باب إطلاق القول بأنّه شيء
في حديث عبدالرحمن بن أبينَجران ۱
(أتَوَهَّمُ شَيئا؟ فقال : «نَعَمْ ، غيرَ مَعْقولٍ ولامَحدودٍ») .
أي توهّمه شيئا لايعقل ولايحدّ .
قوله عليه السلام : (فَما وَقَعَ وَهْمُك عليه مِن شيءٍ فهو بخلافه۲) .
هذا متسبّب عمّا قبله ؛ لأنّ كلّ ما يتوهّم حقيقته بقرينة قوله : «وقع» إمّا أن يكون معقولاً مستغنيا عن الحدّ ، أو محدودا ، و إذا امتنع كونه معقولاً بالحدّ و غيرِه ، امتنع كونه موهوما ؛ فهو خلاف الموهوم .
قوله عليه السلام : (ولا يُشبِهُه۳شيءٌ) .
هذا ظاهر ؛ لأنّه لو أشبهه شيء لزم التعدّد ، وهو باطل بالدليل .
قوله عليه السلام : (لاتُدرِكُه الأوهامُ) .
تأكيدٌ وتأسيسٌ لقوله : «فما وقع وهمك عليه ...» ؛ لأنّه مختصّ بالمخاطب ۴ .
قوله عليه السلام : (وهو خِلافُ مايُعقَلُ) .
دفْع لما يتوهّم من أنّه عُقل بهذه الصفات السلبيّة . وتقريره : أنّ العقل إنّما يتعقّل الأشياء بصفاتها الوجوديّة المعلوم حقيقتها ، وأمّا السلبيّة فكل [ ...] . ۵
[ ...] وكذا المتوهّم بتشبيهه بغيره ؛ لأنّه لابدّ في التشبيه من ملاحظة التركيب
والتأليف في الطرفين ، وهما من لوازم المخلوق ، ولمّا كانت هذه الآثار الظاهرة والدلائل الباهرة تدلّ على مؤثّر وصانع ، ومعرفتُه لابدّ وأن تكون بجهة إمّا بإدراكه بالحواسّ أو بالتشبيه أو بوجه ما ، والأوّلان من لوازم المخلوق ، فلم يبق إلاّ الثالث .
فيه ۶ : (قال السائل : فقد حَدَدْتَه إذ أثْبَتَّ وجودَه) أي وجودَ الحدّ ؛ لأنّه بعد نفي الحدّ بالجهتين وثبوت كونه موجودا ، يلزم أن يكون محدودا بالجهة الثالثة .
فأجابه عليه السلام بأنّي (لم أحُدَّه ، ولكنّي أثْبَتُّه) أي أثبتّ الحدّ ؛ لأنّه لايمكن نفيه ؛ لأنّه يلزم من نفيه نفي الذاتيّات عنه ، وإذا انتفت الذاتيّات عن شيء انتفى ذلك الشيء ، فلزمها إثباته ۷ ؛ لأنّه ليس بين النفي والإثبات منزلة ، ومعنى حدّ الشيء وجود حدّه في الذهن ، والإظهار عبارة عمّا في الذهن ، فلايلزم من عدم وجوده في الذهن عدمُه .
قوله عليه السلام : (لأنّ الكيفيّةَ جِهةُ الصفةِ والإحاطة ...) .
المعنى ـ واللّه أعلم ـ أنّ اللّه تعالى منزّه عن هذه الكيفيّة التي هي جهة الصفة والإحاطة ، ولكن لمّا كان لابدّ من الخروج من جهة التعطيل ـ بمعنى نفي جميع الصفات عنه اللازمِ منه نفيهُ ؛ لأنّ من لم يخرج فقد نفاه ، ومن نفاه فقد أنكره ودفع ربوبيّته وأبطله ـ ومن جهة التشبيه ـ وهي إثبات صفات الممكنات التي لاتستحقّ الربوبيّة له ـ فلابدّ من إثبات أنّ له كيفيّةً لايستحقّها غيره ، ولايشارك فيها ، ولايحاط بها ، ولايعلمها غيره ، فنفي الكيفيّة عنه مطلقا بالمعنى المتعارف ، لامطلقا كما في «لاتدركه الأوهام» .
1.الكافي ، ج۱ ، ص۸۲ ، ح۱ .
2.في الكافي المطبوع : «خلافه» .
3.في الكافي ، المطبوع : «لايشبهه» بدون الواو .
4.كون هذا تأكيدا وتأسيسا بالنسبة إلى «فما وقع ...» هو أنّ «لاتدركه الأوهام» عامّ يشمل وهم كلّ شخص وكلّ عامّ بالنسبة إلى خاصّ تحته تأكيد ، وبالنسبة إلى الزائد تأسيس ؛ واللّه العالم .
5.سقط من شرح هذا الحديث والحديث الآتي شيء .
6.أي في حديث هشام بن الحكم : الكافي ، ج۱ ، ص۸۴ ، ح۶ .
7.أي لزم الذاتيّات إثبات الحدّ .