217
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

وعلى هذا الأساس اختارت شخصيّات بارزة موقفها منذ البدء في أن لا تكون إلى جوار علي عليه السلام في هذه الحروب . ولمّا استوضح الإمام من هؤلاء بواعث موقفهم هذا ، أجاب سعد بن أبي وقّاص : «إنّي أكره الخروج في هذه الحرب لئلّا اُصيب مؤمناً ، فإن أعطيتني سيفاً يعرف المؤمن من الكافر قاتلتُ معك» .
وقال له اُسامة : «أنت أعزّ الخلق عليّ ، ولكنّي عاهدت اللّه أن لا اُقاتل أهل لا إله إلّا اللّه » ۱ .
وقال عبد اللّه بن عمر : «لست أعرف في هذه الحرب شيئاً ، أسألك ألّا تحملني على ما لا أعرف» ۲ .
لقد التقى استعداد الناس ذهنيّا بشبهة عدم استساغة قتال أهل القبلة ، مع تلك الشبهات التي أثارها المناوئون لمنهج الإصلاح العلوي ، بالأخصّ معاوية في حربه الدعائيّة الشعواء ضدّ الإمام ۳ ؛ التقى هذا بذاك ، وصارا سبباً في عرقلة حركة التعبئة العامّة وتهديدها بأخطار جدّيّة ، بحيث لم يجد الإمام مناصّاً من أن يلج الميدان بنفسه أغلب الأحيان ، وينهض شخصيّاً بإرشاد الناس وتوجيههم .
خاطبهم عليه السلام في البدء : «وقَد فُتِحَ بابُ الحَربِ بَينَكُم وبَينَ أهلِ القِبلَةِ ، ولا يَحمِلُ هذَا العِلمَ إلّا أهلُ البَصَرِ وَالصَّبرِ وَالعِلمِ بِمَواضِعِ الحَقِّ ، فَامضوا لِما تُؤمَرونَ بِهِ ، وقِفوا عِندَ ما تُنهَونَ عَنهُ ، ولا تَعجَلوا في أمرٍ حَتّى تَبَيَّنوا ؛ فَإِنَّ لَنا

1.وكان اُسامة قد أهوى برمحه في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى رجل في الحرب من المشركين ، فخافه الرجل فقال : لا إله إلّا اللّه ، فشجره بالرمح فقتله ، فبلغ النبيّ صلى الله عليه و آله خبره ، فقال : يا اُسامة ، أقتلت رجلاً يشهد ألّا إله إلّا اللّه ؟ فقال : يارسول اللّه ، إنّما قالها تعوّذاً ، فقال صلى الله عليه و آله له : ألا شققت عن قلبه؟ فزعم اُسامة أنّ النبي صلى الله عليه و آله أمره أن يقاتل بالسيف من قاتل من المشركين ، فإذا قوتل به المسلمون ضرب بسيفه الحجر فكسره .

2.الجمل : ص۹۵ وراجع : ج ۲ ص ۳۴۶ (من تخلّف عن بيعته) .

3.راجع : ج ۳ ص ۳۳۵ (حرب الدعاية) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
216

( 5)

العوامل الجانبيّة

يمثِّل ما ذكرناه حتى الآن العوامل الأساسيّة لتخاذل الناس وبقاء الإمام وحده آخر أيّام حكمه . وهناك مجموعة اُخرى من العوامل هي وإن لم تكن بمستوى هذه تأثيرا ، إلّا أنّه لا يمكن الإغضاء عن الدور الذي ساهمت به في إبعاد الجماهير عن الإمام .
سنطلق على المجموعة الثانية وصف العوامل الجانبيّة التي اصطفّت إلى جوار العوامل الأساسيّة ، وراحت تخلق المشكلات لحكم الإمام ؛ وهي :

أ : شُبهة قتال أهل القبلة

انطلقت المواجهة في جميع الحروب التي سبقت العهد العلوي مع الكفّار ، بحيث لم يكن بمقدور أحد أن يثير شبهة في هذا المجال .
أمّا الحروب التي اندلعت في ظلّ حكم الإمام ، وتحرّكت في مسار إصلاح المجتمع الإسلامي ومن أجل إعادته إلى ظلال سيرة النبي صلى الله عليه و آله وسنّته ، فقد وقعت مع أهل القبلة . لقد انطلقت هذه الحروب في مواجهة اُناسٍ يدّعون الانتماء إلى الإسلام أيضاً ، بل لبعضهم سوابق مشرقة في خدمة هذا الدين . من هنا كان النبيّ صلى الله عليه و آله قد أطلق في تنبّؤاته على هذه الحروب صفة القتال على أساس تأويل القرآن ۱ .
أجل ، لقد هيّأت حروب أهل القبلة التي اشتعلت في أيّام حكم الإمام الأرضيّةَ المناسبة لإيجاد الشبهة ، وانفصال الناس عن الإمام ، ومنابذتهم له .

1.راجع : ج ۳ ص ۴۵ (أهداف الإمام في قتال البغاة) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 153009
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي