433
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3

كَأَنَّهُم بُنْيَـنٌ مَّرْصُوصٌ» 1 .
فَسَوّوا صُفوفَكُم كَالبُنيانِ المَرصوصِ ، فَقَدِّمُوا الدَّارعَ وأخِّرُوا الحاسِرَ ، وعَضّوا عَلَى النَّواجِذِ ؛ فَإِنَّهُ أنبى لِلسُّيوفِ عَنِ الهامِ 2 ، وَالتَووا عَلى أطرافِ الرِّماحِ ؛ فَإِنَّهُ أموَرُ 3 لِلأَسِنَّةِ ، وغُضُّوا الأَبصارَ ؛ فَإِنَّهُ أربَطُ لِلجَأشِ وأسكَنُ لِلقُلوبِ ، وأميتُوا الأَصواتَ ؛ فَإِنَّهُ أطرَدُ لِلفَشَلِ وأولى بِالوَقارِ ، ولا تَميلوا بِراياتِكُم ، ولا تُزيلوها ، ولا تَجعَلوها إلّا مَعَ شُجعانِكُم ؛ فَإِنَّ المانِعَ لِلذِّمارِ ، وَالصّابِرَ عِندَ نُزولِ الحَقائِقِ ، هُم أهلُ الحِفاظِ . . .
وَاعلَموا أنَّ أهلَ الحِفاظِ هُمُ الَّذينَ يَحُفّونَ بِراياتِهِم ويَكتَنِفونَها ويَصيرونَ حِفافَيها ووَراءَها وأمامَها ، ولا يُضَيِّعونَها ؛ لا يَتَأَخَّرونَ عَنها فَيُسلِموها ، ولا يَتَقَدَّمونَ عَلَيها فَيُفرِدوها .
رَحِمَ اللّهُ امرَأً واسى أخاهُ بِنَفسِهِ ، ولَم يَكِل قِرنَهُ إلى أخيهِ فَيَجتَمِعَ قِرنُهُ وقِرنُ أخيهِ ، فَيَكتَسِبَ بِذلِكَ اللّائِمَةَ ، ويَأتِيَ بِدَناءَةٍ ، وكَيفَ لا يَكونُ كَذلِكَ وهُوَ يُقاتِلُ الاِثنَينِ ؟ ! وهذا مُمسِكٌ يَدَهُ قَد خَلّى قِرنَهُ عَلى أخيهِ هارِبا مِنهُ يَنظُرُ إلَيهِ ، وهذا فَمَن يَفعَلهُ يَمقُتهُ اللّهُ ، فَلا تَعَرَّضوا لِمَقتِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ فَإِنَّما مَمَرُّكُم إلَى اللّهِ ، وقَد قالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «لَن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَا قَلِيلاً» 4 .
وَايمُ اللّهِ ، لَئِن فَرَرتُم مِن سُيوفِ العاجِلَةِ لا تَسلَمونَ مِن سُيوفِ الآجِلَةِ ، فَاستَعينوا بِالصَّبرِ وَالصِّدقِ ؛ فَإِنَّما يَنزِلُ النَّصرُ بَعدَ الصَّبرِ ، فَجاهِدوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ 5 .

1.الصفّ : ۴ .

2.في المصدر : «أنبأ للسيوف على الهام» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار نقلاً عن الكافي .

3.مَارَ الشيء مَوْرا : اضطرب وتحرّك (لسان العرب : ج۵ ص۱۸۶) .

4.الأحزاب : ۱۶ .

5.الكافي : ج۵ ص۳۹ ح۴ ، نهج البلاغة : الخطبة ۱۲۴ وفيه من «فقدّموا الدارع . . .» ، وقعة صفّين : ص۲۳۵ فعن عبد الرحيم بن عبد الرحمن عن أبيه ، بحار الأنوار : ج۳۲ ص۵۶۲ ح۴۶۸ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۶ عن أبي عمرة الأنصاري وكلّها نحوه .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
432

يَحُضُّهُم حَتّى انتَهى إلَيَّ وأنَا في كَنَفٍ مِنَ النّاسِ فَقالَ :
مَعاشِرَ المُسلِمينَ ! استَشعِرُوا الخَشيَةَ ، وغُضُّوا الأَصواتَ ، وتَجَلبَبُوا السَّكينَةَ ، وَاعمَلُوا الأَسِنَّةَ ، وأقلِقُوا السُّيوفَ قَبلَ السِّلَّةِ ، وَاطعُنُوا الرّخرِ ۱ ، ونافِحوا بِالظُّبا ، وصِلُوا السُّيوفَ بِالخُطا ، وَالنِّبالَ بِالرِّماحِ ، فَإِنَّكُم بِعَينِ اللّهِ ومَعَ ابنِ عَمِّ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله .
عاوِدُوا الكَرَّ ، وَاستَحيوا مِنَ الفَرِّ ؛ فَإِنَّهُ عارٌ باقٍ فِي الأَعقابِ وَالأَعناقِ ، ونارٌ يَومَ الحِسابِ ، وطيبوا عَن أنفُسِكُم أنفُسا ، وَامشوا إلَى المَوتِ أسحُحا ۲ ، وعَلَيكُم بِهذَا السَّوادِ الأَعظَمِ ، وَالرِّواقِ المُطَنَّبِ ۳ ، فَاضرِبوا ثَبَجَهُ ۴ ؛ فَإِنَّ الشَّيطانَ راكِبٌ صَعبَهُ ، ومُفرِشٌ ذِراعَيهِ ، قَد قَدَّمَ لِلوَثبَةِ يَدا ، وأخَّرَ لِلنُّكوصِ رِجلاً ، فَصَمدا صَمدا حَتّى يتََجَلّى لَكُم عَمودُ الدّينِ «وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَ اللَّهُ مَعَكُمْ وَ لَن يَتِرَكُمْ أَعْمَلَكُمْ»۵۶ .

2468.الكافي عن مالك بن أعين :حَرَّضَ أميرُ المُؤمِنينَ صَلواتُ اللّهِ عَلَيهِ النّاسَ بِصِفّينَ فَقالَ :
إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ دَلَّكُم عَلى تِجارَةٍ تُنجيكُم مِن عَذابٍ أليمٍ ، وتُشفي بِكُم عَلَى الخَيرِ : الإِيمانِ بِاللّهِ وَالجِهادِ في سَبيلِ اللّهِ ، وجَعَلَ ثَوابَهُ مَغفِرَةً لِلذَّنبِ ، ومساكِنَ طَيِّبَةً في جَنّاتِ عَدنٍ ، وقالَ عَزَّ وجَلَّ : «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَـتِلُونَ فِى سَبِيلِهِ صَفًّا

1.كذا في المصدر ، وفي نهج البلاغة : «الشَّزْر» . والطَّعن الشَّزْر : ما كان عن يمين وشمال (لسان العرب : ج۴ ص۴۰۴) .

2.كذا في المصدر ، ولعلّها من سَحَّ الماءَ وغيره يسحّه سَحّا : إذا صبّه صبّا متتابعا كثيرا (لسان العرب : ج۲ ص۴۷۶) . وفي نهج البلاغة : «سُجُحا» . والسُّجُح : السَّهلة (النهاية : ج۲ ص۳۴۲) .

3.في المصدر: «المطَيَّب» ، والصواب ما أثبتناه كما في مختصر تاريخ دمشق والمصادر الاُخرى .

4.ثَبجَه : وسطه ومعظمه (النهاية : ج۱ ص۲۰۶) .

5.محمّد : ۳۵ .

6.تاريخ دمشق : ج۴۲ ص۴۶۰ ، مروج الذهب : ج۲ ص۳۸۹ ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ج۱ ص۱۱۰ ؛ نهج البلاغة : الخطبة ۶۶ وفيه من «معاشر المسلمين» ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص۷۵ ، بشارة المصطفى : ص۱۴۱ كلّها نحوه .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 150801
الصفحه من 670
طباعه  ارسل الي