153
منتخب نهج الذكر

وقوله: «وَ إِن مِّن شَىْ ءٍ إِلَا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» تعميم التسبيح لكلّ شيء وقد كانت الجملة السابقة عدت السماوات السبع والأرض ومن فيهنّ، وتزيد عليها بذكر الحمد مع التسبيح فتفيد أن كلّ شيء كما يسبّحه تعالى كذلك يحمده بالثناء عليه بجميل صفاته وأفعاله .
وكذلك أنّه كما أنَّ عندَ كلّ من هذه الأشياء شيئا من الحاجة والنقص عائدا إلى نفسه كذلك عنده من جميل صنعه ونعمته تعالى شيء راجع إليه تعالى موهوب من لدنه، وكما أن إظهار هذه الأشياء لنفسها في الوجود إظهار لحاجتها ونقصها وكشف عن تنزّه ربّها عن الحاجة والنقص، وهو تسبيحها كذلك إبرازها لنفسها إبراز لما عندها من جميل فعل ربّها الّذي وراءه جميل صفاته تعالى فهو حمدها فليس الحمد إلّا الثناء على الجميل الاختياري فهي تحمد ربّها كما تسبحه وهو قوله : «وَ إِن مِّن شَىْ ءٍ إِلَا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» ...
وهذا نعم الشاهد على أنّ المراد بالتسبيح في الآية ليس مجرد دلالتها عليه تعالى بنفي الشريك وجهات النقص فإنّ الخطاب في قوله : «وَ لَـكِن لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» إما للمشركين وإما للناس أعمّ من المؤمن والمشرك وهم على أي حال يفقهون دلالة الأشياء على صانعها مع أنّ الآية تنفي عنهم الفقه . . .
فالحقّ أنّ التسبيح الّذي تثبته الآية لكلّ شيء هو التسبيح بمعناه الحقيقي وقد تكرّر في كلامه تعالى إثباته للسماوات والأرض ومن فيهنّ وما فيهنّ وفيهاموارد لا تحتمل إلّا الحقيقة كقوله تعالى: «وَ سَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَ الطَّيْرَ»۱ ، وقوله : «إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِىِّ وَ الْاءِشْرَاقِ»۲ ، ويقرب منه قوله : «يَـجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَ الطَّيْرَ»۳ . فلا معنى لحملها على التسبيح بلسان الحال .
وقوله : «إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا» أي يمهل فلا يعاجل بالعقوبة ويغفر من تاب ورجع

1.الأنبياء: ۷۹ .

2.ص : ۱۸ .

3.سبأ : ۱۰ .


منتخب نهج الذكر
152

حظ من العلم على مقدار حظه من الوجود، وليس لازم ذلك أن يتساوى الجميع من حيث العلم أو يتحد من حيث جنسه ونوعه أو يكون عند كلّ ما عند الإنسان من ذلك أو أن يفقه الإنسان بما عندها من العلم قال تعالى حكاية عن أعضاء الإنسان : «قَالُواْ أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْ ءٍ»۱ . وقال «فَقَالَ لَهَا وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَـائِعِينَ»۲ والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وإذا كان كذلك فما من موجود مخلوق إلّا وهو يشعر بنفسه بعض الشعور وهو يريد بوجوده إظهار نفسه المحتاجة الناقصة الّتي يحيط بها غنى ربّه وكماله لا ربّ غيره فهو يسبّح ربّه وينزهه عن الشريك وعن كلّ نقص ينسب إليه .
وبذلك يظهر أن لا وجه لحمل التسبيح في الآية على مطلق الدلالة مجازا بالمجاز لا يصار إليه إلّا مع امتناع الحمل على الحقيقة.
ونظيره قول بعضهم: إن تسبيح بعض هذه الموجودات قالي حقيقي كتسبيح الملائكة والمؤمنين من الإنسان وتسبيح بعضها حالي مجازي كدلالة الجمادات بوجودها عليه تعالى و لفظ التسبيح مستعمل في الآية على سبيل عموم المجاز، وقد عرفت ضعفه آنفا.
والحقّ أنّ التسبيح في الجميع حقيقي قالي غير أن كونه قاليا لا يستلزم أن يكون بألفاظ موضوعة وأصوات مقروعة كما تقدّمت الإشارة إليه وقد تقدّم في آخر الجزء الثاني من الكتاب كلام في الكلام نافع في المقام .
فقوله تعالى: «تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَـوَ تُ السَّبْعُ وَ الْأَرْضُ وَ مَن فِيهِنَّ» يثبت لها تسبيحا حقيقيا وهو تكلمها بوجودها وما له من الارتباط بسائر الموجودات الكائنة وبيانها تنزّه ربها عمّا ينسب إليه المشركون من الشكراء وجهات النقص .

1.السجدة: ۲۱ .

2.السجدة: ۱۱ .

  • نام منبع :
    منتخب نهج الذكر
    المساعدون :
    الافقی، رسول
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 175144
الصفحه من 368
طباعه  ارسل الي