107
المناهج الروائية عند شريف المرتضي

أخبار الآحاد

أكّد الشريف المرتضى قدس سره في عدّة مواضع في فقهه الاجتهادي ، وفي مواضع اُخرى كثيرة من بحوثه وكتبه : على أنّ أخبار الآحاد لا توجب علما ولا تقتضي قطعا ، ۱ أو أنّها لا توجب عملاً كما لا توجب علما، ۲ وإنّما تقتضي الأحكام بما يقتضي العلم، ۳ أو أنّه ثبت أنّها لا توجب عملاً في الشريعة ، ولا يرجع بمثلها عمّا علم وقطع عليه ۴ أو لا توجب علما ولا يقينا ، وأكثر ما توجبه ـ مع السلامة التّامة ـ الظن ، ولا يجوز الرجوع عن الأدلّة . . . ممّا يوجب العلم اليقين، ۵ أو أنّها لا توجب الظن ، ولا تنتهي إلى العلم، ۶ وما شابهها من التعابير الّتي هي صريحة في نفي صفة العلمية والعملية عن أخبار الآحاد ، بل صرّح أنّها لا يعمل عليها في الشريعة. ۷
وصرّح في موضع آخر باقتران القياس وخبر الآحاد بأنّهما لا يمكن أن يكونا طريقا إلى العلم بشيء من الأحكام البتة ، والحال على ما نحن عليه من فقد دليل التعبد بهما . ۸
ويعلل الشريف المرتضى قدس سره هذا الإصرار على هذه القضية بقضية منطقية تتألّف من صغرى وكبرى ونتيجة ، فهو يقول :
1 . إنّا لا نَأمن فيما تقدّم عليه من الحكم الّذي تضمّنه خبر الآحاد أن تكون مفسّرة .
2 . ولا نقطع على أن خبر الآحاد مصلحة .
3 . والإقدام على مثل العمل بخبر الآحاد قبيح. ۹
ثمّ يترقّى الشريف المرتضى قدس سره في البحث حتّى ينسب إلى أصحابه من الإمامية: «أنّ أخبار الآحاد لا يجوز العمل بها ولا التعبد بأحكامها من طريق العقول».
ولكنّه يتراجع قليلاً عن هذا الاختيار ويقتصر على القول: « وقد بيّنا في مواضع كثيرة : أنّ المذهب الصحيح هو تجويز ورود العبادة بالعمل بأخبار الآحاد من طريق العقول ، لكن ذلك ما ورد ولا تعبدنا به ، فنحن لا نعمل بها ؛ لأنّ التعبد بها مفقود ، وإن كان جائزا ». ۱۰
وقد يبدو تهافتا في البين نتيجة لقوله يستلزم العمل بخبر الآحاد المفسدة ، وبين قوله بجواز ورود العبادة بالعمل بأخبار الآحاد من طريق العقول، ولكنّه يجيب عن هذا الإشكال قائلاً:
«إذا فرضنا ورود العبادة بالعمل بأخبار الآحاد أمنا أن يكون الإقدام عليها مفسدة ؛ لأنّه لو كان مفسدة أو قبيحا لما وردت العبادة به من الحكيم تعالى بالعمل بها ، فصار دليلاً على العمل بها ، يقطع معه أنّ العمل مصلحة وليس بمفسدة، كما يقطع على ذلك مع العلم بصدق الراوي.
وإذا لم ترد العبادة بالعمل بأخبار الآحاد وجوّزنا كذب الراوي فالتجويز لكون العمل بقوله مفسدة ثابتة، ومع هذا التجويز لا يجوز الإقدام على الفعل، لإنّا لا نأمن من كونه مفسدة، فصارت هذه الأخبار الّتي تروى في هذا الباب غير حجّة ، وما
ليس كذلك لا يعمل به ، ولا يلتفت إليه». ۱۱
ويلخّص الشريف المرتضى قدس سره في نهاية البحث : إنّ الاعتماد على أخبار الآحاد ، هو التعويل على سراب بقيعة، ۱۲ حتّى إنّه في رسالته في الرد على أصحاب العدد يخالف مقاطع كثيرة من عباراته الاُخرى الّتي صرح فيها أنّه لو كان الخبر لا بأس بتأويله بوجه لا ينافي العقول ـ كما يأتي الإشارة إليها في بحوثه مع القاضي عبدالجبار المعتزلي ، وفي تأسيساته في تنزيه الأنبياء عليهم السلام ـ ولكنّه يقطع هنا قائلاً :
« ولا يجب علينا أن نتأوّل خبرا لا نقطع به ولا نعلم صحّته »؛ ۱۳ وليس ذلك إلاّ لأجل أنّ هذه تدخل تحت البحوث الفقهية والاجتهادية ، ولا معنى للتأويل .
نعم ، هو يستدرك قائلاً بأنّه يمكن على سبيل التسهيل ذكر تأويلاً للخبر وإن لم يكن ذلك واجبا، ۱۴ وهذا التنبيه ، وهو ما تعورف عليه الآن في مباحث الاُصول بالتسامح في أدلّة السنن .
ولكن الإصرار الشديد على هذه المسألة ؛ لأجل أنّ المخالفين اعتمادهم على أخبار الآحاد ، كما يقوله الشريف المرتضى قدس سره. ۱۵
ولا استغراب في ذلك ؛ فإنّ العمل من الإمامية كان برفض خبر الواحد حتّى زمان الشريف المرتضى قدس سرهوبعد زمانه بكثير ، كما يأتي بحث ذلك مفصّلاً في خبر الواحد في الفصل الاُصولي إن شاء اللّه تعالى.

1.الانتصار : ص ۲۱۴، ۲۱۷، ۳۵۱، وجوابات المسائل الموصليات الثالثة : ص ۲۳۵، ۲۴۲ ( رسائل الشريف المرتضى، المجموعة الاُولى).

2.الانتصار : ص ۲۳۵، ۵۱۹، وجوابات المسائل الموصليات الثالثة : ص ۲۶۰ ـ ۲۶۱ ( رسائل الشريف المرتضى ، المجموعة الاُولى) .

3.الانتصار : ص ۳۵۱، ۵۱۹.

4.المصدر السابق : ص ۲۶۹ .

5.المصدر السابق : ص ۳۹۱.

6.المصدر السابق : ص ۴۹۸.

7.المصدر السابق : ص ۱۲۰، ۱۸۲.

8.مناظرة الخصوم وكيفية الاستدلال عليهم : ص ۱۲۳ ـ ۱۲۴ ( رسائل الشريف المرتضى ، المجموعة الثانية ) .

9.رسالة في الرد على أصحاب العدد : ص ۳۰ ( رسائل الشريف المرتضى ، المجموعة الثانية ) .

10.المصدر السابق.

11.المصدر السابق : ص ۳۰ ـ ۳۱.

12.المصدر السابق : ص ۴۷ .

13.المصدر السابق .

14.المصدر السابق .

15.الانتصار : ص ۱۱۷ ، ۳۸۵ ، ۴۰۸ ، ۴۳۴ .


المناهج الروائية عند شريف المرتضي
106
  • نام منبع :
    المناهج الروائية عند شريف المرتضي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 73210
الصفحه من 358
طباعه  ارسل الي