211
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج9

فإنّ الروايات الواصلة إلينا لم تعتبر الإقامة في المدينة مكروهة ، رغم أنّ الوجوه الاعتبارية والعقلائية جارية بشأنها أيضا ، وأنّ بعض التعليلات والتحليلات تصدق أيضا على الإقامة التي تؤدّي إلى هتك الحرمة في المدينة ، وتشمل أيضا الإقامة المؤدّية إلى قساوة القلب بدلاً من التلطيف الروحي وإيجاد الأُنس مع اللّه وأوليائه .
وفضلاً عن ذلك ، فإنّ بالإمكان القول هنا إنّ العودة من المدينة بعد أداء الزيارات الخاصة بها محبّذٌ أيضا ؛ نظرا إلى الروايات التي نهت عن الاستيطان في كربلاء ـ رغم كلّ تلك القيمة العظيمة لزيارة الإمام الحسين عليه السلام ـ وأمرت زائر الحرم الحسيني بالعودة بعد الزيارة . ۱

1.راجع : الكافي : ج ۴ ص ۵۸۷ ح ۲ ، تهذيب الأحكام : ج ۶ ص ۷۶ ح ۱۵۱ ، ثواب الأعمال : ص ۱۱۴ ح ۲۱ .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج9
210

من جانب آخر فإنّ معظم فقهاء الشيعة البارزين لم يفهموا الوجوب والحرمة من هاتين المجموعتين ، بل رأوا أنّ مدلول كلتا المجموعتين هو الاستحباب والكراهة ، ثمّ قدّموا جانب النهي وأفتوا بكراهة الإقامة في مكّة ، ويمكن بطريق الأولوية اعتبار الاستيطان والحضور الدائم فيها مكروها . وممّا يجدر ذكره أنّ هذا هو الحكم الأوّلي والعادي للمسألة ، وإلّا فقد تكون الهجرة من مكّة واجبة بسبب وجوب نصرة النبي صلى الله عليه و آله في المدينة ، أو تكون الإقامة الطويلة واجبة على بعض الأفراد للمحافظة على بيت اللّه وإقامة شعائر الحجّ بشكل مهيب ، ويمكن تعزيز الحكم المشهور للفقهاء بالاعتبارات العُقلائية والاستدلال بأنه لو قصدت نسبة واحد بالمئة من المسلمين الحاليّين فقط الإقامة والتوطّن في مكة ، فسوف لا يبقى مكان لإقامة الحجّاج ولتحوّلت مدينة مكّة ـ التي ينبغي لها أن تكون رمزا لعظمة الإسلام ـ إلى مدينة كبيرة مزدحمة وغير منظّمة .
وفي قبال الرأي المشهور بين الفقهاء، رجّح بعض الفقهاء المتأخّرين ـ كالمحقّق الأردبيلي ـ جانب الاستحباب على جانب الكراهة ، وحدّدوا إطلاق الكراهة بأوضاع خاصّة . وقد اعتبروا الإقامة الطويلة الأمد ، أو الإقامة التي تحطّ من مكانة الحرم المكّي لدى المقيم ، بحيث لا تمنعه من ارتكاب الحرام عند بيت اللّه ، مكروهَين . ونظرا للتعليلات المذكورة في الروايات ؛ مثل تسبّب الإقامة في قساوة القلب ، فإنّهم لا يرون الإقامة مكروهة لجميع الأفراد .
ويمكننا الإجابة بالقول بأنّ الالتزام بهذه القيود يضيّق من الدائرة إلى درجة بحيث لا يمكن رعايتها إلا من قبل أشخاص قلائل ، ولذا فإنّ الحكم العامّ والأصل الأوّلي هو كراهة الإقامة الطويلة والاستيطان في مكّة .
ونذكّر هنا بأنّ التعارض بين الروايات يقتصر على الإقامة في مكّة ، وأمّا المدينة

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج9
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 150955
الصفحه من 506
طباعه  ارسل الي