121
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6

3 . الروايات المشينة

يمثّل الحسين بن عليّ عليه السلام مظهر العزّة الإلهية، وتعدّ عاشوراء رمز الملحمة والعزّة الحسينية، وشعار «هيهات منّا الذلّه» الذي من شأنه أن يهزم الأعداء، هو تراثه النفيس، وقد روي في المصادر المعتبرة أنّه عليه السلام خاطب الأعداء في خطبة ملحمية في يوم عاشوراء قائلاً :ألا وإنَّ الدَّعِيَّ ابنَ الدَّعِيِّ قَد رَكَزَ بَينَ اثنَتَينِ ؛ بَينَ السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ ، وهَيهاتَ مِنّا الذِّلَّةُ ، يَأبَى اللّه ُ لَنا ذلِكَ ورَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ ، وحُجورٌ طابَت ، وحُجورٌ طَهُرَت ، واُنوفٌ حَمِيَّةٌ ونُفوسٌ أبِيَّةٌ ۱ ، مِن أن تُؤثَرَ طاعَةُ اللِّئامِ عَلى مَصارِعِ الكِرامِ . ۲ كما قال ـ مجيباً للقائلين له: لا نخلّيك حتّى تضع يدك في يد عبيد اللّه بن زياد ـ :
لا وَاللّه ِ ، لا اُعطي بِيَدي إعطاءَ الذَّليلِ ، ولا أفِرُّ فِرارَ العَبيدِ ، «إِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَ رَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ»۳ ، «إِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَ رَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ»۴ . ۵ وبناءً على ذلك ؛ فإنّ كلّ روايةٍ عن تاريخ عاشوراء تدلّ على قبوله الذلّة ، إنّما هي من أكاذيب الأعداء وانتحالاتهم ، مثلما روي من أنّه عليه السلام قال:
اِختاروا مِنّي خِصالاً ثَلاثا : إمّا أن أرجِعَ إلَى المَكانِ الَّذي أقبَلتُ مِنهُ ، وإمّا أن أضَعَ يَدي في يَدِ يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ ، فَيَرى فيما بَيني وبَينَهُ رَأيَهُ ، وإمّا أن تُسَيِّروني إلى أيِّ ثَغرٍ مِن ثُغورِ المُسلِمينَ شِئتُم ، فَأَكونَ رَجُلاً مِن أهلِهِ ، لي ما لَهُم ، وعَلَيَّ ما عَلَيهِم . ۶ أو ما نسبه إليه في كتاب نور العين من أنّه قال لشمر بن ذي الجوشن عندما همّ بقتله:
إذاً ولابدّ من قتلي فاسقني شربة ماءٍ! فقال : هيهات أن تذوق الماء ، بل تذوق الموت غصّةً بعد غصّةٍ ، وجرعةً بعد جرعةٍ . ۷ إن مثل هذه الروايات تخالف اُصول عقائد الشيعة بشأن المكانة السامية لأهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فضلاً عن أنّها تتنافى مع محكمات تاريخ عاشوراء ومواقف الإمام طيلة حياته المليئة بالمفاخر . ۸ وعلى هذا الأساس فإنّ من آفات مجالس عزاء سيّد الشهداء هي إنشاد المراثيالمهينة له عليه السلام ، وعلى الخطباء المخلصين لأهل البيت عليهم السلام أن يتجنّبوا كلَّ كلامٍ أو تعبيرٍ يدلّ على إظهار الإمام عليه السلام أو أهل بيته للذلّة في حادثة عاشوراء. وقد نقل المحدّث النوري ۹ في هذا المجال في كتاب «اللؤلؤ والمرجان» رؤيا صادقة ـ مثيرة حقّاً ـ لأحد الخطباء المعروفين من دون ذكر اسمه .لماذا ذكرتَ ذلّة ابني الحسين في خطبتك؟!
يقول المحدّث النوري قدس سره في كتابه :رأى أحد الخطباء الكرام والمعروفين ذات ليلة في المنام وكأنّ القيامة قد قامت والخلق في غاية الخوف والحيرة ، وكان كلّ واحدٍ منهم منشغلاً بنفسه، في حين كانت الملائكة تسوقهم نحو الحساب ، وقد اُوكِل بكلّ شخصٍ موكّلان ، وعندما رأيتُ هذه الداهية فكّرت في عاقبتي، فإلى أين سينتهي الأمر بهوله هذا؟ وفي هذه الأثناء أمرني اثنان من تلك الجماعة بأن أفد على خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله ؛ لأنّ عاقبة الأمر كانت خطيرة ، فتباطأت فاقتادوني بالقوّة ، وكان أحدهما أمامي والآخر خلفي وأنا بينهما وقد استولى عليَّ الرعب ، وإذا بي أرى صرحاً كبيراً للغاية على كتف جماعة تسير من الجانب الأيمن، فعرفت بالإلهام الإلهي أنّ سيّدة نساء العالمين صلوات اللّه عليها في ذلك الصرح، وعندما اقتربت منه اغتنمت الفرصة وفررت من أيدي الموكّلين ولجأت أسفل الصرح، فوجدته قلعة حصينة وموضعاً منيعاً كان قد لجأ إليه قبلي جمع من المذنبين ، ورأيت الموكّلين وقد ابتعدا عن الصرح وهما لا يستطيعان التقرّب منه ، وكانا يسيران معنا على نفس المسافة من البُعد عنّا، فتوسّلا إلينا بالإشارة أن نعود فرفضنا ، وحينئذٍ لوّحا لنا بالتهديد ، وعندما رأينا أنّنا في حصن منيعٍ هدّدناهما نحن أيضاً ، وكنّا نسير بنفس قوّة القلب هذه ، وإذا برسول يأتي منجانب النبي صلى الله عليه و آله وقال لتلك السيّدة العظيمة : إنّ جمعاً من مذنبي الاُمّة قد لجؤوا إليك فأرسليهم كي نحاسبهم ، فأشارت تلك المخدّرة فقدِم الموكّلون من كلّ صوب واقتادونا إلى موقف الحساب .فرأينا هناك منبراً شاهق الارتفاع له درجات كثيرة وقد جلس في أعلاه سيّد الأنبياء صلى الله عليه و آله ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام واقفاً على الدرجة الاُولى ومنشغلاً بحساب الخلائق وقد اصطفّوا أمامه ، وعندما حلّ دور حسابي خاطبني بلهجة اللوم والتوبيخ وقال: لماذا قرأت ما يشين ابني الحسين في خطبتك ونسبت إليه الذلّة والهوان ؟ فتحيّرت في الجواب ولم أجد بدّاً من الإنكار فأنكرت، فشعرت بألم في ذراعي وكأن مسماراً حديديّاً غرس فيه، فالتَفتّ فرأيتُ رجلاً استخرج طوماراً من يده فناولني إيّاه ، ففتحته وكان فيه كلّ ما كنت قرأته في كلّ مكان وزمان ومن جملته ذلك الموضع الذي سُئلت عنه .فخطرت على بالي حيلة اُخرى، وقلت: لقد ذكرها المجلسي رحمه الله في المجلّد العاشر من البحار! فقال لأحد الخدّام الحاضرين: اذهب وخذ من المجلسي ذلك الكتاب، فالتفتُّ فرأيت صفوفاً كثيرة على الجانب الأيمن من المنبر ؛ أوّلها إلى جانب المنبر ولا يعلم آخرها إلّا اللّه ، وكلّ عالمٍ قد وضع مؤلّفاته بين يديه ، وكان المجلسي رحمه اللهالشخص الأوّل في الصفّ الأوّل ، وعندما أبلغ رسول النبيّ صلى الله عليه و آله الرسالة إليه، تناول الكتاب من بين الكتب وناوله إيّاه فجاء به ، فأشار بأن يناولنيه فأخذتُه وغُصت في بحر من الحيرة ؛ ذلك لأنّ هدفي من تلك الحيلة والافتراء كان التخلّص من تلك المعضلة !فتصفّحت بعض أوراقه دون هدى ، فخطرت على بالي أثناء ذلك حيلةٌ اُخرى ، فقلت: لقد رأيته في مقتل الحاج الملّا صالح البرغاني، فأمر أحد الخدّام بأن يذهب إليه ويأتي بالكتاب، فذهب وقال : كان الحاج المذكور الشخص السادس أو السابع من الصفّ السادس أو السابع ، فالتقط الكتاب بنفسه وجاء به ، فأمرني بأن أجد تلك الفقرة من ذلك الكتاب .فعاودني الخوف، وشعرت بالاضطراب ، واُغلقت في وجهي جميع سبل الخلاص . كنت أتصفح الكتاب دون طائل بقلب سيطر عليه الخوف.
إلى أن ذكر بأنّه حينما استيقظ جمع طائفة من الخطباء ونقل ماكان رآه في النوم قائلاً :أنا لا أرى نفسي مؤهّلاً بعد هذا لأداء حقّ الخطابة الحسينيّة ، ولذلك سأتركها، وينبغي على من يصدّقني أن يكفّ عنها هو أيضاً .
وهكذا فإنّه غضّ النظر عن قراءة المراثي وأقلع عنها ، على الرغم ممّا كانت تدرّ عليه من مبالغ كبيرة . ۱۰

1.الجدير بالذكر أنّ التعبير عن الإمام الحسين عليه السلام بـ «ذى النفس الأبيّة» قد صدر من أعدائه ومناوئيه أيضا (راجع : ج۱ ص۳۷۱ ح۴۵۲ وتجارب الاُمم : ج۲ ص۷۱) .

2.راجع : ج۴ ص۱۱۵ ح۱۶۲۸ .

3.الدخان: ۲۰ .

4.غافر: ۲۷ .

5.مثير الأحزان: ص ۵۱ وراجع : هذه الموسوعة: ج۴ ص۱۰۶ (القسم الثامن / الفصل الثاني / احتجاجات الإمام عليه السلام على جيش الكوفة) .

6.راجع : ج۴ ص۳۶ ح۱۵۴۱ .

7.نور العين للإسفرايني : ص ۵۰ .

8.لمزيد من الاطلاع حول محكمات تاريخ عاشوراء ومواقف الإمام الحسين عليه السلام راجع : هذه الموسوعة ، نگاهي نو به جريان عاشوراء (مجموعة مقالات) ، نهضت عاشوراء (جستارهاي كلامي ، سياسي ، وفقهي) ، مجموعة مقالات كنگرة بين المللي امام خميني وفرهنگ عاشوراء ، حماسة حسيني ، قيام جاودانه ، نگاهي به حماسة حسيني و عاشوراء شناسي ؛ عاشوراء پژوهي (كلّها بالفارسيّة) .

9.المراد به هو الميرزا حسين النوري الطبرسي (ت ۱۳۲۰ ه ) .

10.لؤلؤ ومرجان: (بالفارسيّة) : ص ۲۷۰.


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6
120
  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    تاریخ انتشار :
    1390
عدد المشاهدين : 199318
الصفحه من 430
طباعه  ارسل الي