قطعية صدور الكتب الأربعة - صفحه 23

قطعية صدور الكتب الأربعة ۱

سيد على حسين مكى عاملى

چكيده

در اين نوشتار به اثبات صحت روايات الكافى پرداخته شده است. نويسنده با استناد به آنچه كلينى در مقدمه كتاب خود آورده، ديدگاه خود را درباره صحت احاديث الكافى ذكر كرده و در بخش هاى ديگر نوشته به ديگر كتب اربعه پرداخته است.

القول في قطعية صدور روايات الكتب الأربعة أو صحتها

ولا يخفى وجود فرق بين دعوى صحة ما في هذه الكتب ودعوى قطعية صدورها عن المعصومين فان الدعوى الأولى تتلاءم مع الثانية ومع غيرها ككون رواة هذه الكتب ثقات أو ان رواياتها معمول بها عند الأصحاب كما هو مبنى بعض في التصحيح ... وهذان التفسيران الأخيران لا يلازمان قطعية صدور هذه الكتب كما لا يخفى.
وقد ذهب إلى هذه الدعوى على الإجمال جمع من الأصحاب كالحر العاملي والمحدث البحراني والمحدث الاسترآبادي وغيرهم.
كما ان من الأصحاب من زاد كتبا أُخرى ككتاب المحاسن للبرقي والاحتجاج للطبرسي والخصال والعيون للصدوق وغيرها من الكتب.
ومنشأ هذه الدعوى على ما يستفاد من ملاحظة كلماتهم هو تضمين المحمدين الثلاثة وغيرهم كتبهم بعبارات تدل على ما ادعوه من صحة هذه الكتب أو قطعية صدورها.
ولابد قبل الشروع في البحث وبيان المختار من عرض هذه العبائر ومناقشتها:
1. فقد ذكر الشيخ الصدوق في أول كتاب من لا يحضره الفقيه ما لفظه:
[وسألني ـ أي الشريف أبو عبداللّه المعروف بنعمة ـ ان أصنف له كتابا في الفقه والحلال والحرام موفيا على جميع ما صنفت في معناه واترجمه بكتاب من لا يحضره الفقيه ليكون إليه مرجعه وعليه معتمده وبه أخذه ويشترك في أجره من ينظر فيه وينسخه ويعمل بمودعه ... فأجبته أدام اللّه توفيقه إلى ذلك لأني وجدته أهلاً له وصنفت له هذا الكتاب بحذف الأسانيد لئلا تكثر طرقه وان كثرت فوائده ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته واعتقد انه حجة بينى وبين ربي تقدس ذكره وتعالت قدرته وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع ...]. ۲
وأهم ما في هذه العبارة نقاط ثلاثة:
الأولى ـ ان تأليفه لأجل عمل السائل ومن أراد ان ينحو نحوه.
الثانية ـ ان ما ذكره فيه محكوم بالصحة بنظره.
الثالثة ـ ان ما ذكره فيه مستخرج من كتب معتمدة ومشهورة.
وقد فهم الحر العاملي من هذه العبارة ان الصدوق أراد إثبات صحة كتابه وصحة كل كتاب أخذ منه واعتبر ان العبارة صريحة في جزم الصدوق بذلك.
وخصوصا ان تأليفه لأجل عمل السائل كما يدل عليه تعبيره ب[ليكون إليه مرجعه ]ومن البعيد جدا ان يودع كتابه الصحيح والسقيم ورغم ذلك يجعله مرجعا للطالب وملاذا للسائل.
ومما يؤكد ذلك ان الصدوق أسند جملة من روايات كتابه إلى المعصومين مباشرة كتعبيرة مثلاً (قال النبي صلى الله عليه و آله ) أو (قال الصادق عليه السلام ) مما يدل على صحة هذه الروايات وقطعيتها صدورا ... .
2. وأما الكليني فقد ذكر في أول الكتاب الكافى رادا على سؤال السائل ما لفظه [ ما ذكرت أمورا أشكلت عليك لا تعرف حقايقها لاختلاف الرواية فيها وانك لا تعرف ان اختلاف الرواية فيها لاختلاف عللها وأسبابها وإنك لا تجد بحضرتك من تذاكره وتفاوضه ممن تثق بعلمه فيها.
وقلت انك تحب ان يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام والسنن القائمة التي عليها بالعلم وبها تؤدي فرايض اللّه وسنة نبيه صلى الله عليه و آله وقلت: لو كان ذلك رجوت ان يكون سببا يتدارك اللّه بمعونته وتوفيقه اخواننا وأهل ملتنا ويقبل بهم إلى مرشدهم وقد يسر اللّه وله الحمد ما سألت وأرجو ان يكون بحيث توخيت فمهما كان من تقصير فلم تقصر نيتنا في إهداء النصيحة إذ كانت واجبة لاخواننا وأهل ملتنا مع ما رجونا ان نكون مشاركين لكل من اقتبس منه وعمل بما فيه في دهرنا وفي غابره إلى انقضاء الدهر إذ الرب واحد والرسول واحد وحلال محمّد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة]. ۳
وأهم النقاظ الواردة في العبارة هي:
أولاً ـ ان السائل أراد بسؤاله رفع حيرته لعدم علمه بحقائق الأحكام لاختلافها عليه.
ثانيا ـ ان السائل طلب كتابا كافيا عما سئل وهاديا له ولاخوانه.
ثالثا ـ ان الكليني مدح كتابه بعدة جمل عندما قال [وقد يسر اللّه وله الحمد ما سألت ]إذ ان السؤال وقع عن تأليف كتاب كاف للمتعلم ومرجع للمسترشد ومأخذ لمن أراد معالم الدين.
رابعا ـ ان الكليني صرح بأن كتابه مأخوذ عن الآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام ووجه الاستدلال بهذه النقاط يتلخص بأحد أمرين:
الأول ـ ان حيرة السائل لا تخلو إما لأجل تعارض الأحاديث واختلافها أو لأجل عدم تميز بعضها من بعض لوجود الثبت وغيره بين الرواة ... .
ولابد معه وفي كتاب يكون جوابا وشفاء من الحيرة من كونه بغير ما كان منشأ لها إذ لا تدفع الحيرة بالحيرة.
ان قلت ان ما ذكر مناف لوجود المزيد من التعارض في روايات الكتاب ... قلنا ان ما ذكر قرينة على عدم جدية التعارض أو إمكان العمل بكل من هذه الروايات من باب التخيير لصحتها جُمع بحسب الظاهر.
الثاني ـ ان الشيخ الكليني شهد شهادة ضمنية بكون كتابه مأخوذ من مصادر صحيحة لكون الكتاب جوابا عن سؤال يقتضي ذلك كما مر في العبارة قوله بلسان السائل [من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة].
فبمقتضى التطابق بين الجواب والسؤال يثبت وبشهادة الكليني الضمنية ان كل ما في الكتاب صحيح ومعتمد.
3. وأما الشيخ الطوسي فقد ذكر في كتاب الاستبصار بعد بيانه لنبذة يسيرة عن كتابه المسمى (تهذيب الأحكام) وانه لطوله وكثرة ما فيه من الأدلة وتضاربها ألَّف كتاب الاستبصار ذكر ما لفظه:
[... وان أبتدى في كل باب بإيراد ما اعتمده من الفتوى والأحاديث فيه ثم أعقب بما يخالفها من الأخبار وأبين وجه الجمع بينها إلى أن قال واعلم ان الأخبار على ضربين: متواتر وغير متواتر فالمتواتر منها ما أوجب العلم مما هذا سبيله يجب العلم به من غير توقع شيء ينضاف إليه ولا أمر يقوى به ولا يرجح به على غيره وما يجري هذا المجرى لا يقع فيه التعارض ولا التضاد في أخبار النبي صلى الله عليه و آله .
وما ليس بمتواتر على ضربين فضرب منه يوجب العلم أيضا وهو كل خبر تقترن إليه قرينة توجب العلم وما يجري هذا المجرى يجب أيضا العمل به وهو لاحق بالقسم الأول] ثم ذكر جملة من القرائن وقال: [وأما القسم الآخر فهو كل خبر لا يكون متواترا ويتعرى من واحد من هذه القرائن فان ذلك خبر واحد يجوز العمل به بشروط] ثم ذكر وجوها للعمل بالأخبار وترجيح أحدها على الآخر وقال [وإذ لم يمكن العمل بواحد من الخبرين إلا بعد طرح الآخر جملة لتضادهما أو بعد التأويل بينهما كان العامل أيضا مخيرا في العمل بأيهما شاء من جهة التسليم ...] وعلل ذلك برواية تدل على التخيير وبأنه مع عدم الاجماع على أحدهما يكون كالاجماع على صحتهما.
ثم قال وأنت إذا فكرت في هذه الجملة وجدت الأخبار كلها لا تخلو من قسم من هذه الأقسام ووجدت أيضا ما عملنا عليه في هذا الكتاب وفى غيره من كتبنا في الفتاوى في الحلال والحرام لا يخلو من واحد من هذه الأقسام]. ۴
وبما ان الكتاب المذكور هو اختصار لكتاب التهذيب كان لابد من ذكر ما قاله هناك قبل التعرض لوجه الاستدلال على قطعية صدوره أو صحته.
فقد قال في التهذيب بعد ان عرض تعييب قوم علينا بكثرة اختلاف رواياتنا حتى ان البعض رجع عن الحق لذلك وانه لأجله جعل كتاب المقنعة للشيخ المفيد منطلقا لكتابة كتابه وجعل مع كل حكم شاهدا من القرآن أو من السنة القطعية المتواترة أو السنة المحفوفة بقرائن تدل على صحتها قال ما لفظه:
[... ثم اذكر بعد ذلك ما ورد في أحاديث أصحابنا المشهورة في ذلك وانظر فيما ورد بعد ذلك مما ينافيها ويضادها وأبيّن الوجه فيها إما بتأويل أجمع بينها وبينها أو أذكر وجه الفساد فيها أما من ضعف اسنادها أو عمل العصابة بخلاف متضمنها.
ومهما تمكنت في تأويل بعض الأحاديث في غير ان أطعن في أسنادها فاني لا أتعداه واجتهد أن أروي في معنى ما اتأول الحديث عليه حديثا آخر يتضمن ذلك المعنى أما من صريحه أو فحواه حتى أكون عاملاً على الفتيا والتأويل بالأثر وان كان هذا مما لا يجب علينا ولكن يؤنس بالتمسك بالأحاديث]. ۵
كما ان الحر العاملي نقل عنه قوله في مواضع أُخر انّ كل حديث عمل به قد أخذ من الأصول والكتب المعتمدة مع انه صرح في العدة بعدم جواز العمل بالظن والاجتهاد في الشريعة. وأيضا فانه كثيرا ما يردّ الأحاديث في تهذيبه بقوله انّها من أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملاً.
هذا ما أردنا ذكره من كلام الشيخ مما يمكن ان يُدَّعي من خلاله صحة كلا كتابيه أو قطعية صدورهما.
ووجه الاستدلال يمكن ان يستفاد من عدة مواقع:
الأول ـ قوله في بداية الحديث بأن ما يذكره في كتابه مما يعتمد عليه ومن البعيد جدا مع قربه وقرب عهده للأصول واطلاعه عليها ان لا يكون اعتمد في كتابيه على غير الصحيح ومقطوع النسبة والصدور.
الثاني ـ ما قاله عقيب تقسيمه للأخبار إلى متواترة وغيرها. والغير إلى محفوف بقرائن قطعية وعدمه مما يجوز العمل به بشروط حيث قال ان كلا كتابيه بل غيرهما من هذه الأقسام.
وهو شهادة صريحة بصحة كل ما في كتابيه على الأقل.
الثالث ـ ما يستفاد من كلامه بأن ما رواه مأخوذ من الكتب المعتمدة ولا ريب في أنه أراد اعتمادها عند الأصحاب لا عنده لظهور كلامه في إرادته بيان مزية لكتابه ومن المعلوم ان اعتماد الأصحاب على هذه الأصول ليس إلا لجهة وثاقة الرواة والناقلين لها أو لقطعية صدورها عن المعصومين عليهم السلام .
الرابع ـ ما يستفاد من كلامه في العدة حيث منع جواز العمل بالظن مضافا إلى ما يذكره في غير موضع طارحا للأخبار بعلة انّها لا توجب علما ولا عملاً.
وهذا كالصريح في ان كل ما عمل به هو مقطوع الصدور أو انه محكوم بالصحة على أقل تقدير.
هذه خلاصة الكلمات الأربعة للمحمدين الثلاثة مع بيان أهم ما يمكن الاستدلال به على المدّعى.
وسنجيب عن الدعوى بمناقشة دليل كل كتاب مستقلاً عن الآخر.
فاما ما استدل به لإثبات قطعية صدور أو صحة من لا يحضره الفقيه فيرد عليه أمور:
أولاً ـ ان دعوى تأليفه لأجل عمل السائل لو دلت على صحة ما فيه فإنما تصح في حق من لا نظر له في فقه ولا تأمل له في علم ولكن السائل المعروف ب(نعمة) وكما يظهر من كلامه هو من أهل العلم والنظر لأنه ذكره بعبائر مادحة وانه ذاكره في كتاب الرازي (من لا يحضره الطبيب).
ومعه كيف تصح دعوى كهذه مع صدق المؤلَّف الجامع والمعتمد على مجموع كتابه وان اشتمل على جملة من الرواة المجاهيل والضعفاء وغير ذلك.
وإنما ذُكرت من باب عدم مخالفتها للمنقول أو المعمول أو لعدم وجود بديل بها في بابها.
وثانيا ـ ان محكومية الكتاب بالصحة بنظر الصدوق غاية ما تدل عليه انه عثر على قرائن تثبت ذلك وهي أعم من كون الحديث مقطوع الصدور من المعصوم أو متعبد بصحته لكونه خبر واحد مثلاً.
بل ان الشيخ جرى في تصحيحاته مجرى شيخه ابن الوليد فهو يصحح ما يصححه يصححه ويضعف ما يضعفه.
ولذا نجده في كتاب علل الشرائع يصف جملة روايات بانها صحيحة مع انه بالمراجعة نجد انّها مروية عن العامة أو انّها في غاية الضعف.
بل لو سلم أصل دعواه فغايته محكوميته بالصحة ضمن نظره وعلى نفسه لا على غيره ولعلنا لو اطلعنا على ما اطلع عليه هو أو شيخه من قرائن لما أوجب لنا ما أوجب لهما على ان أصل المحكومية مخدوش به تبعا لما شهد به جمع من رجوع الشيخ عن دعواه وقد جمع المحدث البحراني أربعين موردا أفتى الصدوق فيها بخلاف ما رواه في الفقيه.
وثالثا ـ ان كون كتابه مأخوذ من كتب مشهورة أو معتمدة مما لا يجدي نفعا لإثبات المدعى وذلك لوجوه:
أ ـ ان شهرة الكتاب شيء وصحتها أو قطعية صدورها ولو ترامى سندها شيء آخر ولا ملازمة بينها وغايته ثبوت نفس الكتاب إلى مؤلفه بالشهرة لا أكثر من ذلك.
ولذا يصح إسناد الرواية إلى الكاذب لصدورها منه مع انّها غير معتبرة لمكان كذبه وان صدرت منه حقا.
وأما انضمام دعوى اعتماد الأصحاب على الكتب المذكورة فهي دعوى مجملة المراد لصدق الاعتماد عليها عندهم وان لم يعملوا بكل ما ورد فيها وإنما صح تسميتها بالمعتمدة بالمقابل مع غيرها وبالنظر إلى جلالة وشأن مؤلفيها ولغلبة وجود ما يحتاجه الفقيه فيها.
وكذلك فان الكبرى غير مسلمة إذ ان الصدوق في بعض الموارد يذكر حديثا ما قائلاً انه لم يجده إلا في كتاب واحد كما هو الحال في باب ان الوصي يمنع الوارث حيث أفاد [ما وجدت هذا الحديث إلا في كتاب محمّد بن يعقوب ولا رويته إلا من طريقه].
وهذا الكلام كما ترى لا ينسجم مع دعوى قطعية صدور كتابه.
ب ـ ان اعتماد الأصحاب على الأصول والكتب المذكورة لو سلمنا الملازمة بينه وبين ثبوتها فغايته الثبوت الأعم من الواقعي والتعبدي وهو لا يتناسب أيضا مع دعوى قطعية الصدور.
كيف لا يقدر وقد امتلأ كتابه بالمجاهيل والمهملين والضعفاء وغير ذلك مما لا داعي لذكرة السهولة الاطلاع عليه بالمراجعة.
ج ـ ان الصدوق أسند أحاديثا إلى النبي صلى الله عليه و آله أو الأئمة بل إلى جبرائيل أحيانا وبدون واسطة مع عدم العلم بسنده إلى هذه الروايات.
فهل يقال بثبوت هذه الأحاديث المرسلة لمجرد نسبته إلى من ذكرناه مباشرة وهل هو إلا من التقليد الممنوع على أهل النظر والبصيرة.
د ـ انه لم سلم ان اسناده إلى المعصومين يدل على صحة كتابه فهو لا يثبت المطلوب لأن غايته ثبوت الصحة بنظره مع انه يحتمل جدا إرادة ما رآه في كتب الأصحاب فأسنده على حسب ما رآه.
وبهذا يتحصل بطلان هذه الدعوى ولزوم أعمال النظر في روايات هذا الكتاب كشرط في جواز الأخذ بها.
وأما الجواب عما استدل به لإثبات قطعية أو صحة روايات الكافى فيقع من عدة وجوه:
الأول ـ ان حيرة السائل وعدم علمه بحقائق الأحكام لا تعيِّن جهله وكونه من المقلدة محضا بل ان ذلك قد يكون لجهة كثرة الأصول والكتب وكثرة الموضوعات والنقول المتضاربة مما لم يدع له مجالاً للتثبت من شيء يركن إليه.
كما ان الظاهر من تعبيرات الكليني ان السائل كان من أهل النظر والعلم وإلا كان يكفيه ذكر آرائه أو ذكر الروايات بدون اسانيدها.
وأيضا فان كلامه لا دلالة فيه على انه لم يورد في كتابه إلا مقطوع الصحة وان كان هذا مرغوبا ومطلوبا.
ويؤيد ذلك ما نقله الكليني نفسه عنه [وقلت انك تحب ان يكون عندك كتاب كاف يجمع (منه) من جميع فنون علم الدين ما يكتفى به المتعلم ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين].
فان تعبيره ب(يأخذ منه) دليل على ان فيه ما هو صحيح وتام واقعا أو ظاهرا لا أنه كله كذلك.
الثاني ـ ان الكليني نفسه قد نبَّه السائل على كيفية الأخذ بالروايات التي أوردها وما ينبغي طرحه منها حيث قال فيما قال [فاعلم يا أخي ارشدك اللّه لا يسع أحد تمييز شيء مما اختلفت الرواية فيه عن العلماء برأيه إلا ما أطلقه العالم وقوله عليه السلام خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه ...].
فان هذا صريح في وجود روايات شاذة ينبغي طرحها لمقابلتها للمجمع عليه.
الثالث ـ انه لا ملازمة أصلاً بين طلب السائل لكتاب شاف له وبين كون الكتاب قطعي الصدور أو صحيحا مطلقا ... فكم من الكتب الطبية أو الهندسية والتي فيها من الغث والثمين ورغم ذلك يقال لها كافية نظرا لإمكان اقتناص غالب المطلوب والمراد منها.
ومنه يعرف الجواب عن النقطة الثالثة إذ أن الكليني أجابه على مقتضى ما يتطلبه سؤاله وقد عرفت عدم اقتضاءه لأكثر مما ذكر.
الرابع ـ ان ما ذكره الكليني من ان كتابه مأخوذ عن الآثار الصحيحة للصادقين عليهم السلام لا يمكن تسليمه بأكثر مما عرفت في الوجه المتقدم وذلك:
أولاً ـ كثرة وجود الروايات المروية عن غير الصادقين عليهم السلام :
وثانيا ـ كثرة وجود المقاطيع والمراسيل كذلك وهل يقال في مثل رواية رواها في الجزء الأول [علي بن محمّد رفعه عن أبي عبداللّه عليه السلام ]. ۶
أو [علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمّد بن عيسى عن حفص بن البختري عمن ذكره عن أبي جعفر عليه السلام قال لما مات أبي ...].
أو [الحسين بن محمّد بن عامر عن أحمد بن إسحاق بن سعد عن سعدان بن مسلم عن أبي عمارة عن رجل عن أبي عبداللّه عليه السلام ...].
أو [الحسين بن محمّد عن المعلى بن محمّد عن البرقي عن أبيه عمن ذكره عن رفيد مولى يزيد بن عمرو بن عبيدة ...].
... بانها مقطوعة الصدور أو انّها صحيحة بأكثر مما هي كذلك بنظره ـ لو سلم أيضا ـ .
اللهم إلا ان يدعى انه يعني بذلك أنها مأخوذة من الكتب المعتمدة والمشهورة وقد عرفت جوابها.
وأما الجواب عما ادعى من قطعية صدور كتابي الشيخ الطوسي قدس سره فهو من عدة وجود:
الأول ـ ان دعوى قرب الشيخ لأصحاب الأصول جارية فيه وفي غيره وهل يا ترى يقال ذلك في حق كل مصنِّف ومصنَّف.
مضافا إلى ان الشيخ لم يصرح بأن كل ما في كتابه معتمد المأخذ بل ان ذلك في خصوص ما يتبدى به كما في أول استبصاره ولذا تراه يردف أحاديثه المذكورة بغيرها ويذكر وجوه العلاج والتأويل.
الثاني ـ ان ما ذكره الحر العاملي على عكس المدَّعى أدل لأننا بمراجعة كلام الشيخ لم نعثر على انه قال أن ما في كتابه إما متواتر وإما غير ذلك ولكنه مقطوع الصدور بل ان صريح كلامه في وجود أخبار آحاد لابد من النظر فيها وفي كيفية العمل بها ولذا تراه قيد جواز العمل بشروط عدة.
الثالث ـ ان كون كتابيه مأخوذين من الأصول المعتمدة ليس صريحا كما عرفت في إرادة الاعتماد تفصيلاً بل انه يحتمل كون ذلك لجهة وضوح نسبتها إلى مؤلفيها مع جلالة قدرهم وعظمة مكانهم وانسجام ما رووه مع كبريات التشيع.
كما انه يحتمل كون ذلك لأجل وجود الشواهد والقرائن العملية واللفظية على صحتها ومما يؤيد ذلك ان الشيخ في كتاب العدة قال ان تسليم الأصحاب الاحالة على الأصول المشهورة إنما هو فيما لو كان راوية ثقة.
وكلامه صريح جدا في عدم قطعية كتابيه بل وكتب غيره أيضا لا من حيث الصدور ولا عند الأصحاب.
بل لو سلم قطعيتها عندهم فانها لا تسلم لدينا لوصول هذه الكتب إلى المحمدين الثلاثة وغيرهم ممن قارب عهدهم عبر الواحد سواء أكان لجهة المعصوم أو لجهة أصحابها.
ومعه لا يبقى مجال لدعوى قطعية الصدور الكتب الأربعة.
وهذا الوجه يشمل المقام وغيره مما سبقه.
الرابع ـ ان ما ذكره من عدم تجويزه العمل بالظن والاجتهاد لا محالة يريد به كبراه وإلا فقد امتلأت كتبه بألوان ووجوه الاجتهاد وإنحاء الاستظهارات والتأويلات الظنية وإنما كان محط نظره ما كان من قبيل التخرص والاستحسان والقياس والرجم بالغيب وما شاكل ذلك.
ولا نظر لعبارته إلى ما قام الدليل على جواز الاعتماد عليه وان كان ظنيا.
هذا مع عدم قبولنا لكبرى مقولة ظنية أخبار الثقات.
ويمكن ان نذكر شواهد ومؤيدات أُخرى لإبطال دعوى قطعية صدور كلا كتابيه:
1 ـ كثرة روايته قدس سره عن المجاهيل والضعفاء بل الكذابين وبشهادة منه نفسه فضلاً عن وجود المراسيل وما إلى هنالك مما هو قرينة على عدم صحة الدعوى المتقدمة.
لا يقال ان ضعف أو جهالة الراوي لدينا لا تلازم ضعفه أو جهالته عنده لاحتمال وضوح الأمر عنده.
فانه يقال مضافا إلى ما تقدم من ورود الضعفاء وبتصريح منه انه قال في ذيل رواية الزعفراني في الاستبصار ۷
بأنه مجهول وبأن في إسناد الحديث ضعاف وانه لا يحمل بما يختصون بروايته.
2 ـ ان الشيخ في العدة صرح بما يستفاد منه عدم قطعية ما في كتابيه وغيرهما عند الأصحاب لاختلافهم جدا في العمل بالروايات الواردة فيهم فانه قال:
[... وقد ذكرت ما ورد عنهم عليهم السلام من الأحاديث المختلفة التي تختص بالفقه في كتابي المعروف بالاستبصار وفي كتاب تهذيب الأحكام ما يزيد على خمسة آلاف حديث وذكرت في أكثرها اختلاف الطائفة في العمل بها وذلك أشهر من ان يخفى حتى انك لو تأملت اختلافهم في هذه الأحكام وجدته يزيد على اختلاف أبي حنيفة والشافعي ومالك].
وهو كما ترى دلالة اللهم إلا يقال ان اختلافهم كان في كيفية فهم النصوص وطرق الجمع الدلالي.
3 ـ ما ذكره الشيخ في ذيل رواية يونس في الاستبصار عن أبي الحسن عليه السلام قال قلت له الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة قال لا بأس بذلك.
فقد ذكر في ذيله [فهذا خبر شاذ شديد الشذوذ وإن تكرر في الكتب فإنما أصله يونس إلى ان قال ولو ثبت لاحتمل ان يكون المراد بالوضوء في الخبر التحسين] ۸ . ولفظ (لو ثبت) صريح في عدم جزمه ولا ظنه بصدور الرواية.
4 ـ ما ذكره أيضا في الاستبصار الباب السادس باب الوضوء بنبيذ التمر عن عبداللّه بن المغيرة عن بعض الصادقين [... فان لم يقدر على الماء وكان نبيذا فاني سمعت حريزا يذكر في حديث ان النبى صلى الله عليه و آله قد توضأ بنبيذ ولم يقدر على الماء].
فقد ذكر [فأول ما فيه ان عبداللّه بن المغيرة قال عن بعض الصادقين ويجوز ان يكون من أسنده إليه غير إمام وان اعتقد فيه أنه صادق على الظاهر فلا يجب العمل به.
والثاني انه أجمعت العصابة على انه لا يجوز الوضوء بالنبيذ فسقط الاحتجاج به من هذا الوجه ولو سلم من ذلك كله لجاز ان نحمله على الماء الذي قد طرح فيه تمر قليل ... وان لم يبلغ حدا يسلبه الماء ...]. ۹
وهذه العبارة أصرح من سابقتها في عدم جزمه بصحة كتابه مطلقا بل بعدم الجزم بأن كل ما فيه هو عن المعصومين كما تنبئ بذلك عبارته.
5 ـ ما رواه في التهذيب عن الحسن بن صالح الثوري فإنه قال عقيبة [الراوي له الحسن بن صالح وهو زيدي بتري متروك العمل بما يختص بروايته] مع ان في سند الرواية ابن محبوب وهو أحد أصحاب الاجماع.
6 ـ ان الشيخ أكثر الرواية عن سهل بن زياد مع انه بنفسه ذكر ان سهلاً ضعيف جدا عند نقاد الأخبار وان أبا جعفر بن بابويه قد استثناه من رجال نوادر الحكمة.
وإلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة التي يحصل عليها المتتبع والتي تشكل بمجموعها دليلاً قطعيا على بطلان دعوى قطعية أو صحة كتابي الشيخ قدس سره.
ـ وعليه يتحصل ان حال الكتب الأربعة حال غيرها من الكتب ولابد من إعمال النظر والاجتهاد في رواة أسانيدها وتمييز العليل والسقيم من الصحيح والمعتمد على طبق القواعد الاجتهادية المتلزم بها.
* * *

1.بحوث في فقه الرجال، سيد على حسين مكى عاملى، لبنان، برج البراجنه: مؤسسة العروة الوثقى، دوم، ۱۴۱۴ ق / ۱۹۹۴ م، ص ۱۴۱ ـ ۱۵۶.

2.من لا يحضره الفقيه، ص ۳، ح ۱.

3.أصول الكافي، ج ۱، ص ۸.

4.الاستبصار، ج ۱، ص ۴.

5.التهذيب، ج ۱، ص ۴.

6.أصول الكافي، ج ۱، ص ۴۵۳ و ۴۶۷ ـ ۴۶۸.

7.الاستبصار، ج ۲، ص ۲۳۰ و ۲۳۱.

8.الاستبصار، ج ۱، ص ۱۴.

9.الاستبصار، ج ۱، ص ۱۵.

صفحه از 36