199
حكم النّبيّ الأعظم ج5

بحث حول فصول الأذان

كم من الفصول يتضمّن الأذان ؟ وهل فصل «الصّلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم» الذي يردّده أهل السنّة في أذان الصبح ، وكذلك «حَيَّ على خَيرِ العَمَل»، والشهادة الثالثة التي يقولها أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام في الأذان والإقامة ، هل كان كلّ ذلك جزءا من الأذان ابتداءً ، أم أنّه اُضيف إليه بالتدريج وبمرور الزمان؟ للجواب عن هذه التساؤلات لابدّ من تقسيم البحث إلى عدّة محاور :

الأوّل : التّثويب في أذان الفجر

التثويب مشتقّ من الجذر «ثوب» ، وهو في اللغة يعني العود والرجوع ۱ . والتثويب في الأذان يعني معاودة الإعلام بعد الإعلام بجملة «الصّلاةُ خَيرٌ مِنَ النَّوم» ، والبحث يدور هنا حول : أكان هذا الفصل جزءا من أذان الصبح منذ عصر النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله ، أم أنّه زِيدَ عليه فيما بعد؟
إنّ الروايات الواردة في مصادر الرواية لأهل السنّة في الإجابة على هذا التساؤل ، يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجاميع :
الاُولى : الروايات التي تُسنِد التثويب إلى تعليم النبيّ صلى الله عليه و آله ، ومنها ما رواه الحارث بن عبيد ، عن محمّد بن عبد الملك بن أبي محذورة ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال :
قُلتُ : يا رَسولَ اللّه ِ ، عَلِّمني سُنَّةَ الأَذانِ ، قالَ : فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأسي ، وقالَ : تَقولُ : ... حَيَّ عَلَى الفَلاحِ ، فَإِن كانَ صَلاةُ الصُّبحِ قُلتَ : الصَّلاةُ خَيرٌ مِنَ النَّومِ ، اللّه ُ أكبَرُ ... .۲
وتجدر الإشارة إلى أنّ سند هذه الرواية غير صحيح ۳ ، وكذلك الروايات الاُخرى التي تدخل في هذه المجموعة ـ أي التي تسند التثويب إلى تعليم النبيّ صلى الله عليه و آله ـ ومنها رواية البخاري في التاريخ الكبير ۴ ، والطبراني في المعجم الكبير ۵ ، والمعجم الأوسط ۶ ، والترمذي في السنن ۷ ، وابن ماجة في السنن ۸ أيضا .
الثانية : الروايات التي تدلّ على أنّ بلالاً زاد التثويب في أذان الصبح فأقرّه النبي صلى الله عليه و آله ، ومنها ما رواه الطبراني في المعجم الأوسط عن محمّد بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عمرو بن صالح الثقفي ، عن صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت:
جاء بلال إلى النبيّ صلى الله عليه و آله يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائما ، فقال: الصلاة خير من النوم ، فاُقرّت في أذان الصبح ۹ .
وهناك روايات اُخرى تدلّ على هذا المعنى، لكنّها جميعا مخدوشة السند، منها: رواية ابن ماجة في السنن ۱۰ ، وأحمد بن حنبل في المسند ۱۱ ، والدارمي في السنن ۱۲ ، وابن سعد في الطبقات ۱۳ .
الثالثة : الروايات التي تُسند التثويب إلى أمر الخليفة الثاني أو تقريره ، ومنها ما رواه الدارقطني في السنن عن محمّد بن مخلّد ، عن محمّد بن إسماعيل الحسّاني ، عن وكيع ، عن العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر . وأيضا عن وكيع ، عن سفيان ، عن محمّد بن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر: أنّه قال لمؤذّنه:
إذا بلغت حيَّ على الفلاح في الفجر ، فقل: الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم . ۱۴
وجاء في موطّأ مالك:
إنّ المؤذّن جاء إلى عمر بن الخطّاب يُؤذِنه لصلاة الصبح ، فوجده نائما ، فقال: الصلاة خير من النوم ، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح . ۱۵
الملاحَظ أنّ روايات المجموعة الاُولى والثانية لا يمكن الاعتماد عليها ـ لا من حيث السند ، ولا من حيث توافق المضمون ـ في إثبات كون التثويب جزءا من الأذان الأوّل الّذي كان على عهد الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله ، بل صرّحت روايات أهل البيت عليهم السلام وكلمات بعض الصحابة والتابعين بكون هذه الجملة زيدت بعد عصر الرسول صلى الله عليه و آله ، وفيما يلي بعض تلك الروايات :
1 . في الكافي عن معاوية بن وهب ، قال :
سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّه ِ عليه السلام عَنِ التَّثويبِ فِي الأَذانِ وَالإِقامَةِ فَقالَ: ما نَعرِفُهُ .۱۶
2 . وفي المصنّف لعبد الرزّاق عن ابن جُريج ، قال:
أخبرني عمر بن حفص أنّ سعدا (المؤذّن) أوّل من قال: الصلاة خير من النوم ، في خلافة عمر... ، فقال: بدعة ، ثمّ تركه ، وإن بلالاً لم يؤذّن لعمر. ۱۷
3 . وعنه أيضا :
أخبرني (حسن) بن مسلم أنّ رجلاً سأل طاووسا جالسا مع القوم فقال : يا أبا عبد الرحمن! متى قيل : الصلاة خير من النوم؟ فقال طاووس : أما إنّها لم تُقَل على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولكنّ بلالاً سمعها في زمان أبي بكر بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقولها رجل غير مؤذّن فأخذها منه ، فأذّن بها ، فلم يمكث أبو بكر إلّا قليلاً ، حتّى إذا كان عمر قال : لو نهينا بلالاً عن هذا الذي أحدث ، وكأنّه نسيه، فأذّن به الناس حتّى اليوم . ۱۸
4 . وفي جامع المسانيد :
عن إبراهيم ـ عن أبي حنيفة ـ قال: سألته عن التثويب ، فقال: هو ممّا أحدثه الناس ، وهو حَسَنٌ ممّا أحدَثوا . وذَكَر أنّ تثويبهم كان حين يفرغ المؤذّن من أذانه أنّ الصلاةَ خيرٌ من النوم ـ مرّتين ـ أخرجه الإمام محمّد بن الحسن في الآثار فرواه عن أبي حنيفة ، ثمّ قال محمّد : وهو قولُ أبي حنيفةَ وبه نأخذ . ۱۹
زيادةً على ما قدّمناه فإنّ هناك كلمات اُخرى تصرّح بأنّ مبدأ التثويب كان بأمر الخليفة الثاني أو تقريره ۲۰ ، لكن في روايةٍ عن أبي الحسن عليه السلام نسب فيها بداية التثويب إلى بني اُميّة ، قال عليه السلام :
الصَّلاةُ خَيرٌ مِنَ النَّومِ بِدعَةُ بَني اُمَيَّةَ ، ولَيسَ ذلِكَ مِن أصلِ الأَذانِ ، ولا بَأسَ إذا أرادَ الرَّجُلُ أَن يُنَبِّهُ النّاسَ لِلصَّلاةِ أن يُنادِيَ بِذلِكَ ، ولا تَجعَلَهُ مِن أصلِ الأَذانِ ، فَإِنّا لا نَراهُ أذانا .۲۱
على أنّه يمكن الجمع بين هذه الرواية والروايات والأقوال الّتي نسبت مبدأ التثويب إلى عمر بن الخطّاب ، باعتبار أنّ التثويب أمر به عمر أو أقرّه في وسط الأذان أو بعده مدّةً من الزمن ، ثمّ بعد ذلك اعتبره بدعةً فتركه ، ويؤيّد ذلك ما تقدّم عن ابن جُريج . وفي زمان حكومة معاوية أصبح التثويب جزءا من أذان الصبح بشكل رسميّ ، ولا سيّما بعد رؤيا عبد اللّه بن زيد المتضمّنة للتثويب .
وممّا تقدّم يتّضح لنا لماذا لم يقبل فقهاء الشيعة ومحدّثوها بعض الروايات الّتي تُجيز التثويب ، والتي اعتبروها مطعونة من حيث جهة صدورها أو دلالتها .

1.معجم مقاييس اللغة : ج ۱ ص ۳۹۳ «ثوب» .

2.سنن أبي داوود : ج ۱ ص ۱۳۶ ح ۵۰۰ .

3.محمّد بن عبدالملك بن أبي محذورة مجهول الحال في كتب الرجال ، ولم يرد فيه مدح ولا ذمّ ، وبعضهم قال : لا يحتجّ بحديثه . راجع : الجرح والتعديل : ج ۸ ص ۷ الرقم ۱۴ ، التاريخ الكبير : ج ۱ ص ۱۶۳ الرقم ۴۸۶ ، ميزان الاعتدال : ج ۳ ص ۶۳۱ الرقم ۷۸۸۸ ، تهذيب التهذيب : ج ۵ ص ۱۹۰ الرقم ۷۲۱۷ . وكذلك الراوي عنه الحارث بن عبيد فهو ضعيف . راجع : تاريخ ابن معين «برواية الدوري» : ج ۲ ص ۱۹۴ الرقم ۴۱۹۹ ، التاريخ الكبير : ج ۲ ص ۲۷۳ الرقم ۲۴۳۷ ، الجرح والتعديل : ج ۳ ص ۹۱ الرقم ۳۷۱ ، الكامل في الضعفاء : ج ۲ ص ۶۰۷ .

4.التاريخ الكبير : ج ۱ ص ۹۳ الرقم ۲۵۶ ، وفي سنده عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة ، والراوي عنه أبو سعيد محمّد بن سعيد الطائفي ، وكلاهما مجهولان . راجع : التاريخ الكبير : ج ۶ ص ۱۸ الرقم ۱۵۴۷ و ج ۱ ص ۹۳ الرقم ۲۵۶ ، الجرح والتعديل : ج ۵ ص ۴۵۷ الرقم ۱۸۰۸ و ج ۷ ص ۳۵۱ الرقم ۱۴۳۷ و ۱۴۳۸ .

5.المعجم الكبير : ج ۱ ص ۳۵۲ ح ۱۰۷۱ ، والراوي الأخير في سنده هو محمّد بن عليّ بن زيد الصائغ المكّي ، وهو مجهول ، ولم يرد فيه مدح ولا ذمّ . والراوي الأوّل فيه عبد الرحمن بن سعد بن عمّار ، وهو ضعيف ، صرّح بتضعيفه يحيى بن معين . الجرح والتعديل : ج ۵ ص ۲۹۴ الرقم ۱۱۲۳ .

6.المعجم الأوسط : ج ۷ ص ۲۹۰ ح ۷۵۲۴ ، وفي سنده معمر بن عبد الرحمن ، ولم يرد فيه قدح ولا مدح . راجع : التاريخ الكبير : ج ۷ ص ۳۷۸ الرقم ۱۶۲۶ ،الجرح والتعديل : ج ۸ ص ۲۹۱ الرقم ۱۱۶۴ . أمّا الراوي الّذي بعده وهو يزيد بن عبد اللّه بن قسيط ، فقد اختلفوا فيه ، ووصفوه بقولهم : «ليس بقويّ» و«رديء الحفظ» و «كان ممّن يخطئ» . راجع: الجرح والتعديل : ج ۹ ص ۳۳۹ الرقم ۱۱۵۲ ، مشاهير علماء الأمصار : ص ۷۴ الرقم ۵۲۵ ، الثقات لابن حبّان : ج ۷ ص ۶۱۶. والنقطة الأخيرة هي أنّ الحديث غريب من جهة رواية معمّر عن ابن قسيط ، و عبد اللّه بن نافع عن معمّر . راجع : المعجم الأوسط : ج ۷ ص ۲۹۱ .

7.سنن الترمذي : ج ۱ ص ۳۷۸ ح ۱۹۸ ، وسنده إضافة إلى ضعفه بأبي إسرائيل ، مقطوع في الواسطة بين أبي إسرائيل والحكم بن عتيبة . راجع : الضعفاء الصغير للبخاري : ص ۱۵۲ ح ۴۳ ، ضعفاء العقيلي : ج۱ ص ۷۵ .

8.سنن ابن ماجة : ج ۱ ص ۲۳۷ ح ۷۱۵ ، وفي سنده انقطاع ، لأنّ عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يدرك بلالاً . راجع : السنن الكبرى : ج ۱ ص ۶۲۴ ، و طريق الدار قطني والبيهقي يواجه نفس المشكلة .

9.المعجم الأوسط : ج ۷ ص ۳۰۹ ح ۷۵۸۳ ، وفي سنده محمّد بن إبراهيم بن عامر ، و هو مهمل ، وفي سنده أيضا صالح بن أبي الأخضر ، وقد قال ابن معين: «ليس بشيء» . تاريخ ابن معين (برواية الدوري) : ج ۱ ص ۵۲ الرقم ۲۴۲ ، التاريخ الكبير : ج ۴ ص ۲۷۳ الرقم ۲۷۷۸ ، وعدّوه أيضا ضعيف الحديث ليّنا . راجع : الجرح والتعديل : ج ۴ ص ۳۵۹ الرقم ۱۷۲۷ .

10.سنن ابن ماجة : ج ۱ ص ۲۳۳ ح ۷۰۷ ، و في سنده محمّد بن خالد بن عبد اللّه الواسطي ، وهو ضعيف عند أعلام الجرح والتعديل عند أهل السنّة ، وقال فيه ابن معين: «لا شيء» وقال: «رجل سوء كذّاب» ، التاريخ الكبير : ج ۱ ص ۷۴ الرقم ۱۹۰ ، الجرح والتعديل : ج ۷ ص ۳۲۶ الرقم ۱۳۳۸ .

11.مسند ابن حنبل : ج ۵ ص ۵۴۰ ح ۱۶۴۷۷ ، وفي سنده ابن إسحاق ، وهو محمّد بن إسحاق بن يسار بقرينة الطبقة ، وقد اختلف فيه علماء الرجال؛ فبعضهم قال بتوثيقه ، وبعضهم ـ كابن معين ـ ذكر أنّ حديثه ليس بحجّة في الأحكام الشرعيّة والحلال والحرام . راجع : الجرح والتعديل : ج ۷ ص ۲۶۰ الرقم ۱۰۸۷ ، تهذيب الكمال : ج ۲۴ ص ۴۲۳ .

12.سنن الدارمي : ج ۱ ص ۲۸۶ ح ۱۱۷۴ ، وفي سنده حفص بن عمر بن سعد وهو مجهول ، وهو سبط سعد القرظ مؤذّن النبيّ صلى الله عليه و آله ، ولم يرد فيه مدح ولا قدح في كتب الرجال ، التاريخ الكبير : ج ۲ ص ۳۶۴ الرقم ۲۷۷۱ ، الجرح والتعديل : ج ۳ ص ۱۹۰ الرقم ۷۶۱ .

13.الطبقات الكبرى : ج ۱ ص ۲۴۷ ، وفي سنده مسلم بن خالد الزنجي ، والّذي يقال له ابن جرحة ، وقد عدّه البخاري منكر الحديث . راجع : التاريخ الكبير : ج ۷ ص ۲۶۰ الرقم ۱۰۹۷ . وضعّفه النسائي . راجع : الضعفاء والمتروكين للنسائي : ص ۲۳۸ الرقم ۵۶۹ ، ونقل العقيلي في الضعفاء : ج ۴ ص ۱۵۰ الرقم ۱۷۱۹ عن محمّد بن عثمان العبسي أنّ ابن معين ضعّفه أيضا . وأشار الرازي إلى أنّ حديثه ليس بالقويّ ولا يحتجّ به . الجرح والتعديل : ج ۸ ص ۲۱۱ الرقم ۸۰۰ .

14.سنن الدارقطني : ج ۱ ص ۲۴۳ ح ۴۰ .

15.الموطّأ : ج ۱ ص ۷۲ ح ۸ .

16.الكافي : ج ۳ ص ۳۰۳ ح ۶ .

17.المصنّف لعبد الرزّاق : ج ۱ ص ۴۷۴ ح ۱۸۲۹ .

18.المصنّف لعبد الرزّاق : ج ۱ ص ۴۷۴ ح ۱۸۲۷ .

19.جامع المسانيد : ج ۱ ص ۲۹۶ . وهذا يدلّ على أنّ التثويب كان بعد الفراغ عن الأذان ، ولم يكن جزءا منه ، وإنّما كان يذكره المؤذّن من عند نفسه إيقاظا للناس من النوم .

20.راجع : الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف : ص ۱۵۹ (كلمات الأعلام في التثويب) .

21.الاُصول الستّة عشر : ص ۵۴ .


حكم النّبيّ الأعظم ج5
198
  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج5
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 199393
الصفحه من 622
طباعه  ارسل الي