651
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

هذا النهج .
بيد أن الأمر يختلف في المدرسة العلويّة التي لا تُجيز توظيف الأدوات غير المشروعة في تنفيذ السياسات المطلوبة ؛ وعندئذ لا يستطيع القائد أن يتوسّل بلغة التطميع لتنفيذ الحكم ، كما لا يستطيع أن يستخدم لغة التهديد مع الناس .
وعلى هذا الأساس لم يكن الإمام عليه السلام على استعداد أن يجبر الناس على طاعته بالقوّة ؛ فعندما أجبره الجُند في حرب صفّين على إيقاف القتال والإذعان إلى التحكيم ، قال : «ألا إنّي كُنتُ أميرَ المُؤمِنينَ ، فَأَصبَحتُ اليَومَ مَأموراً ، وكُنتُ ناهِياً ، فَأَصبَحتُ مَنهِيّاً ، وقَد أحبَبتُمُ البَقاءَ ولَيسَ لي أن أحمِلَكُم عَلى ما تَكرَهونَ» .
على هذا الضوء لا يستطيع الحكم العلوي تحقيق مراميه الإصلاحيّة إلّا على أساس الاختيار الشعبي الحرّ لبرامج الإمام بهذا الشأن ، وإلّا فالإمام لا يرى نفسه مخوّلاً باستخدام منطق القوّة والتوسّل بالسيف لإجبار الناس على طاعته ، فالجمهور سوف ينتخب الطريق الذي يريده هو .
وبعبارة اُخرى : إنّ إحدى أجوبة الإمام على هذا التساؤل : لماذا ترك الناسُ الإمامَ وحيداً؟ هو : إنّني لستُ على استعداد أن اُجبر هؤلاء على الطاعة بمنطق السيف ؛ فهذا الاُسلوب وإن كان يحلّ مشكلة الحكم مؤقّتاً ، إلّا أنّ هذا الحكم لن يغدو بعدئذ حكماً علويّاً!
لقد تكرّر هذا المعنى في كلام الإمام ، ففي خطاب لأهل الكوفة ، قال بعد أن بثّ شكواه منهم : «يا أهلَ الكوفَةِ ! أتَرَوني لا أعلَمُ ما يُصلِحُكُم؟! بَلى ، ولكِنّي أكرَهُ أن اُصلِحَكُم بِفَسادِ نَفسي» . ۱
وكما قال مرّة اُخرى : «ولَقَد عَلِمتُ أنَّ الَّذي يُصلِحُكُم هُوَ السَّيفُ ، وما كُنتُ

1.الأمالي للمفيد : ص ۲۰۷ ح ۴۰ .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
650

شَمسٌ ، وَما لاحَ فِي السَّماءِ نَجمٌ . وَاللّهِ ، لَو كانَ ما لُهُم لِي لَواسَيتُ بَينَهُم ، فَكَيفَ وَإِنَّما هِيَ أموالُهُم ؟ ! . ۱
3 . بعث سهل بن حنيف ـ والي الإمام على المدينة ـ رسالة إليه ، يخبره فيها أنّ جمعاً من أهل المدينة التحق بمعاوية . فكتب الإمام في جوابه :
«أمّا بَعدُ ، فَقَد بَلَغَني أنَّ رِجالاً مِمَّن قِبَلَكَ يَتَسَلَّلونَ إلى مُعاوِيَةَ ، فَلا تَأسَف عَلى ما يَفوتُكَ مِن عَدَدِهِم ، ويَذهَبُ عَنكَ مِن مَدَدِهِم ، فَكَفى لَهُم غَيّاً ولَكَ مِنهُم شافِياً فِرارُهُم مِنَ الهُدى وَالحَقِّ ، وإيضاعُهُم إلَى العَمى وَالجَهلِ ، وإنَّما هُم أهلُ دُنيا مُقبِلونَ عَلَيها ، ومُهطِعونَ إلَيها ، وقَد عَرَفُوا العَدلَ ورَأَوهُ ، وسَمِعوهُ ووَعَوهُ ، وعَلِموا أنَّ النّاسَ عِندَنا فِي الحَقِّ اُسوَةٌ ، فَهَربوا إلَى الأَثَرَةِ ، فَبُعداً لَهُم وسُحقاً!!
إنَّهُم ـ وَاللّهِ ـ لَم يَنفِروا مِن جَورٍ ، ولَم يَلحَقوا بِعَدلٍ ، وإنّا لَنَطمَعُ في هذَا الأَمرِ أن يُذَلِّلَ اللّهُ لَنا صَعبَهُ ، ويُسَهِّلَ لَنا حَزنَهُ ، إن شاءَ اللّهُ . وَالسَّلامُ» . ۲

4 . تجنّب القوّة في إجراء الأحكام

المدرسة الاُمويّة ترى أنّ الهدف يوجّه الوسيلة ، بحيث يستطيع السياسي أن يستفيد من الأدوات اللامشروعة في سياساته وبرامجه وأوامره . ومن ثمّ فإنّ القائد ليس له أن يضلّل الجمهور بلغة التطميع فحسب ، بل له أيضاً أن يفرض نفسه عليه عبرَ استخدام لغة التهديد والتوسّل بالقوّة .
ولقد استطاع معاوية من خلال توظيف هذه السياسة أن يحافظ على التفاف الناس حوله . وربما كان يستطيع أن يحافظ على المصالح الوطنيّة للشام من خلال

1.الغارات : ج۱ ص۷۴ ـ ۷۵ .

2.نهج البلاغة : الكتاب ۷۰ .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 279022
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي