125
حكم النّبيّ الأعظم ج4

تتصوّر أنّ التبليغ ليس عملاً أساسا ، ويجب على المبلّغ أن يمارس عملاً آخر إلى جانب تبليغ الدين وإشاعة القيم الدينيّة ودعوة الناس إلى الصلاح . فكانوا يقولون : إنّ علماء الدين إذا كانوا يمارسون إلى جانب التبليغ عملاً آخر لكسب الرزق بحيث يستغنون عن الحاجة إلى الناس ، يمكنهم تقديم الإسلام إلى الناس على حقيقته دون الوقوع تحت تأثير من يوفّرون لهم حاجاتهم الاقتصاديّة .
إنّ حاجة علماء الدين المباشرة للناس وإن كان لها نتائج ضارّة سبقت الإشارة إليها ، إلّا أنّ اُسلوب الحلّ المقترح أعلاه غير صحيح أيضا ، وهو إنّما يُطرح ـ حسب تعبير الإمام الخميني قدس سره ـ من قبل المناهضين للإسلام ولعلماء الدين . وإنّما التبليغ عمل كأيّ عمل آخر . وفي الوقت الحاضر لا يمكن أن يتخصّص أحد في فروع العلوم الإسلاميّة ويمارس إلى جانبه عملاً آخر لكسب الرزق .

2 . تأمين الحاجات الاقتصاديّة للمبلّغ من قبل الحكومة

عندما يُتاح للنظام الإسلامي تطبيق أحكام الإسلام النيّرة على نحوٍ كامل ، ويصبح بيت المال تحت تصرّف الدولة الإسلاميّة من جهة ، وعدم الحاجة إلى إشراف الحوزات العلميّة والزعماء الدينيّين على الأجهزة التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائيّة من جهة اُخرى ، فلعلّ أفضل طريق لتوفير الحاجات الاقتصاديّة لعلماء الدين ، ومنهم المبلّغون ، هو الدولة الإسلاميّة . بيد أنّ مثل هذه الظروف لا تتحقّق إلّا في عصر حكومة الإمام المهدي (عجل اللّه تعالى فرجه) .
أمّا في ظلّ الظروف الحاليّة ، فيبدو الاستقلال الاقتصادي لعلماء الدين أمرا ضروريّا ، وعدم استقلال علماء الدين يعني اتّباعهم لسياسة الحكومات وانقيادهم لها ، في حين أنّهم يجب أن يكونوا مرشدين وموجّهين لولاة الاُمور .

3 . الإدارة الاقتصاديّة الذاتيّة

الطريق الثالث لتأمين الحاجات الاقتصاديّة للمبلّغين هو الإدارة الاقتصاديّة


حكم النّبيّ الأعظم ج4
124

وَاللّهِ ما سَأَلَهُ إلّا خُبزا يأكُلُهُ ! . . . . ۱
في تلك الأثناء رجعت إليه إحدى البنتين وقالت له :
«. . . إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا . . .» . ۲
فذهب معها موسى عليه السلام إلى دارهم ، وعرف أنّ البنتين اللّتين كانتا هناك هما ابنتا النبيّ شعيب عليه السلام ، وصادف دخول موسى دار شعيب وقت العشاء ، وكان الطعام معدّا ، فدعا شعيب الشابَّ القادم إلى الطعام قائلاً : «يا شابُّ ! اِجلِس فَتَعَشَّ» . إلّا أنّ موسى ظلّ واقفا ولم يجلس إلى المائدة ، وقال ردّا على دعوة شعيب : «أعوذُ بِاللّهِ !» .
تعجّب شعيب من ذلك الموقف وقال : «ولِمَ ذلِكَ ؟ ألَستَ بِجائِعٍ ؟ !» . فَقالَ موسى عليه السلام : «بَلى ، ولكِن أخافُ أن يَكونَ هذا عِوَضا لِما سَقيتُ لَهُما ؛ وإنّا أهلُ بَيتٍ لا نَبيعُ شَيئا مِن عَمَلِ الآخِرَةِ بِمِل ءِ الأَرضِ ذَهَبا !» .
فقال له شعيب : «لا وَاللّهِ يا شابُّ ، ولكِنَّها عادَتي وعادَةُ آبائي ؛ نُقرِي الضَّيفَ ونُطعِمُ الطَّعامَ» . فجلس موسى يأكل . ۳

ج ـ سبل تأمين الحاجات الاقتصاديّة للمبلّغ

إذا كان أخذ الأجر على التبليغ مذموما في الإسلام على كلّ الأحوال ، فلابدّ أن يتبادر إلى الذهن السؤال التالي : عن أيّ طريق يمكن تأمين الحاجات المعاشيّة للمبلّغ ؟

1 . الكسب إلى جانب التبليغ

قبل حوالي نصف قرن مضى ، كان هناك جماعة من أدعياء الثقافة والوعي

1.نهج البلاغة : الخطبة ۱۶۰ ، بحار الأنوار : ج ۱۳ ص ۵۰ ح ۲۰ .

2.القصص : ۲۵ .

3.ميزان الحكمة : باب ۱۰۳۲ «إخلاص موسى» ، بحار الأنوار : ج ۱۳ ص ۲۱ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج4
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 205882
الصفحه من 702
طباعه  ارسل الي