله تعالى : «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدا ضِرَارا وَكُفْرا وَتَفْرِيقا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادا لِمَنْ حَارَبَ اللّه َ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَا الْحُسْنَى وَاللّه ُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللّه ُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللّه ِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّه ُ لَا يَهْدِيالْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّه ُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»۲ ، والمنافقون إنّما بنوا ذلك بأمر أبي عامر الراهب، وأنّه كان قد ترهّب في الجاهليّة ، ولبس المسوح، فلمّا قدم النبيّ صلى الله عليه و آله حَزَّب عليه الأحزاب، ثمّ هرب إلى مكّة، وبعد فتح مكّة هرب إلى الطائف ، فلمّا أسلم أهل الطائف لحق بالشام وخرج إلى الروم وتنصّر، وكان قد أرسل إلى المنافقين: أن استعدّوا وابنوا مسجداً، فإنّي أذهب إلى قيصر وآتي من عنده بجنوده واُخرج محمّداً من المدينة ، فكان هؤلاء المنافقون يتوقّعون أن يجيئهم أبو عامر، فمات قبل أن يبلغ ملك الروم ، وأبو عامر هذا هو أبو حنظلة غسيل الملائكة الشهيد باُحد، وقد سمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله أبا عامر الفاسق . ۳
والمشربة بضمّ الراء وفتحها: الغرفة. ۴ ومشربة اُمّ إبراهيم هي مسكن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومصلّاه . ۵
قوله في خبر عمّار بن موسى : (كانت امرأة جعفر التي خلّف عليها أمير المؤمنين عليه السلام ) [ ح 6 / 8134] هي أسماء بنت عميس .
وقد سبق أنّها كانت اُخت ميمونة، وكانت تحت جعفر بن أبي طالب وأنّها ولدت له: محمّداً وعبداللّه وعونا، ثمّ تزوّجها أبو بكر فولدت له محمّد، ثمّ تزوّجها عليّ عليه السلام فولدت له يحيى بن عليّ ، ۶ وهذا الخبر يدلّ على أنّها لم تكن شاهدة لردّ الشمس، وأنّها إنّما سمعت القصّة عن عليّ عليه السلام ،
وقد روى من الطريقين أنّها قد شاهدته ، ففي الفقيه: روي عن أسماء بنت عميس، أنّها قالت : بينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله نائم ذات يوم ورأسه في حجر عليّ عليه السلام ففاتته العصر حتّى غابت الشمس، فقال : «اللّهمَّ إنَّ عليّا كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس »، قالت أسماء : فرأيتها واللّه غربت، ثمّ طلعت بعدما غربت، ولم يبق جبل ولا أرض إلّا طلعت عليه حتّى قام عليّ عليه السلام فتوضّأ وصلّى ثمّ غربت . ۷
وحكى الشيخ محمّد العاملي قدس سره في تعليقاته عليه نقلاً عن كتاب الشفاء في تعريف حقوق المصطفى تأليف القاضي أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض من أعاظم علماء العامّة وثقاتهم أنّه قال :
خرّج الطحاويّ عن أسماء بنت أبي عميس رضي اللّه عنها من طريقين أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يوحى إليه ورأسه في حجر عليّ عليه السلام فلم يصلِّ العصر حتّى غربت الشمس، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «أصلّيت يا عليّ؟» فقال : «لا »، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «اللّهمَّ إنّ عليّا كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس »، قالت أسماء رضي اللّه عنها : فرأيتها غربت، ثمّ رأيتها طلعت بعدما غربت، ووقعت على الجبال والأرض، وذلك بالصهباء وفي خيبر . ۸
وقال يعني الطحاويّ ۹ : هذان الحديثان ثابتان ورواتهما ثقاة . وحكى أي الطحاويّ عن أحمد بن صالح أنّه كان يقول : لا ينبغي سَأَلَة العلم ۱۰ التخلّف عن حديث أسماء رضي اللّه عنها؛ لأنّه من علامات النبوّة . ۱۱ انتهى .
وهذا الردّ كان أوّل الردّين للشمس في هذه الاُمّة، وقد رُدّت له عليه السلام مرّة اُخرى ببابل، فقد روى الصدوق رضى الله عنهعن جويرية بن مسهر أنه قال : أقبلنا مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام من قتل الخوارج، حتّى إذا قطعنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر، فنزل أمير المؤمنين عليه السلام ونزل الناس فقال عليّ عليه السلام : «أيّها الناس، إنّ هذه أرضٌ ملعونة قد عُذِّبت في الدهر ثلاث مرّات ، وفي خبر: مرّتين ، وهي تتوقّع الثالثة ، وهي إحدى المؤتفكات، وهي أوّل أرض عُبدَ فيها وثن، وأنّه لا يحلّ لنبيّ ولا لوصيّ نبيّ أن يُصلّي فيها، فمَن أراد منكم أن يصلّي فيها فليصلِّ »، فمال الناس عن جنبي الطريق يصلّون، وركب هو عليه السلام بغلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومضى .
قال جويرية : فقلت : واللّه ، لأتبعنّ أمير المؤمنين عليه السلام ولأقلّدنّه صلاتي اليوم ، فمضيت خلفه، فواللّه ، ما جُزنا جسر سوراء حتّى غابت الشمس، فشككت، فالتفت إليَّ وقال : «يا جويرية، أشككت؟» فقلت : نعم يا أمير المؤمنين . فنزل عليه السلام عن ناحية فتوضّأ، ثمّ قام: فنطق بكلام لا أحسبه إلّا كأنّه بالعبراني، ثمّ نادى: «الصلاة»، فنظرت واللّه ـ إلى الشمس قد خرجت من بين جبلين لها صرير، فصلّى العصر وصلّيت معه ، فلمّا فرغنا من صلاتنا عاد الليل كما كان، فالتفت إليَّ فقال : «يا جويرية بن مسهر،إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : «فَسَبِّحْ بِسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ» ، ۱۲ واللّه ، أنّي سألت اللّه عزّ وجلّ باسمه العظيم، فردَّ عليَّ الشمس ».
وقال : وروي أنّ جويرية لمّا رأى ذلك قال : وصيّ نبيّ وربّ الكعبة . ۱۳
وهذان الردّان ممّا أجمع عليه الأصحاب ، ويؤيّدهما ما ثبت من الطريقين من وقوع كلّ ما كان في الاُمم السالفة في هذه الاُمّة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ، وقد ثبت ردّها في الاُمم السالفة مرّتين، مرّة على يوشع بن نون، ۱۴ واُخرى على سليمان بن داوود عليهماالسلام . ۱۵

1.اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ج ۹، ص ۷۰.

2.التوبة (۹) : ۱۰۷ ۱۱۰ .

3.مجمع البيان، ج ۵ ، ص ۱۲۵ ۱۲۶.

4.صحاح اللغة، ج ۱، ص ۱۵۳.

5.صرّح بذلك في الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي. وانظر: مجمع البحرين، ج ۲، ص ۴۹۴ ۴۹۵.

6.اُنظر: الإصابة، ج ۸ ، ص ۵ ۱۶، الرقم ۱۰۸۰۹؛ الاستيعاب، ج ۴، ص ۱۷۸۴ ۱۷۸۵، الرقم ۳۲۳۰.

7.الفقيه، ج ۱، ص ۲۰۳، ح ۶۱۰ .

8.شرح مشكل الآثار، ج ۲، ص ۷، ح ۱۲۰۸؛ وج ۴، ص ۲۶۸، ح ۳۸۵۱.

9.كذا في الأصل، ولكنّ الصحيح أنّه من كلام القاضي عياض.

10.كذا في الأصل، وفي المصدر: «لمن سبيله العلم».

11.الشفاء، ج ۱، ص ۲۸۴، فصل انشقاق القمر وحبس الشمس.

12.الواقعة (۵۶) : ۷۴ .

13.الفقيه، ج ۱، ص ۲۰۳ ۲۰۴، ح ۶۱۱ ؛ وسائل الشيعة، ج ۵ ، ص ۱۸۰ ۱۸۱، ح ۶۲۷۲ .

14.الفقيه، ج ۱، ص ۲۰۳.

15.روض الجنان، في تفسير الآية ۲۹ من سورة المائدة؛ التفسير الكبير، ج ۳۲، ص ۱۲۶. أقول: لحديث ردّ الشمس مصادر وأسانيد عديدة، وقد رواه جمع كثير من الصحابة والتابعين، وأورده جماعة من المحدّثين والمورّخين في كتبهم، وقد استوفيت رواياته وأبحاثه في كتاب مستقلّ باسم «ردّ الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام »، فليراجع إليه، ففيه كفاية لمن أراد الحقّ في ذلك.

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 173983
صفحه از 856
پرینت  ارسال به