27
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

نحن لا نهدف التسلّط والاستغلال ، وإنّما هدفنا هو المعرفة والإدراك والتَّنَوُّر ، وما القتال إلّا من أجل تحطيم السدود وإزالة العراقيل ورفع الحجب التي تمنع الحقيقة من أن تتجلّى عن نفسها ، ففلسفة الجهاد هي تحرير الإنسان من ربقة المعتقدات الموهومة ، وتهيئة المناخ اللازم لتصحيح العقائد ، وازدهار المعتقدات العلمية الصحيحة . ۱
وعليه ، فإنّ سؤال الأعرابي لم يقتصر على كونه ذا صلة مباشرة بالمسألة الأصلية ، وهي الحرب فحسب ، بل إنّه ليرتبط بها في أدقّ أبعادها وأعمقها ، ذلك لأنّ سؤاله يتعلّق بفلسفة القتال والجهاد ، وما من صلةٍ أقوى من صلة الشيء بفلسفته .
لذلك أدار الإمام علي عليه السلام وجهه نحو الأعرابي وأجاب عن سؤاله في غاية الوقار والدقّة ، قائلاً :
يا أَعرابِيُّ ، إِنَّ القَولَ في أَنَّ اللّهَ واحِدٌ عَلى أربَعَةِ أَقسامٍ : فَوَجهانِ مِنها لا يَجوزانِ عَلَى اللّهِ عز و جل ، ووَجهانِ يَثبُتانِ فيهِ .
ثمّ وضّح له الإمام عليه السلام الأقسام الأربعة قسما قسما . ۲

1.سنتعرّض لهذا الموضوع بالتفصيل في الفصل السادس من هذه المقدّمة تحت عنوان «حرّية العقيدة» ص۱۱۵ .

2.راجع : الخصال : ص ۲ ح ۱ ، معانى الأخبار : ص ۵ ح ۲ ، التوحيد : ص ۸۳ ح ۳ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
26

حسب الظاهر وكأنما لا مِساسَ لها بالمعركة من أيّ جهة وأنّ في إمكانه أن يطرح سؤاله ويحظى بجوابه في أيّ وقت آخر ، اشتاطوا غضبا جميعا من تصرّف هذا الرجل وعدم تقديره لظروف الوضع القائم ، وارتفعت أصواتهم بالاعتراض عليه ، كلٌّ من جانبه .
فلمّا رأى الإمام علي عليه السلام ذلك الأعرابي وسط وابل من الاعتراض والتهجّم تداركه بعبارة تاريخية وموعظة تعليمية عظيمة ، تعبّر بدقّة عن أهمّية البحوث العقائديّة؛ حيث قال عليه السلام :
دَعوهُ ؛ فَإِنَّ الَّذي يُريدُهُ الأَعرابِيُّ هُوَ الَّذي نُريدُهُ مِنَ القَومِ!
إنّ عبارة الإمام هذه التي اُلقيت في تلك الظروف على غاية من الأهمّية ، وما أجدرها بالتأمّل والتّحقيق .
فلو تصوّرنا الظروف في تلك اللحظات المصيرية الحاسمة بالنسبة للإمام عليه السلام لتجلَّى الواقع عن عدم توفّر المجال المناسب للإجابة على مثل هذا السؤال ، وأنّه كان في إمكان الإمام عليه السلام أن يحيل الإجابة إلى غيره ، أو أن يستمهلها إلى فرصةٍ أوسع؛ إلَا أنّه لا أحالها ولا اعتذر عنها لضيق الوقت ، وإنّما رآها فرصةً ليلقّن المسلمين درسا ، أراد أن يعلّمهم فلسفة الجهاد ، ويبيّن لنا أهمّية المسائل والبحوث العقائدية ودراستها والمحاضرة فيها .
وإنّه عليه السلام رغم تلك اللحظات المصيريّة الحسّاسة وتأزُّم الظروف ، تصدَّى للإجابة عن تساؤل ذلك الأعرابي ، وبيان فلسفة الجهاد والقتال ، قائلاً :
دعوه يسأل مسألته ، فنحن أيضا لا هدف لنا من قتالنا ضدّ هؤلاء القوم إلّا هذا ،

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 186058
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي