555
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

قلت : لم يتعلّق إلّا الأمر بمقدّمات أفعال الحجّ بتلك المقدّمات، وينسب إلى أفعال الحجّ مجازا، باعتبار أنّ ترك المقدّمات مشتمل على جميع إثم ترك الأفعال، لأنّه يفضي إلى ترك الأفعال مع مظنّة القدرة عليها في وقتها ، ولعلّ إطلاق الواجب على الواجب المطلق الذي حان وقت مقدّماته دونه مجازٌ. أو يُقال: الحجّ لغةً القصدُ، ۱ وقد تعلّق الأمر به لا بأفعاله المعهودة، ومحقّق القصد هو الشروع في المقدّمات، وسيجيء في «كتاب الحجّ» في خامس «باب استطاعة الحجّ». ۲ قريب من هذا السؤال مع جوابه .
وقوله: «وقد فعلوا» معناه، وقد حدث مذهب الجبر بين أصحابنا أيضا .
وقيل : ويمكن الجمع بين الأخبار بما ذكرناه في الحواشي السابقة من أنّ الاستطاعة قسمان: ظاهريّة، وباطنيّة ؛ وأنّ الظاهريّة مناط التكليف، وأنّها متقدّمة على التكليف . ۳ ألا ترى أنّ الحجّ يجب على من يموت في طريق مكّة، وأنّ الاستطاعة الجامعة للظاهريّة والباطنيّة إنّما تحصل في وقت الفعل والترك . انتهى . ۴
الرابع : (مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ حُمْرَانَ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ الِاسْتِطَاعَةِ) . المراد بها القدرة المطلقة، كما هو في إطلاقات أهل اللغة . ۵(فَلَمْ يُجِبْنِي) . لعلّ ذلك لمّا استشعر منه أنّه على اعتقاد الحقّ، وإنّما أزعجه اشتباه اللفظ .
(فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ دَخْلَةً) أي دخولاً (أُخْرى ، فَقُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللّهُ ، إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِي مِنْهَا) أي من الاستطاعة (شَيْءٌ) أي وهم (لَا يُخْرِجُهُ إِلَا شَيْءٌ أَسْمَعُهُ مِنْكَ) .
(قَالَ : فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّكَ مَا كَانَ فِي قَلْبِكَ) ؛ لأنّه محض اشتباه لفظ، فإنّ القدريّة يطلقون

1.الكافي ، ج ۴ ، ص ۲۶۸ ، ح ۵ .

2.لسان العرب ، ج ۲ ، ص ۳۶۴ (حجج) .

3.في حاشية «أ»: «القائل هو مولانا محمدأمين الاسترابادي في حواشي الكافي (منه)».

4.حكاه في مجمع البحرين ، ج ۳ ، ص ۷۲ .

5.النهاية ، ج ۳ ، ص ۱۴۲ (طوع) .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
554

القبض والبسط» . ۱
وعن عوف بن عبداللّه الأزدي عن عمّه قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الاستطاعة، فقال : «وقد فعلوا؟» فقلت : نعم زعموا أنّها لا تكون إلّا عند الفعل واردة في حال الفعل لا قبله ، فقال : «أشرك القوم». ۲
قلت : لا منافاة ؛ لأنّ هذا أيضا للردّ على المجبّرة في قولهم: إنّه لا تتحقّق القدرة على الفعل مع الترك؛ فإنّه يستلزم ذلك أن لا يكون المصلّي لصلاة الظهر في آخر وقتها قادرا في أوّل وقتها على فرد من صلاة الظهر أصلاً، لا في أوّل الوقت، ولا في آخر الوقت. وهذا باطل ؛ لأنّ الحقّ أنّه قادر في أوّل الوقت على الصلاة في أوّل الوقت، وهو قبل وقتٍ صلّاها فيه، وإن لم يكن قادرا في أوّل الوقت على الصلاة في آخر الوقت. والفرق بين المعنيين ظاهر. وليس المراد بقوله: «عند الفعل» و«حال الفعل» هنا المعنى الذي ذكرناه في شرح ثاني الباب لقوله: «وقت الفعل »، بل المراد هنا حال وقوع الفعل، بخلاف ماثّمة .
إن قلت: بينهما وبينها منافاة من جهة اُخرى، فإنّها تدلّ على أنّ القدرة تتقدّم على الأمر والنهي البتّة، ومعلوم أنّ الأمر هو الطلب في وقت لفعل في وقت بعده، وإذا كانت القدرة قبل الأمر البتّة، كانت متعلّقة بفعل بعد ذلك .
قلت : المراد بالأمر والنهي هنا تعلّقهما، لا نفس الخطابات الشرعيّة؛ لأنّها قبل تولّد أكثر المكلّفين فضلاً عن قدرتهم، وتعلّقهما لا يتحقّق إلّا في وقت طلب الشارع الفعل أو الترك فيه ، وهذا التعلّق تابع للقدرة وإن كان مجتمعا معها في الزمان ، فكونها قبل الأمر والنهي باعتبار القبليّة الذاتيّة والرتبيّة، لا باعتبار القبليّة الزمانيّة .
إن قلت : الأمر بالشيء قد يتعلّق به قبل وقته، كما في وجوب الحجّ على المستطيع قبل خروجه من بلده .

1.التوحيد ، ص ۳۵۲ ، باب الاستطاعة ، ح ۱۹ . وعنه في بحار الأنوار ، ج ۵ ، ص ۳۸ ، ح ۵۷ .

2.التوحيد ، ص ۳۵۰ ، باب الاستطاعة ، ح ۱۲ . وعنه في بحار الأنوار ، ج ۵ ، ص ۳۴ ، ح ۴۴ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 62868
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي