95
حكم النّبيّ الأعظم ج4

«إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ * وَ مَآ أَنتَ بِهَـدِى الْعُمْىِ عَن ضَلَــلَتِهِمْ» . ۱
وهكذا ، فإنّ المصابين بموت الروح بسبب كثرة الذنوب لا يمكنهم الاستفادة من عنصر التبليغ .
المسألة الجديرة بالتأمّل في هذا المجال ؛ هي أنّ الإنسان المصاب بموت الروح والفكر على أثر اقتراف الرذائل ، يدرك الحقيقة إلّا أنّه لا يتقبّلها . ومثل هذا الشخص يصفه القرآن فيقول :
«أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـهَهُ هَوَاهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَـوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ» . ۲
فحينما تستحوذ النزوات على الإنسان وتصبح على شكل صنم يعبده نتيجة لتراكم الآثام على قلبه ، عند ذلك لا يكون ثمّة أمل في هدايته ؛ لا بسبب عدم معرفته للحقّ ، ولكن بسبب عدم قدرته على الامتثال للحقّ ، ومن هنا يمكن وصفه بأنّه ضالّ يعرف الطريق .
المسألة الاُخرى هي أنّ عدم جدوى التبليغ في شأن أمثال هؤلاء الناس لا يسقط المسؤوليّة التبليغيّة للمبلّغ ، والقرآن يرى أنّ المبلّغ مكلّف بإعداد خطّة تبليغيّة لمثل هذه المجموعة من الناس ، لا لأنّ هناك أملاً في هدايتهم ، بل لأجل إتمام الحجّة عليهم ؛ لكي لا يحتجّوا على اللّه عندما يذوقون وبال استغلالهم الحرّيّة الممنوحة لهم ، ويقولوا : ربّنا لولا أرسلتَ إلينا هادياً . ۳

1.النمل : ۸۰ و ۸۱ .

2.الجاثية : ۲۳ .

3.راجع : التبليغ في الكتاب والسنة : ( الفصل الثالث : رسالة المبلغ / إقامة الحجة ) .


حكم النّبيّ الأعظم ج4
94

الغَفلَةِ ومَواطِنَ الحَيرَةِ» . ۱
وللشهيد مرتضى مطهّري ـ رضوان اللّه عليه ـ توضيح شائق حول هذا الكلام ، في ما يلي نصّه :
«كانت لدى الرسول صلى الله عليه و آله أدوات ووسائل ؛ فكان في بعض المواضع يستخدم القوّة والميسم ، ويستخدم المرهم في موضع آخر ، وكان في بعض المواقف يتّبع اُسلوب الشدّة والعنف ، وفي مواضع اُخرى اُسلوب اللِّين والمرونة ، إلّا أنّه كان يجيد معرفة كلّ موضع ، فكان يستخدم هذه الأساليب في كلّ موطن لغرض توعية الناس وإيقاظهم ؛ فكان يضرب بالسيف في تلك المواطن التي يوقظ فيها الناس ، وليس في ما يفضي إلى سباتهم ، وكان يستخدم اُسلوب المداراة الأخلاقيّة في ما يكون سبباً لتوعية الناس ، وكان يستخدم السيف حينما يؤدّي إلى تبصير القلوب العمياء ، ويكون سبباً ينتهي بالآذان الصمّ إلى السماع ، وإلى شفاء الأعين العمي ، وإلى إنطاق الألسن البكم . أي إنّ جميع الأساليب التي كان يستخدمها الرسول صلى الله عليه و آله كانت من أجل إيقاظ الناس» . ۲
المجموعة الثالثة : هم الذين وصل بهم التلوّث المكتسب إلى مرحلة خطيرة وغير قابلة للعلاج . والفرد في هذه المجموعة يُعتبر في مدرسة الأنبياء «ميّت الأحياء» ، ويوصف بالميّت روحيّاً وفكريّاً ؛ وذلك لأنّ صدأ الرذائل قد رانَ على أذهانهم ونفوسهم بحيث لا يستطيعون قبول الحقائق المفيدة والبنّاءة ، ومن هنا فإنّ التبليغ لا يكاد يجدي فيهم نفعاً . وهذا ما جعل القرآن يعكس هذا المعنى بقوله :
«إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ» . ۳

1.راجع : نهج البلاغة : الخطبة ۱۰۸ ، عيون الحكم والمواعظ : ص ۳۱۹ ح ۵۵۶۴ .

2.تبليغ ومبلّغ در آثار شهيد مطهّري (بالفارسيّة) : ۱۸۶ .

3.الأنعام : ۳۶ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج4
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 205193
الصفحه من 702
طباعه  ارسل الي