17
الزّهد

علوم أهل البيت بكلّ شجاعة.
وكانت الكوفة آنذاك واحدةً من المراكز الحديثيّة الكبرى للشيعة، ولها مدرستها الخاصّة بها في الحديث. وكان الكثير من الشيعة وطُلاّب الحديث يشدّون الرحال إليها لاستماع الحديث. والنصّ التالي يُظهر مدى أهمّيّة المكانة التي كانت تحظى بها الكوفة في هذا المضمار :
روى أحمد بن محمّد بن عيسى قال : خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث. فلقيت بها الحسن بن عليّ الوشّاء، فسألته أن يخرج لي كتاب العلاء بن رزين القلا، وأبان بن عثمان الأحمر، فأخرجهما إليّ. فقلت له: اُحبّ أن تجيزهما لي، فقال لي: رحمك اللّه ، وما عجلتك؟ اذهب فاكتبها، واسمع من بعد، فقلت: لا آمن الحدثان، فقال : لو علمت أنّ هذا الحديث يكون له هذا الطلب، لاستكثرت منه، فإنّي أدركت في هذا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ، كلّ يقول : حدّثني جعفر بن محمّد. ۱
كانت هناك في الكوفة مراكز تعليم متعدّدة ـ عدا مسجدها الجامع ـ إضافة إلى وجود أُسَرٍ كبيرة تعمل في تعليم الحديث مثل آل أعين، وبني عطيّة، وآل حيّان وغيرهم. نذكر مثلاً أنّ أبان بن تغلب، ومحمّد بن مسلم، وزرارة، الذين روى كلّ واحد منهم عشرات الآلاف من الأحاديث، كانوا من أصحاب الأئمّة، وهم من أهل الكوفة.
وبعد ما أقام الحُسَين بن سعيد سنوات في الكوفة، توجّه منها إلى الأهواز. ولا يُعرف تاريخ هذه الهجرة ولا سببها. ولكن يُحتمل أنّها كانت في حدود عام 199 إلى عام 205 للهجرة، وربّما يُعزى سبب ذلك إلى نشوب الفتن المتتالية التي اجتاحت الكوفة في تلك السنوات. ۲

1.رجال النجاشي، ص ۳۹.

2.اندلعت هذه الثورات على يد ابن طباطبا العلوي وأبي السرايا (۱۹۹، ۲۰۰)، وابراهيم بن المهديّ، وحميد بن عبد الحميد (۲۰۲)، ويحيى بن عمر العلوي (۲۰۵). راجع: تاريخ الكوفة، السيّد حسين البراقي، ص ۳۷۳ ـ ۳۸۱.


الزّهد
16

كانوا يبذلون على الدوام كلَّ ما باستطاعتهم من جهد للحفاظ على كيان الشيعة خاصّة، وأنّ بغداد كانت حينذاك من كبريات الحواضر العلميّة في العالم الإسلامي.
أجل ، لقد وظّف علماء الشيعة - رغم أنّه لم تتوفّر لهم الحرّيّة التي كانت متوفّرة لعلماء السُنّة ـ كلّ ما لديهم من طاقات لغرس ونشر تعاليم مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، وذاقوا كثيراً من الآلام والعناء في سبيل الحفاظ على التراث الحديثي للمعصومين، وأوضحُ شاهد على هذا الكلام هو ما لقيه محمّد بن أبي عمير من سجن وتعذيب في هذا العهد.
***
وفي هذا العهد أيضاً أدّى فسح المجال أمام كتابة الحديث وحرّيّة تدوينه، إلى تدوين كتب عديدة عند الشيعة وعند السُنّة على حدٍّ سواء.
وبادر الكثير من تلاميذ الإمام الرضا عليه السلام إلى تدوين كتب موضوعيّة، وهي ما يمكن اعتبارها «المجاميع الحديثيّة الأوّليّة للإماميّة» والتي أُدرجت لاحقاً في الكتب الأَربَعة على نحو أكثر تناسقاً وانسجاماً.
فمن الكُتّاب والمحدّثين الشيعة الكبار الذين جمعوا في عهد الحُسَين بن سعيد كتباً متعدّدة من أحاديث أهل البيت، يمكن أن نذكر كُلاًّ من: الحسن بن سعيد، والحسن بن عليّ بن زياد الوشّاء، والحسن بن عليّ بن فضّال، والحسن بن محبوب، وحمّاد بن عيسى، وداود بن النعمان، وصفوان بن يحيى، والعبّاس بن هاشم، وعثمان بن سعيد، وعليّ بن مهزيار، ومحمّد بن أبي عمير، ومحمّد بن سنان، وموسى بن القاسم بن معاوية، ويونس بن عبدالرحمن، وغيرهم.

1 / 5 . الحواضر العلميّة

كان من أهمّ الحواضر العلميّة في عهد الحُسَين بن سعيد، بغداد، والمدينة، والكوفة، والبصرة، وقمّ، ونيسابور. وكان هناك في معظم هذه الحواضر شيعة ينهضون بنشر

  • نام منبع :
    الزّهد
    المساعدون :
    غلامعلی، مهدی
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 39791
الصفحه من 236
طباعه  ارسل الي