649
حكم النّبيّ الأعظم ج2

حكم النّبيّ الأعظم ج2
648

4 . المقصود من اثني عشر خليفة

التأمل في عبارات «الخليفة» ، «الإمام» ، «الوصي» ، «الأمير» والألفاظ المشابهة لها التي وردت في تقارير حديث جابر ، وعدد الأشخاص الذين عيّنهم الرسول صلى الله عليه و آله خلفاء له ، وانتمائهم العائلي ، والأهم من كل ذلك ، تأكيد الرسول صلى الله عليه و آله على أنّ إقامة الدين وعزّة الإسلام وصلاح الأمة إلى يوم القيامة متوقف على خلافتهم إياه ، يدلّنا بوضوح إلى أنّ الجدارة العلمية والعملية والسياسية والإدارية اللازمة لإمرة المجتمع الإسلامي متوفرة لدى الأشخاص الذين عدّهم الرسول صلى الله عليه و آله في حديثه المهمّ هذا ، فهم جديرون بخلافة اللّه وخلافة رسوله صلى الله عليه و آله .
كان لهذا العنوان في ذلك الزمان من الأهميّة ما جعل أبا بكر ينفيه عن نفسه في أوائل خلافته حسب نقل ابن عباس ، فعندما قال له شخص : أنت خليفة رسول اللّه صلى الله عليه و آله . أجاب : لا . سأله : فما أنت ؟ فأجاب أبو بكر : أنا الخالفة بعده . ۱
التأمل في كلمة الخليفة يظهر هذا المعنى .
الخليفة من يخلف آخر ، فهو من يقوم مقامه ويليه في مكانه ومكانته .
هداية الناس وإرشادهم إلى السعادة والفلاح تقع في محور مهام الرسول صلى الله عليه و آله . فأجدر الناس بخلافته من يمكنه القيام بهذه المهمة بأحسن وجه . ولهذا قال الرسول صلى الله عليه و آله عن مبلّغي الدين بأنّهم خلفاءه :
اللّهمّ ارحم خلفائي . قيل : ومن خلفاءك يا رسول اللّه ؟ قال : الذين يأتون من بعدي ، يروون حديثي وسنّتي . ۲
السلطة ليست الّا أداة يحقق الرسول صلى الله عليه و آله بها أهدافه . فإن كانت الحكومة له أو لم تكن له (كفترة مكة العصيبة) يؤدي مهامه بأكمل وجه .
تبيّن تأويلات أهل الحديث السنّة بأنّهم لم يلاحظوا العلّة الغائية من بعثة الرسل حين تبنّوا المعنى المشهور من الخليفة ، وبحثوا عن خلفاء الرسول صلى الله عليه و آله بين الحكّام والأمراء . ومن البديهي أنّه لا يمكننا اعتبار حكّام ظلمة وسفّاكين للدماء ، كيزيد وعبد الملك ، خلفاء لأعظم الأنبياء وخاتمهم .
ومما لا شك فيه أنّ النبي أراد تعيين أفضل الناس لإمرة المسلمين بعده . وبما أنّ حديثه بعيد كلّ البعد عن اللغو والألغاز ، تبقى القضية الأهم في فقه الحديث وفهم معنى حديث الرسول صلى الله عليه و آله ، تعيين المصاديق لاثني عشر خليفة عيّنهم الرسول صلى الله عليه و آله بعده خلفاء صالحين .
الجواب واضح لدى أتباع أهل البيت عليهم السلام ، فهم يؤمنون بأن اثني عشر خليفة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، هم اثنا عشر شخصا من أهل بيته ، أولهم الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم الإمام المهدي (عجل اللّه تعالى فرجه) ، وهو حيّ اليوم ، وسيملأ العالم عدلاً .
ليس لدى محدثي أهل السنّة جواب واضح حول مصاديق الخلفاء ، مع أنّهم يعتبرون حديث جابر بن سمرة صحيحا ، حيث يقول ابن الجوزي في كتاب كشف المشكل :
هذا الحديث لقد أطلت البحث عنه وتطلبت مظانه وسألت عنه ، فما رأيت أحدا وقع على المقصود منه . ۳
ويصرّح المهلب ۴ أيضا : لم ألق أحدا يقطع في هذا الحديث ـ يعني بشيء معيّن ـ . ۵
ويؤيّد ابن حجر إجمالاً عدم فهم هذا الحديث .
وقد سعى أشخاص ، منهم من ذكرنا ، للتوصل ولو على سبيل الاحتمال لمصاديق الخلفاء ، لكن لم ينطبق ما توصلوا إليه على حديث الرسول صلى الله عليه و آله لا من حيث العدد ولا من حيث المواصفات . نذكر هنا عددا من هذه الآراء ، ومن يريد المزيد يمكنه مراجعة المصادر التي نقلت الآراء المختلفة حول هذا الموضوع . ۶

1.النهاية : ج ۲ ص ۶۹ .

2.كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۴ ص ۴۲۰ ح ۵۹۱۹.

3.كشف المشكل : ج ۱ ص ۴۴۹ ، فتح الباري : ج ۱۳ ص ۲۱۲ .

4.هو المهلب بن احمد بن أبي صفرة أسيد بن عبد اللّه الاسدي الاندلسي المربي مصنّف «شرح البخاري» وكان أحد الأئمّة الفصحاء الموصوفين بالذكاء (سير أعلام النبلاء : ج ۱۷ ص ۵۷۹ الرقم ۳۸۴) .

5.فتح الباري : ج ۱۳ ص ۲۱۱.

6.فتح الباري : ج ۱۳ ص ۲۱۱ ـ ۲۱۵ ، المسائل الخلافية : ص ۱۵ ـ ۳۸ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج2
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 166084
الصفحه من 686
طباعه  ارسل الي