181
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6

ذَريعَةً إلَى المَعصِيَةِ .
ومِنهُم مَن أبعَدَهُ عَن طَلَبِ المُلكِ ضُؤولَةُ نَفسِهِ وَانقِطاعُ سَبَبِهِ ، فَقَصَرَتهُ الحالُ عَن حالِهِ فَتَحَلّى بِاسمِ القَناعَةِ وتَزَيَّنَ بِلِباسِ أهلِ الزَّهادَةِ ، ولَيسَ مِن ذلِكَ في مَراحٍ ولا مَغدًى .
وبَقِيَ رِجالٌ غَضَّ أبصارَهُم ذِكرُ المَرجِعِ ، وأراقَ دُموعَهُم خَوفُ المَحشَرِ ، فَهُم بَينَ شَريدٍ نادٍّ ، وخائِفٍ مَقموعٍ ، وساكِتٍ مَكعومٍ ، وداعٍ مُخلِصٍ ، وثَكلانَ موجَعٍ ، قَد أخمَلَتهُمُ التَّقِيَّةُ وشَمِلَتهُمُ الذِّلَّةُ ، فَهُم في بَحرٍ اُجاجٍ ، أفواهُهُم ضامِزَةٌ ۱ ، وقُلوبُهُم قَرِحَةٌ ، قَد وَعَظوا حَتّى مَلّوا وقُهِروا حَتّى ذَلّوا ، وقُتِلوا حَتّى قلّوا .
فَلتَكُنِ الدُّنيا في أعيُنِكُم أصغَرَ مِن حُثالَةِ القَرَظِ ۲ ، وقُراضَةِ ۳ الجَلَمِ ۴ ، وَاتَّعِظوا بِمَن كانَ قَبلَكُم ، قَبلَ أن يَتَّعِظَ بِكُم مَن بَعدَكُم ، وَارفُضوها ذَميمَةً ، فَإِنَّها قَد رَفَضَت مَن كانَ أشغَفَ بِها مِنكُم ۵ .

۵۳۹۱.نهج البلاغة :مِن كَلامٍ لَهُ عليه السلام لِكُمَيلِ بنِ زِيادٍ النَّخَعِيِّ ، قالَ كُمَيلُ بنُ زِيادٍ : أخَذَ بِيَدي أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام فَأَخرَجَني إلَى الجَبّانِ ۶ ، فَلَمّا أصحَرَ تَنَفَّسَ الصُّعَداءِ ثُمَّ قالَ :
يا كُمَيلَ بنَ زِيادٍ ، إنَّ هذِهِ القُلوبَ أوعِيَةٌ فَخَيرُها أوعاها ، فَاحفَظ عَنّى
¨

1.الضامِز : المُمسك (النهاية : ج۳ ص۱۰۰).

2.القَرَظ : وَرقُ السَّلَم (النهاية : ج۴ ص۴۳) .

3.القُراضة : ما سقط بالقَرض (لسان العرب : ج۷ ص۲۱۶) .

4.الجَلَم : الذي يُجَزُّ به الشَّعَر والصُّوف كالمقصّ (مجمع البحرين : ج۱ ص۳۰۷) وهما كناية عن الغاية في الزهادة .

5.نهج البلاغة : الخطبة ۳۲ ، بحار الأنوار : ج۷۸ ص۴ ح۵۴ ؛ مطالب السؤول : ص۳۲ .

6.الجَبّان والجبّانة : الصحراء ، وتسمّى بهما المقابر ؛ لأنّها تكون في الصحراء تسميةً للشيء بموضعه (لسان العرب : ج۱۳ ص۸۵) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
180

المَصدَرُ ، فَالهُدى خامِلٌ وَالعَمى شامِلٌ . عُصِيَ الرَّحمنُ ، ونُصِرَ الشَّيطانُ ، وخُذِلَ الإِيمانُ ، فَانهارَت دَعائِمُهُ ، وتَنَكَّرَت مَعالِمُهُ ، ودَرَسَت سُبُلُهُ ، وعَفَت شُرُكُهُ .
أطاعُوا الشَّيطانَ فَسَلَكوا مَسالِكَهُ ، ووَرَدوا مناهِلَهُ . بِهِم سارَت أعلامُهُ ، وقامَ لِواؤُهُ في فِتَنٍ داسَتهُم بِأَخفافِها ، ووَطِئَتهُم بِأَظلافِها وقامَت عَلى سَنابِكِها . فَهُم فيها تائِهونَ حائِرونَ جاهِلونَ مَفتونونَ في خَيرِ دارٍ وشَرِّ جيرانٍ . نَومُهُم سُهودٌ وكُحلُهُم دُموعٌ . بِأَرضٍ عالِمُها مُلجَمٌ وجاهِلُها مُكرَمٌ ۱ .

1 / 2

أصنافُ النّاسِ

۵۳۹۰.الإمام عليّ عليه السلامـ مِن خُطبَةٍ لَهُ عليه السلام يَصِفُ زَمانَهُ بِالجَورِ ، ويَقسِمُ النّاسَ فيهِ خَمسَةَ أصنافٍ ، ثُمَّ يُزَهِّدُ فِي الدُّنيا ـ: أيُّهَا النّاسُ ، إنّا قَد أصبَحنا في دَهرٍ عَنودٍ ، وزَمَنٍ كَنودٍ ، يُعَدُّ فيهِ المُحسِنُ مُسيئاً ، ويَزدادُ الظّالِمُ فيهِ عُتُوّاً ، لا نَنتَفِعُ بِما عَلِمنا ، ولا نَسأَلُ عَمّا جَهِلنا ، ولا نَتَخَوَّفُ قارِعَةً حَتّى تَحُلَّ بِنا . وَالنّاسُ عَلى أربَعَةِ أصنافٍ :
مِنهُم مَن لا يَمنَعُهُ الفَسادَ فِي الأَرضِ إلّا مَهانَةُ نَفسِهِ وكَلالَةُ حَدِّهِ ونَضيضُ وَفرِهِ .
ومِنهُمُ المُصلِتُ لِسَيفِهِ ، وَالمُعلِنُ بِشَرِّهِ ، وَالمُجلِبُ بِخَيلِهِ ورَجِلِهِ ، قَد أشرَطَ نَفسَهُ وأوبَقَ دينَهُ لِحُطامٍ يَنتَهِزُهُ أو مِقنَبٍ ۲ يَقودُهُ أو مِنبَرٍ يَفرَعُهُ . ولَبِئسَ المَتجَرُ أن تَرَى الدُّنيا لِنَفسِكَ ثَمَناً ومِمّا لَكَ عِندَ اللّهِ عِوَضاً !
ومِنهُم مَن يَطلُبُ الدُّنيا بِعَمَلِ الآخِرَةِ ولا يَطلُبُ الآخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنيا ، قَد طامَنَ مِن شَخصِهِ وقارَبَ مِن خَطوِهِ وشَمَّرَ مِن ثَوبِهِ وزَخرَفَ مِن نَفسِهِ لِلأَمانَةِ ، وَاتَّخَذَ سِترَ اللّه

1.نهج البلاغة : الخطبة ۲ ، بحار الأنوار : ج۱۸ ص۲۱۷ ح۴۹ .

2.المِقنَب بالكسر : جَماعة الخيل والفُرسان (النهاية : ج۴ ص۱۱۱) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 160263
الصفحه من 496
طباعه  ارسل الي