249
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج7

كلام حول حكمة التأكيد على زيارة سيد الشهداء وتكرارها

يتبيّن من خلال التأمّل في الروايات التي تؤكّد على زيارة سيّد الشهداء وتكرارها، أنّ هذا العمل لا يشتمل على فلسفة عباديّة فحسب، بل إنّه يشتمل على فلسفة سياسية عميقة أيضاً.
والرسالة السياسية لزيارة سيّد الشهداء هي في نفسها توجب إزاحة الخرافات دوما عن هذه الحركة الثقافية بهدف إعداد الأرضية للنظام الإسلامي الأصيل الذي تمّ بيانه من قبل ۱ ، وبذلك، فإنّ الرسالة السياسية لزيارته عليه السلام تفوق الرسالة العبادية لها أهمّية وبنّائية .
ومن خلال إلقاء نظرة عميقة وشاملة إلى الروايات الواردة في شأن زيارة سيّد الشهداء ، والتي تعتبرها فريضة ، وأفضل الأعمال ، وتذكر فضائل وبركات كثيرة ۲ لها ، وتعدُّ تحمّلَ المعاناة والمشقّة أمرا مطلوباً في سبيل زيارته. وكذا الروايات التي تصرّح بأنّ على الإنسان إن أمكنه زيارة الحسين عليه السلام في كلّ يوم فليزره، فإن لم يستطع ففي كلّ جمعة، فإن لم يستطع ففي كلّ شهر، فإن لم يستطع ففي كلّ أربعة أشهر ، فإن لم يستطع ففي كلّ ستّة أشهر، فإن لم يستطع ففي كلّ سنة، فإن لم يستطع ففي كلّ ثلاث سنوات، فإن لم يستطع ففي كلّ أربع سنينٍ وأخيرا فكلّما زاره أكثر كان أفضل . وكذلك الروايات الدالّة على أنّ ثواب زيارته عليه السلام يفوق ثواب الحجّ والعمرة ۳ . وكذلك الروايات التي تحذّر من ترك زيارته وتعتبر ترك زيارته موجبا لنقصان الإيمان وقصر العمر ، وعقوقاً لأهل البيت عليهم السلام ، وحرماناً من الخير الكثير . ۴ فإذا ما لاحظنا هذه الروايات إلى جانب الروايات التي اعتبرت معرفة حقّه عليه السلام الشرط الرئيس للانتفاع من بركات زيارته، يمكن أن ندرك بوضوح أنّ في هذه الروايات رسالةً سياسيةً مهمّةً لأتباع أهل البيت عليهم السلام ومحبّيهم، وهي تهيئة الأرضية الثقافية والإعداد لتحقيق الأهداف السامية للنهضة الحسينية ؛ أي سيادة القيم الإسلامية بالقيادة التي يرتضيها أهلُ بيت الرسالة.
ولا شكّ في أنّ تواجد حشودِ زوّار سيّد الشهداء إلى جوار مرقده الطاهر وتزايدهم في كلّ عام ۵ ، إن كان مقترناً بالوعي والتخطيط ، فإنّه سينتهي إلى قيام الدولة التي ينشدها أهل البيت عليهم السلام .
والملاحظة الجديرة بالاهتمام أنّ المطلوب ـ كما تفيد بعض الروايات ـ هو الحضور في كربلاء لزيارة سيّد الشهداء لا الإقامة في كربلاء والتوطّن فيها :
فَزُرهُ ... وَانصَرِف عَنهُ ، ولا تَتَّخِذهُ وَطَناً . ۶
كما هو الحال في شأن الإقامة في مكّة والتوطّن فيها ، حيث أفتى بعض الفقهاء بالكراهة استنادا لبعض العلل المذكورة في بعض الروايات ؛ مثل احترام بيت اللّه ، واستمرار حالة الشوق عند الزائر ۷ .
وإذا كان هذا النوع من الروايات لا يتمتّع بالقيمة المطلوبة من حيث السند، فإنّه يلزم الاهتمام العملي بها نظراً إلى انطباقها مع العقل والمنطق ؛ ذلك لأنّ الإقامة الدائمة سوف تتسبّب في تقليل شوق الزائر وحضوره، وبذلك فسوف يضعف تحقيق أهداف الزيارة . مضافا للمشاكل الاقتصادية والاجتماعيّة الكثيرة التي يستتبعها التوطّن .
وبعبارة اُخرى، فإنّ من غير الممكن من الناحية العملية الجمع بين الإقامة الدائمة والحضور الشامل للزوّار من جميع أرجاء العالم في مكّة المكرّمة، أو مرقد سيّد الشهداء عليه السلام ، وإنّ التأكيد والتوصية بالحضور العامّ في هذه الأماكن، يستلزمان النهي عن الإقامة الدائمة فيها.

1.راجع : ج۶ ص ۱۰۳ (القسم الحادي عشر / المدخل) .

2.راجع : ص ۲۵۳ (الفصل الثالث / بركات زيارته) .

3.سوف نتطرّق إلى هذا الموضوع في تحليلٍ مستقلّ ( راجع : ص ۲۹۹ « الفصل الرابع / بحث حول منزلة زيارة سيّد الشهداء عليه السلام ») .

4.راجع: ص۲۳۳ (الفصل الثاني : الحثّ الأكيد على زيارته والتحذير الشديد من تركها) .

5.تفيد تقارير وكالات الأنباء في السنة الجارية ( ۱۴۲۹ه ) أنّ حدود عشرة ملايين شخص توجّهوا لزيارة سيّد الشهداء عليه السلام في مناسبة واحدة ، لا في جميع مناسبات السنة ؛ إذ العدد في جميع مناسبات السنة يصل إلى عشرات الملايين .

6.راجع : ص ۳۲۹ ح ۳۴۲۲ و ۳۴۲۳ .

7.راجع: جواهر الكلام، ج ۲۰ ص ۷۰


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج7
248
  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج7
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    تاریخ انتشار :
    1389
عدد المشاهدين : 254897
الصفحه من 410
طباعه  ارسل الي