195
مكاتيب الأئمة ج5

[تدبير الصّحة في الفصول الأربعة ]

۰.ثُمَّ كُل يا أَميرَ المُؤمِنينَ البارِدَ في الصَّيفِ ۱ ، وَ الحارَّ في الشِّتاءِ ، وَ المُعتَدِلَ في الفَصلَينِ عَلى قَدَرِ قُوَّتِكَ وَ شَهوَتِكَ . وَ ابدأ في أَوّلِ ۲ طَعامِكَ بِأَخَفِّ الأَغذيَةِ الَّتي تُغَذِّيَ بِها بَدَنَكَ بِقَدَرِ عادَتِكَ وَ بِحَسَبِ وَطَنِكَ ۳ وَ نَشاطِكَ ، وَ زمانِكَ ۴ ، وَ الّذي يَجبُ أَن يَكونَ أَكلُكَ في كُلِّ يَومٍ عِندَما يَمضي مِنَ النَّهارِ ثَمانِ ساعاتٍ أَكلَةً واحِدَةً ، أَو ثَلاثَ أَكَلاتٍ في يَومَينِ ، تَتَغَذَّى باكِرا في أَوَّلِ يَومٍ ، ثُمَّ تَتَعَشَّى ، فَإِذا كانَ في اليَومِ الثَّاني ، عِندَ مُضيِّ ثَمانِ ساعاتٍ مِنَ النَّهارِ ، أَكَلَتَ أَكلَةً 7واحِدَةً وَ لَم تَحتَج إِلى العِشاءِ .

1.«البارد في الصّيف » يحتمل أن يكون المراد بالبارد ، البارد بالفعل ، كالماء الّذي فيه الجمد و الثّلج ، أو البارد بالقوّة بحسب المزاج ، كالخيار و الخسّ ، و كذا الحارّ يحتملها ؛ و ذلك لأنّه لمّا كان في الصّيف ظاهر البدن حارّا لسبب حرارة الهواء فإذا أكل أو شرب الحارّ بأحد المعنيين اجتمعت الحرارتان فصار سببا لفساد الهضم و كثرة تحليل الرّطوبات ، و كذا أكل البارد و شربه في الشّتاء يصير سببا لاجتماع البرودتين الموجب لقلّة الحرارة الغريزية ، ومنه يظهر علّة رعاية الاعتدال في الفصلين المعتدلين.

2.«و ابدأ في أوّل الطّعام» : هذا إشارة إلى ترتيب بين الأغذية بأنّه إذا أراد أكل غذاءٍ لطيفٍ مع غذاءٍ غليظٍ بأيّهما يبدأ ؟ فحكم عليه السلام بالابتداء باللطيف من الغذاء ، وكذا ذكره بعض الأطبّاء ، فإنّه إذا عكس فيسرع إليه هضم اللّطيف و الغذاء الغليظ بعد و هو في قعر المعدة قد سدّ طريق نفوذ المهضوم إلى الأمعاء ، فيفسد المنهضم و يختلط بالغليظ فيفسده أيضا ، و يصير سببا للتخمة.

3.في بحار الأنوار: «طاقتك» بدل «وطنك».

4.ثمّ شرع عليه السلام في بيان زمان الأكل ومقدار الأزمنة بين الأكلات ، فجعل له طريقين : أحدهما : أن يأكل في كلّ يوم أكلة واحدة عند مضي ثمان ساعات من النّهار ، و الثّاني : أن يأكل في كلّ يومين ثلاث أكلات ، و الاعتياد بهما ـ لا سيّما بالأوّل ـ أعون على الصّوم و على قلّة النّوم ، لكنّهما مخالفان لما ورد من الأخبار في فضل التّغذّي و التّعشّي و فضل مباكرة الغذاء و فضل السّحور في الصّوم ، و غير ذلك من الأخبار. و يمكن حمله على أنّه عليه السلام علم بحسب حال المخاطب أنّ ذلك أصلح له فأمره بذلك ، فيكون ذلك لمن كانت معدته ضعيفة لا تقدر على الهضم مرّتين في كلّ يوم ، و قد جرّب أن ذلك أصلح التّدابير لأصحاب تلك الحالة ، أو يكون المراد بالغذاء ما يأكله بقدر شهوته من الأغذية الغليظة المعتادة ، فلا ينافي مباكرة الغذاء بشيءٍ قليلٍ خفيفٍ ينهضم في ثمان ساعاتٍ و يمنع من أنصباب الصّفراء في المعدة. بل يمكن أن يكون ما ذكره عليه السلام من الابتداء بأخفّ الأغذية إشارة إلى ذلك ، فيحصل عند ذلك المباكرة في الغذاء كلّ يوم و التعشّي أيضا ، لأنّ بعد ثمان ساعات يحصل التعشّي بأكثر معانيه.


مكاتيب الأئمة ج5
194

[الاعتدال في الأكل و الشّرب]

۰.وَ التَّدبيرُ في الأَغذيَةِ وَ الأَشرِبَةِ يَصلُحُ وَ يَصِحُّ ، وَ تَزكو العَافيَةُ فيهِ . وَ انظُر يا أَميرَ المُؤمِنينَ ما يُوافِقُكَ ، وَ ما يُوافِقُ مَعِدَتِكَ ، وَ يُقَوِّي عَليهِ بَدَنُكَ ، وَ يستَمرِئُهُ مِنَ الطَّعامِ وَ الشَّرابِ ۱ فَقَدِّرهُ لِنَفسِكَ وَ اجعَلهُ غِذاءَكَ .
وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ كُلَّ واحِدَةٍ مِن هذِهِ الطَّبائِعِ ۲ تَحُبُّ ما يُشاكِلُها ۳ ، فَاتَّخِذ ۴ ما يُشاكِلُ جَسَدَكَ ، وَ مَن أَخَذَ الطَّعامَ زيادَةَ الإبانِ لَم يُفدهُ ۵ ، وَ مَن أَخَذَ بِقَدَرٍ لا زيادَةَ عَلَيهِ وَ لا نَقصَ في غِدَّاهُ وَ نَفَعَهُ . وَ كَذلِكَ الماءُ فَسَبيلُكَ ۶ أَن تأخُذَ مِنَ الطَّعامِ مِن كُلِّ صِنفٍ مِنهُ في إبانِهِ ۷ ، وَ ارفَع يَدَيكَ مِنَ الطَّعامِ وَ بِكَ إِلَيهِ بَعضُ القَرَمِ ۸
؛ فَإنَّهُ أَصَحُّ ۹ لِبَدَنِكَ ، وَ أَذكى لِعَقلِكَ ۱۰ وَ أَخَفُّ عَلى نَفسِكَ إِن شاءَ اللّهُ ۱۱ .

1.ليس في بحار الأنوار : «و الشراب».

2.أي : الأخلاط الأربعة ، أو الأمزجة الأربعة من الحارّ و البارد و الرّطب و اليابس ، أو الأربعة المركّبة من الحارّ اليابس و الحارّ الرّطب و البارد اليابس و البارد الرّطب .

3.أي : تطلب ما يوافقها.

4.وفي بحار الأنوار : «فاغتذ» بالغين والذّال المعجمتين ، أي : اجعل غذاءك ، و في بعضها بالمهملتين من الاعتياد.

5.و في بحار الأنوار : « لم يغذه » بدل « الإبان لم يفده » ، يقال : غذوت الصّبي اللّبن ، أنّك إذا تناولت من الغذاء أكثر من قدر الحاجة يصير ثقلاً على المعدة ، و تعجز الطّبيعة عن التصرّف فيه ، و لا ينضج ، و لا يصير جزء البدن ، ويتولّد منه الأمراض و يصير سببا للضعف .

6.أي : طريقتك الّتي ينبغي أن تسلكها و تعمل بها ، و في بحار الأنوار : « فسبيله » بدل « فسبيلك » .

7.في بحار الأنوار : « كفايتك في أيّامه » بدل « من كلّ صنف منه في إبانه » .

8.القَرَم ـ بالتحريك ـ : شهوة الطعام .

9.في بحار الأنوار : «و عندك إليه ميل ، فإنّه أصلح لمعدتك و لبدنك» بدل «فإنّه أصحّ».

10.«و أذكى لعقلك» أي : أنمى ، و في بعض النّسخ بالذّال و هو أنسب ؛ لأنّ الذّكاء سرعة الفهم و شدّة لهب النّار ؛ و ذلك لأنّ مع امتلاء المعدة تصعد إلى الدّماغ الأبخرة الرّديّة فتصير سببا لغلظة الرّوح النّفساني و قلّة الفهم و تكدّر الحواسّ ، «و أخفّ على جسمك» فإنّ البدن يثقل بكثرة الأكل.

11.في بحار الأنوار : «لجسمك» بدل «على نفسك إن شاء اللّه ».

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمة ج5
    المساعدون :
    الفرجي، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1387
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 113079
الصفحه من 464
طباعه  ارسل الي