113
حكم النّبي الأعظم ج1

وعلى هذا الأساس ، حينما يطرح موضوع «الجهل» على بساط البحث ، يتركّز محور الحديث عادة حول مفهومه الرابع ، ثمّ تتدرّج من بعده سائر مفاهيم الجهل الاُخرى وفقا لأهمّيّة كلّ منها .

2 . المواجهة بين العقل والجهل

إنّ القضيّة المهمّة الاُخرى هي إيضاح السرّ الكامن وراء المجابهة بين العقل والجهل في النصوص الإسلاميّة .
والسؤال الذي يثار في هذا الصدد يستهدف معرفة السبب الذي جعل النصوص الإسلاميّة ـ ومن جملتها كتب الحديث ـ تضع الجهل في مقابل العقل ، خلافا للنهج المتعارف الذي يضع الجهل كعنصر مقابل للعلم .
فأنت حينما تراجع كتب الحديث لا تجد فيها عنوان «العلم والجهل» ، خلافا لعنوان «العقل والجهل» الذيتجده عادة في معظم الكتابات التفصيليّة أو كلِّها، والسرّ الكامن وراء ذلك هو أنّ الإسلام يعتبر الجهل بمفهومه الرابع ـ وهو أمر وجوديّ ويقف في مقابل العقل ـ أخطر من الجهل بمفهومَيه الثاني والثالث ، وهو أمر عدميّ ويقف في مقابل العلم .
وبعبارة اُخرى : تدلل المواجهة بين العقل والجهل في النصوص الإسلاميّة على أنّ الجهل الذي هو في مواجهة العقل أخطر من الجهل الذي هو في مواجهة العلم ، وما لم تُستأصل جذور هذا الجهل من المجتمع لا يغنيه شيئا اقتلاع جذور الجهل المقابل للعلم ، وهذه نقطة في غاية الظرافة والدقّة ، فافهم واغتنم .


حكم النّبي الأعظم ج1
112

فهو قادر على اتّباع قوّة العقل ، ويمكنه بإحيائها إماتة الجهل والشهوة والنفس الأمّارة ۱ ، وباستطاعته أن يبلغ الغاية العليا للإنسانيّة ويصبح خليفة للّه عن طريق تنمية جنود العقل ومقتضياته ، كما ويتسنّى له عبر الانقياد لقوّة الجهل وتنمية جنود الجهل ومقتضياته السقوط في أسفل سافلين. ۲
تتجلّى ممّا سبق ذكره نقطتان تسترعيان الاهتمام ، وهما :

نقطتان تسترعيان الاهتمام

1 . أخطر الجهل

النقطة الاُولى هي أنّ الإسلام على الرغم من شدّة محاربته للجهل وخاصّة بمفهومه الثالث ، إلّا أنّه يعتبر أخطر أنواعه هو نوعه الرابع ؛ أي اختيار السبيل الذي تدعو قوى الجهل الإنسانَ إليه واتّباعه ؛ لأنّ الإنسان إذا سلك النهج الذي يرسمه له العقل فسيحظى من غير شكّ بالتسديد والهداية من العلم والحكمة وسائر جنود العقل لبلوغ مبدأ الإنسانيّة وغايتها ، واكتساب جميع المعارف المفيدة البنّاءة ، ويصل على قدر استعداده وجهده إلى الحكمة من وراء خلقه .
أمّا إذا اختار الإنسان طريقا من الطرق التي يقتضيها الجهل ، وأغلق جنودُ الجهل أمام وجهه سبيلَ إدراك المعارف البنّاءة والحقائق السامية التي تبصّره بالغاية العليا للإنسانيّة ، فإنّه في مثل هذه الحالة سيهلك بمرض الجهل حتّى لو كان أعلم العلماءعلى وجه الأرض ، ولن ينفعه علمه في هدايته
«وَ أضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ » . ۳

1.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۱ (المعرفة / القسم الثاني : العقل / الفصل الخامس / علامات كمال العقل : ح ۶۴۷) .

2.«ثُمَّ رَدَدْنَـهُ أسْفَلَ سَـفِلِينَ» ، (التّين : ۵ ).

3.الجاثية : ۲۳ .

  • نام منبع :
    حكم النّبي الأعظم ج1
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 222652
الصفحه من 690
طباعه  ارسل الي