الكذب في قراءة المراثي في العصور السابقة
يمكن القول بأنّ آفة الكذب دخلت ساحة قراءة المراثي منذ تأليف كتاب روضة الشهداء ؛ أي حوالي سنة 900 للهجرة، واتّسعت رقعة هذه الآفة تدريجيّاً بحيث إنّ المحدّث النوري شعر بخطر انتشار هذه الآفة في أوائل القرن الرابع عشر، ممّا دعاه إلى تأليف كتابه اللؤلؤ والمرجان ۱ باقتراح من أحد علماء الهند، حيث يبيّن في بدايته الدافع الذي دفعه لتأليف الكتاب قائلاً :إنّ سماحة العالم العامل الجليل الفاضل الكامل.. السيّد محمد مرتضى الجونبوري الهندي أيّده اللّه تعالى شكا لي كراراً ـ من الهند ـ القرّاء ومنشدي المراثي في تلك البلاد، حيث يجرؤون على الكذب ، ويصرّون على نشر الأكاذيب والأباطيل ، بل إنّهم كادوا أن يُجوّزوها ويعتبروها مباحة وخارجة عن دائرة العصيان والقبح لأنّها سببٌ لإبكاء المؤمنين!وقد أمرني بكتابة شيء في هذا المجال على سبيل الموعظة والجدال بالتي هي أحسن ، علّها تؤدّي إلى تنبيههم وكفّهم عن هذه القبائح. ويبدو أنّ سماحته يظنّ أنّ المدن المقدّسة في العراق وإيران آمنةٌ من هذه المصيبة وأنّها غير ملوّثة بالكذب والافتراء ، وأنّ هذا الفساد في الدين منحصر في تلك البلاد، غافلاً عن أنّ نشر الخراب تمتدّ جذوره في مركز العلم وحوزة أهل الشرع في العتبات المشرّفة ، فلو أنّ أهل العلم لم يتسامحوا في ذلك وميّزوا الصحيح من السقيم والصدق من الكذب في كلام هذه الطائفة ، ونهوا هؤلاء عن قول الأكاذيب ، لما بلغ الفساد هذا المبلغ! ۲ ويقول المحدّث النوري في موضعٍ آخر من كتاب اللؤلؤ و المرجان :
إنّ سكوت المتمكّنين يؤدّي إلى تجرّؤ وعدم مبالاة هذه الطائفة العديمة الإنصاف، حتّى في المراقد الشريفة ، وخاصّة مشهد سيّد الشهداء أرواحنا وأرواح العالمين له الفداء .. ، فإنّهم يعمدون في غالب الأوقات ـ وخاصّة في الأسحار التي هي أوقات البكاء والاستغفار ـ إلى أنواع الأكاذيب العجيبة ، وأحيانا الألحان المطربة ، ليلقوا بأجواء قاتمة على ذلك الحرم النوراني . ۳