193
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

فإنّ قليل العمل مع الإيمان مقبول ، وكثيره مع الكفر غير مقبول .
ثمّ قال :
وممّا يدلّ على أنّه لابدّ في هذا الخبر من التأويل ما روي عن محمّد بن مارد، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : حديث روي لنا أنّك قلتَ : «إذا عرفت ـ يعني الولاية ـ فاعمل ما شئتَ؟»
فقال : «قد قلتُ ذلك» .
قال : قلت : وإن زنوا، وسرقوا، وشربوا الخمر؟
فقال : «إنّا للّه ، وإنّا إليه راجعون، ما أنصفونا أن نكون اُخذنا بالعمل ووُضع عنهم، إنّما قلت : إذا عرفت، فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره؛ فإنّه يُقبل منك» ۱ . ۲
وقوله : (إن تكونوا وحدانيّين) إلى آخره .
في النهاية : «الوحداني: المفارق للجماعة ، المنفرد بنفسه، وهو منسوب إلى الوحدة : الانفراد ، بزيادة الألف والنون» . ۳
وأقول : لا يبعد كونه هنا منسوبا إلى الوُحدان ـ بالضمّ ـ جمع الواحد ؛ يعني أن تكونوا منفردين في هذا الأمر، قليلين في العدد، لا يشارككم فيه غيركم، فاصبروا، ولا تحزنوا؛ فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان في كثير من الأزمنة متفرّدا بالحقّ، يدعو الناس إليه بالمعجزات، فلا يستجيبون له إلّا قليل .
وفيه تسلية للشيعة، ودفع شبهة من زعم أنّ الحقّ مع الكثرة .
وقوله : (قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ...) أي عند استجابته له في أوّل الأمر .

متن الحديث الواحد والثمانين

0.عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ يُونُسَ، قَالَ:قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام لِعَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ الْبَصْرِيِّ الصُّوفِيِّ: «وَيْحَكَ يَا عَبَّادُ، غَرَّكَ أَنْ عَفَّ بَطْنُكَ وَفَرْجُكَ؛ إِنَّ اللّهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا *

1.الكافي ، ج ۲ ، ص ۴۶۴ ، ح ۵ ؛ مجموعة ورّام ، ج ۲ ، ص ۱۶۰ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱ ، ص ۱۱۴ ، ح ۲۸۷ .

2.القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۳۹ .

3.النهاية ، ج ۵ ، ص ۱۶۰ (وحد) .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
192

وثالثها : أنّ معناه : إنّما يريد اللّه ليعذّبهم في الدُّنيا بسبي الأولاد، وغنيمة الأموال عند تمكّن المؤمنين من أخذها وغنمها، فيتحسّرون عليها، ويكون ذلك جزاءً على كفرهم . ۱
ورابعها : أنّ المراد: يعذّبهم بجمعها وحفظها وحبّها والبخل بها، والخوف عليها، وكلّ هذا عذاب، وكذلك خروجهم عنها بالموت؛ لأنّهم يفارقونها، ولا يدرون إلى ماذا يصيرون .
وخامسها : أنّ معناه: إنّما يريد اللّه ليعذّبهم بحفظها، والمصائب فيها، مع حرمان المنفعة بها . ۲
واللام في قوله : «ليعذّبهم» ، يحتمل أن تكون لام العاقبة، والتقدير إنّما يريد اللّه أن يُملي لهم فيها ليعذّبهم .
«وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ» أي تَهلِك، وتذهب بالموت . وأصل الزهوق: الخروج بصعوبة .
«وَهُمْ كَافِرُونَ» بما يجب الإيمان به .
والجملة في موضع الحال، والإرادة تعلّقت بزهوق أنفسهم، لا بالكفر، وهذا كما تقول : «اُريد أن أضربه، وهو عاص» ، فالإرادة تعلّقت بالضرب، لا بالعصيان . ۳
وحاصل استشهاده عليه السلام بهذه الآية أنّها دلّت على أنّ من دخل في الدين، وكفر باللّه ورسوله بإنكار أمرٍ من اُمور الدين، أو حكمٍ من أحكامه، كان غير مرضيّ عند اللّه ، أو مسخوطا به، وعمله غير مقبول . ومعلوم أنّ المراد بالآية من أعظم اُمور الدين .
(وكذلك الإيمان لا يضرّ معه العمل) أي الإخلال بالعمل لا يضرّ بأصل الإيمان، بحيث يصير سببا للخلود في النار ، أو لعدم استحقاق الشفاعة والرحمة .
(وكذلك الكفر لا ينفع معه العمل) ـ أي استقامة العمل ـ نفعا يوجب الخلاص عن النار، أو استحقاق الشفاعة والمغفرة .
وقال بعض الشارحين :
لعلّ المراد بالعمل الأوّل العمل الحقير القليل ، وبالعمل الثاني العمل العظيم الكثير ؛

1.نسبه إلى الجبائي .

2.نسبه إلى ابن زيد.

3.تفسير مجمع البيان ، ج ۵ ، ص ۶۹ و ۷۰ (مع التلخيص واختلاف يسير) .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 154506
صفحه از 624
پرینت  ارسال به