«وَالكُفرُ عَلى أربَعِ دَعائِمَ : عَلَى التَّعَمُّقِ ، وَالتَّنازُعِ ، وَالزَّيغِ ، وَالشِّقاقِ ؛ فَمَن تَعَمَّقَ لم يُنِب إلَى الحَقِّ» ۱ .
ومثل هؤلاء المتعمّقين بتماديهم في ظنونهم وأوهامهم ، وإغراقهم في أفكارهم ، ومن ثمّ أساليبهم المفرطة ، لا يجدون مجالاً للإنابة إلى الحقّ ، ومن هنا لا ينقادون للإسلام ، وهل الإسلام إلّا التسليم للحقّ ، والإقرار به ، والخضوع له بعد فهمه ؟
والمؤسف أنّ مشكلة الخوارج الكبرى قد تمثّلت في توجّهاتهم المتطرّفة المفرطة اللامتناهية ، لذلك آلَ أمرهم إلى حكمهم بالكفر على كلّ من لا يرى رأيهم ولا يعمل عملهم !
نقطة البداية في الانحراف
إنّ عددا من المسلمين في عصر صدر الإسلام لم يتلقّ تحذير النبيّ صلى الله عليه و آله من «التعمّق» بكثيرٍ من الجِدّية ؛ لأسباب سنعرضها عند الحديث عن جذور «التعمّق» ؛ فهؤلاء قد تجاوزوا السنّة النبويّة ، وأفرطوا في نزعاتهم حتى وقحُوا في بعض المرّات واجترؤوا يؤاخذون النبيّ صلى الله عليه و آله إذ كان صلى الله عليه و آله في أحد الأيّام مشغولاً بتوزيع الغنائم ، وقسمتها بمراعاة مصالح معيّنة ، فهبّ أحد هؤلاء «المتقدّسين» ، وقد سوّلت له نفسه أنّه أعدل من رسول اللّه صلى الله عليه و آله في القسمة بزعمه ، وطلب منه أن يعدل في التوزيع ! وطعن في تقسيمه القائم على التعاليم القرآنيّة ، وكان أثر السجود بائنا على جبهته ، ورأسه محلوق على طريقة «المتقدّسين» يومئذٍ ورفع عقيرته بغلظة وفظاظة قائلاً : «يا مُحَمَّدٌ ، وَاللّهِ ما تَعدِلُ !» فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله مُغضبا :
وَيحَكَ ! فَمَن يَعدِلُ إذا لَم أعدِل ؟ !
وَهَمَّ الصحابةُ بقتله لموقفه الوقِح هذا ، بَيْد أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله منَعهم ، وحكى لهم صورةً